الأصحاح التاسع تفسير الرسالة إلى رومية القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع

يناقش بولس الرسول اليهود في هذه الرسالة في ثلاثة مواضيع: -.

1. بنوتهم لإبراهيم بالجسد كإمتياز خاص لهم. وأوضح لهم أن بنوتهم له بالإيمان أهم، والأهم بنوتهم لله، هذه التي كانت بالمسيح.

2. الحاجة ليست للناموس، بل أن غاية الناموس هو المسيح. فالناموس عجز عن التبرير، بل لم يستطع سوي أن يكشف عن الخطية فقط، أما الإيمان بالمسيح فيبرر.

3. إمتياز اليهود كشعب مختار، وهذا ما يناقشه في الإصحاحات (9 – 11) وهذا أمر حساس بالنسبة لليهود، والرسول بحساسية شديدة يود أن يكسبهم دون أن يغلق الباب أمام الأمم. والرسول لا ينكر أن الله قد إختارهم كشعب له، إنما أكد أن هذا الأمر لا يقوم علي إمتياز فيهم أو عن إستحقاق خاص لهم، إنما محبة الله “الذي يرحم من يشاء” وخلال هذا الفهم أعلن الله أيضاً حبه للأمم فإختارهم أيضاً. وفي ص (11) يحذر الأمم من أن يتكبروا علي اليهود، فاليهود هم الزيتونة الأصلية والأمم قد طعموا فيها. وفي نهاية الأيام سيقبل اليهود الإيمان بالمسيح بعد جحودهم لزمان طويل. وفي ص (11) تحذير للأمم من كبريائهم، فالكبرياء يعرض صاحبه أن يقطع من شجرة الزيتون (شعب الله سواء في العهد القديم أو العهد الجديد).

إن الرسول في هذا الإصحاح لا يعالج مشكلة حرية الإرادة عند البشر، بل حق الله في إختيار الأمم، كما كان له الحق في اختيار اليهود، لكن المشكلة أن اليهود أنكروا علي الله حقه في إختيار الأمم. والرسول يريد أن يثبت أن إختيار الأمم من حق الله. لقد رحم الله اليهود دون فضل منهم سوي رحمة الله، وهذه المراحم لها حق العمل في غيرهم أيضاً، ولكن الرسول خلال الرسالة يؤكد علي حرية الإرادة الإنسانية وتقديس الله لها، بل هو واهبها.

آنية الكرامة وآنية الهوان:

يقول بولس الرسول في هذا الإصحاح أن الله كخزاف (صانع آنية الفخار من الطين) حُر في أن يصنع آنية للكرامة من كتلة من الطين، وأن يصنع آنية هوان من كتلة أخري (آية21). وفهم البعض هذا الرأي بطريقة خاطئة ففهموا أن هذا ضد حرية الإنسان، فالله إختار وحدد مثلاً أن فلان يكون آنية هوان، ومهما فعل فلابد أن يهلك، فالله إختار هذا. فالله حر أن يخلق موسى آنية كرامة وأن يخلق يهوذا الإسخريوطي آنية هوان.

وهذا مفهوم ساذج. والمهم أن نعرف لماذا كتب بولس الرسول هذا الكلام فاليهود يقولون عن أنفسهم نحن شعب الله المختار وحدنا، وليس من حق الله أن يختار الأمم ليكونوا شعباً له. وبولس يرد قائلاً بل من حق الله أن يُعيِّنْ اليهود كشعب مختار فترة من الزمان والأمم كإناء للهوان فترة من الزمان ثم هو حر في أن يقبل الأمم وقتما يشاء. إذاً الموضوع الذي يناقشه بولس هنا ليس هو حرية الإنسان بل حرية الله. فالمهم أن نفهم المناسبة التي قيلت فيها الآية حتى نفهمها.

وما نريد أن نؤكده، فهذا مفهوم الكتاب المقدس كله، أن الله ليس ضد حرية الإنسان، فالله لا يُعيِّنْ إنسان للخلاص وإنسان للهلاك، بل أن الله يريد أن الجميع يخلصون 1تي 4: 2. وما يعطل إرادة الله هذه هو حريتي أنا وإرادتي أنا. مت 37: 23.

أمّا حرية الإنسان فهي واضحة من تمرد كثيرين وشعوب كثيرة علي الله بل وإهانتهم لله (الشعوب الشيوعية لفترة من الزمان)، ومع ذلك فالله يشرق عليهم بشمسه ويعطيهم طعاماً وشراباً.

وإذا كان الله هو الذي يحدد من يهلك ومن يخلص، فكيف يحاسب الله الناس يوم الدينونة، وكيف تنطبق الآية تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت. ما نود أن يُفهم أن الله مثل المدرس، يعرف من سينجح ومن سيرسب في الإمتحان، ولكنه يبذل مجهوده بأمانة في التدريس لكل واحد في فصله فالله أعطي الكل فرص للخلاص، ولكن إستجابة كل واحد لعمل الله يكون بحسب حريته هو، الله يعطي كل واحد وزنات، وسيطلب من كل واحد بحسب ما أعطاه، فمن أعطاه خمس سيطلب منه خمس ومن أعطاه إثنتين سيطلب منه إثنتين.

الله يريد أن يخلق الكل آنية مجد والدليل أن الله خلق الإنسان علي صورته ولما فسد الإنسان جاء المسيح وأرسل الروح القدس ليعيدنا ثانية إلي صورة الله كو 10: 3 + غل 19: 4. فالله إذاً لا يريد أن يخلق إنساناً ليكون آنية هوان. ولنأخذ أمثلة.

الشيطان: الله خلق الشيطان في أجمل صورة ليكون آنية مجد، ولكنه هو بنفسه إختار أن يكون آنية هوان، ولاحظ المرثاة التي قالها الله بحزن إذ سقط الملاك الكاروبيم وأصبح شيطاناً بعد أن كان كامل الجمال. ولاحظ الأوصاف التي قالها الله عن الشيطان وكيف كان (إش12: 14 + حزقيال11: 28 – 15). فإرادة الله أن يكون كل خليقته آنية مجد وأن كل خليقته تخلص. ولكن إبليس إختار الخطية، والله تركه ليكون آنية للهوان.. ولكن كان له أيضاً دور في خطة الله الأزلية لخلاص أولاده فكان الشيطان أداة تأديب لأولاد الله. فمثلاً كان الشيطان هو الذي دبر خطة الصليب لفداء البشر. وهو الذي سمح له الله بأن يضرب بولس ليمنعه من الكبرياء. ويؤدب أيوب ليتنقي ويبرأ من خطيته.

يهوذا: هل إختار الله يهوذا ليكون آنية هوان؟ أبداً. فالله إختاره من بين التلاميذ الإثني عشر، وأعطاه كما أعطي بقية التلاميذ، نفس المواهب، وتتلمذ علي يد السيد المسيح ثلاث سنوات كالباقين، وسمع تعاليم المسيح، ورأي معجزاته، بل شفي مرضي وأخرج أرواح نجسة، بل وغسل السيد قدمى يهوذا. لكن يهوذا هو الذي إختار أن يكون آنية هوان بعد أن خلقه الله وأعده المسيح ليكون آنية مجد. كان الله يعلم أن يهوذا سيعمل هذه الخيانة لكن هل يمكن أن يقال أن المسيح أعده ليكون آنية هوان، ولاحظنا أن يهوذا حصل علي نفس فرص التلاميذ الإثني عشر.. ولكن خطأ يهوذا كان جزءاً من خطة الخلاص، فالله قادر أن يخرج من الجافي (خيانة يهوذا) حلاوة (الخلاص).

ويهوذا دخله الشيطان لأنه رفض بحريته كل فرص الخلاص، التي عرضها عليه السيد المسيح، ولاحظ آخر محاولة للمسيح أنه يأخذه في حضنه بل يعطيه اللقمة في فمه معلناً محبته للنهاية، بل كان عتاب المسيح له الذي يكسر القلب “أبقبلة تسلم إبن الإنسان” ربما دفعه هذا العتاب للتوبة، ولو فعل لقبله الله. ولما رفض يهوذا كل فرص الخلاص تخلي عنه المسيح، فصار صيداً سهلاً للشياطين، فالمسيح كان يحفظ تلاميذه من الزلل (يو12: 17) “حينما كنت معهم كنت أحفظهم” ولما رفع المسيح حمايته عنه بعد أن ترك هو المسيح بكامل إرادته صار آنية للهوان (ما حدث كان يشبه ما قيل عن شاول الملك أن روح الرب فارقه فدخله روح رديء (1صم14: 16).. ولكن حينما دخله الشيطان إستخدمه الله أيضاً كجزء من الخطة الأزلية للخلاص، فكل خليقة الله، كل واحد له دوره في خطة الخلاص. فالله خلق الإنسان حراً ولا يجبره علي شئ، ولكنه يعرف مدي إستجابته للفرص التي يعطيها له الله، فمن إستجاب لهذه الفرص كان له دوره في خطة الخلاص كآنية مجد، ومن رفض يد الله الممدودة له صار له دوره في خطة الخلاص أيضاً ولكن كآنية هوان (أم4: 16) وما الذي يمنع الفخاري من عمل كتلة من الطين آنية للمجد؟ أن توجد زلطة أو قطعة حجر في الطين، وهذا يماثل وجود حب الخطية في قلب إنسان، وهذا هو الذي يحوله لآنية هوان.

فالله يعطي لكل واحد فرص متساوية للخلاص، حتى تنطبق الآية “لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت”. ولكن كما رأينا لكل واحد دوره في خطة الخلاص حتى لو كان إناء هوان. الله خلق الكل لغرضه والشرير أيضاً ليوم الشر (أم4: 16).

فرعون: موسى يطلب منه خروج الشعب فيرفض وتبدأ الضربات. الله لم يجعله يعاند، لكن بعد أن عاند عدة مرات، إستغل الله عناده.

قسى الله قلب فرعون = أي تركه علي قساوته نتيجة لعناده مع الله. ولكن الله إستغل عناده وقلبه القاسي ليخرج من هذا خير لكلا الشعبين اليهودي والمصري، فاليهود عرفوا من هو يهوه إلههم، وعرفوا إمكانياته الجبارة وأن آلهة المصريين هي لا شئ أمامه، والمصريين عرفوا تفاهة آلهتهم أمام الله. ما يمكن أن نقوله أن الله لم يخلق أو يجعل فرعون معانداً، لكن الله إستغل عناده وغباوة قلبه ليكون آلة وجزءاً من خطة الخلاص، فالله يستغل أخطاء البشر لتنفيذ خطته للخلاص.

الله يعمل بنعمته مع كل إنسان، فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تى2: 4) لذلك رأينا فى مثل الزارع (مت13: 1 – 9) أن الزارع (الله) وهو يعلم بنوعية كل نوع من الأراضى لم يحرم أى نوع منها من بذاره سواء الأرض الجيدة أو المحجرة أو التى بها شوك بل حتى الطريق نال نفس النصيب.

وهذا قد عمله الله مع فرعون فقد دعاه موسى وحذره وبدأ فرعون بعد عدة ضربات بسيطة يفهم ويتجاوب ويقول لموسى وهرون صليا عنى، بل يعترف بأنه أخطأ هو وشعبه (خر8: 28 + 9: 27). بل عجيب هو الله فى نعمته التى يفيض بها حتى على مقاوميه، فلقد أخبر فرعون بأن عليه أن يحمى مواشيه التى فى الحقل حتى لا تهلك من ضربة البَرَدْ (خر9: 19). ولقد رأى فرعون أن كل ما حذَّره الله به قد حدث، فكان عليه أن يفهم من هو الله وما هى الخطورة فى أن يعانده، ولكنه هو الذى قسَّى قلبه، ولماذا كان يقسِّى قلبه؟ لأن هناك شهوة فى قلبه، فهو يريد أن يبقى شعب الله كعبيد يعملون مجانا فى مقابل طعامهم. والله كما يقول بولس الرسول “لا يُشْمَخ عليه” (غل6: 7) فلا يستطيع أحد أن يتمتع بنعمته وهو يعانده ظاناً أنه يستطيع أن يجمع بين نعمة الله وبين الإستمتاع بشهواته، وهذا ينطبق الآن على كل خاطئ.

حتى الآن كانت نعمة الله تحفظ فرعون من الغضب العظيم، فحتى الآن لم تحدث خسائر للبشر، ولم تهلك نفس إنسان فالخسائر محصورة فى المزروعات والحيوانات وبعض المضايقات كالحشرات وخلافه.

ولكن أمام إصرار فرعون على تحدى إرادة الله، منع الله نعمته الحافظة عن فرعون فبدأ الغضب العظيم وبدأت الضربات تشتد ويموت الأبكار ثم يغرق جيش فرعون فى البحر الأحمر.

هذا هو نفس المعنى الموجود فى الآية “أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض” (رو1: 28) فالله لم يعطهم فكر خاطئ بل هو رفع عنهم نعمته الحافظة التى لا يستحقونها، فهم إستمروا فى عنادهم مع الله يَجرون وراء شهواتهم، فإنحدروا إلى أهواء الهوان (رو1: 26).

شاول الطرسوسي / بولس الرسول: – شاول الطرسوسي كان إناء هوان وهو يضطهد.

الكنيسة ويقتل المسيحيين، ولكنه لم يعاند دعوة الله فتحول لآنية كرامة. وهكذا بتوبة أي إنسان وإستجابته لنداء الله يتحول من آنية هوان لآنية كرامة. فالله يحاول مع كل إنسان ليتوب ويتحول إلي آنية كرامة “توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي” (إر18: 31) إذاً الله يدعو كل واحد للتوبة، ومن يستجيب يصير آنية كرامة.

قصة الشعب المختار: – الله إختار اليهود لأنهم “أحسن الوحشين” ولأن آبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب كانوا الأفضل في هذا العالم. وذلك ليعد هذا الشعب ليأتي منه المسيح، ولكن اليهود فهموا هذا علي أنهم هم شعب الله المختار والباقين مرفوضين (بل أسموهم كلاب). ولكن حين يأتي المسيح يأتي للكل، فالله هو إله العالم كله. هذا يشبه إختيار قطعة أرض وتنظيفها وإعدادها وزراعة نوع من القمح الممتاز، ومعالجة هذا النوع، حتى الوصول به لأفضل سلالة ممكنة. وبعد ذلك يأتي التوسع في زراعتها في كل الحقول. وما كان للأمم أن يعترضوا لماذا لم يأتي منهم المسيح، فالمسيح لا يمكن أن يأتي من كل شعوب العالم في وقت واحد، ولابد أن يأتي من شعب تم إعداده. وليس لليهود أن يعترضوا علي خلاص الأمم، فالله إله الجميع، إختارهم ليكونوا شعبه في وقت معين ولهدف معين، إنتهى بمجيء المسيح. وأولاً وأخيراً ليس لأحد أن يعترض علي الله فحكمته فوق الجميع (رو33: 11 – 36).

خلاصة الموضوع انه لا يصح أن يقول أحد مبرراً خطيته أن الله خلقه هكذا كآنية هوان، فكل واحد يعلم في داخله أنه يخطئ بإرادته. ونلاحظ أن بولس الرسول يشرح أنه حتى من كان فى فترة من الزمان آنية هوان، هو قادر أن يتحول لآنية مجد لو قدم توبة وطهر نفسه “ولكن في بيت كبير ليس انية من ذهب وفضة فقط بل من خشب وخزف ايضا وتلك للكرامة وهذه للهوان فان طهر احد نفسه من هذه يكون اناء للكرامة مقدسا نافعا للسيد مستعدا لكل عمل صالح” (2تى2: 20، 21).

العدد 1

آية (1): –

“1أَقُولُ الصِّدْقَ فِي الْمَسِيحِ، لاَ أَكْذِبُ، وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ:”.

بعد أن تأمل بولس الرسول في النعمة التي حصل عليها والتي هو فيها مقيم والمجد الذي ينتظره بعد ذلك. يقف فجأة ليتذكر إخوته وكيف حرموا أنفسهم مما حصل هو عليه. بولس الذي كان يخدم ويتألم حتي يصل أولاده لصورة المسيح، نجده هنا وقد تشبه بالمسيح في مشاعره ومحبته:

1. الذي بكي علي أورشليم.

2. الذي يريد أن الجميع يخلصون [لو41: 19، 42 + 1تي4: 2]. أَقُولُ الصِّدْقَ فِي الْمَسِيحِ = قوله في المسيح تلخص كل ما أخذه بولس الرسول بالإيمان. وتعني أنه بإرتباطه بالمسيح وإتحاده به صار لا يستطيع أن يقول سوي الصدق. وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ = ويشهد علي قولي هذا ضميري الذي إستنير بالروح القدس.

العدد 2

آية (2): –

“2إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ.”.

لقد إتهموا بولس بمعاداة اليهود (أع28: 21 + 22: 22 + 24: 25). وهو هنا يؤكد محبته العميقة لهم. بل إن حبه لليهود ورغبته في خلاصهم لهو دليل علي محبته لله التي أعلنها في نهاية ص 8. وحزنه راجع لعدم إيمانهم فهم إخوته.

هل تبحث عن  لا تخاف لأنى معك

العدد 3

آية (3): –

“3فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ”.

هذه العبارة تشير لمحبته الشديدة لإخوته. حَسَبَ الْجَسَدِ = فهناك إخوة الآن حسب الروح. فالروح جمعنا كلنا في جسد المسيح الواحد. هذه الآية تؤكد رغبة الرسول الشديدة في رجوع اليهود وإيمانهم بالمسيح.

وفي نهاية ص8 سمعنا من الرسول أن لا شئ يفصله عن محبة المسيح، فهل يقصد بأنه مستعد لأن يضحي بالمسيح؟ قطعاً لا، فهو فرحان ويفتخر بما حصل عليه، ولكنه في محبته يقول أنه يتألم ألماً شديداً لحرمان إخوته مما يتذوقه هو. مثال: – أب ذهب في مأمورية في بلد بعيد وهناك تذوق أطعمة لذيذة جداً، هنا يقف ليفكر في زوجته وأولاده المحرومين من هذه الأطعمة، ويقول يا ليتني ما جئت إلي هنا حتي لا أتذوق هذا وأحبائي محرومين منه. وهناك تفسير لطيف للقديس فم الذهب لهذه العبارة، بأن إبراهيم قَدَّمَ إسحق إبنه ذبيحة وهو مؤمن أن الله قادر أن يقيمه، وبولس يقدم نفسه هنا ذبيحة عن إخوته مؤمناً أن الله لن يسمح لبولس أن يُحرم من المسيح، ولكنه سيزداد بهاءً ومجداً في عيني الله لأنه يمارس عمل محبة، بل في إيمان اليهود بالمسيح مجداً لله، فبولس بهذا يطلب مجد الله حتى لو علي حساب نفسه لمحبته في المسيح. هنا بولس يشبه موسي الذي قال إغفر خطيتهم وإلاّ فأمحني من كتابك (خر32: 32).

العدد 4

آية (4): –

“4الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ،”.

حزن بولس علي الإسرائيليين لأنهم إبتعدوا عن الخلاص الذي أعده المسيح، مع أنهم أحفاد يعقوب الذي أخذ إسم إسرائيل كتكريم له، وهم حصلوا علي إسم أبيهم كتكريم لهم (تك8: 32) وقد تبناهم الله، وظهر لهم في مجد. وأعطي لهم العهد القديم والناموس….

إِسْرَائِيلِيُّونَ = كلمة إسرائيل أي يملك كالله. وإسرائيل ملك إلي حين. ولكن إسرائيل الحقيقي (الكنيسة) لا تملك في الزمنيات، بل تنعم بشركة المجد الإلهي مع ملك الملوك (رؤ6: 1). وإسرائيل هو لقب فخر وعزة عند اليهود ويشير للقوة والمجد عكس يعقوب الذي يشير ليعقوب الضعيف الهارب.

التَّبَنِّي = قال الله عنهم إسرائيل إبني البكر (خر22: 4 + هو1: 11 + تث1: 14 + إر9: 31). ولكنهم مارسوا العصيان (إش2: 1 + مل6: 1). لذلك إحتاجوا لتغيير شامل بسكني روح التبني فيهم، وطريق هذا التبني الإيمان بالمسيح.

الْمَجْدُ = هم الشعب الوحيد الذي رأي مجد الله عياناً (خر17: 24) وأيضاً بعمود نور وعمود سحاب (خر34: 40 – 38 + 1مل11: 8). وكان مجد الله يظهر من بين كاروبي تابوت العهد، ولما أخذ الفلسطينيون تابوت العهد قالت إمراة فينحاس “زال المجد من إسرائيل” والمسيح الآن، هو مجد شعبه (زك2: 5المسيح وسط شعبه ويسكن فيهم.

الْعُهُودُ = الله دخل في عهود مع شعبه ولكنهم تجاوزوها (هو1: 8 + خر18: 17) لذلك صار المؤمنون في حاجة للإلتقاء مع الله علي مستوي عهد جديد ينقش داخل القلب بالروح القدس. ولا ننسي أن الله دخل في عهود مع الأباء إبراهيم وموسي. ولكن هذه العهود كانت حول ميراث كنعان، أما العهد الجديد فالميراث الموعود هو السماء.

الاشْتِرَاعُ = هي شريعة أعطاها الله نفسه، وليس كباقي الشعوب الذين وضع الناس شرائعهم، هم نالوا شريعة لكنهم لم يحفظوها.

الْعِبَادَةُ = مبادئ وأصول خدمة الله من طقوس وصلوات وسجود وتسبيح وأعياد، وذبائح (والكل رمز للعهد الجديد).

وَالْمَوَاعِيدُ = هم نالوا وعوداً كثيرة مثل ميراث أرض كنعان، والوعد بميلاد إسحق، وكلها مواعيد مفرحة. وأهم وعد حصل عليه اليهود هو أن المسيح يأتي منهم، لذلك فمن يؤمن منهم بالمسيح هو الذي يظل إسرائيلي حقاً، ومن يرفض المسيح فهو ليس إسرائيلي بالحقيقة، لذلك قال المسيح عن نثنائيل أنه إسرائيلي حقا لا غش فيه حين أتي إليه ثم آمن به يو 47: 1 فما كان يميز اليهود أنهم أولاد وعد، فإذا رفضوا الموعود به يصيروا هم مرفوضين.

العدد 5

آية (5): –

“5 وَلَهُمُ الآبَاءُ، وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.”.

وَلَهُمُ الآبَاءُ = الأباء البطاركة (إبراهيم وإسحق ويعقوب..) وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ = جاء منهم بالجسد ولذلك خصهم الله بكل هذا التكريم، ويكفيهم هذا فخراً. الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا = نري هنا المسيح الإله المتأنس. بلاهوته المتحد بناسوته. الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا = تعني أن الله هو إله اليهود والأمم أيضاً.

العدد 6

آية (6): –

“6 وَلكِنْ لَيْسَ هكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ،”.

لَيْسَ هكَذَا = أي ليس كما يتصور أحد إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ إذ أن ما يبدو للعين أن الله قد رفض اليهود بعد كل هذه البركات والمواعيد التي حصلوا عليها. ولكن لنفهم أن وعود الله لليهود لم تسقط، بل هي مستمرة لمن يؤمن منهم بالمسيح، الذي هو هدف ناموسهم. فإسرائيل الحقيقي تفهم بمعني روحي وليس لمن هم حسب الجسد (رو2: 28، 29). وإسرائيل الروحي هو من بقي أميناً علي ميراثه الإيماني الذي تسلمه من الأباء، فآمن بالمسيح، الذي هو منتهى الوعد والبركة لإبراهيم ولإسرائيل، وأمّا من رفض المسيح، فهم نسل إبراهيم حسب الجسد، وليس هم أصحاب ميراث الوعد ببركة إبراهيم (9: 7، 8). إسرائيل الحقيقى هم من إنفتحت عيناه فعرف المسيح مثل التلاميذ والرسل والـ 3000 الذين آمنا بعظة بطرس. ورأينا في (رو2: 28، 29) أن إسرائيل الحقيقي هو من ختن قلبه بالروح، والروح لا يفعل هذا إلا لكل مؤمن معمد بالماء والروح. فمن لا يؤمن بالمسيح، لا يكون بعد إسرائيلياً حقيقياً، وهؤلاء اليهود الذين آمنوا بالمسيح وأيضاً الأمم المؤمنين به أسماهم الرسول إسرائيل الله (غل16: 6). وحينما يضاف إسم الله لشئ، ففي المفهوم العبري هذا يعني تضخيم الشيء، كما نقول جيش الله = جيش ضخم، وهكذا جبل الله.. وحينا يقول إسرائيل الله يعني الكنيسة التي ضمت كل العالم يهوداً وأمم.

العدد 7

آية (7): –

“7 وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ».”.

يفتخر اليهود بكونهم نسلاً لإبراهيم، والرسول يرد عليهم، أن ليس كل أولاد إبراهيم بالجسد هم أولاد وعد، فإسماعيل مثلاً لا يُدعي نسلاً لإبراهيم علي أساس الوعد، ولاحظ أن الوعد كان بإسحق الذي هو رمز للمسيح فكلاهما من مستودع لا يمكن أن ينجب (يلد) بحسب الطبيعة فالوعد إذاً خاص بمجيء المسيح الذي هو ليس بحسب الطبيعة. لذلك فإن الإسرائيلي الحقيقي هو من آمن بالوعد أي آمن بالمسيح. لذلك قال السيد عن نثنائيل أنه إسرائيلي حقاً إذ قال عن المسيح أنه إبن الله وملك إسرائيل. هنا الرسول يقدم إسحق رمزاً للبنوة، لأنه ليس حسب قوة الجسد ولا ناموس الطبيعة، بل علي حسب قوة الوعد الإلهي، إذاً نسل إبراهيم هم الذين ينعمون بالولادة لا حسب الجسد بل حسب الإيمان. هكذا نحن أيضاً نولد بواسطة كلمة الله، ففي جرن المعمودية تُشَكِّلْنا وتلدنا كلمة الله أف 26: 5. إذاً نحن نولد من جديد مثل إسحق بعد أن غلبتنا شيخوخة الخطية. ومازلنا نولد بالمعمودية لا خلال الجسد ولا بهوي إنسان، إنما بالروح القدس بقوة الكلمة.

العدد 8

آية (8) –

“8أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً.”.

ما يميز إسرائيل أنهم أولاد إسحق أي إبن الموعد، وإسحق هو نبوة عن الموت الذي يحوله الله إلي حياة، وهذا عمل المسيح بفدائه. إذاً أولاد الله ليسوا هم من يولدوا بحسب النواميس الطبيعية بل وفقاً لمواعيد الله.

العدد 9

آية (9): –

“9لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ».

إذاً إبراهيم الميت جسدياً وسارة ميتة المستودع ليسا هما أبوا إسحق، بل إسحق هو إبن الوعد. وبهذا نفهم أن أولاد الله هم أولاد الوعد. ليسوا أولاداً بحسب الطبيعة بل بنعمة الله.

الأعداد 10-12

الآيات (10 – 12): –

“10 وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. 11لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، 12قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ».”.

ما زال الرسول يدافع عن وجهة نظره، في أن الله له الحرية أن يختار الأمم، فهو لا يختار بحسب الأعمال ولا بحسب الختان ولا الناموس. والرسول لم يكتفِ بمثال ميلاد إسحق فلربما قالوا إن إسمعيل إبن جارية وأن أولاد قطورة أصغر سناً، وقطورة أيضاً جارية، أما نحن اليهود فنحن أولاد سارة الحرة. لذلك ضرب الرسول مثالاً آخر عن يعقوب وعيسو فهما من أب واحد وأم واحدة، بل من بطن واحد لإنهما توأمين (عيسو يمثل اليهود الأكبر سناً والأكثر خبرة في معرفة الله ورُفِضوا لعدم الإيمان) والله رفض عيسو مع أنه بالجسد إبن إسحق. لأن بسابق معرفته، هو يعرف من هو الصالح روحياً (رو 29: 8). بالإضافة إلي أن يعقوب جاء أيضاً بكلمة وعد “كبير يستعبد لصغير” تك 23: 25 وأيضا رفقة لم تكن تنجب، وإستجاب الله لصلاة إسحق من أجلها تك 21: 25. فيعقوب هو إبن صلاة، وموعود بالبركة (كبير يستعبد لصغير).

لماذا إختار الله يعقوب دون عيسو؟

  1. بسابق معرفته، فهو عَرِف من سيتجاوب مع محبته ويقبل دعوته، حتي لو تعرض للسقطات والضعفات فنيته صادقة. ورفضه لعيسو يقوم علي رفض عيسو لله ومقاومته له (رو 29: 8). ومن خلال قصة يعقوب وعيسو في الكتاب المقدس ندرك فعلاً صحة إختيار الله من وحشية وإستهتار عيسو وقداسة يعقوب.
  2. وهما لم يولدا بعد = أراد الرسول هنا أن يبرر أن الإختيار تم قبل أن يتعاملا مع الناموس أو الختان أو غيره، بل بنعمة الله المجانية. فالله أظهر محبته وهو يعلم أن يعقوب سيقبل دعوته المجانية وعمله الإلهي فيه. لكنه إختاره قبل أن يكون له أعمال.
  3. اليهود يعجزوا أن يفسروا سبب إختيار يعقوب، وهكذا يعجز الكل عن أن يدركوا سر إنفتاح باب الإيمان للأمم كما لليهود.
  4. الرسول هنا لا يقلل من دور الإيمان أو الجهاد (فأنا أجاهد لأن لى إيمان فى وعود الله)، لكنه يؤكد أن خلاص الإنسان لا يتحقق بالعمل الصالح خارج دائرة الإيمان. ولكن الله سيجازي كل واحد بحسب أعماله (مت27: 16). وكل واحد يأخذ أجرته بحسب تعبه (1كو58: 15). والأموات أعمالهم تتبعهم (رؤ13: 14).
  5. الرسول يظهر لنا الله كأنه حر في إختياره المسبق حتي لا يجهد أحد نفسه في فحص أمور الله التي لا يمكن أن تفحص. ومن يريد أن يفكر فليضع بديهية قبل أن يفكر وهي أن الله عادل في أموره. ولو عرفنا كل أسباب حكمه لقلنا آمين. ولكن الله غير ملزم أن يشرح لنا كل الأسباب في إختياره حتي نقبل أحكامه بلا فحص، ولا نضعها تحت قياسات عقلنا القاصر بل نقبلها بالرضى والشكر. ولثقتنا في عدل الله في إختياره فإننا نعلم أن الله يختار من يختاروا الله. عموماً فنحن لن نفهم كل أحكام الله الآن “لست تعلم ما أنا فاعل الآن لكنك ستفهم فيما بعد” (يو7: 13).
  6. بحث بولس الرسول يريد أن يصل إلي أن الله لا يعطي بره علي أساس أعمال بل علي أساس الوعد، والإيمان مربوط بالوعد، فالله يدعو والإنسان يؤمن. فالإيمان هو إستجابة للدعوة. والأعمال مربوطة بالإيمان والدعوة. وبعد أن جاء المسيح فلا إختيار إلا في المسيح وبالتالي الإيمان به. وما قبل المسيح كان الإختيار لمن سيأتي منهم المسيح. أما بعد المسيح فكل مؤمن هو مختار، ولكن على المؤمن أن يثبت فى إيمانه ومحبته فيغلب (رؤ2، 3).

العدد 13

آية (13): –

“13كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ».”.

والحق أن مواعيد الله هذه قد صدقت وتمت وفقاً لما ذكره النبي ملاخي (2: 1). فأحب الله يعقوب ونسله، وكان لهم الهيكل وميراث كنعان، وأبغض الرب عيسو.

العدد 14

آية (14): –

“14فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْمًا؟ حَاشَا!”.

إذا كان الإختيار والتفضيل يعتمد أساساً علي الله الذي يدعو الإنسان، فهل يكون الله قد سلك بالظلم ضد عيسو؟ حاشا = ليحذر أن يخطر علي بالنا شئ كهذا. فنحن لا يمكننا أن ندرك كل أسرار حكمة الله. الله ليس بظالم حتى وإن بدا حكمه غير مفهوم لنا.

الأعداد 15-16

الآيات (15 – 16): –

“15لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ». 16فَإِذًا لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ ِللهِ الَّذِي يَرْحَمُ.”.

حين سأل موسي الله أن يري مجده (خروج33) أجابه الله بهذه الإجابة، وكأنه أراد أن يقول له “مع كل تقديري لجهادك وتعبك. لكن رؤية مجدي هي عطية مجانية إلهية تُعطي، وليس ثمناً للأعمال، لكنها قطعاً لا توهب للمتراخين والمتكاسلين”. والله وحده يعرف من هو الذي يستحق عطايا محبته. اللهِ الَّذِي يَرْحَمُ = فالله لا يعطي بحسب الأعمال بل بحسب رحمته، فلا توجد أعمال في هذه الدنيا يستحق صاحبها أن يري مجد الله. وليس معني هذا عدم أهمية الأعمال، فالله يطلب أن نصلي لكي يعطينا (مت9: 37، 38) فعلة وخدام ليزداد الحصاد. والرحمة هنا في معناها العام تعني عطايا الله وخيراته التي حصل عليها إسرائيل دون الأمم لفترة من الزمن.

ولاحظ أن الله لم يقل أرحم من أرحم وأُهلك من أُهلك، فهو يستخدم سلطانه في الرأفة والحب والرحمة، فالله لا يريد هلاك الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز23: 18). والله محبة لكنه لا يلزم أحد بمحبته ولذلك لم يلزم عيسو بها.

هل تبحث عن  الأمر يتوقف علي نوعية الطاعة والعصيان

ونلاحظ أن الله يوزع مراحمه علي الكل، ولو منع رحمته عن أي إنسان ما عاش لحظة، فهو يرحم الجميع ويشرق شمسه علي الأبرار والأشرار ويعطي كل واحد قوته. وحتي أعمالنا الصالحة هو أعطانا برحمته أن نعملها (يع17: 1) وليس أن أعمالنا الصالحة تستدر مراحمه. لكن الرسول مازال مهتماً بإبراز حرية الله في الإختيار، فهو يختار بمراحمه وليس بحسب أعمال أحد. يريد أن يظهر سلطان الله المطلق في إختياره مختاريه (وهو يقصد الأمم طبعاً).

لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى = هذه تشبه قوله في (1كو7: 3) “ليس الغارس شيئاً ولا الساقي بل الله الذي ينمي” فهل يفهم من هذه الآية أن الله ألغي عمل الغارس والساقي. وهل الزرع يمكن أن ينمو دون غارس أو ساقي، ونجد أن الرسول يقول أيضا أنه زرع وأبلوس سقى والله هو الذى ينمى (1كو3: 6). لكن المهم قوة النمو التي هي من قبل الله، ولكن قوة النمو هذه يلزمها زارع وساقي. لا يمكن أن نضع أمامنا آية بمعزل عن باقي الكتاب. فأمامنا آيات أخري مثل “تمموا خلاصكم بخوف ورعدة” + “الذي يصبر إلي المنتهي فذاك يخلص” + “كن أميناً إلى الموت” فهذه الآيات فيها طلب أن نقبل الله بإرادتنا الحرة. ومعني هذا أننا لا نستطيع أن نتجاهل دور الإنسان الإيجابي في تمتعه بالخلاص المجاني. والله يريد إرادتنا الحرة أو مشيئتنا الإختيارية مع سعينا الجاد. فالكتاب وحدة متكاملة لا نتعامل مع جزئياته أي لا نتعامل مع آية واحدة دوناً عن باقي الكتاب.

وهنا بولس الرسول لا يتكلم عن مشكلة تخص الأفراد، بل عن قبول الأمم، وهل من حق الله أن يقبلهم أم لا. فمنطق اليهود أن الله لا يجب أن يقبل الأمم. أما بالنسبة لنا كأفراد، فنحن بمشيئتنا الحرة نسعي ونجاهد والله يعين فهو دائم العطاء. فحين يقول الله أَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ = يجب أن نضع بجانبها أن الله عادل وبار، فهو بالتالي سيتراءف علي من يستحق رأفاته.

الأعداد 17-18

الآيات (17 – 18): –

“17لأَنَّهُ يَقُولُ الْكِتَابُ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي لِهذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ». 18فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ.”.

المشكلة التي يعالجها الرسول أن اليهود ينكرون علي الله أن يضم الأمم إلي حظيرة الخلاص، فهم في نظرهم ليسوا من شعب الله. وكأن اليهود يريدون أن يحددوا سلطان الله، لذلك فالرسول يظهر الله هنا أنه مطلق السلطان يفعل ما يشاء، لا شئ يحد من سلطانه، ولكن سلطانه هذا لا يشوبه أي ظلم قطعاً.

والله إختار موسى ورفض فرعون لأنه يعلم قلب موسى فسانده ليتمجد فيه خلال الرحمة، والله يعلم قسوة قلب فرعون فتركه في عناده، ولاحظ أن فرعون هو الذي إستمر في عناده وإهاناته لله، فلم ينزع الله هذه القسوة حتى يتمجد الله خلال هذا العنف الشرير، وبهذا يكمل موسى كأس مجده ويكمل فرعون كأس شره. والله يتمجد بهذا كما بذاك. فسواء الإنسان البار أو الإنسان الشرير فالله يستخدمهما كليهما في تنفيذ خطته الأزلية. فالله إستخدم قساوة فرعون ولم ينزعها، الله رفع يده ورحمته عنه فبقي في قساوته ليري المصريون واليهود مجد يهوه ويدركوا تفاهة الأوثان. وهكذا ترك الله إسرائيل 2000 سنة في قسوتها وتشتتها، ليعلم العالم أن الله تركها ورفضها وسيعود الله ويقبلها في نهاية الأيام. وبنفس المنطق ترك الله العالم الوثني يثور ويتقسي قلبه ثم رحمه الله وقبله، والله بهذا المنطق قسى قلب يهوذا وإسرائيل ليتم الفداء فبزلتهم صار الخلاص (راجع مقدمة الإصحاح).

الرسول هنا يربك اليهود بذات فكرهم، فهم قبلوا رحمة الله لهم وسقوط فرعون تحت قسوته دون إعتراض منهم، فلماذا لا يقبلون الآن أن الله يفتح باب مراحمه للأمم. عموماً فالإنسان غير المؤمن يقف من الله دائماً موقف الناقد. فلنصلى لكي يعطينا الله حكمة لنفهم ونقبل تصرفاته.

فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ = الله فى محبته خلق كل البشر ليفرحوا أمامه فى مجده وينعكس عليهم مجده كأب يفرح بأولاده وهم فرحون أمامه (إش43: 7). وكان هدف الله أن يكون الكل فى وحدة (راجع تفسير يو17: 20 – 23). وسقط الإنسان وفسدت الخليقة التى كانت أولا على غير فساد. وجاء المسيح ليعيد الصورة الأولى ويجمع الكل فى جسده الواحد، كهيكل وكل منا حجر حى فى هذا الهيكل (1بط2: 4، 5). ولكن بسبب الفساد صار للإنسان طبيعة متمردة عاصية، والله فى محبته كان مضطراً أن يؤدب أولاده هنا على الأرض حتى يضمن لهم الخلاص فمثلا يسمح الله بمجاعة أعادت الإبن الضال، ويسمح الله بأن الشيطان يضرب أولاده ليؤدبهم (وهذا حدث مع بولس الرسول ومع أيوب وإستعمل بولس الرسول نفس الطريقة مع زانى كورنثوس. والتأديب يكون هنا على الأرض ليضمن الله خلاص النفس فى السماء. ففى السماء هناك الفرح الأبدى وهناك يمسح الله كل دمعة من العيون. وشرح الله هذا فى قصة بناء هيكل سليمان (رمز هيكل جسد المسيح أى الكنيسة فى السماء). إذ قيل “والبيت في بنائه بني بحجارة صحيحة مقتلعة ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد” (1مل6: 7). فالحجارة تمثل المؤمنين، والمعول يمثل التأديب هنا على الأرض. فهم كانوا يقطعون الحجارة وينحتونها فى الجبل (1مل5: 15 – 18). والله كان يريد أن يكون الكل حجارة حية فى الهيكل. ولكن من يعاند ويُصِّر على ذلك كما عمل فرعون يتركه الله فيكون معول ليؤدب أولاده.

ومعنى أن الله يُقَسِّى قلب فرعون أنه تركه لعناده. فالله كان قادرا أن يمنعه عن هذه القساوة، فالحكيم يقول “قلب الملك فى يد الرب كجداول مياه، حيثما شاء يميله” (أم21: 1). بينما أن محاولات الله مع ملك آخر وهو نبوخذ نصر البابلى نجحت فى أن يُميل قلبه ويتحول إلى إنسان مؤمن بالله (راجع مقدمة سفر دانيال). والله يحاول مع كل الخليقة ليخلص كل من يقبل أن يتجاوب معه “فالله يريد أن جميع الناس يخلصون” (1تى2: 4).

والله خلق الكل فهو يحب الكل “لأنك تحب جميع الأكوان، ولا تمقت شيئا مما صنعت. فإنك لو أبغضت شيئا لم تُكَوِّنْه” (حك11: 25).

والله لم يخلق شيئا إلا لو له دور وعمل فى هذه الحياة، وبعمله هذا يمجد الله، فكما رأينا أن الله خلق الكل لمجد إسمه (إش43: 7). والله الذى يحب خلاص كل البشر كان يتمنى أن لا يهلك أحد من خليقته. ولكنه يظل يحاول مع كل إنسان ليتوب فيخلص ويصير حجرا حيا فى هيكل جسد المسيح، ويمجد الله.

ومن يعاند يعطيه فرصة بل فرص كثيرة ليجذبه فيتوب. ولكن هذه الفرص تكون لزمان محدد “أعطيتها زمانا لكى تتوب… ها أنا ألقيها فى فراش…” (رؤ2: 21، 22) أى بعد زمان تبدأ التجارب والألام. ولكن مع إستمرار الرفض والعناد ومقاومة صوت الروح القدس، وإذ يرفض الإنسان أن يكون حجرا حيا، حينئذٍ يكون له دور آخر، وبه أيضا يتمجد الله. وهذا ما يعنيه قول الله إِنِّي لِهذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ. فالله سيتمجد بموسى وبالقديسين إذ يظهرون مجد الله فيهم، ويتمجد مع المعاندين والأشرار إذ يظهر الله فيهم قداسته ورفضه للشر والخطية.

فرعون: – بعناده تمجد الله بالضربات العشر، إذ ظهرت قوة يهوه وتفاهة الآلهة الوثنية. وعرف المصريون واليهود من هو الله، وآمن اليهود بالله وصاروا حجارة حية.

الشيطان: – بعناده صار له دور فى تأديب شعب الله ورجوعهم إليه فصار معول ينحت الحجارة الحية لتهذيبها فتلمع (أيوب مثلا + وفى 1كو5: 5 نجد بولس الرسول يُسَلِّم زانى كورنثوس للشيطان ليهلك الجسد (بأمراض أو ضيقات) فتخلص الروح فى يوم الرب يسوع) وبهذا تمجد الله بخلاص أيوب وخلاص هذا الزانى.

يهوذا: – رأينا كم المحاولات التى عملها معه المسيح، وإصرار يهوذا على عناده. وتحول إلى معول لتنفيذ صلب المسيح فتم الخلاص. وبالصليب تمجد المسيح الإبن وتمجد الآب بالإبن.

الكل له دور ولكن الكل فى دورهيمجد الله.

العدد 19

آية (19): –

“19فَسَتَقُولُ لِي: «لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ؟ لأَنْ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ؟ »”.

هنا رد علي سؤال غبي سيثيره النقاد “إن كان الله يقسي من يشاء ولا أحد يستطيع مقاومته، فلماذا تدينني يا رب وأنت خلقتني هكذا”؟ ونجد الرسول مستمر في أسلوبه في إثبات حرية الله. فالإجابة المنطقية علي تساؤلات الناقدين.. أن الله لم يجعل فرعون قاسياً ولا يهوذا …الخ لكن هم بحريتهم قاوموا الله، والله لم يغير طبيعتهم، وأن الله عادل وليس عنده محاباة… هذا هو الرد المنطقي، ولكننا نجد الرسول لا يستخدم هذا الرد، بل يكمل في أسلوبه مثبتاً سلطان الله المطلق = مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ.

العدد 20

آية (20): –

“20بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟ »”.

الجبلة = الخلقة أي الشيء المخلوق. وبدون شك لا يستطيع أحد أن يقاوم مشيئة الله، وليس لأحد الحق أن يراجع الله ويسأله عن عمله. ولكن أبناء الله يسألونه بدالة المحبة والبنوة (إر1: 12).

بل من أنت؟ = هل أنت شريك لله في سلطانه، بل أنت وأنا لسنا أكثر من طين صنعه الله وشكَّله، فهل من حقي أن أحاكم الله. والله كخزاف (صانع آنية من طين) يتوق أن يجعل كل الآنية، آنية للكرامة، ولكن الله يكرم حرية إرادتنا، وإذ نرفض نبقي بلا كرامة ونفقد عمل يديه المُقَدِّسَتَيْنْ للنفس والجسد والروح. فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تي4: 2). وهو الذي يقول من يقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً (يو37: 6). لكن من يُصِّرْ أن يبقي آنية هوان مثل فرعون فسوف يتمجد الله به أيضاً إذ سيظهر فيه سخطه علي الخطية.

العدد 21

آية (21): –

“21أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ، أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟”.

فكرة الخزاف وآنية الطين مأخوذة من (إر1: 18 – 10) وليس المطروح هنا هو أن الله إن أراد يخلقني آنية للهوان وإن أراد يخلقني آنية للمجد، بل إنني طين في يدي خزاف، هو حُرُ أن يصنعني كما يشاء، وما عليَّ سوي أن أطيع وأكف عن الجدال. ولكن لا يصح أن نحمل المثل فوق ما يحتمل ولا نأخذ منه سوي الذي قصده الرسول، بأن يظهر سلطان الله المطلق. ولكن الله يحترم حرية إرادتنا، فلو إستجبنا له بحرية إرادتنا يحولنا إلي آنية مجد، لمجد إسمه بطريقة عجيبة (بولس الرسول نفسه مثال لهذا). فمن يطيع يصير آنية مجد. ومن لا يطيع يصير آنية هوان. ولكن لنري محبة الله، فالله حين صنع الإنسان من طين لأول مرة صنعه علي صورته هو (تك27: 1). وحين جدد الله خلقتنا بالمسيح يحولنا لصورة المسيح (كو10: 3 + غل19: 4). وحرية الإنسان في تحديد دوره كآنية مجد أو آنية هوان تتضح في (2تي2: 20، 21) هنا يظهر الرسول سلطان الله المطلق. ولكن نضيف نحن علي ذلك عدله ومحبته.

العدد 22

آية (22): –

“22فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ.”.

الله إحتمل بطول أناته = أَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنية غضب كانت تستحق الهلاك أي الأمم ليظهر قوته فيهم بعد ذلك إذ يحولهم إلي قديسين. والله إحتمل فرعون الذي كان يستحق الهلاك ليظهر قوته أمام اليهود والمصريين. فآنية الهلاك يكونون مجالاً لإظهار غضب الله، وبالتالي تظهر قداسته وعدم رضاه عن الخطية. وهذا ظهر أيام الطوفان وأيام سدوم وعمورة. ولكن الله يعطي فرصاً كثيرة لآنية الهوان، فلا يهلكها فوراً ليظهر مراحمه ومحبته وأنه لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع ويحيا (خر23: 18). ولكن بعد أن يعطيه فرصاً عديدة يتمجد فيه (بإهلاكه فيظهر قداسة الله ورفضه للخطية أو بأن يكون له فرصة ليتجاوب مع الله ويصير قديساً (الأمم / بولس الرسول) أو بأن يكون له دور في خطة الخلاص (يهوذا / فرعون).

العدد 23

آية (23): –

“23 وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ،”.

الله يبين غني مجده في اليهود الذين كانوا آنية رحمة لفترة طويلة، وبَيَّن غني مجده في موسى الذي لمع وجهه، وبَيَّن غني مجده لبولس الذي رأي ما لم تره عين.. وفي قديسين كثيرين. ولاحظ أنه قال آنِيَةِ رَحْمَةٍ ولم يقل آنية عمل صالح ليُظهر سلطان الله المطلق. ونحن نستطيع أن نهلك أنفسنا ولكن لا نستطيع أن نخلص أنفسنا بدون رحمة الله، ولاحظ حكمة كنيستنا الأرثوذكسية التي تكثر من ترديد عبارة “يا رب إرحم” فالخطاة يؤهلون أنفسهم لجهنم، ولكن الله يؤهل القديسين للسماء. وقطعاً فالله يؤهل للسماء بناء علي ما إخترته أنا بحريتي، ولو كان العمل هو عمل الله وحده لحصل الكل علي المجد.

العدد 24

آية (24): –

“24الَّتِي أَيْضًا دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا، لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضًا.

رحمة الله شملت اليهود والأمم، بالرغم من أن اليهود كأمة رفضوا المسيح.

العدد 25

آية (25): –

“25كَمَا يَقُولُ فِي هُوشَعَ أَيْضًا: «سَأَدْعُو الَّذِي لَيْسَ شَعْبِي شَعْبِي، وَالَّتِي لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً.”.

قارن مع (هو23: 2 + 1بط10: 2). فالرسول إقتبس من هوشع النبي ما قاله هنا (ولكن من الترجمة السبعينية لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً = لورحامة أي بلا رحمة. لَيْسَ شَعْبِي = لوعمي. والرسول يقصد أن هوشع تنبأ عن أن الله سيختار الأمم، فهم لم يكونوا من شعبه وصاروا من شعبه، ولم يكونوا مرحومون فصاروا مرحومين. بولس هنا يقول لليهود الرافضين لقبول الأمم. ما رأيكم في هذا الكلام الذي قاله هوشع في كتابكم المقدس.

العدد 26

آية (26): –

“26 وَيَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: لَسْتُمْ شَعْبِي، أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ».”.

هل تبحث عن  48 Angels

وسوف يحدث أنه في المكان الذي كان يتعبد فيه الأمم للأوثان حين قيل لهم لستم شعبي، في نفس هذا الموضع سيقدم الأمم العبادة لله وسُيْدعَوْن أبناء الله الحي، ولا داعي لأن يذهبوا إلي أورشليم، بل الله سيُعْبَد في كل مكان. قوله فِي الْمَوْضِعِ أي كل مكان في العالم ويكون فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي.. = هذه النبوة مأخوذة من (هو10: 1) والتى جاءت فى الترجمة العربية هكذا “لكن يكون عدد بني اسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يعد ويكون عوضا عن ان يقال لهم لستم شعبي يقال لهم ابناء الله الحي”. ولكن الآية جاءت فى ترجمات أخري (مثل KJV، NKJV) كما ذكرها بولس الرسول هنا. ويفهم اليهود كلمة موضع علي أنها الهيكل في أورشليم، فالعبادة تكون في موضع واحد، أمّا نحن فمن قول السيد المسيح للسامرية نفهم أن الله سيعبد في كل مكان.

الموضع = الكلمة فى اليونانية لها معانى متعددة، وكل مترجم فهمها بمعنى غير الآخر. ولكن بمقارنة الترجمة العربية مع الترجمة الإنجليزية، يبدو أن المعنى الذى قصده الرسول ليس المقصود به المكان جغرافيا أى الهيكل أو أورشليم حسب فهم اليهود، أو أن الهياكل الوثنية تتحول إلى كنائس يعبدون فيها الله حسب التفسير أعلاه. ولكن المقصود الموضع الكتابى أى الآية التى ذكرها هوشع النبى. والمعنى أن الرسول يريد أن يقول لليهود راجعوا كتابكم المقدس فإنه فى نفس الموضع الذى قال الله عن الأمم لستم شعبى فى نبوة هوشع النبى، فإنه فى نفس النبوة يعطى الله وعداً للأمم أنه سيرحمهم إذ قال الله الآن صرتم شعبى = أبناء الله الحى. ويكون ذلك فى زمن يحدده الله. فـالموضع هنا يعنى الآية الموجودة فى نبوة هوشع النبى. وهذا التفسير متفق مع ما سبق وما سيأتى فيما بعد.

العدد 27

آية (27): –

“27 وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: « وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ.”.

النبوة من (إش10: 22، 23) (سبعينية). وكان إشعياء يتنبأ عن العودة من السبي، فقليلون هم الذين عادوا من السبي. وهذا ما حدث أيام المسيح، فالأقلية آمنوا والأغلبية رفضوا المسيح. وهنا يسمي الرسول الذين آمنوا = الْبَقِيَّةُ كما أسماهم إشعياء. والبقية قد تكون إشارة لإيمان اليهود في آخر الزمان. لكن كلمة البقية هي إشارة واضحة لأن الكنيسة في العهد القديم أو العهد الجديد هي شجرة زيتون واحدة، وبعد المسيح قطعت الأفرع التي رفضت الإيمان، وبقي المؤمنون علي الزيتونة.

العدد 28

آية (28): –

“28لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْرًا مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الأَرْضِ».”.

لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ = (إش23: 10). حينما يبدأ الله عملاً فهو لابد وسيكمله، سواء عمل دينونة أو عمل رحمة. وإسرائيل كان يستحق اللعنة بسبب رفضهم المسيح. ولكن الله الذي بدأ معهم سيكمل معهم ويخلص البقية ويتمم عمله بالبر، وهذا سيتم في نهاية الأيام. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْرًا مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الأَرْضِ = هذا الأمر هو الإيمان الذي يجلب الخلاص والبر لكل من يؤمن، يهوداً وأمم، وبإنتشار الكنيسة في كل العالم.

العدد 29

آية (29): –

“29 وَكَمَا سَبَقَ إِشَعْيَاءُ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلاً، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ».”.

مقتبسة من (إش9: 1). والمعني هو: – لو أن الرب لم يبق لنا بقية ولم يجعل من بين الأحفاد بعض النسل الصالح المختار، لصرنا مثل سدوم وعمورة أي بلا بقية. وقد تشير كلمة النسل للمسيح الذي جاء من اليهود ليخلص اليهود والأمم. وربما تشير للقلة التي آمنت ببشارة التلاميذ.

العدد 30

آية (30): –

“30فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ.”.

فَمَاذَا نَقُولُ = ما هي النتيجة لما سبق وقلناه حتى الآن. إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ = أي هم لم يكونوا يسعون لأن يتبرروا فهم لا يعرفون شيئاً ولم يشعروا بإثمهم أمام الله، بل لم يسمعوا عن الله ولا علي الناموس. أَدْرَكُوا الْبِرَّ = حصلوا علي التبرير بواسطة الإيمان بالمسيح الذي سمعوا عنه ودون أن يسمعوا عن الناموس. وصدقوا ببساطة أن الله قد قبلهم، ففرحوا به وآمنوا به، وبإيمانهم صاروا أبراراً، دون أن يكون لديهم أي خبرة سابقة من ناموس أو أعمال. هذه هي نعمة الله المجانية. الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ = وليس بالتحول إلي اليهودية أولاً. وبهذا رأينا صدق مواعيد الله، فالذين ليسوا من شعبه صاروا من شعبه ويسبحونه بل أبناءه.

الأعداد 31-33

الآيات (31 – 33): –

“31 وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! 32لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ، 33كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى».”.

مشكلة اليهود أنهم شعروا أنهم قادرين أن يتبرروا بدون الله، بل هم يفتخرون علي الله ببرهم، فمن يستطيع أن يتبرر من دون حاجة لله لن يشعر بإحتياجه لله. وهذا يحدث حتى الآن وأمثلة لذلك: -.

  1. من يقول أنا إستطعت أن أبقي بلا خطية فترة طويلة، فقوله “أنا” فيها إفتخار بذاته. ولم يدرك أنه لم يسقط بسبب حماية الله له.
  2. من يعمل عملاً ويشعر في داخله أنه عمل شيئاً، ويفتخر به، هذا ما قال عنه السيد المسيح “لا تعرف شمالك ما تفعل يمينك”.
  3. من يشعر في داخله أنه أفضل حالاً ممن حوله.

كل هؤلاء مشكلتهم أنهم لم يعرفوا أن الله هو الذي يعمل فيهم العمل الصالح، هم ظنوا في أنفسهم أنهم شئ صالح فاصلين أنفسهم عن الله مصدر كل صلاح، وعلي الجانب الآخر فهناك ما يسمي صغر النفس ومثال لذلك: -.

من يقول أنا لا أمل لي في الإصلاح، أو أنا غير قادر على عمل هذا الشئ فأنا ضعيف أو عاجز. هذا يشعر أيضاً أنه وحده دون معونة من المسيح، هو لا يطلب المسيح، وإذ يجد نفسه عاجزاً يقول أنه لا فائدة. ونلاحظ أن الكبرياء وصغر النفس هما وجهان لعملة واحدة هي الإنفصال عن الله، أما المؤمن بالمسيح فيقول: -.

  1. أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني (في13: 4).
  2. لا أنا بل نعمة الله التي معي (1كو10: 15).
  3. منك الجميع ومن يدك أعطيناك (1أي14: 29).

وقارن بين الفريسي الذي إستضاف المسيح (لو7) والمرأة الخاطئة، هو كان يشعر في نفسه أنه بار فلم يحصل علي شئ، أما المرأة الخاطئة فتبررت لأنها شعرت بخطيتها وإحتياجها للمسيح.

وأنظر قول السيد المسيح “كذلك أنتم أيضاً متي فعلتم كُلَّ ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا” (لو10: 17). فشعورنا الداخلي أننا “عبيد بطالون” قد فعلنا الواجب يحمينا من الكبرياء الذي هو بداية السقوط. وما يشرح فكر اليهود المثال الذي إستعمله السيد المسيح عن الفريسي والعشار. فما فعله الفريسي هو مثال يشرح هذه الآيات.

وما ذكرناه سابقاً هو سقطة الشيطان الذي شعر بإمكانياته (قوته وجماله..) بغير الله، والإنفصال عن الله سقوط في المحدودية التي تعني الموت، والإتصال بالله يعني اللانهائية أي الحياة الأبدية. مثال لذلك بولس الرسول بفلسفته وعلمه وتلمذته لغمالائيل كان قبل الإيمان محدوداً، ولكنه بعد إيمانه صار غير محدود، فهو بَشَّر أوروبا كلها ومازال يعمل حتى الآن.

  • المؤمن المسيحي يشعر دائماً أنه محتاج لله “إن عطش أحد.. تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو37: 7 – 39 + راجع أيضاً رؤ17: 3). أيضاً المؤمن لا يقول أنا عملت كذا… بل المسيح دَبَّرَ كذا وكذا، وبهذا يستمر المؤمن في إتحاد مع المسيح وينطلق للانهائية في عمله، ويضمن حياته الأبدية. والمؤمن تكون عينه مفتوحة، ويري نفسه أنه نجس خاطئ (إر9: 17).
  • أما اليهود فكانوا لا يشعرون باحتياجهم لله، بل كانوا يشعرون في داخلهم أنهم أبرار، هم أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم. وهذا عكس ما حدث مع الأمم الذين لم يحاولوا إثبات بر أنفسهم، بل هم في بساطة آمنوا بالمسيح فتبرروا وخرج منهم مارجرجس والأنبا أنطونيوس….. اليهود كان لهم الناموس الذي كان قادراً أن يقودهم للمسيح، فغاية الناموس هي المسيح لمن يسلك بتواضع وإنسحاق، ومثل هذا يكتشف المسيح ويعرفه وهذا ما حدث مع التلاميذ الإثني عشر مثلاً، أما رئيس الكهنة المنتفخ بكبريائه وبره لم يعرف المسيح. بل أن التلاميذ إعترفوا أنهم لم يستطيعوا الإلتزام بالناموس (أع10: 15) أي هم شعروا بإحتياجهم لله، أما اليهود المتكبرين فلم يعرفوا المسيح المتواضع فكان لهم حجر صدمة فتعثروا فيه، فالله لا يسكن سوى عند المنسحق القلب والمتواضع (إش15: 57 + مز17: 51).

وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ = الناموس الذى أعطاه الله هو ناموس البر أى أن من يلتزم به يصير بارا. لكن مشكلة اليهود كانت أنهم كانوا يسعون خلال حرفيات الناموس دون روحه، لإثبات بر أنفسهم. وهم ظنوا أن هذه الأعمال تبررهم دون الإلتزام بروح الناموس من تواضع وإنسحاق أمام الله. لذلك فهم في خطاياهم وكبريائهم حين ظهر المسيح لم يؤمنوا به إذ كانوا يبحثون في كبرياء عن تبرير ذواتهم لا عن مجد الله. بل هم إصطدموا به فكان لهم حَجَرَ صَدْمَةٍ. ولو كانوا قد إلتزموا قلبياً بالناموس لكانوا قد تعرفوا علي المسيح وآمنوا به حين أتي لهم، كما حدث مع التلاميذ. ومع أن المسيح كان معروفاً عند الأنبياء، ولكن اليهود كانوا لكبريائهم كالعميان فتعثروا فيه (أش14: 8 + 16: 28 + لو34: 2 + 1بط6: 2). ولكن الربيون كانوا قد فهموا أن آيات إشعياء عن حجر الصدمة أنها علي المسيح الموعود به.

واليهود بالرغم من سعيهم في إثر ناموس البر لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ = لم يستطيعوا حتى الإلتزام بالناموس. لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ = الإيمان هو الثقة فى الله وبالتالى رفع القلب والعين إلى الله عند الشعور بالإحتياج. ولكي نفهم هذا، لنتذكر قصة بطرس حين سار علي الماء (مت28: 14 – 32) فهو تمكن من السير علي الماء حين كان مثبتاً نظره علي المسيح، وغرق إذ نظر لنفسه وللموج ولم يصدق، ولكن لما صرخ إنتشله يسوع، فصرخته هذه كانت هي إعلانه أنه محتاج للمسيح. فاليهود في تنفيذهم لوصايا الناموس كانوا ناظرين لأنفسهم لإثبات أنهم قادرين علي الإلتزام بالناموس ليتبرروا في أعين أنفسهم وأعين الناس، وبهذا لم يشعروا في داخلهم أبداً أنهم في إحتياج إلى الله ليعينهم فى أن يلتزموا بالناموس، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم لشعروا بإحتياجهم لمعونة من الله، ولكانوا قد رفعوا عيونهم لله طالبين المعونة، ومن يطلب بإيمان يرفع عينه لله، ولو فعلوا لكانوا قد أدركوا إحتياجهم لمخلص. لكنهم فى كبريائهم كانت عيونهم نحو أنفسهم وليس نحو الله. هم خدعوا أنفسهم شاعرين أنهم لا يحتاجون لمعونة بل يريدون أن يقفوا أمام الله كأبرار يطالبونه بالثمن. أما يهوشافاط الملك لم يفعل هكذا حينما شعر بضعفه وقال لله “نحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك أعيننا” (2أى20: 12). إذاً كان من اليهود من فهم روح الناموس وأدرك أنه فى إحتياج لله.

وكل الذين تواضعوا أمام الله شعروا بإحتياجهم وأنهم في ضعفهم غير قادرين علي الإلتزام بالناموس والوصايا (أع15: 10، 11). وهؤلاء الذين في تواضع شعروا بإحتياجهم لمخلص، حينما رأوا المسيح إكتشفوه وآمنوا به “يا رب إلي من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك” (يو6: 68، 69). بمجيء المسيح إنتهي تاريخ اليهود والعمل بالناموس ليبدأ الإيمان بصخر الدهور وحجر الزاوية. ولكن اليهود رفضوا الإيمان بعناد، فرفضوا البر مع الرحمة وإستمروا يعملون ليقيموا بر أنفسهم. وبقفزهم فوق الحجر (المسيح برفضهم له) ترضضوا وإنكسرت أمجادهم، ثم تحدوه وصلبوه فوقعوا تحت الحجر فسحقهم، ولكن الذين قبلوه إكتشفوا الطريق الجديد الصاعد للسماء. فالمسيح هو النسل الموعود به لإبراهيم الذي يتركز فيه الإختيار كما يتركز الرفض.

كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى = كل من يذهب لله معلناً إحتياجه في إيمان فالله سيعطيه ولن يخزيه وسيحوله إلي قديس. وكل من عاش من اليهود بروح الإنسحاق الناشئ عن الإحساس بالحقيقة، أن الناموس يطلب الطهارة وكل إنسان عاجز عن ذلك يشعر بإحتياج لمن يخلصه من نجاسته، فكل من عاش كذلك من اليهود عَرِفَ المسيح. أمّا رئيس الكهنة المنتفخ الذي يبحث عن بر نفسه لم يكتشف المسيح بل صلبه لأنه لم يبحث عن بر الله أي البر الذي يعطيه الله بل بحث عن بر نفسه فتعثر في المسيح. عموماً هما طريقان متضادان لا يمكن أن يلتقيا، بر الله وبر الذات. الله يعطى بره لمن يشعر بالإحتياج فيطلب. أما المعجب بنفسه فهو لن يطلب ومثل هذا لن يكتشف المسيح.

لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ = اليهود سعوا لأن ينفذوا الوصايا الناموسية = أعمال الناموس ليقفوا أمام الله يطالبون بالأجر كما فعل الفريسى، ويقفون أمام الناس طالبين المديح والتكريم “ولكني قد عرفتكم ان ليست لكم محبة الله في انفسكم. أنا قد اتيت باسم ابي ولستم تقبلونني. ان اتى اخر باسم نفسه فذلك تقبلونه. كيف تقدرون ان تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض. والمجد الذي من الاله الواحد لستم تطلبونه” (يو5: 42 – 44). هم فى كبريائهم لم يدركوا تواضع الله، فلما أتى المسيح متواضعا كان لهم حجر صدمة ولم يعرفوه، فإن أتى لهم ضد المسيح فى نهاية الأيام فى كبريائه سيؤمنوا به فهو صورة مطابقة لما فى قلوبهم المنتفخة. ولو فهم هؤلاء روح الناموس لعرفوا طبيعة الله المتواضعة ولعرفوا المسيح المتواضع كما عرفه تلاميذه البسطاء.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي