أؤمن بأن مريم انتقلت إلى السماء بالنفس والجسد.
هذه العقيدة كانت، عبّر العصور، تتثبَّت في الكنيسة جمعاء، إلى حدِّ أنّ آباء المجمع الفاتيكاني الأول “1869 – 1870” كانوا يعتقدون أنّها أصبحت من البلوغ بحيث يقتضي الأمر تحديداً عقائدّياً… إلى أن كان الأول من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1950، لمّا البابا بيوس الثاني عشر، بعد استشارة جميع المسؤولين في العالم الكاثوليكيّ، أعلن العقيدة في دستوره ألرسوليّ Munificentissimus Deus، بقوله إنّ الإيمان “بأنّ مريم أُمّ الله البريئة من الخطيئة الأصليّة، والدائمة البتولية، لما بلغت نهايةَ مطافها الأرضي، قد رُفِعَتْ إلى السماء نفساً وجسداً، في المجد السماويّ، هو عقيدةٌ مُوحى بها من الله.” إلامَ تستند هذه العقيدة؟ إلى ما تحتويه ضِمناً بعض النصوص الكتابيّة مثل كلام الملاك لمريم: “يا ممتلئة نعمة” (عدم التعرّض لفساد القبر مُحتوى في هذا الامتلاء)… وكلام أليصابات: “مباركة أنت في النساء” (مريم أم الله كليّة البركة. فهل تُعاقَب مِثلَ غيرها بفساد القبر؟)… وكلام الربّ للحيّة الجهنميّة: “والمرأة تستحق رأسكِ” (هل يُستطاع القول إنّ مريم سحقت رأس الشيطان الذي به كان الموت وفساد القبر، إن هي نال منها فساد القبر؟). هذا، طبعاً، لا يؤلّف وحده إثباتاً قاطعاً لانتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد. هناك أيضاً الاستناد إلى التقليد… لا بدّ هنا من شرح لهذه الكلمة ولهذا المستَنَد. كلمة “تقليد” لا تعني، كما في لغة الشعب. التشبُّه أو التمثُّل. التقليد يؤخذ هنا بالمعنى الأصليّ للكلمة: قلّد، يقلِّد، يعني سلَّم، يسلِّمُ المِقلاد. والمِقلاد هو المفتاح، هنا مفتاح المعرفة الدينيّة. هذا المفتاح، سلّمه المسيح إلى الرسل، والرسل سلّموه إلى خلفائهم في الكنيسة من بعدهم. فالوحيُ الإلهي هو ما جاء في الكتب وما جاء في التقليد كتابةً كان أم شفهياً. هذا وإنّ الكنيسة الجامعة الرسوليّة تنعم، منذ العنصرة، بحضور الروح القدس ومؤازرته. فهي لا يسعُها أن ترتكب، في مُجْملِها، خطأً عقائديّاً. فعندما ينبثق المعتقد من أعماق حسَّها الجماعيّ، وعندما يُصاغ المعتقَد هذا في صلوات وعبادات يُصادَق عليها رسميّاً، فإنّ ذلك يتوافق بلا ريب مع الحقيقة الوحَى بها، حتى من قَبلِ أن تَضمنَه عصمةُ حبرٍ أعظم أو مجمعٍ متَّحدٍ بالحبر الأعظم…