admin
نشر منذ سنتين
2
إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!
إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!
إنجيل القدّيس مرقس ١ / ٣٥ – ٤٥
قَامَ يَسُوعُ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك.
ولَحِقَ بِهِ سِمْعَانُ وَالَّذين مَعَهُ، ووَجَدُوهُ فَقَالُوا لَهُ: «أَلْجَمِيعُ يَطْلُبُونَكَ». فقَالَ لَهُم: «لِنَذْهَبْ إِلى مَكَانٍ آخَر، إِلى القُرَى المُجَاوِرَة، لأُبَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، فَإِنِّي لِهذَا خَرَجْتُ».
وسَارَ في كُلِّ الجَلِيل، وهُوَ يَكْرِزُ في مَجَامِعِهِم وَيَطْرُدُ الشَّيَاطِين.
وأَتَاهُ أَبْرَصُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: «إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!».
فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: «قَدْ شِئْتُ، فَٱطْهُرْ!». وفي الحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: «أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ ٱذْهَبْ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِن، وَقَدِّمْ عَنْ طُهْرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُم». أَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة، بَلْ كانَ يُقِيمُ في الخَارِج، في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان.

التأمل:«إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!».
إنجيل اليوم يروي لنا حادثة شفاء أبرص.
لا شيء خارج عن “المألوف” هذا العمل يدخل في إطار رسالة يسوع. خاصة إنه كان قد شفى الكثيرين عشية اليوم الفائت في بيت بطرس. ولكن، بعض الغموض يحوم حول قول يسوع عندما صرف الرجل. أية ٤٣ التي تقول : «فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: «أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء…». “إنتهره” أو وبّخه أو قمعه.
لماذا يوبخه؟ لماذا انتهره ولماذا منعه أن يُخبر أحداً؟

تعودنا أن نرى يسوع يُشفِق على المرضى و يؤنب ويغضب على الفريسيين وتجار الهيكل. أما في قصة شفاء الأبرص فهو يغضب ثم يشفي ويؤنب المريض.
كيف نستطيع فهم هذا الانفعال السلبي ليسوع؟
إذا أصيب احد بالبرص في العهد القديم، كان يُعتبر خاطئاً ومُقاصصاً من الله. في موضوع التطهير والطاهر والممنوع والمسموح يوجد في الكتاب المقدس العهد القديم ٦١٣ بند وأمر ونهي. في سفر الاحبار المكوُّن من ٢٧ فصل، كلها تفاصيل شرائع وفروض، خُصِّص منها ألح فصلين ١٣ و ١٤ كاملين عن البرص. في الفصل ١٣ آية ٤٦ يقول: “كل الايام التي تكون الضربة فيه (المريض) يكون نجسا. انه نجس. يقيم وحده. خارج المحلّة يكون مقامه،… وإذا صادف أناس في الطريق عليه أن ينادي نجس نجس”.
ما فعله هذا الأبرص كان مخالفاً للشريعة. اقترب وجثا امام يسوع. بفعلته هذه جعل من يسوع نجساً (بحكم الشريعة).
طبعاً ليس الخوف من العدوى هو الذي أغضب يسوع، فطهارة يسوع تعدي أكثر من عدوى المرض. والذي أغضب يسوع لا يمكن أن يكون تطفل الأبرص الذي فرض نفسه عليه، فهو يحب الضعفاء ويتأثر لحزنهم.
ولا مخالفة الشريعة هي التي أغضبت يسوع. فيسوع نفسه غالباً ما خالف الشريعة علناً. كان يشفي في المجامع يوم السبت…
في النص يخبرنا مرقس أن يسوع، قُبَيل لقاء الأبرص كان “يطوف في أنحاء الجليل يبّشر في مجامعهم”. فجأة جاءه الأبرص كعابر طريق. لا نعرف من أين أتى، «فجَثَا وقَالَ لَهُ: «إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!». بقليل من الكلام عبر عن الكثير من الآلام. عرف أن لدى يسوع إرادة قادرة مطلقة وبلا حدود، قال له” انت قادر أن تطهرني” اي أن تعطيني الحياة، مع علمه أن مرضه مميت حتماً. وفي طلبه اعتراف بحالته ، بحاجته.
لم يكن ممكن ليسوع أن يتجاهل الرجل، كان يعرف مسبقاً خفايا الامور، عرف يسوع مسبقاً أن لقاءه بهذا الأبرص سيغير مساره (برنامجه). فهو لن يستطيع متابعة جولته على القرى. ولكن يسوع لا يتردد بتغيير، تعديل، برنامجه لإنقاذ شخص واحد.
شفاه وانتهره ليذهب الى الكاهن ليظهر شفاءه ويتحرر من حكم الشريعة بالنعمة التي نالها من يسوع. أما الأبرص بعد شفائه لم يفعل ما أمره به يسوع، بل “خَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة” وبطريقة غير مباشرة، ودون قصدٍ منه، حكم على يسوع الاقامة في البرية، “في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان”.
أخذ يسوع مكان الأبرص في البرية، و لا نعلم اذا كانت شهرة الشفاء هي التي منعته من دخول القرى كما يبدو أو أنهم نبذوه لأنه لمس الأبرص فظنوا أنه تنجّس منه؟
ولكن في مجيء الناس إليه من كل مكان صورة تذكرنا بما ورد في سفر العدد. وكأن الكاتب يوجهنا في نهاية النص نحو رؤيا مسيحانية معينة، أو صورة للحيّة التي رفعها موسى في البريّة وكان كل من نظر إليها يشفى (عد ٢١، ٤- ٩). هذه صورة مسيحانية لأن يسوع ذكرها في إنجيل يوحنا (يو ٣، ١٤) مشيراً إلى ارتفاعه على الصليب، عندما يعطي الحياة الابدية، والشفاء من الخطيئة بشكل نهائي لكل من يؤمن به.
أراد الكاتب الملهم أن يعطينا، من خلال قصة شفاء رجل لا إسم له، من البرص، علامة رمزية لعمل الفداء. فيُمثل الابرص شعب الله بشكل خاص و آدم أب البشرية، الذي خطئ فأغضب الله، إلا أنه لم يتركه يموت – ونشير هنا إلى أن الكاتب كان قد استهلّ القصة بصلاة يسوع قبل الفجر “قَامَ يَسُوعُ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك” تُرى ماذا كانت صلاة يسوع ؟

من اللافت الشبه الكبير بين صلاة الأبرص “أن شئت فأنت قادرٌ”، وصلاة يسوع قبيل الصليب في انجيل مرقس ” يا أبتي، انت قادر على كل شيئ… ولكن لا كما أنا أريد بل كما أنت تريد”. (مر ١٤، ٣٦)
يسوع “الكلمة صار بشرا وعاش بيننا” أي الله الحق عاش بيننا بشخص يسوع الإنسان الحق.
لماذا يصلي يسوع وهو والآب واحد ؟
بما أن يسوع هو إنسان، عنده ضعف الإنسان، وشيئا من محدودية الإنسان، خوفه وحاجاته… لذلك يسوع بحاجة إلى الصلاة لكي يبقى على تواصل مع الله الآب. نقرأ في الإنجيل أنه كان يفرح، يصلي يشكر، يبارك، يمجد. وأحيانا، يظهر للناس أن الآب يعمل من خلاله. وكان يخاف ويصلي ويطلب النجاة. وكان يصلي ليعطي فرصة ومجالاً لمشيئة الله أن تتحقق على الأرض : “لا مشيئته بل مشيئتك” (مر ١٤، ٣٦).
لهذه الأسباب صلى يسوع ومثله يصلي كل تلميذ ليسوع. لاننا لا نستطيع ان نعمل الخير من تلقاء أنفسنا. ولكننا بالصلاة نصبح أقوياء بالله الذي يقوِّينا.
يسوع كان مستعداً للذهاب إلى القرى للقاء الناس. أما تدبير الروح فكان غير ذلك. لم يأتِ ليعمل مشيئته بل مشيئة الآب. ومشيئة الآب هي ان لا يهلك أحد من الذين وهبهم للإبن. (يو ١٧ صلاة يسوع).
تأملنا الأحد الماضي في مجد الله خلاصة الحب والحنان. تأتي معجزة شفاء الأبرص لتؤكد لنا مرة أخرى أن مجد الله هو الإنسان المُنتشل من يد الموت. لنفهم اكثر أن مجد الله هو بالإنسان الطاهر القلب من البرص والجنس والخطيئة.

لا يستطيع، الإنسان المكتفي بما له، الساكن في راحته، الذي لا يبحث عن أمان آخر، الإنسان الغير “محتاج لشيء ولا لأحد “، الذي يبقى في “مدينته”، في داره، في قوقعته، أن يلتقي يسوع. ومثله الإنسان المستقيل، المستسلم، المحبط، لا يستطيع أن يلتقي يسوع .
يوجه إليك يسوع اليوم دعوة دائمة لا تتغير، دائما آنيّة، اي مدة صلاحيتها غير محدودة. يدعوك الى الخروج للقائه، الخروج من رفاهيتك المبالغة، واكتفائك المُزيَّف وأمانك المؤقت، إلى العراء، إلى البرية.
يدعوك لحمل ما فيك من أمراض، من خوف، من احباط، من شكوك ومن موت،
لتقول له “إن شئت فأنت قادر”.

هو الذي شاء، فشفاك و يشفيك
هو الذي أراد، فخلَّصك و يخلصك
هو الذي أحبَّك، يُحبك ويُحْييك
طهارته أقوى من عفنك.
مهما كلفه الأمر، هو مستعد لتعديل برنامجه ليربحك أنت ويلقاك وجهاً لوجهٍ مهما كان الثمن لأن حبه أعظم من خطايانا.
هل تبحث عن  رَحمَةً لبَيتِ أُنيسيفورُسَ

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي