الآب الأزلي قد كان حدد راسماً أن يخلص الإنسان الهالك بالخطيئة وينقذه من الموت الأبدي، ولكن من حيث أنه جلت حكمته كان يريد في الوقت عينه أن عدله الإلهي لا يبقى خائباً من الوفاء المحق له ضرورةً، فلذلك اذ لم يوفر في هذا الأمر المهم عنايةً، حتى ولا حياة أبنه الوحيد المتجسد لأجل خلاص البشر، فأراد تعالى أن هذا الأبن يفي بكل صرامةٍ العقاب الذي أستحقته البشر، كما يقول الأنبا المصطفى: أن الله لم يشفق على أبنه بعينه بل بذله عن جميعنا: (رومانيين ص8ع32) فقد أرسله اذاً الى العالم لأجل هذه الغاية متأنساً، وعين أماً له البتول مريم الطوباوية، ولكن لأنه عز وجل لم يرد أن أبنه الإلهي يصير ابناً لهذه العذراء قبل أن تعطى هي رضاها الصريح بذلك. فهكذا لم يشأ تعالى أن هذا الأبن يقدم ذاته وحياته ضحيةً من غير أن ترافقه أرادة والدته ورضاها، حتى يكون على هذا النوع قلب مريم العذراء مقدماً ضحيةً لله جملةً مع تقدمة حياة ابنها يسوع.