أمَا يهُمُّك؟

أمَا يهُمُّك؟

فأيقظوه وقالوا له: يا معلم، أما يهمك أننا نهلك؟..

قال لهم: ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم

( مر 4: 38 – 40)



ألا ترى أيها القارئ العزيز مرآةً في التلاميذ تعكس لنا أنفسنا؟ هذا ممَّا لا شك فيه. فكم مرة إبَان التجربة والضيق تُردِّد قلوبنا هذا السؤال، وإن كانت شفاهنا لا تتلفظه، وهو: «أمَا يَهمُّك؟». فإن أصابتنا الأمراض وطُرِحنا في الفراش فإننا نعلم أن كلمة من إله كل قوة وقدرة تُزيل العلّة وتُبرئنا من الداء وترُّد إلينا صحتنا، ومع كلٍ نجده مُمتنعًا عن إعطاء هذه الكلمة. أو ربما ضاق رزقنا ودُفعنا في مخالب الفقر وأنياب الحاجة والعَوز، فإننا نعلم أن للرب الفضة والذهب، وكنوز الكون تحت تصرُّفه، ومفاتيح خزائن المسكونة في يدهِ، ومع هذا ربما يمر يوم بعد آخر وهو لم يسد عوزنا، وقصارى القول؛ فإننا نجتاز في المياه العميقة وتعج الأمواج علينا، وتُزمجر العواصف ضدنا وتضرب سفينة حياتنا إلى أن نبلغ نهايتنا، وعند ذلك نشعر أننا على استعداد أن نسأل هذا السؤال المُرعب: «أمَا يَهمُّك؟».

إن الرب ينخس قلوبنا كلَّما افتكرنا أننا بعدم إيماننا وسوء ظننا نُحزِن قلبه المُحب، لأنه ما أسخف عدم الإيمان! وما أظلم أوهامه! كيف يتأتى أن ذاك الذي بذل نفسه عنا، وأخفى مجده حبًا بنا، ونزل إلى عالم التعب والبؤس، ومات موت العار ليُنقذنا من الغضب الأبدي، كيف يتأتى أن يهملنا ولا يُبالي بنا؟! ولكن ما أسرعنا عندما ينفد صبرنا تحت تجربة الإيمان أن نشك فيه مع أن التجربة التي ننحني تحتها ونخور بسببها وننكسر أمامها تُنتِج فينا ما هو أثمن من الذهب الخالص! فالذهب فانٍ وبائد أما ثمر الامتحان فدائم وباقٍ. وكلَّما زاد امتحان الإيمان الصادق زادَ لمعانه. ومتى اشتَّدت التجربة فالعاقبة تؤول إلى حمد الله وتسبيحه وإكرامه، ومجد ذاك الذي لم يَهَب الإيمان فقط، بل يُجيزه في أتون النار ساهرًا عليه تمامًا.

هل تبحث عن  قراءات اليوم الاثنين 18 فبراير 2019 - 11 امشير 1735

فمسكين ابن آدم، وأي مسكين هو! ما أضعفه من مخلوق، لأننا إزاء صعوبة واحدة ننسى مئات المراحم وربوات الإحسان! قال مرة داود: «إني سأهلك يومًا بيد شاول»، ولكن ماذا صار، وكيف آل المآل ودارت رحى الأمور؟ سقط شاول في جبل جلبوع، أما داود فتبوأ عرش إسرائيل. وهنا ظن التلاميذ أنهم على وشك الغَرَق مع أن الرب في السفينة، ولكن ماذا جرى؟ قام ذاك الذي من قديم أتقَن العالمين من لا شيء «فقامَ وانتهر الريح، وقال للبحر: اسكُتْ! ابكم! فسكنَت الريح وصار هدوءٌ عظيمٌ».

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي