أُمَّنا العذراء مريم ودورها في تاريخ الخلاص
من خلال الكتاب المقدس وسيرة القديسين وتاريخ الكنيسة, ومن خلال ظهورات مريم العذراء عبر التاريخ لأشخاص معيَّنين أو لمجموعة من الناس ورسائلها للبشرية يتأكّد لنا دور أمنا مريم في مشروع الله الخلاصي وكيف أنَّها بقبولها أن تكون ام الله حاملة في احشائها رب المجد يسوع المسيح, قد أهدت البشرية أعظم خبر, وهو بشرى مجيئ المُخلص الذي سيخلص ويُنقذ جميع الذين يقبلوه بأيمان صادق في حياتهم .
ان الكنائس الشرقية منذ القِدم تكرم العذراء مريم في الطقوس الكنسية والصلوات الليتورجية، والاباء الشرقيون يشيدون بقداسة العذراء مريم، حيث يقول القديس مار افرام السرياني (+373) ان العذراء مريم هي التابوت المقدّس، والمرأة التي سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفسًا وجسدًا، والكاملة القداسة، وإذ يقابل بينها وبين “: حوّاء، يقول:” كلتاهما بريئتان، وكلتاهما قد صنعتا متشابهتين من كل وجه، ولكنّ إحداهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا””في الحقيقة، أنت، يا ربّ، وأمّك جميلان وحدكما من كل وجه وعلى كل صعيد، إذ ليس فيك، يا ربّ، ولا وصمة، وليس في أمّك دنس ما البتة” .
والقدّيس يوحنا الدمشقي (+ 749) يعلن أنّ مريم قدّيسة طاهرة البشارة “إذ إنّها حرصت على نقاوة النفس والجسد كما يليق بمن كانت معدّة لتتقبّل الله في أحشائها.” واعتصامها بالقداسة مكنّها أن تصير هيكلاً مقدّسًا رائعًا جديرًا بالله العليّ”. ومريم طاهرة منذ الحبل بها: “يا لغبطة يواكيم الذي ألقى زرعًا طاهرًا! ويا لعظمة حنّة التي نمت في أحشائها شيئًا فشيئًا ابنة كاملة القداسة”. ويؤكّد أنّ “سهام العدوّ الناريّة لم تقو على النفاذ إليها”، “ولا الشهوة وجدت إليها سبيلاً ” .
أمّا المجمع الفاتيكاني الثاني ، يحثّ المؤمنين على تكريم مريم العذراء تكريمًا خاصًّا، موضحًا طبيعة هذا التكريم وأساسه، والاختلاف الجوهري بين هذا التكريم وعبادة الله، فيقول :
“”إنّ مريم قد رُفعت بنعمة الله، وإنّما دون ابنها، فوق جميع الملائكة وجميع البشر بكونها والدة الإله الكلّية القداسة الحاضرة في أسرار المسيح. لذلك تكرّمها الكنيسة بحقّ بشعائر خاصّة. والواقع أنّ العذراء الطوباويّة، منذ أبعد الأزمنة، قد أكرمت بلقب والدة الإله” .
ان المؤمنين يلجأون الى حمايتها مبتهلين إليها في كلّ مخاطرهم وحاجاتهم. وقد ازداد تكريم شعب الله لمريم ازديادًا عجيبًا، خصوصًا منذ مجمع أفسس، بأنواع الإجلال والمحبّة والتوسّل اليها والاقتداء بها، محقّقًا بذلك كلماتها النبويّة”جميع ألأجيال ستهنِّئني لأنّ القدير صنع ليَّ عظائم “لو 1: 48 ” .
مريم امّ المسيح هي “كالسوسنة بين الشوك” نشيد ألأنشاد”2:2″ مريم العذراء هي “الجنّة المقفلة” نشيد 4:12″ ومن تستطيع سواها ان تتلقى هذا المديح بحقّ: أليست هي “المباركة في النساء، الممتلئة نعمة؟” (لوقا 1: 28) انّ ما يجعلها زنبقة وسط بنات حوّاء عفاف كامل شامل وبراءة دائمة من المهد الى اللحد وسلامة من خطيئة الابوين .
وهذا ما قالته بتواضع في نفسها
“لان القدير عطف على امته الوضيعة، فها منذ الآن تطوّبني جميع الاجيال: ” (لوقا 1: 48). وقد اشارت احدى الانتيفونات(لحن كنسي يسمّى المرابعة) في طقوس عيد الميلاد المجيد الى السيدة مريم العذراء بكلمات مؤثّرة: “ولدت الوالدة ملِكا أزليَّ الاسم ابديَّ الوجود، وانشرح صدرها بأفراح الامومة مع احتفاظها بشرف البتوليّة. لا، ما كان لها قطّ من شبيهة ولن يكون ”
مريم العذراء هي السيدة “التي لا عيب فيها، كلّها جميلة والجمال ليس جمال المظهر فحسب بل هو أولا جمال الاخلاق”أيَتُها الجميلة في النساء”نشيد 5:9” .
ومَن غيرُ “المباركة بين النساء” هل تستطيع ان تدّعي الخلوّ من أيّ عيب أو نقص أو ميل إلى الشّرّ؟
قالت لشخص اسمه خوان في أحد ظهوراتها في المكسيك سنة 1531 عندما سألها من أنتِ قالت ” أنا البتول العذراء مريم الدائمة البتولية البريئة والكاملة الأوصاف، والدة الإله الحق، باعث الحياة في الخلائق وسيد الأشياء القاصية والدانية، ورب السماوات والأرض .
مريم العذراء هي المرأة المحمولة بها بلا دنس, أي منذُ حبل بها في رحم امها كانت نقية وطاهرة من الخطيئة, وقد أعلنت مريم العذراء هذه الحقيقة في احد ظهوراتها في مدينة لورد الفرنسية. وفي سنة 1854 أعلنها البابا عقيدة ايمانيّة للكاثوليك, عقيدة الحبل بلا دنس .يقول الرب على لسان النبي ملاخي, عن ولادة
الطفل العجيب يسوع المسيح, في بيت لحم من أمرأة “لكن يابيت لحم افراتة, صغرى مدن يهوذا, منك يخرج لي سيِّد على بني اسرائيل يكون منذُ القديم, منذُ أيّام الأزل لذلك يترك الرب شعبه الى حين تلدُ الوالدة “ملاخي5:2,3”, فمريم هي ام المسيح وأم الكنيسة بشهادة ابنها عندما قال للتلميذ الآخر (يوحنا البشير) “هذه امُّك ” يوحنا 19:27″.
مريم أم المخلص يسوع المسيح لها مكانة خاصة عند الله بشهادة الملاك جبرائيل عندما بشَّرها بالميلاد العجيب فهي المختارة المميزة الممتلئة نعمة “لاتخافي يامريم ُ, نلتِ حظوة عند الله …..فالقدوس المولود منك يدعى أبن الله”لوقا 1:30,35″.
مريم هي عروسة الله على الأرض وهي هيكل الروح القدس الممتلئة نعمة الله”الروح القدس يحلُّ عليك, وقدرة العلي تُظَلِّلُكِ, لذلك فالقدوس الذي يولدُ منكِ يُدعى أبن الله”لوقا1:35″.
يسوع المسيح أخذ حياته من مريم العذراء فعظمة مريم هي من عظمة المسيح وهي التي تعطي يسوع وتُقَدِّمهُ ذبيحة لخلاص البشرية. البابا يوحنا بولص الثاني قال :مريم هي القُربانية, وعاشت القربانية عندما قالت” نعم”أنا خادمة الربِّ: فليكن لي كما تقول : “لوقا1:38”, هي ملئ الطهارة والنقاوة فهي تستحق لأن تُدعى أم الله, ولهذا هتفت اليصابات قائلة لمريم العذراء, بالهام من الروح القدس, قائلة: “مباركة أنت في النساء ومباركٌ أبنكِ ثمرةُ بطنكِ! من أنا حتى تجيئُ اليَّ أُمُّ ربِّي؟”لوقا 1:42,43″.
عندما نرجع الى الكتاب المقدس نقرا عند أعلان مولد طفل كان يقابل بردود أفعال متباينة, امّا مريم العذراء فقد كانت مختلفة عن كل نساء العهد القديم لأنّها تحدَّت الأفكار البشرية وواجهت كل التحديات في زمانها وقبلت فكر الله وخضعت للأرادة الألهية ومشيئته, فقد ضحكت سارة أمرأة ابراهيم عندما بشَرالملاك ابراهيم بولادة اسحاق”تكوين18”. امّا متوح, والد شمشون فقد ذُعر “قضاة 13:22″ بينما شكّ زكريا”لوقا 1:18″.
أما مريم العذراء, فعلى العكس من ذلك, فانها خضعت بكل تواضع, اذ امنت بكلمات الملاك وقبلت أن تحمل الطفل حتى في ظروف بشرية مستحيلة, لأنها آمنت أن ليس هناك مستحيل عند الله, فهي تجاوبت مع البشارة بدون أي شك وهذا ما يظهر كُلّه في نشيدها المشهور ” تعظُّم نفسي الرب “لوقا :46_55 :1” .
“هناك عند صليب يسوع، وقفت أُمه(أم يسوع)، وأخت أمّه مريم امرأة قلوبا، ومريم المجدليّة، فرأى يسوع أمّه، وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. ثمّ قال للتلميذ: “هذه أمّك”. فقال لأمّه: أيتها المرأة، هذا أبنكِ ومنذ تلك الساعة استقبلها التلميذ في بيته “يوحنا 19,25,27” . يقول الأب بولص الفغالي عن مشهد المسيح وهو على الصليب يتنازع مع الموت ومشهد أمه العذراء مريم وهي تحت الصليب تنظر
الى ابنها الوحيد, فيقول:”ومريم، هي الحاضرة عند الصليب بينما الرسل غائبون ماعدا يوحنا. ولكنّ حضورها هو حضور الألم، حضور الصمت، هي واقفة تنظر إلى يسوع كما ينظر إليها ولغة العيون خيرٌ من لغة اللسان …. مريم هي الحاضرة دومًا، الصاغية دومًا، المتنبّهـة دومًا… وتبقى مريم “أمّ يسوع” حاضرةً بين التلاميذ بعد ارتفاعه، كما يذكرها كتاب أعمال الرسل “مواظبةً معهم على الصلاة بقلب واحد في انتظار نزول الروح القدس” (راجع سفر ألأعمال1:14)، ولا تزال حاضرةً في الكنيسة. إنّها “هناك” حيث تجتمع الكنيسة للصلاة، وهي “هناك” في قلب كلّ مؤمن، وهي في انتظار أن نلقاها”هناك” في ملكوت السماوات.
أنَّ الكتاب المقدّس كلّه يبدأ بوعد الخلاص “للمرأة” في سفر التكوين إذ قال الربّ الإله للحيّة: “وأجعل عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، فهو يسحق رأسك وأنت تصيبين عقبه” (3: 15)، وينتهي بصورة “المرأة” الملتحفة بالشمس في سفر الرؤيا: “ثمّ ظهرت آية عظيمة في السماء: امرأة ملتحفة بالشمس، والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا، حامل تصرخ من ألم المخاض… فوضعت إبنًا ذكرًا، وهو الذي سوف يرعى جميع الأمم بعصًا من حديد” (2:12-17) .
وكأنّ مريم العذراء هي الحواء الجديدة في الجنة الجديدة, كما لقّبها آباء الكنيسة العظام. الله بني أسرائيل لنفسه”روم9:4,5″ومنهم جاء المسيح المذكور في “رؤيا 12:5″والصبي المذكور هنا هو يسوع المولود من مريم اليهودية المختارة من الله “لوقا1: 26_33″ .
تمثّل المرأة في سفر التكوين, شعب الله ألأمين الذي ظلَّ ينتظر المسيح أمّأ التنين فهو يرمز الى هيرودس الملك (رمز العالم الذي يتبع الشيطان)الذي حاول أن يهلك الطفل يسوع المسيح المولود من مريم العذراء, لأنّ هذا الطفل يشكل تهديدا لعرش الشيطان (التنين ألأحمر رؤيا 12). نعم مريم العذراء التي بنعمة خاصة من الروح القدس”يامن أنعم الله عليها,”لوقا 1:28”, تجاوبت مع نعمة الله فحققت مخطط الله الخلاصي بابنها يسوع المسيح, ومريم عندما قبلت المسيح المولود منها فهي تمثل البشرية جمعاء فبقولها للمخلص يعني أنّ الله سيقيم مع البشرية “عمانوئيل”, اي الله معنا, وهي التي أصطفاها الله منذ ألأزل في مشروعه الخلاصي وطهّرها, فمريم العذراء تمثل الحياة الجديدة, فبحواء دخلت الخطيئة الى
الجنس البشري وبالخطيئة دخل الموت أمّا بمريم العذراء دخلت الحياة (الخلاص) الى العالم.
وكُلِّ عام وانتم بخير تحت حماية وشفاعة أُمِّنا العذراء مريم .
هل تبحث عن  البولس من رسالة بولس الرسول الثانية الي كورنثوس (4 : 5 - 5 : 11) يوم الجمعة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي