مَنْ أنت؟ ومِن أي روحٍ أنتَ؟


المتنيح الشماس صادق روفائيل


الفهرس:

1- من أنت؟!

2- جسدك

3- روحك

4- روح الله فيك

 


1- مَنْ أنت؟!

العلك فلان الشاب، أو فلان الشيخ؟؟ أو لعلك فلان الفاتن، الذى تجتذب كل لحظ نحوك، أو فلان الذى يتحول كل لحظ عنك.. وماذا يعنينى من شبابك وفتنتك، أو شيخوختك أو دمامتك، إذا كنت يوماً شاباً فاتناً فصرت شيخاً دميماً متهدماً!! بل ماذا يعنينى إذا كنت تفيض قسوة وصحة وجمالاً، ثم أصبحت جثة هامدة تفضيض نتناً وفساداً!!

 

.. ألعلك فى كل هذه المراحل، وفى جميع هذه الأطوار لم تكن أنت هو أنت؟ فمن أنت؟.. قد تقول: أنا الذى دان لى العلم، فأنعقد لى فى كل محفل له لواء، أو أنا ذلك الغنى الذى يدين لسلطانه كل سلطان؟ أو أنا غير هذا وذاك..

 

.. أقول ولكنك طارح العلم والجاه وغيرهما عنك يوماً، فتمسى وتصبح جثة إلى جانبى جثة من كان عاطلا من هذه جميعاً، سواء بسواء.. فقل لى من أنت؟ إنى لا أريد أن تخبرنى عما يكون لك يوما ثم يولى عنك فتصبح بدونه، كما كنت من قبل.. أريد الجوهر الذى لا يتغير، لا العرض الذى يظهر قليلاً ثم يضمحل.. فمن أنت فى جوهرك لأن هذا وحده هو أنت؟؟

 

.. بدأت الآن تتجرد من كل ما إصطلح عليه عرف هذا العالم من مظاهر، وزخرف باطل، وأخذت تلتمس ذاتك الإنسانية حيث منبت كل إنسان مثلك، لأنك أنت وكل أحد سواك هو الإنسان.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). استعرضت مولدك ثم نموك فإزدهارك، فانحلالك، ففنائك.. ووقفت فاغراً فاك، ولا تبدى جواباً.. تكاد تقول أنا من أنا؟؟.. أنا تراب وإلى تراب أعود. إذن أنا لا شئ.. لأنه ما عسى أن تكون قيمة حفنة ضئيلة من التراب إذا ذريتها فى الهواء!!

 


2- جسدك

نعم هذا هو مجد الجسد، ومجد العالم.. تراب، غبار، لا شئ.. وهذا هو من زعم أنه هو ذلك الجسد الترابى، وأن عالمه هو ذلك العالم المادى، وحياته هى فترة تطوره جسدياً فى هذا العالم الترابى، فهو وعالمه ومجدهما تراب وغبار، ولا شئ. ولكنك أنت شئ آخر غير هذا.. فمن أنت حقاً؟؟

 

تقول ألعلى: أنا هو هذا الذى يحيا به الجسد الترابى، ويفكر ويدرك، ويريد ويعمل، وما هذا الجسد إلا غلافه وثوبه أو أداته ومطيته، وهذا العالم حقله أو مصنعه وميدان تجاربه.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل يوحنا بسام مدنى 12

فما عساه يسمى؟

وكيف وجد؟

ومن أوجده؟.. وما طبيعته وما هدفه، وإلى أين مصيره؟ وأى القوى تتنازعه، وما مدى موقفه منها؟

 

.. ألعل هذا هو الذى يسمى بالنفس أو الروح؟.. لا أدرى أيهما أكون أنا الإنسان؟ أنفس أنا أم روح؟ أم أنا نفس وروح معاً داخل هذا الجسد؟ وما عسى يكون كل منهما؟ ومن الذى يستطيع أن يكشف لى جلية الأمر فى هذا جمعية؟

فهل مهندس الكون الأعظم، لم يحتفظ بهذا السر لنفسه؟

.. هو وحده الذى يعرف سر الكون الذى أبدعه، وسر الإنسان الذى صوره، وعلى العالم سوده.

.. أى شئ لم يعطه الله لك أيها الإنسان؟!

.. هذا الكون بأسراره وعظمته، لمن أبدعه؟ أليس لحبيبه الذى سر بأن يحبه وله قد أعده وهو أنت. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لمن أعطى صورته الملوكية؟.. ألملاك أو رئيس ملائكة من خليقته النورانية السمائية؟ كلا بل لك أنت وحدك، ليفتديك وإلى رتبتك ألأولى وبتوبتك يردك.

 


3- روحك ونفسك

لمن أرسل روحه؟ الروح المعزى المحى، روح الحكمة والحق والمعرفة. هذا الذى سكبه سكباً وأفاضه فيضاً؟.. أليس كل هذا لك.. أنت الذى صار لك طعاماً يؤكل وشراباً يشرب وروحاً فيك يحل ويسكن.. أنت الذى سر أن يعطيك بروح قدسه فى الكتاب المقدس مفتاح ملكوت السموات.. هل تعوزك بعد ذلك معرفة، أو يغيب عك شئ من أسرار الأب، وقد صرت بالإبن له أبناً، وكل ما تسأله قد سر الأب أن يعطيك إياه.

 

.. هلم مع الروح القدس، للتنقل قليلا بين دفتى كتاب الحياة الأبدية فيضئ. لك المسيح، طريق معرفة ما تريد بشأن ذاتك، ومن أنت؟ ومن أى روح أنت؟..

 

.. ها إن الروح القدس يقف بك فى سفر التكوين من الإصحاح الثانى عند العدد 7 ويقول لك، “وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض.. فنفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية..”. هنا معلن تجسد الله الكلمة منذ البدء إعلاناً لمحبة الله غير المحدودة للإنسان.

 

.. ففى كل ما خلق من كل ما فى السماء من فوق، ومن كل ما على الأرض من تحت، وما فى البحر من تحت الأرض، وفى الكون بأجمعه.. خلق الكل بقوله ليكن.. فكان ما أراد..

هل تبحث عن  م الأباء أغسطينوس شقاء الإنسان ن

 

أما عند خلقتك أنت، الذى هكذا سر بأن يجعلك موضع محبته. ولأجلك خلق ما خلق.. فإنه جبلك بيده من تراب الأرض.. فخلق لك منه جداً نفخ فى أنفه بنفسه فصرت نفساً حية.. إذن هذه الجبلة من التراب صارت جسداً، بديع التكوين لأن يد القدير جبلته. ولكن هذا الجسد ظل بلا حياة حتى نفخ القدير فى أنفه فصار بنسمته نفساً حية.. كائناً حياً مكوناً من نفس وجسد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولما كان الجسد المجبول من التراب لم تنسب إليه الحياة إلا بعد حلول النفس فيه. إذن فالنفس هى الحية وبحلولها فى الجسد أشاعت طبيعتها فيه.. وطبيعتها الحياة فصار آدم أى التراب المجبول جسداً نفساً حية..

 

ولذلك سمى هذا الكائن الحى المكون من الجسد والنفس بإسم العنصر الإسمى والحى وهو النفس.. إذن فأنت أيها الإنسان نفس..

 

أما كيف تكون صورة هذه النفس وما طبيعتها فاسمع ما يقوله الثالوث الأقدس عنها: “تخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا”.. على صورة الله فى البر وقداسة الحق.. ومثاله فى الإدارة الحرة المطلقة والسلطان والحياة الأبدية.. والله له المجد روح أزلى أبدى. إذن هذه النفس كيانها روحى على صورة الله روحية، أى غير هامة، ولأنها تختلف عن روح الله فى إنها مخلوقة، ولأنها مخلوقة فهى فى قوامها محدودة لها هيئة محدودة أى شكل محدود.. إذن هذه النفس، ذات هيئة جميلة فى تركيبها، روحية فى كيانها، نورانية فى شكلها، ذات إرادة ووعى، وفهم وحس. ولذلك صار الجسد الذى سكنته لها أداة، يعلن خواصها ونورها..

 


4- روح الله فيك

وهنا ينتقل بك الروح إلى سفر العبرانيين ويقف بك فى الإصحاح الأول عند العددين السابع والرابع عشر حيث يقول:

 

“الصانع ملائكته رياحاً، وخدامه لهيب نار.. أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص”.

 

ثم يقول لك: “ها هو الملاك؛ كائن حى خلقه القدير من النور روحاً، له جسم روحانى؛ أى محدود الهيئة والتكوين، شكله نورانى نارى..

 

هكذا النفس كائن روحانى مثله، لا تختلف عنه إلا فى أن الملاك من النور خلق، وهى من نفخة القدير خلقت فكلاهما روحيان فى قوامهما، نورانيان فى شكلهما، أبديان من حيث وجودهما، ولكن النفس أسكنها القدير جسداً، جبلة من تراب الأرض فصار منيراً بنورها، مضيئاً بضيائها، وكل هذا يعلن مجد الله فى كل ما خلق..

هل تبحث عن  م الملائكة ملائكة أشرار الشيطان كيف ننتصر علية ة

 

بهذا علمت انك نفس وعلمت طبيعة نفسك وشكلها وكيف وجدت، ومن أوجدها ولم يبقى إلا أن تعرف كيف تكون حياتها، وكيف يكون موتها..

 

فالنفس لأنها أبدية، إما تكون قائمة فى الوجود بحالة حياة؛ أو قائمة فى الوجود بحالة موت، وقد خلقت النفس فى آدم، أى خلقت نفسك أنت فى صلب أبيك آدم يوم أن القدير فى حلاة حياة، لأنها خلقت على صورة الله ومثاله فى البر وقداسة الحق ؛ وذلك بحلول روح قدسه فيها، فصار الروح القدس لها روحاً وحياة؛ لذلك قال: صار آدم نفساً حية، وما كانت هذه النفس تموت، لو أنها ثبتت بما لها من الإرادة الحرة المطلقة فى عمل إرادة الروح القدس الساكن فيها..

 

أما وقد قاومته وأسلمت إرادتها لإرادة رئيس الظلمة فقد فارقها الروح القدس، أى فارقتها الحياة ولزمها الروح المضاد، فتسلط عليها الموت، وأصبح الإنسان إبناً للشيطان وإرادة أبيه بروح أبيه الساكن فيه يعمل.

 

وهذا هو موت النفس أو الموت الروحى؛ الذى قال عنه: “يوم تأكل من هذه الشجرة موتاً تموت”. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إذ فارق نفسه الروح القدس ففارقتها الحياة، بدورها وقداستها وكمالها وتسلط عليها الموت بسكنى روح إبليس فيها، روح الظلمة والشر والفساد، إذ حكم عليه بالإنحلال والعودة إلى التراب الذى أخذ منه.

 

ولكن آدم الثانى صار لنا روحاً محيية.. الإنسان الأول من الأرض ترابى؛ أعطانا روح عبودية للموت، الإنسان الثانى، الرب النازل من السماء أعطانا الروح القدس، روح حرية أبناء الله للحياة..

 

فأنظرى أيتها النفس المؤمنة المتقربة الآن فى الجسد عن الرب، من أى روح أنت..

هل بالروح القدس للرب تحيين فيكون الروح القدس لك روح وحياة لحياة.. أم بروح العالم؛ للجسد والعالم تعملين فيكون روح رئيس العالم لك موتاً لموت..

 

ألا فاعلمى أن روح الحبيب فيك؛ لا يريد رغم قساوتك وعنادك أن تكونى من الهالكين فهلم إنهضى ولا تكونى لحبه وطول أناته من المستهترين..

له المجد والتسبيح كل حين وإلى الأبد، آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي