الأصحاح الثالث عشر
الله مخلصنا.
في هذا الأصحاح يقدم الله نفسه لشعبه الذي انحرف وفسد بل ومات روحيًا، كملك حقيقي قادر وحده أن يخلصهم من عبودية الخطية، محطمًا سلطان الموت تحت أقدامهم.
1. انحرافهم حتى الموت 1 – 3.
2. خلاصهم من العبودية 4 – 8.
3. رفضهم الملك المخلص 9 – 13.
4. خلاصهم من الموت 14.
5. الريح الشرقية المهلكة 15 – 16.
الأعداد 1-3
1. انحرافهم حتى الموت
لكي يقدم نفسه كملك مخلص لنفوسهم يكشف لهم ما فعلته بهم الخطية خاصة عبادة البعل، قائلاً: “لما تكلم إفرايم برعدة ترفّّع في إسرائيل، ولما أثم ببعل مات” [1].
لما سلك إفرايم كما سلك أبوه يعقوب بمخافة الله المقدسة صار رفيعًا بين الأسباط وبرزت مكانته، وارتعب الكل أمامه. وهكذا الذين يتضعون أمام الله يرفعهم. ولكن لما ارتبط إفرايم بالبعل آثمًا، لم يخسر سمعته ومهابته فحسب وإنما “مات”… فصار في حاجة إلى مخلص قادر أن يقيمه من الأموات.
والعجيب أن الخطية بما تحمله من موت تسحب قلب الإنسان لا إلى الندامة على ما بلغ إليه، وإنما تجتذبه بالأكثر من خطية إلى خطية: “الآن يزدادون خطية” [2]، هذه التي تفقدهم عمل كلمة الله فيهم إذ هي “مسبوكة من فضتهم” [2]، يصنعونها حسب حذاقتهم أو فهمهم، أيّ يقيمون آلهتهم حسب أهوائهم الذاتيّة ولا يخضعون لفكر الله.
لقد أقاموا أصنامًا يتعبدون لها “عنها هم يقولون ذابحو الناس يقبلون العجول” [2]. ربما يقصد أنه من أجل هذه الأصنام يقولون للكهنة الذين هم في الحقيقة يذبحون الناس بفسادهم ونجاستهم أن يقدموا عنهم أثمن ما لديهم من الحيوانات “العجول” كذبائح للبعل… فالكهنة أشرار والذبائح مهما كانت قيمتها رجسة.
يصف الذين يسلكون هكذا مرتدين عن الله مخلصهم بأنهم “يكونون كسحاب الصبح وكالندى الماضي باكرًا، كعصافة تخطف من البيدر وكدخان من الكوة” [3]. هؤلاء يظهرون كسحاب يبشر بنزول المطر (علامة نعمة الله)، لكنه سحاب الصبح المخادع ما أن تشرق الشمس حتى تختفي تمامًا. إنهم كالندى الباكر الذي يزول سريعًا دون أن يروي الأرض. وهم أيضًا العصافة الخفيفة التافهة التي يُطرح بها من كل جانب، وكدخان من الكوة (المدخنة) سرعان ما ينقشعون ويختفون (مز 68: 2).
الأعداد 4-8
2. خلاصهم من العبودية
أراد تأكيد عمله الخلاصي لهم فقدم لهم درسًا عمليًا من حياة آبائهم حيث خلصهم من عبوديتهم لفرعون ورعاهم وسط البرية حتى شبعوا: “وأنا الرب إلهك من أرض مصر، وإلهًا سواي لست تعرف ولا مخلص غيري، أنا عرفتك في البرية في أرض العطش، ولما رعوا شبعوا” [4 – 6]. لقد أشبعهم في أرض العطش عندما كانوا في ضيقة عظيمة. ولكنهم لما شبعوا من يديه جحدوه “شبعوا وارتفعت قلوبهم لذلك نسوني” [6].
حين يشبع الجسد ينسى الله خالقه وترتفع متشامخة، وكما جاء في سفر التثنية “سمن يشورون ورفس، سمنت وغلظت واكتسبت شحمًا، فرفض الإله الذي عمله وغبى عن صخرة خلاصه” (تث 32: 15).
أمام هذا الجحود وقف الله أمامهم في حزم: “فأكون لهم كأسد، أرصد على الطريق كنمر، أصدمهم كدبة مثكل، وأشق شغاف قلبهم وآكلهم هناك كلبوة يمزقهم وحش البرية” [7 – 8]. وكما يقول أشعياء النبي: “تمردوا وأحزَنوا روح قدسه فتحول لهم عدوًا وهو حاربهم” (إش 63: 10). بهذا الوصف كشف عن مرارة نفس الله من نحو أولاده الجاحدين حتى صار بالنسبة لهم كعدو يحاربهم بعنف كالأسد، مترصدًا حركاتهم كالنمر، بعنف كدبة مثكل، يرسل عليهم التأديبات التي تفترسهم وتأكلهم كلبوة… هذا كله لأنهم صاروا آنية غضب للهلاك (رو 9: 22).
الأعداد 9-13
3. رفضهم الملك المخلص
“هلاكك يا إسرائيل أنك عليَّ على عونك” [9]، وبحسب ترجمة اليسوعيين “هلاك منك يا إسرائيل وإنما بمعونتك فيَّ”، فإن ما يصيب إسرائيل ينبع عن تصرفاته المهلكة التي تقوده إلى الموت، أما خلاصه ففي الملك المرفوض، الله إلههم، الذي نسوه طالبين لهم ملكًا حسب هواهم، إذ يقول لهم: “فأين هو ملكك حتى يخلصك في جميع مدنك وقضاتك حيث قلت أعطني ملكًا ورؤساء؟! أنا أعطيتك ملكًا بغضبي وأخذته بسخطي” [9 – 11].
لعله بهذا يشير إليهم حين اشتهوا أن يكون لهم ملكًا يقضي لهم كسائر الشعوب (1 صم 8: 5) الأمر الذي أحزن قلب صموئيل النبي. ومع ذلك أعطاهم الله شاول ملكًا حسب شهوة قلبهم، وبغضبه سحبه منهم بسبب شروره. لأجل تأديبنا يسمح الله لنا أن ننال ما نشتهيه لندرك حاجتنا إلى قبول إرادة الله لا تنفيذ إرادتنا الذاتيّة.
نالوا شهوة قلبهم “ملكًا” حسب رغبتهم، فزاد إثمهم: “إثم إفرايم مصرور، خطيته مكنوزة، مخاض الوالدة يأتي عليه، هو ابن غير حكيم إذ يقف في الوقت في مولد البنين” [12 – 13]. إنهم “يذخرون لأنفسهم غضبًا في يوم الغضب” (رو 2: 5)، وهكذا يهلكون أنفسهم. خطاياهم مصرورة لحسابهم، لا ينساها الله ومكنوزة في مكان أمين ليعطوا عنها حسابًا… ظنوا أنها مخفية لا يراها أحد، تُنسى مع الزمن، ولم يدركوا أنهم إذ لا يذكروها طالبين المغفرة تُحفظ لهلاكهم. إنهم صاروا كالسيدة التي تحمل في داخلها الجنين، فالمخاض بآلامه قادم لا محالة. لكن إفرايم في غير حكمة هرب من التأمل أو التفكير فيما يحدث من آلام بسبب الخطية لكي يعرف علة الألم ويخلص منه بالله مخلصه.
العدد 14
4. خلاصهم من الموت
الذي فدى آباءهم من عبودية فرعون قادر وحده أن يفديهم حتى من الموت ويخلصهم من الهاوية: “من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم. أين أوْباؤك يا موت؟! أين شوكتك يا هاوية؟! تختفي الندامة عن عينيّ” [14].
إنه يحقق لهم ما لا يستطيع ملك آخر أن يحققه لهم، فإنه لا يطلقهم من السبي فحسب وإنما له سلطان أن ينطلق بهم من الهاوية، ويخلصهم من الموت، الأمر الذي تحقق بدخول المخلص إلى الموت ليحطم سلطانه. وكما يقول القديس جيروم: [لنا هذه التعزية، أن كلمة الله قد ذبح الموت… مات (ربنا يسوع) لكي بموته يميت الموت نفسه[45].] كما يتحدث مع الموت قائلاً: [لقد ابتلعت يوناننا (مسيحنا) لكن هو حيّ حتى في جوفك. حملته كميت لكي ما تهدأ عاصفة العالم وتخلص نينوى التي لنا بالكرازة به. نعم لقد هزمك وذبحك… بموته صرت أنت ميتًا، وبموته صرنا نحن أحياء. ابتلعته فإذا بك أنت تُبتلع. بينما كنت مضروبًا بالشوق إلى الجسد الذي أخذه مقتنصًا إياه كفريسة بمخالب نهمك، إذ بك تُجرح في الداخل!… [46].].
هذا هو وعد الله لنا… وهبنا السلطان على الموت، دون ندامة أو تغيير في وعده إذ يقول: “تختفي الندامة عن عيني”، أيّ لا أتراجع فيما وعدت به.
إن كان السيد المسيح بموته يهب الحياة قاتلاً الموت، فإنه بسماح إلهي يأتي ضد المسيح ويهب كريح شرقية ليجفف في داخل الإنسان عين الروح القدس وييبس ينبوعه الداخلي ويفقده كل ثمره: “وإن كان مثمرًا بين إخوة تأتي ريح شرقية ريح الرب طالعة من القفر فتجف عينه وييبس ينبوعه. هي تنهب كنز كل متاع شهي، تجاري السامرة لأنها قد تمردت على إلهها، بالسيف يسقطون، تحطم أطفالها والحوامل تشق” [15 – 16]. هذا الحديث تحقق حرفيًا بهبوب السبي الأشوري من الشرق الذي حطم إسرائيل تمامًا وعاصمتها السامرة، وسيتحقق في أواخر الدهور حينما تهب ريح “ضد المسيح” قادمة من الشرق، وتسمى “ريح الرب” لأنها بسماح منه.
الباب الرابع.
ثمار التوبة.
[45] Ep. 75: 1.
[46] Ep. 60: 2.