يونان2 - تفسير سفر يونان

تفسير

الكتاب المقدس – العهد القديم – القمص تادرس يعقوب


سلسلة “من تفسير وتأملات الآباء الأولين”

يونان2 – تفسير سفر يونان

يونان في
جوف الحوت



محتويات
:


(إظهار/إخفاء)



* تأملات في كتاب

يونان
:


تفسير سفر يونان:

مقدمة سفر يونان
|
يونان 1 |

يونان 2

|

يونان 3

|

يونان 4

|

ملخص عام لسفر يونان

نص سفر يونان:
يونان 1 |

يونان 2

|

يونان 3

|

يونان 4

|
سفر يونان
كامل

الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح

تفاسير أسفار الكتاب المقدس

1- تفاسير سفر التكوين
2- تفاسير سفر الخروج
3- تفاسير سفر اللاويين
4- تفاسير سفر العدد
5- تفاسير سفر التثنية
6- تفاسير سفر يشوع
7- تفاسير سفر القضاة
8- تفاسير سفر راعوث
9- تفاسير سفر صموئيل الأول
10- تفاسير سفر صموئيل الثاني
11- تفاسير سفر الملوك الأول
12- تفاسير سفر الملوك الثاني
13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول
14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني
15- تفاسير سفر عزرا
16- تفاسير سفر نحميا
17- تفاسير سفر طوبيا
18- تفاسير سفر يهوديت
19- تفاسير سفر أستير + التتمة
20- تفاسير سفر أيوب
21- تفاسير سفر المزامير + مز 151
22- تفاسير سفر الأمثال
23- تفاسير سفر الجامعة
24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد
25- تفاسير سفر الحكمة
26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ
27- تفاسير سفر إشعياء
28- تفاسير سفر إرميا
29- تفاسير سفر مراثي إرميا
30- تفاسير سفر نبوة باروخ
31- تفاسير سفر حزقيال
32- تفاسير سفر دانيال + التتمة
33- تفاسير سفر هوشع
34- تفاسير سفر يوئيل
35- تفاسير سفر عاموس
36- تفاسير سفر عوبديا
37- تفاسير سفر يونان
38- تفاسير سفر ميخا
39- تفاسير سفر ناحوم
40- تفاسير سفر حبقوق
41- تفاسير سفر صفنيا
42- تفاسير سفر حجي
43- تفاسير سفر زكريا
44- تفاسير سفر ملاخي
45- تفاسير سفر المكابيين الأول
46- تفاسير سفر المكابيين الثاني

1- تفاسير إنجيل متى
2- تفاسير إنجيل مرقس
3- تفاسير إنجيل لوقا
4- تفاسير إنجيل يوحنا
5- تفاسير سفر أعمال الرسل
6- تفاسير الرسالة إلى رومية
7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى
8- تفاسير كورنثوس الثانية
9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية
10- تفاسير الرسالة إلى أفسس
11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي
12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي
13- تفاسير تسالونيكي الأولى
14- تفاسير تسالونيكي الثانية
15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى
16- تفاسير تيموثاوس الثانية
17- تفاسير الرسالة إلى تيطس
18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون
19- تفاسير رسالة العبرانيين
20- تفاسير رسالة يعقوب
21- تفاسير رسالة بطرس الأولى
22- تفاسير رسالة بطرس الثانية
23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى
24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية
25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة
26- تفاسير رسالة يهوذا
27- تفاسير سفر الرؤيا

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية:
1
234
5678
910


في جوف الحوت يدخل يونان إلى الموت
ليكتشف سرّ قيامة السيد المسيح الغالبة للموت، فيُقدم لنا أروع تسبحة حمد تُعبر عن
عمل السيد المسيح الخلاصي في لحظات موته على الصليب ودفنه في القبر. لذا تتغنى بها
الكنيسة في بدء الساعة الثانية عشر من الجمعة العظيمة بعد أن تنشد بلحن الحزن
مراثي إرميا… فإن كانت المراثي تعلن عن مرارة ما فعلته خطايانا بالسيد، فتسبحة
يونان ترفع الحجاب لتكشف عن نصرة الرب على الجحيم وعمله الكفاري الذي يرفع
المؤمنين إلى المقدسات السماوية بفرح مجيد لا يُنطق به.





1. صلاته في الجوف:

من منا يستطيع أن يعبِّر عن الضيق الذي
دخل إليه يونان؟! في جوف الحوت إنحضر يونان في الضيق كما في قبر، ماتت فيه أفكاره
الذاتية وقدراته وإمكانياته، لا يعرف ماذا يفعل، ولا يقدر أن يتوقع ماذا يحل به.
يطفو الحوت على المياه فيتنسم يونان هواء ويرى بصيصًا من النور، ينزل به وسط
المياه فيجد نفسه في ظلام دامس. يفتح الحوت فمه فيغرق يونان في مياه مالحة، يُخرج
الحوت الماء ليسترد يونان أنفاسه. هكذا عاش يونان أيامًا قليلة، لولا رعاية الله
له وإنعاماته عليه لصارت كل ثانية منها تمثل جبلًا ثقيلًا يحطم نفسه، وصار الموت
بالنسبة له شهوة.





St-Takla.org Image:
Jonah and the whale, Johan’s prayer

صورة في موقع الأنبا تكلا:
يونان النبي والحوت، صلاة يونان

على أي الأحوال في الضيق
التحم يونان
بالسيد المدفون في القبر خلال الرمز والظل، فانطلق بقلبه وفكره لا إلى خارج الحوت
إنما إلى ما فوق المكان، أرتفع إلى الله يُصلي كمن هو في مقدس سماوي، إذ قيل:
فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت
[1].

قبلًا كان يُسمي الرب “إله
السماء” (يون 1: 9)، أما في الضيق فيقال “الرب إلهه”…
فيُنسب الرب ليونان بكونه إلهه. هو إله المتضايقين والمتألمين، كأنما يترك سمواته
وينزل إلى يونان يسنده في ضيقته، أو بمعنى آخر يحول حياته إلى سماء يسكنها الرب
إلهه فيدعى إلهه أي إله السموات التي يسكنها. إلهنا إله يونان المتألم حامل
الصليب، إله كل إنسان مرّ النفس، يدخل إليه ليقال عنه “إله السماء”…
إذ يجعل من حاملي الصليب سموات مقدسة.

قدم لنا يونان صلاته الرائعة، بل تسبحته
النبوية الفريدة لا في لحظات الوسع، لا في داخل مبنى الهيكل كمعلم، إنما وسط
الآلام كمن هو في قبر السيد المسيح المصلوب. وكما يقول



القديس يوحنا الذهبي الفم
: [ليتنا لا نهتم بالمكان وإنما برب المكان، فقد كان يونان في جوف الحوت
واستمع الرب لصلاته. وأنت إن كنت حتى في الحمامات فصلِ. أينما وُجدت صلِ؛ لا تطلب
المكان لتُصلي فيه، فإن نفسك هي هيكل
(16)].

إن كانت الكنيسة تهتم حتى بالمبنى ليكون
أيقونة للسماء إنما لكي نحمل سمات السماء فينا، فنتطلع إلى المبنى الروحي الداخلي،
وترتفع أنظارنا إلى المقدسات التي يقيمها الروح القدس فينا خاصة في لحظات الضيق
والألم!

الضيق هو الجلجثة التي فيها ننعم بالصلب
مع ربنا يسوع، لننطلق به إلى أمجاده ونوجد معه وفيه في أحضان الآب السماوي بروحه
القدوس.





2. بين الجحيم والسموات:

دعوت من ضيق الرب فاستجابني،
صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي

[2]
.

إذ طُرح يونان في المياه المالحة دخل إلى
جوف الحوت لا ليرى الموت بعينيه وإنما ليشاهد خلال الظل السيد المسيح نفسه وقد
انطرح إلى الضيق معنا وعنا، حتى إذ يصرخ بحياته التي بلا عيب يستجيب له الآب
فيرفعنا معه فوق الضيق. نزل إلى انحطاطنا ذاك الذي بلا عيب لكي نصير فيه موضع سرور
الآب، يسمع لنا في ضيقتنا ويرفعنا إليه. وكما يقول

القديس چيروم: [لقد نزل
الرب، من أجلنا أتضع، لكي نصعد نحن في أمان وثقة
(17)].

لقد دعى يونان الرب في ضيقته وتمتع
بالاستجابة فورًا إذ رأى نفسه صاعدًا لا من جوف الحوت بل من جوف الجحيم في المسيح
يسوع المصلوب! هنا يتحدث بصيغة الماضي لا المستقبل “إستجابني، سمعت
صوتي”، صيغة التمتع الحقيقي خلال الرمز وصيغة اليقين الذي لا يحمل شكًا.

حمل إرميا النبي ذات المشاعر وأدرك ذات
المفاهيم عندما أُلقي في الجب، إذ قال: “دعوت اسمك يا رب من الجب الأسفل،
لصوتي سمعت لا تستر أُذنك عن زفرتي عن صياحي” (مرا 3: 55،
56).

لأنك طرحتني في العمق في قلب
البحار، فأحاط بي نهر
[3].

أدرك يونان أن الله هو الذي طرحه في
العمق في قلب البحار وليس الملاحون، ولكن العجب أنه إذ نزل حتى الأعماق لم يجد
نفسه تحت ثقل ضغط مياه البحار ومخاطرها إنما وجد نفسه وقد أحاط به نهر مقدس يرويها
ويبهجها
بالثمر الروحي المتكاثر
، هذا الذي قيل عنه في المزمور: “نهر سواقيه
تفرح

مدينة الله” (مز 46: 4). في وسط الضيقة المرّة
“عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي”، عوض المياه المرّة
المالحة يصير لي مياه النهر الحلوة، وعوض ثقل المياه عليَّ تصير المياه محيطة بيّ
للبهجة والفرح.

ما هو قلب البحار الذي إنطرح فيه يونان
إلى أعماق الصليب المرّ الذي دخل إليه السيد المسيح كذبيحة كفارية عن العالم كله،
خلالها فجَّر مياه المعمودية العذبة واهبة الحياة فأحاط به -أي بكنيسته التي هي
جسده- نهر، هو نهر المعمودية أي مياه الأردن. سحب هذا المنظر قلوب الأنبياء،
فيقول حزقيال النبي عن كنيسة العهد الجديد أو الهيكل الجديد: “ثم أرجعني إلى
مدخل البيت وإذا بمياه تخرج من تحت عتبة البيت نحو المشرق..
.(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في

موقع الأنبا تكلا
في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).

والمياه نازلة من تحت
جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح… وإذا بنهر لم أستطع عبوره لأن المياه طمت،
مياه سباحة، نهر لا يُعبر… هذه المياه تأتي إلى هناك فتشفي، ويحيا كل ما يأتي
النهر إليه… وعلى النهر ينبت على شاطئه من هنا ومن هناك كل شجر للأكل لا يذبل
ورقه ولا ينقطع ثمره، كل شهر يبكر لأن مياهه خارجة من المقدس ويكون ثمره للأكل
وورقه للدواء” (حز 47)
(18).

لقد طرحت خطايانا السيد المسيح في محبته
لنا إلى قلب البحار ليحمل عنا الغضب الإلهي خلال الصليب، محولًا ملوحة البحار إلى
عذوبة الأنهار، فيهبنا فيه خلال الصليب ذاته نهر روحه القدوس الذي يروي نفوسنا
ويهبها ثمارًا ويمنحها شفاءً! هكذا حمل الصليب صورتين متكاملتين: صورة غضب الله عن
الخطية التي كلفت السيد حياته، وصورة حب الله الفائق التي فجرت ينابيع نعمه
الفائقة.

يقول

القديس چيروم
: [بالنسبة
للمخلص الرب جاءت الصورة في المزمور:

“غرقت
في حمأة عميقة وليس مفر، دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني” (مز
69: 3
)، كما قيل عنه في مزمور آخر: “لكنك رفضت
ورذلت، غضبت على مسيحك، نقضت عهد عبدك، نجست تاجه في التراب، هدمت كل جدرانه”
(مز 89: 39)… ومع أنه صار في مياه مالحة إذ جُرب في كل
شيء لكنها ليست مالحة (مرّة) بالنسبة له فقد أحاط به نهر كما قيل في موضع آخر:
“نهر سواقيه تفرح مدينة الله” (مز 46: 4)].

يُحدثنا


القديس أمبروسيوس
عن هذا
النهر الذي يحيط بنا بكونه الروح القدس الذي يروي أورشليم السماوية الذي أفاض على
الكنيسة بالمسيح يسوع المصلوب. [الروح القدس هو النهر، النهر الوفير، النهر العظيم
الذي يفيض دومًا بلا انقطاع… فإن أورشليم السماوية لا ترتوي بنهر أرضي بل بالروح
القدس
(19)].

خلال الصليب تمتعنا بنهر العهد الجديد
عوض بئر العهد القديم. وكما يقول



القديس أمبروسيوس
: [العهد القديم بئر عميق
تُسحب منه المياه بالجهد، لم تكن مملوءة بالكامل، إنما جاء بعد ذلك القائل:
“ما جئت لأنقض (الناموس) بل لأكمل” (مت 5: 17)… أما
العهد الجديد فليس بنهر فحسب وإنما “تجري من بطنه أنهار ماء حيّ” (يو
7:
38)، أنهار فهم، أنهار تأمل، أنهار روحية
(20)].
هكذا إذ يجلس الرب معنا عند البئر كما مع السامرية في وقت الظهيرة أي في لحظات
الصليب يُفجر فينا ينابيع مياهه كأنهار حيَّة مفرحة.

يكمل النبي تسبحته على لسان السيد المسيح
قائلًا: “
جازت من فوق جميع تياراتك ولججك
[3].
ويعلق

القديس چيروم على هذه العبارة، قائلًا: [لنبحث كيف جازت التيارات
واللجج فوق المخلص… إذ لا يوجد من يقدر أن يحتمل كل التجارب إلاَّ ذاك الذي جُرب
في كل شيء… كل الضيقات والأتعاب التي جعلت الجنس البشري يضطرب والتي تكسر كل
السفن، جازت على رأسه… لقد أحتمل العاصفة وكل اضطراب حتى يصير الآخرون في
هدوء!].



St-Takla.org Image:
Jonah prayed to the LORD (Jonah 2:1-9)

صورة في موقع الأنبا تكلا:
يونان يصلى إلى الرب (يونان 2: 1-9)

إن كانت اللجج تُشير إلى أحكام الله كما
يقول



القديس كيرلس الكبير
: [فقد حمل السيد كل أحكام الله ضدنا عليه. انهارت
كل الأحكام عليه لتُوفَى في جسده، وكما يقول المرتل: “غمر يُنادي غمرًا عند صوت
مَيَازِيبِكَ، كل تياراتك ولججك طمّت عليَّ” (مز 42: 7).
بهذا ظهر السيد المسيح موفي الدين كمن هو مطرود من عينيّ الآب مع أنه الشفيع الذي
يحمل شعبه إلى المقدسات السماوية. لذلك يكمل النبي حديثه: “
فقلت قد طردت
من عينيك، لكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك

[4].

إنها صورة واقعية للصليب؛ من جانب ظهر
المخلص كمطرود، يصرخ قائلًا: “
إلهي إلهي لماذا تركتني” (مت
27: 46). ومن جانب آخر يحمل البشرية في جسده لكي تتمجد
معه. وكما يقول

القديس
چيروم
: [صار الرب كمن هو في موقفك (مطرودًا)… حتى
يرفع البشرية لتكون معه حيث يكون هو (يو 17: 2)]. إنه يمارس
عمله كرئيس للكهنة الأعظم يدخل إلى هيكل قدسه السماوي حاملًا كنيسته إلى السماويات
عينها، كقول الرسول: “لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة
بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب 9: 24).
ففيما هو مطرود من أجلنا يحملنا فيه لنكون موضع رضى الآب وسروره.

لم يكن يونان بالكاهن ليدخل القدس ولا
رئيس الكهنة لينعم برؤية قدس الأقداس مرة واحدة كل سنة، لكنه في أعماق البحر إذ
صار كمطرود حُسب رمزًا للسيد المسيح المطرود والداخل إلى مقدساته السماوية، وكما
يقول

القديس چيروم: [في أعماق البحر يرى هيكل الرب، وبروح النبوة وجد نفسه
هناك يتأمل شيئًا آخر].

لقد اكتنفني مياه إلى النفس،
أحاط بي غمر، ثم أصعدت من الوحدة حياتي أيها الرب إلهي

[5-6].

لقد نزل السيد المسيح إلى الجحيم فصار
كمن إكتنفته المياه إلى النفس، لكن لم تستطع المياه أن تبتلعه بل يحرر الذين
أسرتهم المياه وأغرقتهم. نزل إلى أعماق المياه ليصعد معه الغارقين فيها، كما يقول
الرسول: “أما أنه صعد فما هو إلاَّ أنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض
السفلي، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل” (أف 4:
9-10).

يرى

القديس أغسطينوس
(21)
في المياه التي إكتنفت السيد المسيح إلى النفس تعبيرًا عما حدث عند الصليب، فقد
هاج الكل عليه كأمواج البحر وفي اتضاعه خضع بإرادته لأجلنا، قائلًا: “دخلت
إلى أعماق المياه والسيل غمرني” (مز 69: 2). لم يقاوم
الكلمات العنيفة ولا التصرفات القاسية بل في صبر أحتملها، “وأطاع حتى الموت
موت الصليب” (في 2: 8).

المخلص الذي سار على المياه (مت
14: 26)، إنحنى بنفسه إلى المياه حتى تكتنفه إلى حين
وتحيط به، فيحمل مؤمنيه على المياه خلال سفينة صليبه وينطلق بهم إلى ميناء أورشليم
السماوية بأمان.

مرة أخرى يقول:
حين أعيت فيَّ نفسي
ذكرت الرب، فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك

[7]. فقد يونان
كل رجاء في ذراع بشري للخلاص إذ صار كمن قبض عليه في جوف الحوت، ليس من يخلصه سوى
الرب، لذلك يقول: “ذكرت الرب” . وكأنه بالمرتل القائل: “أبي وأمي
قد تركاني والرب ضمني”. وكما يقول

القديس چيروم: [وجدت نفسي قد أُغلق
عليها في أحشاء الحوت فصار رجائي كله في الرب].

هذه العبارة أيضًا تنطبق على يوناننا
المتألم الذي صرخ بالجسد: “نفسي حزينة جدًا حتى الموت” (مت
26: 38)، “يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه
الكأس” (مت 26: 39). هذا الثقل الذي احتمله السيد
لأجلنا إنما لكي يمارس عمله الكهنوتي خلال ذبيحته الكفارية فيطلب من الآب عنا:
“جاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك”، وكما يقول

القديس چيروم: [إنه
ككاهن يترجى تحرير الشعب في جسده].




3. يونان
المُسبّح:

الذين يراعون أباطيل كاذبة
يتركون نعمتهم، أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفي بما نذرته، الرب للخلاص

[8-9].

عند الصليب ظهر الذين يراعون أباطيل
كاذبة، هؤلاء الذين ساروا وراء أباطيل الفريسيين فصاوروا محرومين من الرب نفسه
“نعمتهم”. حرموا من المسيح مخلصهم فصاروا أشبه بتسبحة شيطانية لا تعلن
إلاَّ كلمات الكذب و
التجديف. أما السيد المسيح المفترى عليه فقدم نفسه تسبحة حمد
للآب، وذبيحة شكر له.

إن كان يونان قد قدم ذبيحة حمد لله في
جوف الحوت إنما كرمز للسيد المسيح الذي رأى الكل قد تكاتف ضده، وفي محبة أوفى نذره
للآب بتقديم حياته فدية عن كثيرين، حتى عن مضايقيه أنفسهم!



St-Takla.org Image:
Jonah dropped on the beach, by Gustave Dore

صورة في موقع الأنبا تكلا:
صورة للرسام العالمي جوستاف دوريه – الحوت يلقي يونان على الشاطئ

بالمسيح يسوع الذبيح تتحول حياتنا كلها
إلى قيثارة في يد الروح القدس تنشد سيمفونية حمد وشكر للآب، ليس بأفواهنا فحسب
وإنما خلال كل تصرفاتنا! إن كان يونان قد صار مرنمًا في جوف الحوت إنما ليعلن ما
يعمله السيد المسيح فينا خلال آلامه، إذ يخلق فينا طبيعة الشكر التي تمس كل كياننا
عوض الجحود الذي أفسد حياتنا.




4. يونان
الحيّ:

وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى
البر
[10].

يرى


القديس يوحنا الذهبي الفم
أن
الله قدم ليونان دروسًا متوالية في الترفق بالآخرين، فإن كان الحوت قد ابتلعه ثم
قذفه دون أن يؤذيه إلاَّ يليق به أن يترفق هو بإخوته في البشرية وإن كانوا
أمميين؟! “لقد استقبلته الأمواج ولم تخنقه، وتلَقَفه الحوت دون أن يهلكه…
بهذا كان يليق بالنبي أن يكون رقيقًا ورحيمًا، لا أن يكون أقسى من الحيوان المفترس
أو البحارة الجهلاء أو الأمواج العنيفة
(22).

ويرى

القديس چيروم
أن تعبير
“قذف” يُشير إلى الحياة المنتصرة الخارجة من حيث يوجد الموت، فلم يكن
ممكنًا لجوف الجحيم أن يمسك بيوناننا ولا بالفساد أن يلحق به. وكما يقول المرتل:
“لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فسادًا” (مز
16: 10).

لقد قام من بين الراقدين كباكورة لنا،
يُقيمنا معه، وكما يقول

القديس چيروم: [الذي مات لكي يُحرر المسبيين من
رباطات الموت يقدر أن يقود الكثيرين نحو الحياة].

_____


الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في

موقع الأنبا تكلاهيمانوت
:

(16) PG 63, Eclogue on Prayer.


(17)
On Ps. Hom 41.


(18)
راجع للمؤلف:
حزقيال، 1981
تفسير الأصحاح
47
.


(19)
On the Holy Spirit 1: 16.


(20)
Ep. 113: 77.


(21)
Ser. On N. T. 35: 7.


(22)
Conc. Stat. 5: 18.


← تفاسير أصحاحات
يونان:


مقدمة |
1 |

2
|

3
|

4

الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح

تفاسير أسفار الكتاب المقدس

1- تفاسير سفر التكوين
2- تفاسير سفر الخروج
3- تفاسير سفر اللاويين
4- تفاسير سفر العدد
5- تفاسير سفر التثنية
6- تفاسير سفر يشوع
7- تفاسير سفر القضاة
8- تفاسير سفر راعوث
9- تفاسير سفر صموئيل الأول
10- تفاسير سفر صموئيل الثاني
11- تفاسير سفر الملوك الأول
12- تفاسير سفر الملوك الثاني
13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول
14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني
15- تفاسير سفر عزرا
16- تفاسير سفر نحميا
17- تفاسير سفر طوبيا
18- تفاسير سفر يهوديت
19- تفاسير سفر أستير + التتمة
20- تفاسير سفر أيوب
21- تفاسير سفر المزامير + مز 151
22- تفاسير سفر الأمثال
23- تفاسير سفر الجامعة
24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد
25- تفاسير سفر الحكمة
26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ
27- تفاسير سفر إشعياء
28- تفاسير سفر إرميا
29- تفاسير سفر مراثي إرميا
30- تفاسير سفر نبوة باروخ
31- تفاسير سفر حزقيال
32- تفاسير سفر دانيال + التتمة
33- تفاسير سفر هوشع
34- تفاسير سفر يوئيل
35- تفاسير سفر عاموس
36- تفاسير سفر عوبديا
37- تفاسير سفر يونان
38- تفاسير سفر ميخا
39- تفاسير سفر ناحوم
40- تفاسير سفر حبقوق
41- تفاسير سفر صفنيا
42- تفاسير سفر حجي
43- تفاسير سفر زكريا
44- تفاسير سفر ملاخي
45- تفاسير سفر المكابيين الأول
46- تفاسير سفر المكابيين الثاني

1- تفاسير إنجيل متى
2- تفاسير إنجيل مرقس
3- تفاسير إنجيل لوقا
4- تفاسير إنجيل يوحنا
5- تفاسير سفر أعمال الرسل
6- تفاسير الرسالة إلى رومية
7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى
8- تفاسير كورنثوس الثانية
9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية
10- تفاسير الرسالة إلى أفسس
11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي
12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي
13- تفاسير تسالونيكي الأولى
14- تفاسير تسالونيكي الثانية
15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى
16- تفاسير تيموثاوس الثانية
17- تفاسير الرسالة إلى تيطس
18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون
19- تفاسير رسالة العبرانيين
20- تفاسير رسالة يعقوب
21- تفاسير رسالة بطرس الأولى
22- تفاسير رسالة بطرس الثانية
23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى
24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية
25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة
26- تفاسير رسالة يهوذا
27- تفاسير سفر الرؤيا


هل تبحث عن  342-نبوة لقان خميس العهد من البصخة المقدسة 6: أش 55: 1-13؛ 56: 1: أيها العطاش

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي