لاحظنا أن الرب يسوع المسيح مَثَل أمام بيلاطس البنطي الوالي الروماني وأن هذا الأخير أقر أمام الجميع بأن يسوع كان بريئا وبدون علة تستوجب الموت. وهذا الإقرار ذو أهمية عظمى لأنه لو وجد أي شيء في المسيح يسوع يستوجب الموت أو القصاص فإنه لم يكن إذ ذاك ليقدر بأن يُكفر عن خطايا العالم. ومع أنه كان بريئا ومع أن القاضي الروماني أقر بذلك إلا أنه حكم عليه بالموت. وهذا أيضا أمر ذو أهمية كبرى لأنه بالحكم على يسوع المسيح بالموت- بالرغم من كونه بريئا- نرى أنه تألم ومات بشكل نيابي. مَثَل أمام الحاكم الروماني كممثل عنا إذ أننا نحن نستحق عقاب الموت لا يسوع المسيح القدوس.
وهذه كلمات الرسول بولس عن موضوعنا هذا والواردة في رسالته إلى رومية:
” لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار. فإنه بالجهد يموت أحد لأجل بار، ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضا أن يموت. ولكن الله بيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبرّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب. لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته” (5: 6- 10).
وعندما نتكلم عن موت السيد المسيح لا بد لنا من الإشارة إلى أن موته لم يكن بسبب المرض بل أنه أُعدم بواسطة الصليب. وهذه الطريقة لم تكن تُستعمل بين اليهود لأنهم كانوا يرجمون المحكوم عليهم بالحجارة. ولكن الرومان جاؤوا بهذه الطريقة المريرة للإعدام وهذه استعملت بالنسبة ليسوع المسيح. وهنا أيضا علينا ألا نكتفي بالكلام عن الآلام الجسدية التي لا تطاق والتي احتملها السيد المسيح له المجد بل أن نذكر أيضا ما ورد في الشريعة الإلهية بخصوص المعلق على خشبة. إذ أن الله كان قد ذكر أنه كل من يُعلِّق على خشبة فهو ملعون. فنقدر أن نقول أن المسيح بموته وبموته بصورة خاصة على صليب الجلجثة إنما أخذ على نفسه اللعنة التي كانت على كل منا. ولذلك كتب بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية:
” المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من عُلِّق على خشبة” (3: 13).
ولكن لماذا كان على المسيح أن يموت؟ عندما نبحث في هذا الأمر مستعينين بنور الوحي الإلهي نجد أنه لم يكن هناك أي مفر من موت المسيح لأن الله عزم على تخليص البشرية من الموت والخطية وإن ذلك لم يكن ليتم بطريقة تتفق مع عدالة الله وحقه بدون موت ابن الله المتجسد. وكما أن الموت هو رمز للَّعنة التي يرزح تحتها الإنسان نرى أن المسيح تحمّل هذه اللعنة وبذلك تغلب عليها وانتصر انتصارا تاما ونهائيا.
وهذه بعض التعاليم الكتابية التي تُلقي ضوءا على بحثنا في موضوع موت المسيح الكفاري على الصليب:
من الرسالة إلى العبرانيين:
” ولكن الذي وُضع قليلا عن الملائكة يسوع نراه مكللا بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد… فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي ابليس ويُعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية” (2: 9و 14و 15).
وقال السيد له المجد عن نفسه وعن موته على الصليب:
” أنا الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف، وأما الذي هو أجير وليس راعيا الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مُقبلا ويترك الخراف ويهرب فيخطف الذئب الخراف ويبدّدها. والأجير يهرب لأنه أجير ولا يبالي بالخراف أما أنا فاني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب وأنا أضع نفسي عن الخراف. ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد. لهذا يُحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا. هذه الوصية قبلتها من أبي” (الإنجيل حسب يوحنا 10: 11- 18).
ونحن لا نكتفي بالقول أنة السيد المسيح مات على الصليب بل نقول أيضا في قانون الإيمان وحسب تعاليم الكتاب أن المسيح” قبر” وهذا يعني أنه لا مجال مطلقا للشك في أن المسيح مات حقا ولذلك قبر. ويخبرنا الرسول يوحنا مايلي فيما يتعلق بموت المخلص ودفنه:
” وبعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان وكان إناء موضوعا مملوا خلا فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها في زوفا وقدَّموها إلى فمه فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أُكمل ونكَّس رأسه وأسلم الروح.
” ثم إذ كان الاستعداد فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت لأن ذلك السبت كان عظيما سأل اليهود بيلاطس أن تُكسر سيقانهم ويُرفعون فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معه وأما يسوع فلما جاؤوا إليه لم يَكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء… ثم أن يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خِفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع فإذن بيلاطس فجاء وأخذ جسد يسوع” (الإنجيل حسب يوحنا 19: 28- 34و 38) ثم يُخبرنا الرسول أن نيقوديموس انضم إلى يوسف ودفنا جسد يسوع في قبر جديد.