عبرانيين9 - تفسير رسالة العبرانيين

شرح
الكتاب المقدس – العهد الجديد – القمص تادرس يعقوب ملطي

سلسلة “من تفسير وتأملات الآباء الأولين”

عبرانيين9 – تفسير رسالة
العبرانيين


الخدمة السمائية



محتويات
:


(إظهار/إخفاء)



* تأملات في كتاب

رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين
:


تفسير رسالة العبرانيين:

مقدمة رسالة العبرانيين
|

عبرانيين 1
|

عبرانيين 2

|

عبرانيين 3

|

عبرانيين 4

|

عبرانيين 5

|

عبرانيين 6

|

عبرانيين 7

|

عبرانيين 8

|

عبرانيين 9

|

عبرانيين 10

|

عبرانيين 11

|

عبرانيين 12

|

عبرانيين 13

|

ملخص عام
|
مراجع البحث

نص رسالة العبرانيين:

عبرانيين 1
|

عبرانيين 2

|

عبرانيين 3

|

عبرانيين 4

|

عبرانيين 5

|

عبرانيين 6

|

عبرانيين 7

|

عبرانيين 8

|

عبرانيين 9

|

عبرانيين 10

|

عبرانيين 11

|

عبرانيين 12

|

عبرانيين 13

|
عبرانيين كامل

الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح

تفاسير أسفار الكتاب المقدس

1- تفاسير سفر التكوين
2- تفاسير سفر الخروج
3- تفاسير سفر اللاويين
4- تفاسير سفر العدد
5- تفاسير سفر التثنية
6- تفاسير سفر يشوع
7- تفاسير سفر القضاة
8- تفاسير سفر راعوث
9- تفاسير سفر صموئيل الأول
10- تفاسير سفر صموئيل الثاني
11- تفاسير سفر الملوك الأول
12- تفاسير سفر الملوك الثاني
13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول
14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني
15- تفاسير سفر عزرا
16- تفاسير سفر نحميا
17- تفاسير سفر طوبيا
18- تفاسير سفر يهوديت
19- تفاسير سفر أستير + التتمة
20- تفاسير سفر أيوب
21- تفاسير سفر المزامير + مز 151
22- تفاسير سفر الأمثال
23- تفاسير سفر الجامعة
24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد
25- تفاسير سفر الحكمة
26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ
27- تفاسير سفر إشعياء
28- تفاسير سفر إرميا
29- تفاسير سفر مراثي إرميا
30- تفاسير سفر نبوة باروخ
31- تفاسير سفر حزقيال
32- تفاسير سفر دانيال + التتمة
33- تفاسير سفر هوشع
34- تفاسير سفر يوئيل
35- تفاسير سفر عاموس
36- تفاسير سفر عوبديا
37- تفاسير سفر يونان
38- تفاسير سفر ميخا
39- تفاسير سفر ناحوم
40- تفاسير سفر حبقوق
41- تفاسير سفر صفنيا
42- تفاسير سفر حجي
43- تفاسير سفر زكريا
44- تفاسير سفر ملاخي
45- تفاسير سفر المكابيين الأول
46- تفاسير سفر المكابيين الثاني

1- تفاسير إنجيل متى
2- تفاسير إنجيل مرقس
3- تفاسير إنجيل لوقا
4- تفاسير إنجيل يوحنا
5- تفاسير سفر أعمال الرسل
6- تفاسير الرسالة إلى رومية
7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى
8- تفاسير كورنثوس الثانية
9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية
10- تفاسير الرسالة إلى أفسس
11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي
12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي
13- تفاسير تسالونيكي الأولى
14- تفاسير تسالونيكي الثانية
15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى
16- تفاسير تيموثاوس الثانية
17- تفاسير الرسالة إلى تيطس
18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون
19- تفاسير رسالة العبرانيين
20- تفاسير رسالة يعقوب
21- تفاسير رسالة بطرس الأولى
22- تفاسير رسالة بطرس الثانية
23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى
24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية
25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة
26- تفاسير رسالة يهوذا
27- تفاسير سفر الرؤيا

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية:
1
234
5678
91011
121314
151617
181920
212223
242526
2728


إن كان لنا رئيس كهنة لا على رتبة هرون
ولا من





سبط لاوي
، وإنما على
طقس ملكي صادق، له كهنوت جديد، فإنه يليق به أن يخدم في هيكل جديد ليقدم ذبيحة
جديدة فريدة لحسابنا.



1. مقارنة بين العهدين

يقارن الرسول بولس بين العهدين القديم
والجديد مقدمًا لنا النقاط التالية:



St-Takla.org Image:
The rod of Aaron was budded (Numbers 17) – Unknown illustrator

صورة في موقع الأنبا تكلا:
عصا هارون التي أفرخت (العدد 17) – لفنان غير معروف

أولًا: أبرز الرسول أن المسكن الأول، سواء خيمة الاجتماع أو
هيكل أورشليم، كان يحوي قسمين رئيسيين هما القدس وقدس الأقداس وراءه،
قائلًا: “ثُمَّ
الْعَهْدُ الأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَيْضًا
فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، لأَنَّهُ نُصِبَ
الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْقُدْسُ» الَّذِي كَانَ
فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. وَوَرَاءَ
الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ
الأَقْدَاسِ» فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى
مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ
الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ.
وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ
لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ” [ع 1 – 5].

لقد رأى الرسول في القسمين إشارة إلى
العهدين؛ القدس يشير إلى العهد القديم، وقدس الأقداس إلى العهد الجديد.
الأول يخدمه كهنة كثيرون كل يوم، والثاني يشير إلى السماء لا يدخله إلاَّ
رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة كرمز للسيد المسيح الذي قدم نفسه مرة واحدة
ليدخل بنا إلى سمواته.

لا يتجاهل الرسول قدسية العهد القديم
فإنه كالمسكن له فرائض خدمة من قبل الله، وفيه المنارة والمائدة وخبز
التقدمة.. مقدسات هي شبه السمويات، الأمور التي يقول الرسول: “ليس لنا
الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل”، لأنها تحمل رموزًا حيَّة للسيد المسيح وخدمته
إذ به ننعم بالاستنارة ونتمتع بجسده الخبز المحيي! وقد سبق لنا في
دراستنا
لسفر الخروج
الحديث عنها
(110). هذا عن القدس أما ما وراء الحجاب
فيختفي قدس الأقداس الذي فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد ممثل الحضرة
الإلهية، مغشى من كل جهة بالذهب إشارة للاهوت، فيه قسط من ذهب فيه المن
إشارة إلى المن الحقيقي جسد الرب ودمه الأقدسين، و
عصا هرون علامة كهنوت
الرب ورعايته الشخصية لكنيسته، ولوحا العهد إشارة إلى كونه كلمة الله، وفوق
التابوت كاروبان يظللان الغطاء علامة دخولنا إلى الإتحاد مع السمائيين في
المسيح يسوع ربنا
(111).

إن كان القدس يشير إلى الحياة الحاضرة
المقدسة في الرب أو خدمة العهد القديم، فإن قدس الأقداس يشير إلى الحياة
السماوية التي قدمها لنا الرب السماوي بعده الجديد معنا. يقول الرسول إنه
لا يمكن أن يظهر طريق الحياة الجديدة السماوية ما دام المسكن الأول له
إقامة، بمعنى أن خدمة الروح في المسيح يسوع لا يظهر ما دامت الطقوس
الموسوية تقام في حرفيتها كظل.. لا بُد أن ينشق الحجاب ويزول الظل بظهور
الحق ذاته، وتختفي الخدمة الموسوية أمام الهيكل الجديد، أو كما يقول
الرسول: “مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَذَا أَنَّ طَرِيقَ
الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ
إِقَامَةٌ، الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ
تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ
أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ

[ع 8، 9].

يقول

القديس يوحنا
الذهبي الفم
:
[ماذا يعني بقوله: الوقت الحاضر؟ يقصد زمن ما قبل مجيء المسيح، فإنه بعد
مجيئه لا يكون بعد الوقت الحاضر، إذ كيف يمكن أن يوجد الوقت، وقد جاء
وانتهى؟!
(112)].
خدمة الناموس الموسوي هي خدمة الوقت الحاضر، أما وقد جاء السيد في ملء
الزمان فقد رفعنا إلى ما فوق الزمن ودخل بنا إلى السمويات.

ثانيًا: يقارن الرسول بين ذبائح العهد القديم وذبيحة العهد
الجديد ففي الناموس الموسوي يقدم الكهنة دم تيوس وعجول.. مرشوش على
المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد (ع 12، 14) أما كاهن العهد الجديد فيقدم دم
نفسه.. وكما يقول الرسول: “وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ
بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ
فِدَاءً أَبَدِيًّا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ
وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إِلَى
طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ،
الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ،
يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ
الْحَيَّ؟!” [ع 12 – 14].
في القديم يقدم دم حيوانات تقاد للذبح بغير
إرادتها، أما في العهد الجديد فقدم رئيس الكهنة نفسه تقوده إرادته الحرّة
وطاعته لأبيه حتى الموت موت الصليب وحبه للبشرية وهي بعد تعاديه! إنه
الكاهن والذبيحة في نفس الوقت. وكما يقول




القديس أغسطينوس
: [أنت هو
الكاهن، وأنت الذبيحة، أنت المقدم وأنت التقدمة!!!
(113)].

ثالثًا: إذ قارن بين الخدمتين، رأى الخدمة الأولى، وهي خدمة
الوقت الحاضر تركز على تطهير الجسد [ع 13]،
أما الثانية وهي خدمة ما فوق الزمن الحاضر، خدمة السماء فتمس الضمائر
وأعماق النفس الداخلية، أي خدمة الروح الفعّالة التي تقيم ملكوت الله في
داخلنا. الأولى تقوم على دم حيوانات تموت وتُستهلك، أما الثانية فتقوم على
دم ابن الله الذي بروح أزلي قدم نفسه، لا يمكن للفساد أن يمسك به ولا للموت
أن يحبسه، واهب حياة وقيامة! الأولى يقوم بها كهنة تحت الضعف، محتاجون إلى
تكفير عن خطاياهم، أما الثانية فيقوم بها من هو “بلا عيب” [ع 14]،
قادر أن يقدسنا!

رابعًا: إذ يتحدث الرسول عن الهيكل القديم أو المسكن الأول بما
إحتواه من أثاثات، يقول: “
أَشْيَاءُ
لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ
[ع 5] وكأنه ترك الباب مفتوحًا للمقارنة بين
خدمتي العهدين.. الأمر الذي جعل الآباء يسهبون فيها. لكنني أكتفي بالقليل
مما ورد في كتابات


البابا
أثناسيوس
الرسولي

مقارنًا الهيكل القديم بخدمته الموسوية، والهيكل الجديد الذي هو “جسد
المسيح” الذي فيه صارت لنا الخلقة الجديدة مقدسة به، أو كما يقول الرسول:
“الذي فيه كل البناء مركبًا معًا ينمو هيكلًا مقدسًا في الرب، الذي فيه
أنتم أيضًا مبنيون معًا مسكنًا لله في الروح” (أف 2: 21، 22).

يقارن

البابا
أثناسيوس
الرسولي

بين الهيكل القديم وجسد الرب هكذا: [كان الهيكل القديم مقامًا من حجارة
وذهب كظل، لكن إذ جاءت الحقيقة بطل الرمز من هناك، وكقول الرب لا يبقى حجر
على حجر إلاَّ وينقض (مت 24: 2)..


من يحتقر الهيكل يحتقر الرب الذي في الهيكل، لمن يفصل الكلمة عن الجسد يجعل
من النعمة التي وهبت لنا فيه لا شيء. لا تقبل افتراض الأريوسيين الأشرار
جدًا وغير العاقلين بأنه ما دام الجسد مخلوقًا فالكلمة أيضًا مخلوق، ولا
القول بأنه ما دام الكلمة غير مخلوق فجسده مزدرى به!..


لكن، إذ الكلمة هو الخالق، الذي صنع المخلوقات، لهذا ففي نهاية الدهور لبس
المخلوق (الجسد) لكيما يقدس الخليقة وهو الخالق ويشفيها. فالخليقة لا يمكن
لها أن تخلص بواسطة مخلوق، كما أنها أُوجدت بواسطة الخالق..
(114)].

إذن في العهد الجديد تقدم إلينا السيد
متجسدًا، مقدمًا لنا جسده كسرّ تقديس لنا، ففيه نختفي، وبه نتحد، لنحمله في
داخلنا كما نحن فيه.. هذا هو “وَقْتِ الإِصْلاَحِ
[ع 10]. لا إصلاح بشرائع وأوامر ونواه وإنما بإمكانيات جديدة..
بإتحادنا فيه!



2. تثبيت العهد السماوي

كانت هناك قاعدة قانونية رومانية
بمقتضاها أن أي وصية لا تكون لها قوة ما دام الموصي حيًا، إذ يستطيع في أي
وقت شاء أن يسحب الوصية أو يغير بنودها، لكن متى مات الموصي تثبت الوصية
ولا يمكن لأحد أن يغيرها. هكذا يرى الرسول بل أن علاقة الله بالإنسان هي
علاقة الأب الموصي لابنه، ففي القديم قد وصيته خلال العهد الموسوي وإذ لم
يكن ممكنًا للوصي أن يموت لتثبيت الوصية كان دم الحيوانات يقوم بهذا الدور.
أما في العهد الجديد، فإذ تسلمنا الوصية مات الموصي على الصليب فأعلن تثبيت
الوصية وفاعليتها الأكيدة. وكأن موت الصليب أو دم السيد المسيح المبذول هو
ختم على الوصية الإلهية وتأكيد لنا للتمتع بالميراث الأبدي الذي أوصى به.
فإن كان السيد قد أوصى هكذا: “من يؤمن بي فله حياة أبدية” (يو 6: 47). فقد
ختم الوصية بجسده المبذول ودمه المسفوك عنا: “إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان
وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم” (يو 6: 53).

في وضوح قال الرسول: “لأَنَّهُ حَيْثُ
تُوجَدُ وَصِيَّةٌ يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي. لأَنَّ الْوَصِيَّةَ
ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتَى، إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَا دَامَ
الْمُوصِي حَيًّا
[ع 16، 17]. هكذا إسرائيل يستلزم
استخراج شهادة وفاة للموصي لتأكيد الوصية، فإننا نقدم دم السيد المسيح على الصليب
علامة ثبوت الوصية بموت الوصي.

من هنا نفهم لماذا كان الدم علامة
التطهير في العهدين القديم والجديد، إذ هو علامة ثبوت الوصية. لهذا كان
كتاب العهد أو الوصية يرش بالدم وجميع الشعب يقدسون به (ع 19، 20)، لكنه لم
يكن دم الموصي بل رمزه، دم حيوانات. أما في العهد الجديد فحملت الوصية
قوتها خلال دم ابن الله، الموصي: “َكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ
حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ
مَغْفِرَةٌ!

[ع 22]. لقد استخدم موسى الدم والماء للتطهير [ع 19]
ويعلق


القديس يوحنا
الذهبي الفم
على ذلك،
قائلًا: [أخبرني لماذا كان كتاب العهد وأيضًا الشعب يرشون، إلاَّ من أجل
الدم الثمين الذي كان الأول (دم الحيوانات) مثالًا له؟!.. ولماذا الماء؟
لكي يطهر.. ولماذا الصوف (القرمزي)؟ كان هذا لكي يحتفظ بالدم، إذ يظهر
الدم والماء كأنهما واحد
(115)].

أما بالنسبة للعهد الجديد، فيتساءل

القديس يوحنا
الذهبي الفم
:
[أين هو الكتاب إذن؟ لقد طهّر أذهانهم فيحسبون هم أنفسهم كتاب العهد الجديد.. وأين الخيمة؟ مرة أخرى هم أنفسهم الخيمة، إذ يقول: “سأسكن فيهم وأسير
بينهم” (2كو 6: 16). لكن هؤلاء لم يرشوا الصوف قرمزي ولا بزوفا، لماذا؟
لأن الغسل هنا ليس غسلًا جسديًا وإنما هو غسل روحي، وكان الدم روحيًا (دم
حقيقي أخذه من القديس مريم وبذله على الصليب لكن الروح القدس هو الذي هيأ
التجسد) كيف؟ إنه لم يفض عن جسد حيوانات غير عاقلة بل عن جسد أعده الروح
(القدس). بهذا الدم لم يرشنا موسى بل المسيح خلال الكلمة التي قيلت: هذا هو
دم العهد الجديد لمغفرة الخطايا. هذه الكلمة هي عوض الزوفا قد غُمست في
الدم ورشتنا جميعًا. هناك كان غسل الجسد خارجيًا لأن التطهير كان جسديًا،
أما هنا فالتطهير روحي يدخل إلى النفس ويغسلها.. هناك كان الرش يتم عند
السطح فقط، والذي يُرش يُغسل من آثار الدم.. أما بالنسبة للنفس فالأمر
غير ذلك إذ يمتزج الدم بكيانها ليجعلها نشيطة ونقية، يقودها إلى ذات الجمال
غير المقترب إليه
(116)].



3. الذبيحة الفريدة

كانت أمثلة السمويات وظلالها تتطهر بدم
حيوانات، أما السمويات عينها فسرّ تقديسها هي الذبيحة الفريدة، ذبيحة
الصليب التي لا تتكرر، ذبيحة السيد المسيح نفسه الحيّ القادر وحده أن
يقيم من الأموات.

تُقدم الذبائح الدموية في الخيمة أو هيكل
أورشليم، المسكن الأول، ظل السمويات، أما المسيح الذبيح بصفته الكاهن
والذبيح فهو قائم في السموات عينها يظهر أمام وجه الآب بكونه الحمل الذي
كأنه مذبوح. حقًا إنه لم ينفصل قط عن الآب من جهة اللاهوت لكنه من أجلنا
نزل إلينا -بغير انفصال عن الآب- مقدمًا ذاته ذبيحة حب عنا، لكي إذ يرتفع
إلى السموات يرفعنا معه، ويشفع فينا بدمه فندخل إلى حضن أبيه.

كان الكهنة قديمًا يقدمون دم حيوانات
ميتة، فكانت الذبائح عاجزة عن إقامتنا بل وحتى عن قيامتها هي نفسها، أما
الكاهن الأعظم يسوع المسيح، فهو وحده الذي قدم نفسه واهب الحياة، فلا حاجة
لتكرار الذبيحة. كهنوته أبدي وذبيحته لا يتوقف عملها أو فاعليتها.. لا
تقدم ولا تشيخ! إذ يقارن


القديس يوحنا
الذهبي الفم
بين ذبيحة العهد
القديم الحيوانية وذبيحة العهد الجديد الفائقة يقول: [عظيم هو الفارق! إنه
هو الفدية والكاهن والذبيحة! فلو كان الأمر غير ذلك لصارت هناك حاجة إلى
تقديم ذبائح كثيرة وكان يُصلب مرارًا كثيرة
(117)].

ربما يتساءل البعض: إن كانت ذبيحة السيد
المسيح لا تتكرر فلماذا تقيم الكنيسة الأفخارستيا، ذبيحة المسيح، كل يوم
على كل مذبح؟ نجيب أن الأفخارستيا ليس تكرارًا لذبيحة الصليب وإنما هي
امتدادًا لذات الذبيحة القائمة الأبدية غير الدموية التي لا تتوقف، فالمسيح
الذبيح الحيّ القائم من الأموات هو بعينه يقدم جسده ودمه الأقدسين دون
تكرار أو تغيير، والمذابح المحلية في حقيقتها هي مذبح واحد لكنيسة واحدة!
وقد سبق لنا دراسة ذلك بأكثر إسهاب من واقع كتابات الآباء وشهادات
الليتورچيات
(118).

يقول الرسول بولس أنه كما نموت نحن مرة
واحدة نقوم فندان، مات عنا مرة واحدة ليحمل في جسده دينونتنا، مخلصًا إيانا
من الموت. إنه لن يموت مرة أخرى ولا تتكرر ذبيحته، إنما تبقى ذبيحته قائمة
فوق الزمن تعمل في كل من يدخل بالإيمان إلى الجلجثة ليلتقي بالذبيحة
القادرة أن ترفعه إلى العرش الإلهي ليكون له مصالحة مع الآب
(انظر
المزيد عن هذا الموضوع هنا في

موقع الأنبا تكلا
في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).
يقول

القديس يوحنا
الذهبي الفم
:
[لقد مات من أجل الكل، هذا من جانبه، فإن هذا الموت كان المقابل ضد هلاك كل
البشرية، لكنه لم يحمل خطايا كل الناس لأنهم لم يريدوا
(119)].
لقد أحنى ظهره ليحمل الخطايا عن الجميع لكنه يُحسب مخلصًا للمؤمنين وحدهم،
هؤلاء الذين يظهرون معه بلا خطية عندما يأتي على السحاب فيحملهم إلى أبيه
أبرارًا فيه.

لقد رأى

القديس يوحنا
الذهبي الفم

أن هذا النص [ع 26 – 28] [يشير إلى قوة الحياة التي يحسب الله
وأيضًا إلى قوة الخطية، فبالنسبة للحياة حسب الله يظهر أن المسيح لا يموت
بعد، وأما من جهة الخطية، فإنها وإن كانت قد جلبت الموت على من هو بلا خطية
كم بالأكثر يكون تدميرًا للذين يخضعون لها؟!
(120)].

_____


الحواشي والمراجع


لهذه الصفحة هنا في

موقع الأنبا تكلاهيمانوت
:


(110)
للمؤلف:
سفر الخروج، 1981


(111)
المرجع
السابق


(112)

In Hebr. hom 15: 2.


(113)

On Ps. 65.


(114)

Ep. Ad. Adelphius 7, 8.


(115)

In Hebr. hom 16: 3.


(116)

Ibid 16: 5.


(117)

Ibid.


(118)
المسيح
في سرّ الأفخارستيا، ص 43 – 63.


(119)
In Hebr. hom 17: 4.


(120)
In Rom. hom 11.


← تفاسير أصحاحات
عبرانيين:



مقدمة
|

1
|

2
|

3
|

4
|

5
|

6
|

7
|

8
|

9
|

10
|

11
|

12
|

13

الكتاب المقدس المسموع:
استمع لهذا الأصحاح

تفاسير أسفار الكتاب المقدس

1- تفاسير سفر التكوين
2- تفاسير سفر الخروج
3- تفاسير سفر اللاويين
4- تفاسير سفر العدد
5- تفاسير سفر التثنية
6- تفاسير سفر يشوع
7- تفاسير سفر القضاة
8- تفاسير سفر راعوث
9- تفاسير سفر صموئيل الأول
10- تفاسير سفر صموئيل الثاني
11- تفاسير سفر الملوك الأول
12- تفاسير سفر الملوك الثاني
13- تفاسير سفر أخبار الأيام الأول
14- تفاسير سفر أخبار الأيام الثاني
15- تفاسير سفر عزرا
16- تفاسير سفر نحميا
17- تفاسير سفر طوبيا
18- تفاسير سفر يهوديت
19- تفاسير سفر أستير + التتمة
20- تفاسير سفر أيوب
21- تفاسير سفر المزامير + مز 151
22- تفاسير سفر الأمثال
23- تفاسير سفر الجامعة
24- تفاسير سفر نشيد الأناشيد
25- تفاسير سفر الحكمة
26- تفاسير سفر يشوع بن سيراخ
27- تفاسير سفر إشعياء
28- تفاسير سفر إرميا
29- تفاسير سفر مراثي إرميا
30- تفاسير سفر نبوة باروخ
31- تفاسير سفر حزقيال
32- تفاسير سفر دانيال + التتمة
33- تفاسير سفر هوشع
34- تفاسير سفر يوئيل
35- تفاسير سفر عاموس
36- تفاسير سفر عوبديا
37- تفاسير سفر يونان
38- تفاسير سفر ميخا
39- تفاسير سفر ناحوم
40- تفاسير سفر حبقوق
41- تفاسير سفر صفنيا
42- تفاسير سفر حجي
43- تفاسير سفر زكريا
44- تفاسير سفر ملاخي
45- تفاسير سفر المكابيين الأول
46- تفاسير سفر المكابيين الثاني

1- تفاسير إنجيل متى
2- تفاسير إنجيل مرقس
3- تفاسير إنجيل لوقا
4- تفاسير إنجيل يوحنا
5- تفاسير سفر أعمال الرسل
6- تفاسير الرسالة إلى رومية
7- تفاسير رسالة كورنثوس الأولى
8- تفاسير كورنثوس الثانية
9- تفاسير الرسالة إلى أهل غلاطية
10- تفاسير الرسالة إلى أفسس
11- تفاسير الرسالة إلى فيلبي
12- تفاسير الرسالة إلى كولوسي
13- تفاسير تسالونيكي الأولى
14- تفاسير تسالونيكي الثانية
15- تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى
16- تفاسير تيموثاوس الثانية
17- تفاسير الرسالة إلى تيطس
18- تفاسير الرسالة إلى فيلمون
19- تفاسير رسالة العبرانيين
20- تفاسير رسالة يعقوب
21- تفاسير رسالة بطرس الأولى
22- تفاسير رسالة بطرس الثانية
23- تفاسير رسالة يوحنا الأولى
24- تفاسير رسالة يوحنا الثانية
25- تفاسير رسالة يوحنا الثالثة
26- تفاسير رسالة يهوذا
27- تفاسير سفر الرؤيا


هل تبحث عن  24- درجات الإيمان: 3) الإيمان المحدود

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي