الأبرص وعزلته القاسية

الأبرص وعزلته القاسية
لا نستطيع أن نفهم قسوة البرص وعنفه وشدته، مالم ندرك أثره الصحي أو النفسي في حياة الأبرص، لقد كان الأبرص يعيش في عزلة كاملة نفسية وحسية مع الله والناس والنفس ذاتها، أما مع الله فقد كان المفهوم في ذلك العهد أن البرص ضربه من الله، وأنه رمز للخطية والنجاسة، وأن الله يضرب الأبرصبالمرض لغضبه عليه،… عندما أخطأت مريم النبية ضربها الله بالبرص، وعندما تعدى عزيا مركزه، وأخذ مركز الكاهن عاقبة الله بالبرص.
فإذا تحولنا إلى علاقة الأبرص بالآخرين، فإنه كان يعامل معاملة الميت، فهو يعزل عن الناس فورًا، وتذكر شريعة اللاويين: «الأبرص الذي فيه الضربة تكون ثيابه مشقوقة ورأسه يكون مكشوفاً ويغطي شاربيه وينادي «نجس نجس» كل الأيام التي تكون الضربة فيه يكون نجسًا. إنه نجس. يقيم وحده، خارج المحلة يكون مقامه» (لا 13 : 45 ، 46) كان الأبرص يعزل خارج المدينة، وقد وضع اليهود إحدى وستين حالة يكون فيها الاتصال بالمصابين بالبرص سببًا للنجاسة، فلمس الأبرص مثل لمس الميت، وإذا أدخل الأبرص رأسه في بيت، صار البيت كله نجسًا من الأرض إلى السقف، ولا يجوز تحية الأبرص ولو في مكان مكشوف، ولا يجوز الاقتراب منه لمسافة أكثر من أربع أذرع، وإذا كانت الريح تهب من ناحية إنسان أبرص وجب أن يقف الإنسان بعيدًا عنه بمسافة لا تقل عن مائة ذراع، كان محرمًا عليه أن يأتي إلى بيته أو يعيش مع أولاده وزوجته، وهو لا يستطيع أن يقبل ابنه أو ابنته أو يضم أولاده إلى صدره، نحن نرثي في العصور الحديثة لكل المعزولين أو المكروهين، ومازال العالم يملؤهالأسى للمنبوذين في الهند، ولقد كافح غاندي طويلاً من أجل القضاء على العزلة المضروبة بينهم وبين بقية المواطنين، ونحن نرى الصراع القاسي الذي يظهر في معاملة الزنوج في أمريكا وجنوب أفريقيا، ولكن هؤلاء وأولئك لهم مجتمعاتهم الكبيرة، ويوجد لهم أصدقاء في كل مكان،لكن الأبرص القديم فقد صداقة المجتمع، كان عليه أن يعيش كالنائح ممزق الثياب مغطي الوجه، وإذا اقترب منه أحد، أو اقترب هو من أحد كان عليه أن يصبح : «نجس نجس» وكان الربيون يقسون عليهم قسوة بالغة، إذ قال واحد منهم إنه يرفض أن يأكل بيضة في شارع يوجد فيه أبرص، وكان آخر يضرب أي أبرص يقترب منه بالحجارة ليبعده عنه، ومن المتصور أنه بسبب هذا أو لكل هذا، يفقد الأبرص معنى الحياة، أو يكره نفسه، إن جاز التعبير، إن البرص في العادة يبدأ بأورام صغيرة في الجسد، ثم تتقرح وتتقيح، ويسقط شعر الحواجب، ويحجظ العيون، وتتقرح الأوتار الصوتية، ويصبح الصوت خشنًا أجش، وتتقرح اليدان والقدمان، ويصبح الإنسان مجموعة من البقع المتقرحة، ثم يتلو ذلك الضعف العقلي والانحلال الجسدي، وفي بعض أنواع البرص يفقد المريض الإحساس في الأجزاء المصابة من جسمه إذ تتأثر خلايا الأعصاب، وتضعف العضلات، وتصير الأيادي أشبه بالمخالب، وتسقط والأظافر والأصابع تدريجيًا، وقد تستمر الحالة سنوات يموت فيها الإنسان جزءًا بعد جزء!!
وفي هذه الحالة البطيئة القاسية المستمرة، كم يتمنى الأبرص لو أن حياته تنتهي مرة واحدة، فلا يظل يعاني الآلام والعذاب، وربما يقف الناس منه موقف العداء أو اللوم أو الحنق، كما يقف الإنسان من الحياة عندما يضيق بها أو تضيق به!!

هل تبحث عن  الأعرج المسبح

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي