التجلّي
17: 1- 9

هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت
يرتبط التجلّي بحدثين. الأول، اعتراف بطرس بيسوع على أنه المسيح (بعد ستة أيام، مت 16: 17- 20). والثاني، أول أنباء بالآلام يعلنه يسوع (يجب أن يعاني آلاماً شديدة، مت 16: 21).
قاد يسوع تلاميذه إلى الجبل، وهناك شهدنا تأكيد الله للانباءات السابقة. قابل متّى بين حياة يسوع وحياة موسى، فتذكّر في إشعاع وجه يسوع مقطعاً من سفر الخروج (34: 29) يقول إن وجه موسى شعّ لأن الرب تكلّم معه.
وكان موسى مع إيلّيا. مثَّل الأوّل الشريعة والثاني الأنبياء. وهكذا رأى التلاميذ مخطّط الله الذي حدِّد منذ أجيال وأجيال.
وعرض بطرس أن ينصب ثلاث خيم، فعبّر عن الانتظار الاسكاتولوجي (أي: في نهاية الأزمنة) الذي يحدّثنا عنه عيد المظال (أو: الأكواخ). فقد اعتاد اليهود في شهر أيلول ان يقيموا في أكواخ من أغصان الشجر، فيتذكّرون إقامة آبائهم في البرية. ويحتفلون أيضاً بحضور الله وسط شعبه. ويدلّ على هذا الحضور غمامةٌ مضيئة في الليل ومظلمة في النهار. هذه الغمامة غطّت جبل التجلّي. وانتظروا أيضاً أن يتحقّق مُلك الرب في العالم تحققاً كاملاً (زك 14: 9، 16). إذن، تخيّل بطرس أن اليوم العظيم قد جاء.
وأرسل الصوت الإلهي جواباً كما في المعمودية على نهر الأردن: “هذا هو ابني الحبيب” (رج مت 3: 17). ثم عبارة “إسمعوا له”، التي قيلت عن النبي الذي نسمع له (تث 18: 15). أجل، نحن أمام نداء لنسمع المسيح الذي أعلن عن آلامه القريبة. وبطرس المندفع الذي عارض شكّ الصليب (مت 16: 22)، ها هو مدعوّ إلى أن يمشي وراء معلّمه ويسمع له.
وبعد القيامة، يأتي وقت إعلان البشارة. فمن دون الصليب، يصبح التعليم عن المسيح تعليماً بشرياً. ومقابل هذا، يجعلنا شكّ الصليب (مع ما فيه من اتضاع وذل) نكتشف في أي معنى يسوع هو ابن. ليس هو فقط ابن ابراهيم بل ابن الله في الطبيعة. أما بالنسبة إلينا، فالتجلي العابر يجعلنا نستشفّ أصله الحقيقي، ونفهم إلى أي تحوّل نحن مدعوّون حين “يحوّل الرب يسوع جسدنا الحقير، فيجعله على صورة جسده المجيد” (فل 3: 21).
يسوع هو موسى الجديد، محرّر شعبه وحامل الشريعة إليه. وهو أيضاً إيليا الجديد. إنه نبيّ الإنجيل. لم يكن فقط الشاهد الذي لا يساوم تجاه الإله الوحيد والغيور، بل كان أيضاً الشاهد لإله الرحمة، لإله المغفرة والحنان، لإله الحب، لله الآب.
حين أعلن موسى وإيليا وحدانيّة الله خاطرا بحياتهما. وإذ أعلن يسوع أن الله هو أب لجميع البشر، وأن الجميع مدعوّون لأن يعرفوا بأنهم أبناؤه الأحبّاء، ظلَّ أميناً لرسالته حتى الموت. وجدّد العهد (الميثاق) لا بدم الحيوانات، كما كان يفعل العبرانيون، بل بدمه. قال ليلة آلامه: “هذا هو العهد الجديد بدمي”.
بعد رؤية جبل التجلّي، كان بإمكان الرسل أن يواجهوا آلام يسوع. ولكن بطرس سقط بعد أن تجرأ وتبع معلمه إلى بيت رئيس الكهنة. أما يوحنا فرافقه حتى الصليب وسيكون شاهداً ليسوع حين يسلم الروح. وفي صباح القيامة سيؤمن أمام القبر الفارغ. سيؤمن أن يسوع هو حقاً ابن الله وحامل حبّ الله والمنتصر على الموت. وسيكتب فيما بعد: “يا أحبّائي، نحن منذ الآن أبناء الله، وسنكون أشباهه”.
نكون أشباهه في ملكوت أبيه بعد الموت. ولكننا نستطيع أن نتشبّه به منذ الآن في الإيمان والحبّ. فنحن نرث في يسوع مخلِّصنا إيمان ابراهيم وشجاعة إيليّا.
كان حبُّ الله يحيط بيسوع على جبل التجلّي كما على الصليب، هكذا يرافقنا حب الآب في الظلمة كما في النور، في الفرح كما في الحزن. هذا هو إيماننا.
بعد برّية التجارب، جاء جبل التجلّي. بعد انتصار على تجارب ضد الإيمان، علينا أن نتقدّم في التعرف إلى يسوع. كان لتلاميذه الأوّلين (ولعدد منا) نبي النادرة الذي سحرهم باعلان البشارة. ولكن كيف نتجاوز فشل كرازة يسوع واقتراب موته؟ لنتبعه إلى الجبل لأن إماننا يحتاج إلى قوة وشجاعة. قبل وجه يسوع المتألم على الصليب، هناك وجه النور. سيكون هناك الصليب، وسيكون المجد أيضاً. وحين تأتي محنة الإيمان للتلاميذ (ولنا أيضاً)، وحين يحل ظل القبر، نتطلّع إلى نور التجلّي. لا نتوقّف فقط عند يسوع المتألّم والمائت، بل نتطلّع إلى المسيح الحيّ والممجَّد

هل تبحث عن  **** مزمور 119 **** التفسير

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي