طريق التوبة
3: 10- 18

قالوا: “ماذا نعمل”؟ أجاب: “من له ثوبان فليعطِ من لا ثوب له”.
إستقبل يوحنا المعمدان كل الذين جاؤوا يعبرّون عن توبتهم. فأرض فلسطين، بل أرض الشرق كله، إنطبعت خلال القرن الأول المسيحي بولادة تيارات “مواهبية” عرفت باسم “التيارات العمادية”. فإطار الشريعة وما فيها من قساوة (هناك 613 وصية يجب أن يمارسها الشعب المسكين) يجعل الناس يقنطون سريعاً ويرخون أيديهم.
وظهر تيار روحي، فعرض طريق خلاص بسيطة مع أنها كانت هي أيضاً متطلّبة. فخارج الشريعة ومضايقتها، وبعيداً عن الهيكل وطقوسه المتشعّبة، نستطيع أن نصل إلى الخلاص بواسطة عماد الماء وتوبة القلب. ويوحنا هو أحد هؤلاء المعمّدين الذي يدعون الناس إلى هذه التوبة. قالوا له: “مذا يجب أن نعمل”؟ هذا السؤال الذي يدلّ على أناس يطلبون التوبة، سنجده أيضاً في سفر الأعمال. قال شهود العنصرة: “ماذا يجب علينا أن نعمل أيها الإخوة” (أع 2: 37)؟ وكذا قال السجّان في فيلبي (أع 16: 30). وكذا قال بولس ليسوع في طريق دمشق (أع 22: 10).
وقدّم يوحنا التوبة للجميع: لم يستبعد أحداً. لا العشّارين الذين يحتقرهم الشعب. لا الجنود الذين يبغضهم اليهود المتديّنون. وما أمر يوحنا الحجّاج الطالبين الخلاص أن يتركوا مهنتهم. بل أن يمارسوا العدالة عندما يقومون بعملهم. حينئذ نفهم أن التيار العمادي لم يكن دعوة إلى التراخي، وإن خفف من ممارسات العبادة والشريعة. جعل في المقام الأوّل التوبة الداخلية التي يكون العماد علامتها المنظورة.
دشن عماد يوحنا الأزمنة الجديدة. هو بلاغ ملحّ، لأن دينونة الله آتية وهي عنيفة. وانطبع كلام يوحنا برنّة جليانية تعلن النهاية القريبة للأزمنة ودينونة الله الرهيبة.
قد يكون يسوع انطلق من هذا التيار العمادي. ولكنه بعد أن يأخذ بأسمى ما في روحانيته، سيبتعد عنه. فالإله الذي يتحدّث عنه ليس الإله المنتقم. فالإله الذي يعظ به هو إله المصالحة الذي يشرق شمسه على الأشرار والأخيار. وقد يكون هذا هو الاختلاف الأساسي بين المعمدان ويسوع. فقلقَ المعمدانُ في سجنه وأرسل يسأل يسوع: “أأنت الآتي أم ننتظر آخر”؟
واتخذ الانتظار شكلاً مختلفاً بعد أن ظهر الله في شخص يسوع. نبقى ساهرين متيقّظين. نبقى شهود إله المصالحة بالنسبة إلينا وإلى إخوتنا البشر.
التوبة! لا نتوقف عند أفكار البطولة عند القديسين (الجلد، الإمتناع عن الأكل)، ولا عند مشاريع حياة غريبة (أسفار، أعمال). فهناك نظرة يجب أن نصحّحها.
صدَم المعمدان سامعيه، فأثّر على قلوبهم: “يا نسل الأفاعي. قوموا سريعاً بأعمال تبرهن أن توبتكم جدّية”، وجاء الحجّاج إلى الأردن. كانوا ذوي إرادة طيبة. فسألوا كما نسأل نحن: “ماذا يحب علينا أن نعمل”؟
ونتعجّب من موقف يوحنا. لقد أعادهم إلى الحياة اليومية. فهذه الخطبة الأولى التي نقرأها في الإنجيل تقول لنا إن كل واحد يستطيع أن يصير قدّيساً.
من جاء يسمع يوحنا؟ اناس أنانيون، عشّارون محتقرون يجمعون الضرائب للمحتل، جنود قساة لا تعرف قلوبهم الشفقة. لم يخرجهم يوحنا من حياضهم. قال: أنتم البخلاء، عيشوا المشاركة. إفتحوا قلوبكم وبيوتكم وأكياسكم. أعطوا ولا تمنعوا أحداً. أنتم الذين تنفّذون القانون: أطلبوا فقط ما يجب أن تطلبوا ولا تظلموا أحداً. هكذا تكون صلواتكم وتضحياتكم: مارسوا العدالة. وأنتم أيها الجنود لا تستغلّوا الناس ولا تسلبوهم ما يملكون.
أما يخيّبنا هذا الكلام؟ كنا ننتظر كلاماً رفيعاً يطلب من الناس أن يتركوا أعمالهم لأنها تحمل وصمة الخطيئة والفساد! ولكن، هنا تكون التوبة. تكون في العمل اليومي لا في الأحلام، وفي الابتعاد عن الواقع.
كم من المسيحيين يخرجون من قداس الأحد، فيخافون العودة إلى الحياة اليومية التافهة، بعد أن “رفعت قلوبهم وعقولهم إلى العُلى”؟ إنهم يخطئون. هم يخرجون من الكنيسة ليحوّلوا كلمة الله التي سمعوها إلى ثمار توبة.
هم لا يتركون الإنجيل سحابة ستة أيام ليعيشوا الأمور اليومية. بل، يجعلونه حياً في حياتهم العادية. والإنجيل يجعل من حياتنا التافهة حياة عظيمة. أن نحيا مع يسوع، أن نحيا مثل يسوع. هذا ليس بالأمر الهيّن ولا البسيط.
تدعونا يا يسوع لأن نحيا فرح الرب، وتريد أن يعرف جميع البشر صفاءنا وهدوءنا. تدعونا يا يسوع ألاّ نعيش في القلق، بل في الشكر. فقل لنا اليوم إن الخليقة وُضعت بين أيدينا وأننا نحن لك، وأنه سبب أن نقود إلى ملكوتك كل الذين أوكلتنا بهم. تدعونا يا يسوع إلى الرجاء فقل لنا أننا سنصبح يوماً ما لأجله صنعنا، وأن النور سيضيء في الأفق، وأن أرضنا ستكون جميلة مثلما خرجت من يد الله في أيام الخليقة الأولى

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة من مثلك يعطي سلام؟*

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي