الهاربون من الله! -1





مكتبة الكتب المسيحية |
كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية


مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة
الأهرام – مقال يوم الأحد 17-8-2008



الهاربون من
الله
! -1

عشرات ومئات
الملايين يؤمنون باللَّه، ويُصلُّون ويصومون. ولكن كثيرين من هؤلاء
المؤمنين يهربون من اللَّه! أي يهربون من الحياة معه، ومن محبته، ومن

الحياة الروحية
التي يدعوهم إليها، أو من بعض المهام التي يدعوهم إليها… فلماذا يهرب كل هؤلاء؟ وكيف يهربون؟ وهل يستمرون في هروبهم أم
يرجعون؟


هناك أشخاص يهربون
من اللَّه بسبب شهواتهم. يشعرون أن حياتهم مع اللَّه ستحرمهم من شهوات
لا يريدون تركها. مثال ذلك
الوجوديون الملحدون
، الذين يرون أنَّ وصايا
اللَّه تمنعهم من تحقيق شهواتهم وتحقيق وجودهم فيها. فيكون شعور الواحد
منهم هو “من
الخير أنَّ اللَّه لا يوجد، لكي أُوجد أنا”!!

أو مثل شخص
يقول: “إن سرت مع اللَّه سأنقسم على ذاتي، وسأدخل في صراع بين الروح
والجسد، وصراع بين
الخير والشر، وأنا لا أُريد أن أدخل في صراعات! فمن
الخير لي إذن أن أبعد عن طريق اللَّه هذا وعن وصاياه!”.



St-Takla.org Image:
God the Father

صورة في موقع الأنبا تكلا:
الله الآب

هؤلاء شهواتهم
تتعبهم وليس وصايا اللَّه، ولكنهم لا يريدون أن يواجهوا هذا الواقع
لأنهم يخافونه. هم مثل إنسان مريض بمرض خطير، يهرب من الأطباء، ومن
الكشف والأشعة والتحاليل، لكي يستريح ولو راحة وهمية، هاربًا من الواقع
لأنَّ الواقع يتعبه.


هناك أشخاص يرون أن البعيدين عن اللَّه
مستريحون، ويستطيعون أن يقضوا مصالحهم بأنواع وطُرق شتَّى: بكذبة بسيطة
تتغطى كل غلطة، بشهادة مرَضيَّة مزوَّرة يُبرِّرون كل غياب، بالرشوة
والمحسوبية يُقضى كل عمل،
بالتساهل في الأخلاقيات يمكن كسب عديد من
الأصدقاء، بعبارتين من عبارات التَّملُّق يمكن كسب الرؤساء وخداعهم،
وبشيء من
الرياء الخفيف يمكن الحصول على
احترام الناس ومديحهم، وبضربة
قاسية ومؤامرة خفيَّة يُمكن التَّخلُّص من جميع المقاومين… أمَّا
طريق الرب فهو صعب وكله قيود وموانع! فلماذا السير فيه؟! لذلك يرى
هؤلاء أن الهروب من اللَّه أفضل!

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة أيها المسيح الكلمة *


أو أن البعض يرى أن طريق اللَّه لا يُناسب
العصر! لا يناسب ما وصلت إليه المدنية والأفكار الحديثة وطبيعة
المجتمع. ويقولون إنَّ الذين يسيرون مع اللَّه هم (دقَّة قديمة) لم
يتحضروا بعد. فالبُعد عنهم وعن طريق اللَّه أفضل لكي يحتفظ
الإنسان
بسُمعته كشخص راقٍ متمدن… كما يرون أيضًا أن المجتمع الحديث يسخر من
هؤلاء المتحفِّظين، وهكذا يهرب هؤلاء من اللَّه.


البعض يهرب من اللَّه بسبب مُسمَّيات روحية
تتعبه:
فالحياة
الروحية
فيها
محاسبة النفس، وفيها
حياة التوبة، وفيه
النمو الروحي. وكل هذه أمور متعبة في نظر هؤلاء. يقول الشخص منهم: ما
معنى أن أجلس وأُحاسب نفسي وأكتشف أن لي ضعفات وسقطات، وأدخل في مذلة
الندم والشعور بالإثمSense
of guilt،
وأيضًا في تعب

الضمير
وتبكيته! مالي وكل هذا. الهروب منه أفضل لكي أعيش مستريحًا.
مثل هذا، هو كشخص عنده دمِّل أو خُراج، لا يريد أن يفتحه ويُنظِّف ما
فيه. بل يظن أنه يتركه هكذا ويستريح..! كما أنَّ التوبة
بالنسبة إليهم هي ترك حياة جميلة في أعينهم فما الدَّاعي للسَيْرِ في
التوبة وخسارة حياة المتعة الخاطئة. فالهروب من كل ذلك أفضل. وبالتالي
الهروب من اللَّه الذي يدعو إلى
التوبة وتغيير الحياة. أمثال هؤلاء
يعيشون في حالة تخدير دائم من الناحية الروحية. أو في حالة لا وعي
بالنسبة إلى ضمائرهم. وهم يهربون من واقعهم ويهربون من اللَّه.


وهناك مَن يهرب من اللَّه، لأنَّ لديه شيئًا
يحرص عليه، ويخاف عليه من اللَّه: هناك مَن يحرص على ما لديه من مال،
أو مظاهر من العظمة، أو قسوة تخضع الناس له، أو إدارة أعمال للهو، أو
شهرة في الملاهي، أو أساليب خاطئة توصله إلى ما يريد… فإن سار في
طريق اللَّه يحرمه من كل ذلك. فالوضع الأمثل أن يهرب من اللَّه.

هل تبحث عن  تفسير سفر الخروج - المقدمة


والبعض يهرب من اللَّه بسبب
اليأس، إذ يرى
أن السَّيْر في طريق اللَّه طويل لا يعرف مداه. فاللَّه لا يريدنا فقط
في
حياة التوبة، إنما يطالبنا
بالنمو الروحي حتى نصل إلى حياة القداسة
أو الكمال الممكن. فمَن يستطيع كل هذا؟! ومَن يستطيع في كل فضيلة أن
يتطوَّر فيها حتى يصل إلى قمَّتِها؟! إذن الهروب من اللَّه أفضل.


وهناك أسباب أخرى كثيرة للهروب من اللَّه.
على أن الذين يهربون منه، يهربون أيضًا من كل ما يتعلَّق باللَّه.
يهربون من دور العبادة، ومن قراءة كلام اللَّه ووصاياه، ومن
التأمل
في
حياة الفضيلة، ومن

الاجتماعات الروحية
، ومن كل مَن يُبكِّتهم بسبب
طريقهم الخاطئ، ومن كل مَن يدعوهم إلى تغيير نمط حياتهم.

ونحن نقول لكل
هؤلاء: مهما هربتم من اللَّه، فهو سيسعى إليكم ليجذبكم إليه. وقد صدق

داود النبي
حينما قال للَّه في
المزمور: “أين أهرب من روحك، ومن وجهك
أين أختفي؟!”
.(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في

موقع الأنبا تكلا
في أقسام المقالات والكتب الأخرى).

كما نقول لهم إنَّ هذا الهرب ليس من صالحكم. ويجب أن
تواجهوا الواقع في
شجاعة وصدق.


وأوَّل واقع تواجهه هو

أبديتك
، أي مصيرك
الأبدي. فإلى أي مصير سيقودك الواقع الذي تعيش فيه؟ إذن عليك أن تواجه
نفسك. وأنت لا تستطيع أن تخدر
ضميرك إلى الأبد. فلابد أن يصحو في يوم
ما. وحينئذ ماذا تفعل؟


مشكلة كبيرة تواجه الناس، وهى: كيف سيترك
الشخص خطيئته مع أنه يحبها؟! كأن الذي يترك الخطيَّة سيظل بنفس القلب
الذي يشتهيه! كلا، فإنَّ اللَّه حينما يُرجِع التائب إليه يمنحه قلبًا
جديدًا يختلف عن القلب الذي كان يشتهي
الخطيئة. كما أنه يمنحه نعمة
خاصة تقوده في الطريق الجديد. فلا تعطِ فرصة

للشيطان
الذي يحاول أن
يظهر لك صعوبة الطريق إلى اللَّه ويُقنعك بالهروب منه.

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة دقي يا أجراس، وادعي كل الناس *



مشاركة عبر التواصل الاجتماعي