“أنا هو خبز الحياة”
"أنا هو خبز الحياة"
من أول وأهم أقوال المسيح التي تبدأ “أنا هو” والمذكورة في إنجيل يوحنا (6 : 35) “أنا هو خبز الحياة” وقد قال المسيح هذا القول عقب إشباعه للجماهير. وأثناء أقواله قال لهم “لا تنظروا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيه لكم ابن الإنسان” (6 : 27). وبينما كان المسيح يحاول أن يحثهم علي الإيمان به يواجهه تحد لكي يوضح لهم من هو “فأية آية تصنع لنري ونؤمن بك؟ (عدد 30) ثم أضافوا : “آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب : إنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا” (عدد 31) وهم بذلك كانوا يشيروا بوضوح إلي أن موسي أعطاهم المن لأن المسيح استمر في تصحيح مفهومهم الخاطئ. فقال “الحق أقول لكم : ليس موسي أعطاكم الخبز من السماء بل أبي” (عدد 32) ثم يضيف : “أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم” (عدد 33) وبذلك يوضح يسوع لهم أن الله لم يعطهم الخبز النازل من السماء فحسب (في الماضي) بل أنه مازال يعطيهم وأشار إلي نفسه أنه هو “الخبز النازل من السماء” (عدد 33). وكان قصد المسيح الواضح أن يحرك فيهم الرغبة الروحية وإذ بهم يطلبون هذا الخبز النازل من السماء ولكن كان تفكيرهم مرتبط بطلب الخبز المادي كما يظهر هذا في محادثتهم فيما بعد.
وإذ بيسوع يجيبهم بكل قوة “أنا هو خبز الحياة من يأتي إلي لا يجوع ومن يؤمن بي لا يعطش” (عدد 35). وتوضح هذه الآية جوهر رسالة يسوع. إنه الاستجابة لحاجيات قلب الإنسان : “فخبز الحياة يشير إلي الدور الأساسي الذي يقوم به يسوع لكي يشبع الروح الإنسانية. فخبز يسوع هو المصدر الأول والرئيسي للغذاء الروحي. ولأن الخبز هو الغذاء الرئيسي في العالم لذلك فهو يستطيع أن يشبع كل إنسان. فيسوع هو مخلص العالم. ومعطي الحياة للعالم (عدد 33). ويقول “موريس” أن أداة التعريف “الـ” (الخبز) تشير إلي أن يسوع وحده فقط هو خبز الحياة. ويقرر “ميلن” أن خبز الحياة يشير أيضاً إلي الطبيعة المشبعة ليسوع “ويظهر هذا في قوله” لن يجوع ولن يعطش. فكل أنواع الخبز الأخري مثل المن تترك إحساساً بالجوع في النهاية. وبمقارنتها بمن اختبر المسيح فإنه لا يحتاج إلي أي شئ آخر لإشباعه. وباختصار فإن يسوع بقوله “أنا هو خبز الحياة” يكشف عن طبيعته السماوية وأنه هو فقط الذي يستطيع أن يشبع الحاجة الروحية لمستمعيه.
يخبرنا يوحنا في بداية إنجيله أن الكلمة المتجسد “فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه” (يوحنا 1 : 4 – 5). ومرة أخري يستخدم يوحنا تشبيه النور ويضخم ما قاله سابقاً. ويقرر يوحنا أن المسيح قال أنه نور العالم وأقوال أخري متشابهة في مناسبات مختلفة (8 : 12، 9 : 5، 12 : 35 – 39). وبالرغم من أن يوحنا لم يخبرنا بالضبط متي قال المسيح هذا (8 : 12) ولكنه يعرفنا بالمكان الذي قال فيه. حدث هذا في عيد المظال في فناء الهيكل. (7 : 14).
وأثناء عيد المظال يحدث حدثين دينيين مهمين ولهما إشارة رمزية. الأول هو صب المياه علي الجانب الغربي من المذبح بواسطة الكهنة اللاويين وهم ينشدون ما جاء في مزمور 113. أما الحدث الثاني فهو إضاءة العديد من الشموع الضخمة داخل الهيكل. ويقول البشير يوحنا أن يسوع انتهز هذه الفرصة لاستخدام هذين الرمزين ليوضح تعاليمه لهم (7 : 37 – 38، 8 : 12). وقد ذكر تشبيه النور في العهد القديم. فمجد الله الذي كان يملأ المكان في السحابة كان يقود الناس إلي أرض الموعد (خروج 13 : 21 – 22) وكان يحميهم من أعدائهم (خروج 14 : 19 – 25) وتدرب الإسرائيليون علي الغناء “الرب نوري وخلاصي” (مزمور 27 : 1) وكانت كلمة الله وناموسه هي النور الذي يضئ الطريق لمن يتعلقون بوصاياه (مزمور 119 : 105، 6 : 23). وأضاء نور الله في رؤيا (زكريا 1 : 4، 13، 26، 28) وبالخلاص (عبرانيين 3 : 3 – 4) “والنور هو يهوه العامل وسطهم” (مزمور 44 : 3) ويخبرنا أشعياء أن عبد الرب قد جعل نوراً للأمم ليكون خلاص لأقصي الأرض (أشعياء 49 : 6) وسيكون العصر الآتي وقت يكون فيه الرب نفسه نوراً أبدياً لشعبه (أشعياء 60 : 19 – 22 ورؤيا 21 : 23 – 24) كما أن (زكريا 14 : 5 – 7) له أهمية خاصة بوعده بالنور في اليوم الأخير ويتبعه وعد بالماء الحي التي تخرج من أورشليم وربما كان هذا النص هو الذي يقرأ في هذا العيد.
ولهذا وهم يحملون في أذهانهم كل هذه الآيات والطقوس كان إعلان يسوع مدوياً بقوة. وخاصة عندما قال أنه نور للعالم كله وليس لليهود فقط. والإشارة إلي النور ليس فقط مادياً وأخلاقياً كما يستنتج “موريس” عندما أعلن يسوع “إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه” (11 : 9 – 10) وهذه الإشارة إلي النور الغير موجود فيه يوضح أننا انتقلنا من النور المادي إلي الحقيقة الروحية ويعلق “موريس” بالقول “إن يسوع أخبر مستمعيه أن الذين يرفضونه ولا يتخذونه مخلصاً لحياتهم هم في خطر عظيم. وبالاختصار نقول أن الفكر الرئيسي في القول “أنا هو نور العالم” أن يسوع هو النور الوحيد الذي يجب أن نرحب به ونؤمن به أيضاً وإلا سوف نهلك.
هل تبحث عن  تفسير سفر طوبيا - مقدمات

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي