انجيل القديس مرقس 10 / 46 – 54 “ووَصَلوا إلى أريحا. وبَينَما هوَ خارِجٌ مِنْ أريحا، ومعَهُ تلاميذُهُ وجُمهورٌ كبـيرٌ، كانَ بَرتيماوُسُ، أي ابنُ تِـيماوُسَ، وهوَ شحَّاذٌ أعمى، جالِسًا على جانِبِ الطَّريقِ. فلمَّا سَمِعَ بأنَّ الذي يَمُرُّ مِنْ هُناكَ هوَ يَسوعُ النـاصِريُّ، أخَذَ يَصيحُ يا يَسوعُ ابنَ داودَ، ارحَمْني. فانتَهَرَهُ كثيرٌ مِنَ النـاسِ ليَسكُتَ، لكِنَّهُ صاحَ بِصوتٍ أعلى يا ابنَ داودَ، ارحَمني. فوقَفَ يَسوعُ وقالَ نادوهُ فنادوا الأعمى وقالوا لَه تَشَجَّعْ وقُمْ ها هوَ يُناديكَ. فألقى عَنهُ عَباءتَهُ وقامَ وجاءَ إلى يَسوعَ. فقالَ لَه يَسوعُ ماذا تُريدُ أنْ أعمَلَ لكَ قالَ يا مُعَلِّمُ، أنْ أُبصِرَ فقالَ لَه يَسوعُ: اذهَبْ إيمانُكَ شَفاكَ. فأبصَرَ في الحالِ وتَبِـــــعَ يَسوعَ في الطَّريقِ.”
التأمل: ” يا ابنَ داودَ، ارحَمني..”
اجتمعت مصائب الدنيا في هذا الاعمى، فهو يعاني كما الكثير منا من مشاكل صحية (أعمى)، ومن مشاكل اقتصادية لها انعكاسات اجتماعية (شحاذ) اذ أصبح يعيش على هامش الحياة (جالِسًا على جانِبِ الطَّريقِ) لا أحد يسأل عنه، لا أحد يأخذ برأيه، خصوصا أنه في ذلك الزمان لم تكن الديمقراطية موجودة، فصوته لا قيمة له، وحضوره لا منفعة منه..
ألا يوجد الكثير مثل أعمى أريحا بيننا في قرانا وأحيائنا وشوارعنا؟؟ ألا يوجد رجال دين من بيننا لا يرون سوى الكبار الكبار ولا يهتمون سوى بالكبار الكبار.. لقد سمعت عدة مرات أحدهم وهو من ذوي الرتب والمراتب يقول :”أنا أتكلم مع الناس من فوق” .. ” أنا لا أتكلم مع العامة.. أتكلم مع المسؤولين الكبار..”
“لقد اصبحنا الطبقة الحاكمة، لا يمكن لأيدينا ان تتسخ مع الفقراء. عندما لا يتحلى الكهنة والراهبات بالشجاعة لخدمة الفقراء، فهذا يعني ان هناك شيء أساسي ينقص. نسوا أن يسوع كان من الشعب. نسوا ان الرب قال لهم “إني من القطيع اخترتك”. فقدوا ذاكرة الانتماء الى هذا القطيع.”(البابا فرنسيس السبت ٢٨ أذار ٢٠٢٠)
ألا يعتقد من هم “تحت” أن الجميع تخلى عنهم حتى “الله” .. ونستغرب نفورهم منا.. لأننا لا نحبهم كما يجب، لا نسمع نداء استغاثتهم، رغم ارتفاع صراخهم في زمن وباء الكورونا هذا.. لا بل نحتقرهم ونرذلهم وعندما يتكلمون نسارع الى اسكاتهم ومصادرة قرارهم وسرقة صوتهم واستغلال حاجتهم..
لو مر يسوع بشوارع وأحياء عالمنا هل يكمل مسيرته ومشروعه أو أنه يتقدم نحو المهمشين تاركا كل شيء وراءه؟؟ ألا يعيد من هو مبعد ومنبوذ الى قلب الجماعة؟ ألا يشفي الجماعة من انغلاقها وكبريائها وعماها الداخلي؟
أمام عظمة ورحمة يسوع ألا يجدر بنا أن نخلع عنا “عباءات” العالم التي لا ضمانات فيها، وثبتت هشاشتها، ونأخذه هو ضمانتنا الوحيدة؟
ألا يجدر بنا أن نطلب منه (ولو كان طلبنا صراخا) نعمة البصر والبصيرة كي تتفتح عيون قلوبنا على رؤيته أولا ومن خلاله رؤية نفوسنا؟
“فمن يستطيع أن يسمع خفقان القلب ويشعر به إلاّ الحبيب؟”
أما كان هذا ما يبحث عنه يسوع في الإنسان، فسمعه عند ذاك الساكن على قارعة الطريق؟
إنّه يبحث في أعماق القلب وأشواقه ويسأل:”ماذا تريد؟”
أيها الحبيب يسوع، أريد أن أبصر…يا ابنَ داودَ، ارحَمني…. آمين.