إنهيار هامان

إنهيار هامان

“ورجع مردخاي إلى باب الملك، وأما هامان فأسرع إلى بيته نائحًا ومغطي الرأس” [12].

إذ كُرم مردخاي في ساحة المدينة ونال مجدًا لم يكن يتوقعه أحد عاد إلى بيت الملك مرفوع الرأس، أما هامان الذي كان يسجد له الكل فخجل ورجع إلى بيته نائحًا ومغطي الرأس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). وكانت تغطيه الرأس بالنسبة للرجل علامة الحزن الشديد والعار، فعندما هرب داود من أمام إبنه أبشالوم “كان يصعد باكيًا، ورأسه مغطى، ويمشي حافيًا، وجميع الشعب الذي معه غطوا كل واحد رأسه” (2 صم 15: 30). وعندما خزى أشراف يهوذا بسبب القحط الشديد ورجوعهم من الأجباب بأوان فارغة غطوا رؤوسهم (إر 14: 3).

على كلٍ عاد مردخاي إلى بيت الملك كأنه بيته الخاص به، إذ أعلن الملك أنه المحبوب لديه، وعاد هامان إلى بيته مملوءًا عارًا وخريًا. وكأن مردخاي يُشير إلى النفس الممجدة في الرب الغالبة بالروح القدس فإنها تنطلق إلى السموات “بيت الملك” كما لو كانت بيتها ومسكنها الخاص، أما النفس الشريرة الساقطة كهامان فلا ترجع إلى الحياة الفردوسية إنما تسرع إلى بيتها، أي إلى (الأنا)، فتحيا متقوقعة حول ذاتها، مملوءة حزنًا وخزيًا. تعيش بغطاء الرأس، فتضع برقعًا على عقلها كي لا ينطلق ليرى الإلهيات ويعاين السموات ويسبح في الأبديات.

عاد هامان إلى بيته ليلتقي مع زرش زوجته وحكمائه (السحرة) ليعلنوا له سقوطه، فيحطموا نفسه بالأكثر، إذ قالوا له: “إذا كان مردخاي الذي إبتدأت تسقط قدامه من نسل اليهود فلا تقدر عليه بل تسقط قدامه سقوطًا…” [13]. لعلهم تنبأوا له بما سيحل به، أو لعلهم أدركوا أن ما كانوا يحلمون به طوال الليل قد إنقلب راسًا على عقب وهذا لن يكون محض صدفة إنما تحقق بيد خفية قوية. هنا شعروا أن ما حدث اليوم إنما هو بداية انهيار لهامان وسقوط حتى النهاية، لذا لم يستطيعوا أن يقدموا له كلمة تشجيع أو رجاء.

هل تبحث عن  عشمان فيكي يا حبيبتي يا أمي الطاهرة

يبدو أن هذه الكلمات حطمته حتى صار متراخيًا في الذهاب إلى وليمة أستير، إذ قيل: “وفيما هم يكلمونه وصل خصيان الملك وأسرعوا للإتيان بهامان إلى الوليمة التي عملتها أستير” [14].

خرج هامان إلى الوليمة بروح مغايرة لما كان عليه حين تلقى الدعوة بالأمس، إذ صار كغنمة تُساق إلى الذبح. حقًا “مخيف هو الوقوع في يد الله الحيّ” (عب 10: 31)، وكما يقول المرتل: “تورطت الأمم في الحفرة التي عملوها، في الشبكة التي أخفوها انتشبت أرجلهم؛ معروف هو الرب، قضاءً أمضى، الشرير يعلق بعمل يديه” (مز 9: 15-16).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي