نصائح في المصارحة والعتاب





مكتبة الكتب المسيحية |
كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية


مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة
الأهرام – مقال يوم الأحد 14-12-2008


نصائح في
المصارحة والعتاب

كنت أعرفه شخصًا
حقّانيًا يحب
الحق ويدافع عنه. وقد جاء في ذات يوم يطلب مشورتي، فقال
لي: أنا إنسان صريح أحب الصراحة. ولا أقبل أن أكون بوجهين: أجامل الغير
بأحد الوجهين، بينما أكون متضايقًا من أخطائه. لذلك أتكلم مع كل أحد
بصراحة. غير أن هذه الصراحة تسبب لي مشاكل مع من أصارحهم برأيي فيهم،
أو من أعاتبهم في تصرفاتهم معي. فهم يتعبون ويسببون لي متاعب… فماذا
أفعل؟ هل من الحرام أن أتكلم بصراحة سواء في الرأي أو
العتاب؟!


فأجبته: الصراحة ليست حرامًا. ولكن المهم مع
من تكون صراحتك؟ وكيف تكون؟ أي ما هو الأسلوب الذي تتكلم به أثناء
صراحتك مع غيرك؟ وهل هو أسلوب لائق أم غير لائق؟ هل هو أسلوب جارح أو
قاسٍ؟ وهل يحمل اتهامًا ظالمًا ربما بسبب معلومات وصلت إليك وهى غير
سليمة؟ وهل أنت في صراحتك تتدخل فيما لا يعنيك، وتتجرأ على ما هو ليس
من اختصاصك؟

?كذلك
ينبغي أن تعرف الأسلوب الذي تتكلم به في صراحة مع شخص أكبر منك سنًا أو
مقامًا أو مركزًا. فلا شك أن الصراحة معه تختلف عن صراحتك مع شخص في
مستواك، في نفس سنك ومركزك. وتختلف عن صراحتك مع صديق لك توجد بينك
وبينه دالة تسمح بأن تستخدم معه ألفاظًا لا تستطيع أن تستخدمها مع شخص
كبير: فمثلًا تستطيع أن تقول لصديقك “أنت غلطان في هذا الأمر”. بينما
لا تستطيع أن تقول لأبيك أو عمك، أو لأي شخص له مهابة في نظرك.

هل تبحث عن  569-طلبة أسبوع الآلام: أيها الرب الإله الأزلي الدائم إلى الأبد




St-Takla.org Image:
Boy and girl talking

صورة في موقع الأنبا تكلا:
فتى وفتاة يتحدثان

والصراحة أيضًا تحتاج إلى مراعاة أدب المخاطبة.

يلزمك في ذلك أن
تكون حريصًا على

انتقاء الألفاظ
، بحيث تستخدم ألفاظًا تصل بها إلى
هدفك، دون أن تهين من تكلمه أو تجرحه أو تسئ إليه، فكل ذلك غير لائق.
نقول هذا، لأن هناك أشخاصًا يستخدمون في صراحتهم ألفاظًا تعكر الجو
وتلهب الموقف. ويحاولون أن يخفوا خطأهم هذا تحت اسم الصراحة! ويكونون
مدانين، ليس بسبب صراحتهم، وإنما لعدم حرصهم على أدب التخاطب في
الصراحة، أو بسبب عدم اللياقة.


كذلك ينبغي أن تكون الصراحة في حكمة، حسب هدف روحي سليم. فما هو
الهدف من صراحتك؟ هل هو
التوبيخ والإهانة ومجرد
النقد؟ أم الهدف هو
تبليغ رسالة معينة؟ أم الهدف هو العتاب والتصالح؟ أم هدف آخر؟ فإن كان
الهدف سليمًا، ينبغي أن تكون
الوسيلة الموصلة
أيضًا هي سليمة، وتأتي
بنتيجة طيبة. لأن مجرد
التوبيخ في الصراحة قد يأتي بنتائج سيئة.


مثال ذلك شخص يقول: “أنا صريح أقول للأعور إنه أعور في عينه”.
فهل يا أخي إن قلت للأعور هذه العبارة، تكون قد خسرته أم ربحته؟ وهل لو
عايرته بعبارة “أنت أعور”، تكون صراحتك هذه سببًا في إرجاع البصر إلى
عينه العوراء؟! أم هي صراحة لمجرد التجريح والإهانة والإيذاء، بلا أية
فائدة تجلبها منها!!


مثل هذا
الإنسان (الصريح) يرى في الصراحة إثباتًا لجرأته
وشجاعته! فلو كان السبب منها مجرد إثبات
الذات، لا تكون فضيلة. بل
الصراحة السليمة هي التي هدفها
الدفاع عن
الحق
، دون أن تكون للذات هدف
منها. ثم أمامنا سؤال هام وهو: هل لك سلطان التأديب أو التقويم أو
الحكم على الغير؟

هل تبحث عن  تفاسير أستير 13

إذن إن تكلمت
بصراحة مع إنسان أكبر منك، فاخلط صراحتك بالأدب والحكمة. وإن كنت
صريحًا مع من هو أصغر منك، فلتكن صراحتك ممزوجة بالرقة والهدوء.


ولا شك أن هناك فرقًا بين الصراحة وسلاطة اللسان! وإن كانت
الصراحة دفاعًا عن
الحق،
فاعلم أنه ليس من الحق، أن تستخدم أسلوبًا
جارحًا لتقنع غيرك بما تراه أنت حقًا. بل إن

احترامنا للناس
يجعلهم
أكثر قبولًا لما نقوله لهم. وهم يقبلون الصراحة التي في أدب وحكمة.


أعود إلى الجزء الثاني من سؤالك وهو عن

عتابك
مع صديق أخطأ
إليك. من حقك طبعًا أن تعاتب بالأسلوب الذي يأتي بنتيجة طيبة. وأيضًا
للعتاب قواعد.


أولًا: اعرف طبيعة صديقك: هل من النوع الذي يقبل العتاب أم هو
لا يقبله؟ ذلك لأن هناك
من تعاتبه، فيثور ويحاول أن يبرر نفسه، ويكثر الجدل، ويعتبر أنك تتهمه
وتظلمه. وينتهي العتاب بنتيجة أسوأ. وصدق الشاعر الذي قال:

ودَعْ
العتابَ فربّ شرٍّ كان
أوله العتابا

أما الصديق الواسع الصدر، المحب، الذي يقبل العتاب بصدر رحب، وبموضعيه
دون أن يغضب وينفعل، فهذا يمكنك أن تعاتبه وتصفّي الموقف معه..


ثانيًا: الذي تعاتبه، عاتبه فيما بينك وبينه وحدكما، وليس أمام
الناس. وذلك لأن البعض لا يقبل العتاب أمام الغير، الذي تحدثه فيه عن
أخطائه نحوك أمام الآخرين، فيظهر بذلك في صورة تقلل من شأنه أمامهم.
ولذلك يرى أنه لا بد أن يدافع عن ذاته مبررًا نفسه، وربما مظهرًا خطأك
أنت.


ثالثًا: يجب أن يكون أسلوب عتابك رقيقًا ومقبولًا وفي محبة.
بحيث يبدأ أولًا بذكر محاسن صديقك وفضائله ومواقفه الطيبة معك.
.(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في

موقع الأنبا تكلا
في أقسام المقالات والكتب الأخرى).

قبل أن
تذكر الأخطاء التي تريد أن تعاتبه عليها. وبهذا تكون قد فرشت مقدمة من
الود تجعله مستعدًا أن يقبل ما تقوله بعد ذلك.

هل تبحث عن  يوعلية

واحذر أن تعاتب
بعنف، وبألفاظ شديدة. أو أن تكون كمن يريد أن ينتقم لنفسه أثناء العتاب
الذي تحط فيه من قدر صديقك. فهذا لا يقبله منك، وربما يرد عليه بالمثل
ويشتعل الموقف.


رابعًا: كن واسع الصدر، ولا تعاتب على كل ما تراه خطأ، صغيرًا
كان أم كبيرًا. فهناك بعض الأمور البسيطة التي لا تستحق
العتاب، بل
تدخل تحت عنوان “المحبة تحتمل كل شيء“. وقد قال الشاعر العربي في ذلك:

إذا كنت في كل الأمور معاتبًا
صديقك لم تلقى الذي لا تعاتبهْ

فعش واحدًا أو صِل أخاك فإنه
مقارفٌ ذنبٍ مرةً ومجانِبهْ

إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
ظمِئتَ وأي الناس تصفو مشاربهْ؟!

لذلك

نصيحتي لك
: لا تخسر أصدقائك عن طريق العتاب. وهناك أمور تصدر من
صديق ولا تعجبك. ولكن خذها بحسن نية. ولا تفكر في أن صديقك قد أراد أن
يسئ إليك. ربما كانت هفوة، أو زلّة لسان، أو كلمة منه بأسلوب
الفكاهة… الخ.



مشاركة عبر التواصل الاجتماعي