الأصحاح الثالث عشر
قتل أليفانا المتكبر.
يقدم لنا هذا الأصحاح موقفًا خطيرًا، يبدو أنه فريد من نوعه، لكنه في الحقيقة هو موقف كل مؤمنٍ جادٍ، مهتم بالعمل لحساب ملكوت الله بروح القوة والرجاء.
ما هي مشاعر الأرملة الصغيرة الضعيفة البُنية وهي وحدها في حضرة بطل العالم في ذلك الحين، يُرهِب الملوك وقادة الجيوش وكل القيادات. رجل حرب خطير يتحدى الله نفسه، وكل الآلهة، واثقًا من نفسه أن يقيم من ملكه نبوخذنصر إلهًا للأرض كلها!
أدركت يهوديت أنها ليست وحدها، لكنها في حضرة إله الآلهة ورب الأرباب، رب الجنود السماوية، تحمل في قلبها كل شعبها، تتحرك باسمهم.
إنها فرصة فريدة تعيشها لمجد الله وبنيان شعبه.
هذه هي صورة المؤمن وهو يقف في معركة مع إبليس الذي يقيم نفسه إلهًا على كل المسكونة. لكن حقيقة الموقف هي معركة بين إبليس والله الحيّ القدير ضابط الكل. حتمًا ينهار إبليس، ويفقد رأسه ورئاسته، وينحدر لا على الأرض بل إلى الهاوية، ويصير موضوع سخرية الجميع.
أنجح الرب طريق يهوديت، ففي اللحظة الحاسمة، قبل انقضاء مدة الخمسة أيام التي أعطاها عزِّيا للشعب ليعمل الله خلالها وينقذهم من يد أليفانا، وجدت يهوديت فرصتها للتحرك. فقد انسحب بوغا Bagoas وكبار الضباط من الحفل ليتركوها وحدها مع أليفانا [1 – 4]. قدمت صلاة لتنال قوة للعمل [4 – 5]، ثم تحركت للعمل [6 – 10]. وإذ قطعت رأس المتكبر جاءت بها إلى أهل مدينتها [11 – 16]، حيث تحولت المدينة كلها إلى خورس لتسبيح الله [17]، وقام عزِّيا يبارك هذه البطلة الشجاعة [18 – 20].
1. يهوديت مع أليفانا وحدها 1 – 3.
2. صلاة يهوديت الثانية 4 – 5.
3. قتل أليفانا المتكبر 6 – 10.
4. يهوديت تأتي إلى بيت فَلْوى برأس أليفانا 11 – 16.
5. الشعب يسبح الله 17.
6. عزِّيا يبارك يهوديت 18 – 20.
الأعداد 1-3
1. يهوديت مع أليفانا وحدها
ولَمَّا كانَ المَساء، أَسرَعَ خدامه في الاِنصِراف.
وأَغلَقَ بوغا الخَيمَةَ مِنَ الخارِج،.
وصَرَفَ العاملينَ مِن وَجهِ سَيِّدِه،.
فذَهَبوا إلى مضاجِعِهم،.
لأَنَّهم كانوا جَميعًا مُثقَلينَ مِنَ الوليمة لأنها امتدت إلى مدة طويلة [1].
أدى بوغا رئيس الحرس الخاص لأليفانا، خاصة في خيمته، مهمته الصعبة، إذ نجح في إحضار يهوديت بسهولة إلى سيده لتشترك في الوليمة.
شعر بوغا أنه ليس من اللائق أن يبقى مع سيده، وقد تثقل سيده من الخمر. غالبًا ما طلبت يهوديت من بوغا أن يبلغ الحرس بالسماح لها مع وصيفتها بالذهاب كعادتها للاغتسال في عيون الماء التي بجوار بيت فَلْوى، فقبل طلبها بكل سرورٍ.
خرج بوغا من المخدع ومضى.
يحدثنا الكتاب المقدس عن خطورة السُكر: “الخمر مستهزئة، المُسكر عجاج، ومن يترنح بهما ليس بحكيمٍ” (أم 20: 1). “لا تكن بين شِرِيبِي الخمر، بين المُتلفين أجسادهم” (أم 23: 20). “لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت، حين تظهر حبابها في الكأس، وساغت مرقرقة” (أم 23: 31).
- الذين يأكلون الخبز السماوي يصيرون سمائيين دون شك! يعلمنا الخمر أنها تجعل المولعين بها أن يصيروا مثلها، فإنها تبغض الذين يولعون بها، وتُسكرهم، وتجعلهم مجانين، وتسخر بهم[181].
القديس مار افرآم السرياني.
- من في العالم لا يعرف أن شرب الخمر بغير اعتدال بما يزيد عن الضرورة، هو اندفاع نحو الانحلال، وطريق لتسيّب الإنسان، وأذيّة للشباب، وتشويه للسن، وخزي للنساء، وسم يؤدي إلى الجنون، وعون للعته، ودمار للنفس، وقتل للفهم، وتغرُّب عن الفضيلة؟ منها ينبع المرح الدنيء، والمرارة بلا سبب، والدموع بلا معنى، والزهو بلا أساس، والكذب المعيب، والشوق نحو الوهم الكاذب، وتوقّع التهديدات العنيفة الهائلة، والخوف بلا سبب، وعدم الحذر مما هو بالحق مخيف، والحسد بلا داعي، والأُنس المبالغ فيه، والوعد بأمور مستحيلة، هذا دون الإشارة إلى انحناء الرأس بطريقة غير لائقة، والرعشة، والسير برأسٍ مثقلةٍ… وحركة الأعضاء غير المتزنة، وانحناء الرقبة التي لا تقدر بعد أن تسند نفسها على الكتفين، حيث يحل الهزال بعضلات الرقبة بواسطة الخمر[182].
القديس غريغوريوس النيسي.
- بالإشارة إلى احمرار العينين يعني الموت… إذ ينسى الإنسان الدوافع التي تحثه على طلب الحياة الحقيقية، ينحدر إلى الفساد بسببٍ صالحٍ، فإن المعلم (المسيح) المهتم بخلاصنا يمنعنا منها بشدة: “لا تشربوا خمرًا مسكرًا” [183].
القديس إكليمنضس السكندري.
وتُرِكَت يَهوديتُ وَحدَها في الخَيمة،.
وكانَ أليفانا مُستَلْقِيًا على سَريرِه،.
لأَنَّه كانَ في غير وعيه من الخَمْر [2].
ارتمى أليفانا على سريره يغط في نومٍ عميقٍ فاقدًا وعيه مثل القتيلٍ، قبل أن تمتد يد يهوديت لتقتله. قتل نفسه بنفسه بكبريائه وعنفه وشهواته. كان يستعد لمذلة الموت البشع!
كانت يد الله تعمل بطريقة عجيبة، فإن كانت يهوديت قد اتسمت بالشجاعة والحكمة والطهارة، لكنها كانت تحتاج إلى معونة الله أولاً وقبل كل شيءٍ. وقد ظهر ذلك من الآتي:
أ. تُركت وحدها مع أليفانا في الوقت المناسب بعد أن فقد وعيه، وصار يغُط في نومٍ عميقٍ، وإلا كرجل جبار كان قد اغتصبها بعنفٍ أثناء سُكره.
ب. أثار جمالها رغبته الشديدة للسُكر في إفراط تعدّى حدود إمكانيّته، حتى يسقط تحت ثقل النوم وعدم الوعي.
ج. انشغل الحراس باللهو والسُكر والأكل، ولم يخطر على فكرهم الاهتمام بحراسته وحراسة الخيمة.
د. شعر بوغا بطمأنينة، فنسى دوره كرئيس للحرس، وترك سيده بلا حراسة، حاسبًا أنه غارق في شهواته وملذاته وأفكاره من نحو يهوديت.
هـ. نُزعت كل حراسة بشرية لأليفانا الجبار، بينما قام الرب نفسه بحراسة يهوديت ووصيفتها ليُنجح طريقهما.
أَمَرَت يَهوديتُ وصيفَتَها الأمينة أَن تَبقى خارِجَ المخدَع،.
وتنتظر خُروجَها،.
كما تَفعَلُ كُلَّ يَوم،.
قائلةً إِنَّها ستَخرُجُ لِلصَّلاة،.
وكانَت قد قالَت لِبوغا أَيضًا هذا الكلام [3].
بحكمةٍ وتعقل أخبرت يهوديت الخصي بوغا بأنها ستخرج للصلاة كعادتها، وأن سهرها في هذه المأدبة إلى قرب الفجر لن يعفيها عن إتمام مهمتها. بهذا وضعت اللمسات الأخيرة للخطة حتى لا يتشكك أحد في أمرها.
واضح أنه حتى هذه اللحظة لم تكن تعرف الوصيفة ما في ذهن يهوديت، فقد وضعت يهوديت في قلبها ألاَّ يعرف أحد قط الخطة التي في ذهنها حتى يتحقق الخلاص تمامًا. كان سرًا مكتومًا. وهي تتشبه بالسيد المسيح الذي لم يستطع أحد من السمائيين أو الأرضيين أن يدرك سرّ الصليب حتى تكشفه قيامته.
لقد طلبت من وصيفتها أن تنتظرها خارجًا، ربما لكي ما إذا فكرّ أحد الحراس بالعودة لسببٍ أو آخر يجد الوصيفة خارج المخدع، فلا يجرؤ أن يدخل المخدع حيث يوجد أليفانا ويهوديت وحدهما.
لعل الحراس وأيضًا بوغا وجدوا في الوليمة الضخمة فرصتهم ليحملوا معهم من الخمر والطعام ما لذّ لهم لكي يكملوا سهرهم في اللهو والسُكر. وهذا كفيل أن يسد آذانهم عن سماع أي صوت غريب يحدث عندما تضرب يهوديت رقبة أليفانا بسيفه.
الأعداد 4-5
2. صلاة يهوديت الثانية
اِنصَرَفوا جَميعًا مِن وَجهِه،.
ولم يُترَكْ أَحَدٌ في المُخدَعِ مِن صَغيرِهم إلى كَبيرِهم.
فوَقَفَت يَهوديت عِندَ سَريرِه،.
وقالَت في قلبها:
“يا رَب، يا إِلهَ كُلَ قُوَّة،.
اُنظُرْ في هذِه الساعةِ إلى أَعْمالِ يَدَيَّ لِمجدَ أُورَشليم [4].
قدمت يهوديت صلاة قصيرة نابعة من أعماق قلبها تطلب العون الإلهي لا لبرٍّ فيها، وإنما من أجل رفع شأن مدينة الله أورشليم.
لقد مارست ما فعله القاضي أهود حين قتل عجلون ملك موآب (قض ٣: ٢٠ – ٢٣)، وياعيل امرأة حابر القيني حين قتلت سيسرا (قض ٤: ١٧ – ٢١). لكن شتّان بين أهود رجل الحرب صاحب الخبرة العسكرية وأرملة رقيقة الطبع لا تحتمل رؤية قتيل. وشتّان ما بينها وبين ياعيل، فالأخيرة قتلت سيسرا الهارب والمختبئ بمفرده في خيمتها، وأما يهوديت فكانت في خيمة القائد ويحوط بها جيش العدو وخيامه من كل جهة.
طلبت معونة الله لعمل يديها، وكما يقول المرتل: “لتكن نعمة الرب إلهنا علينا، وعمل أيدينا ثبت علينا…” (مز ٩٠: ١٧)، “الذي تثبت يدي معه، وأيضًا ذراعي تشدده” (مز ٨٩: ٢١).
فقَد حانَت ساعةُ العونِ بِميراثِكَ،.
وتَحقيقِ ما عَزَمتُ علَيه،.
لِسَحقِ الأَعداءَ الَّذينَ قاموا علَينا “[5].
وجدت يهوديت معيِّر رب الجنود قد فقد وعيه، غارقًا في نومٍ عميقٍ، وقد هيّأ لها الله الجو من كل جانب لإنقاذ شعبها. تأكدت أن وصيفتها تجلس وحدها في حجرة الاستقبال، ولا يوجد حارس واحد في الخيمة، بل ذهب كل منهم إلى خيمته يأكل ويشرب ويلهو.
قامت يهوديت بواجبها، وطلبت من الله المعتني بميراثه، أن يسندها في مهمتها. لقد طالبته بوعوده أن يتعهد شعبه.
الأعداد 6-10
3. قتل أليفانا المتكبر
فدَنَت مِن أحد أعمدة السريرِ الَّتي عِندَ رَأسِ أليفانا،.
ونَزَعَت مِنه سيفه المُعلق عليه [6].
كان من عادة الملوك والقادة أن يحتفظوا بسلاحٍ شخصي يُعلق في أحد أعمدة السرير، ربما كنوعٍ من الافتخار بقوته وعمله العسكري، أو تحسُّبًا لأي طارئ قد يهدد حياته، لاسيما من قِبل رجال البلاط الملكي. كما كان كل منهم يحمل سلاحه أثناء الطريق. وقد اعتاد كثيرون على تعيين شخص يحمل سلاحًا لحمايته، يُدعى “حامل السلاح” (١ صم ٣: ٤ – ٦).
جاء في بعض ترجمات أن هذا السلاح هو خنجر والبعض سيف، ولعله كان سيفًا صغيرًا.
واقتربت مِنَ السرير،.
وأَخَذَت بِشَعرِ رأسِه،.
وقالَت: “قَوِّني، يا رَبّ، يا إِلهَ إِسْرائيلَ، في هذه اللحظة” [7].
تقدمت يهوديت من السرير، ووهبها الله شجاعة وقوة لإتمام مهمة صعبة تتعارض مع طبيعتها الرقيقة. فقد قضت حياتها كأرملة تعيش في هدوء داخل بيتها، متفرغة للصلاة والتأمل ودراسة الكتاب المقدس.
تطلعت يهوديت إلى العمود الذي بجوار رأسه، فوجدت سيف أليفانا معلقًا، فحلَّته، وأمسكت بيدها اليسرى شعره ورفعته عن الوسادة، وهو غارق في نومه. صرخت في أعماقها تطلب القوة من الله، ثم ضربت عنقه من الخلف مرتين، وفصلت رأسه من جسده، وسالت دماؤه على فراشه.
- نقرأ في سفر يهوديت… عن أرملة أُنهكت بالصوم، ترتدي ثوب الحزن الداكن اللون. الذي يشير بشكله الخارجي الوضيع ليس إلى حزنها على زوجها الميت بقدر نزعتها نحو التطلع لمجيء عريسها (السماوي).
إنني أرى يدها مسلَّحة بسيف ملطخ بالدم. إنني أعرف رأس أليفانا الذي جاءت به من معسكر العدو. هنا امرأة تغلب الرجال، والطهارة التي تنزع رأس الشهوة. إنها بسرعة غيّرت ثوبها مرة أخرى في ساعة نصرتها، فإن ثوبها المتواضع أكثر بهاء من كل أُبهة العالم[184].
ثُمَّ ضَرَبَت مَرَّتينِ عُنقَه بِكُلِّ قُوَّتِها،.
فقَطَعَت رأسَه [8].
استمدت يهوديت في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة قوة من الله، وضربت العنق مرتين، حتى انفصلت الرأس عن الجسم. نزعت الناموسية ولفت بها الرأس حتى تؤكد أنه قُتل في عُقر داره.
لم تقتل يهوديت أليفانا عن عداءٍ شخصي أو انتقامًا لضرر شخصي أصابها، ولا رغبةً في نوال شيء مادي أو معنوي، إنما غيرةً على الله الذي يود الملك بقائده أن يحتل مركزه في قلوب البشر، ودفاعًا عن شعبها والمدينة المقدسة وهيكل الرب.
كان موقفها كموقف القائد الذي يدخل في معركة دفاعًا عن وطنه.
يهوديت تقطع رأسه (رمز الشيطان)، وترجع إلى بيتها (الفردوس) مع وصيفتها. مجّدت الله أمام الشيوخ، لأنه أرسل ملاكه في مسيرها، ولم يسمح أن تتدنس، ووهبها الغلبة والخلاص. وإذ سمع عزِّيا بارك الرب الذي سدد يدها لضرب رئيس قائد أعدائهم.
كان أليفانا في حالة سكر شديدة حتى أنه لم يستيقظ فجأة ويصارع.
دعت ياعيل سيسرا رئيس الجيش إلى خيمتها لتستضيفه وتحميه وفي خيمتها قتلت من استضافته وهو في نوم عميق. ويهوديت دعت نفسها للاستضافة في خيمته أليفانا رئيس الجيش الأشوري وبخنجره قتلت من استضافها في خيمته.
- لكن يهوديت أيضًا التي صارت كاملة بين النساء، في أثناء حصار المدينة، عند توسل الشيوخ ذهبت إلى محلة الغرباء، مستهينة بكل خطرٍ من أجل بلدها، وسلَّمت نفسها في يد العدو مؤمنة بالله. وللحال نالت مكافأة إيمانها، وهي امرأة انتصرت على عدو إيمانها، ونالت رأس أليفانا. مرة أخرى أستير الكاملة في الإيمان خلَّصت إسرائيل من قوة العدو[185].
القديس إكليمنضس السكندري.
- يهوديت الجريئة، بحيلتها الماهرة قطعت رأس قائد الأعداء الغرباء، هذه التي قبلاً أغرته بشكلها الجميل دون أن تدنس أعضاء جسمها[186].
الأب ميثوديوس.
ودَحرَجَت جُثَّتَه عنِ السرير،.
ونَزَعَتِ النَاموسِيَّةَ عنِ الأَعمِدة.
وخَرَجَت بَعدَ لحظات،.
وناوَلَت وصيفَتَها رأسَ أليفانا [9].
كان سريره للنوم كما للجلوس كما على كرسي العرش تحيط به ستارة ملوكية.
سرعان ما دحرجت جثته بقوةٍ من على السرير، ووقفت إلى لحظات تشكر الله وتتأمل عمله العجيب معها. ثم حملت الرأس بعد أن لفتها في الناموسية وخرجت من المخدع، وسلمت الرأس لوصيفتها.
فوَضَعَته في جُعبَتِها.
وخَرَجَتا كِلْتاهما كعادَتِهما لِلصَّلاة،.
واجتازَتا المُعَسكَر، وعبرتا في الوَادي،.
وصَعِدَتا جَبَلَ بَيتَ فَلْوى،.
ووَصَلَتا إلى أَبْوابِها [10].
وضعت الوصيفة الرأس في جعبتها التي اعتادت أن تحملها أثناء خروجهما من المعسكر للصلاة.
إذ حان وقت الفجر حيث اعتادتا على الخروج للصلاة انطلقتا في هدوءٍ واجتازتا المعسكر، دون أن يعير ذلك انتباه الجنود. انطلقتا لا إلى خارج المعسكر فحسب، وإنما بلغتا هذه المرة إلى باب مدينة بيت فَلْوى، حيث اختفتا عن أعين الجنود دون أن يشك أحد فيهما.
استمرت عبادة يهوديت لمدة ثلاثة أيام، وهي المدة التقليدية في التكريس والانقطاع للعبادة والتوسل إلى الله في فترات الضيق والخطر، وهي المدة التي كثيرًا ما يتفرغ فيها رجال الله للعبادة لطلب مشورة الله في أمرٍ خطيرٍ. وقد انقطع يونان للعبادة في بطن الحوت ثلاثة أيام، وأيضًا أهل نينوى للتوبة والرجوع إلى الله. بهذا تمت المهمة التي كانت تبدو مستحيلة.
حقًا أقام أليفانا وليمة لكبار ضباطه، دُعيت إليها يهوديت، الآن أدركت أن هذا الأمر قد تحقق بسماحٍ إلهي لتُنفذ خطتها.
الأعداد 11-16
4. يهوديت تأتي إلى بيت فَلْوى برأس أليفانا
فنادَت يَهوديتُ عن بُعدٍ حُرَّاسَ الأَبْواب:
“اِفَتحوا، افتَحوا الباب!
فإِنَّ اللهَ إِلهَنا مَعنا!
ليُظهر قُوَّتَه في إِسْرائيلَ وقُدرَتَه على أعْدائناَ،.
كما فَعَلَ اليَوم! “[11].
من يستطيع أن يعبّر عن فرح يهوديت بعمل الله معها، فقد وهبها الله النصرة لحساب شعبه. لقد نادت حرَّاس الأبواب والموجودين على أسوار المدينة، في لهجة النصرة والتهليل.
طلبت يهوديت أن تُفتح لها الأبواب لتدخل مع وصيفتها، لأن “الله معنا”. إنها تمثل الكنيسة التي تتمتع بسكنى المخلص في وسطها، فتنفتح أمامها الأبواب الدهرية، لتدخل أورشليم العليا، وتتغنى بتسبحة الحمل، أو بنشيد النصرة الأبدية.
فلَمَّا سَمِعَ رِجالُ مَدينتها صَوتَها،.
أسرَعوا في النُزولِ إلى أَبوابِ المَدينَة،.
ودعَوا شُيوخَ المَدينة معًا [12].
كشف صوت يهوديت أنها تحمل أخبارًا سياسية خطيرة وسارة للغاية. جاءت في لحظاتٍ حرجة، فقد تبقى يوم واحد من المهلة التي طلبها عزِّيا من الشعب أن يصبروا، وقد كادت تنتهي أيام المهلة ويبدو كأن الله لم يتحرك لخلاصهم، وأوشك الكل أن يستسلم.
عادت يهوديت من معسكر الأعداء متهللة للغاية، فهل استطاعت أن تقنع أليفانا بالانسحاب؟ وما هي شروطه؟
لقد دعا الحراس الشيوخ في ساعة مبكرة للغاية، فالأمر جد خطير، والمدينة كلها في حالة انهيار من العطش مع اليأس، وعدم ظهور أية علامة لتحرك السماء لحسابهم.
وبادَروا جَميعًا من صَغيرِهم إلى كَبيرِهِم،.
لأَنَّ مَجيئَها كانَ يَبْدو لَهم أمرًا غَيرَ مُتَوقَّع.
وفَتَحوا الأَبْوابَ واستَقبَلوهما،.
وأَضرَموا نارًا لِلإِضاءَة،.
ورحبوا بالمرأتين [13].
لم يعد الأمر يخص فئة القادة وحدهم، ولا فئة البالغين من الجنسين، إنما تخص أيضًا حتى الأطفال الصغار. سَرَى الخبر في المدينة كلها، فجاء الكل وقد حملوا المشاعل للإضاءة، واجتمع الكل ليسمعوا خبرًا مفرحًا!
فقالَت يهوديت لَهم بِصَوتٍ عالٍ:
“سَبِّحوا اللهَ، سَبِّحوه! سَبِّحوا اللهَ!
فإِنَّه لم ينزع رَحمَتَه عن بَيتِ إِسرْائيل،.
بل سَحَقَ أَعداءَنا بِيَدي في هذه الليلَة “[14].
صعدت يهوديت إلى موضعٍ مرتفعٍ ومعها وصيفتها، وأشارت للجميع أن يصمتوا. كان الكل مشتاقًا أن يسمع خبرًا جديدًا فصمتوا.
بدأ حديثها لا بما حققته من نجاحٍ، ولا بوصف رحلتها الخطيرة وسط معسكر الأعداء، إنما بالدعوة للتسبيح لله الرحوم نحو شعبه. وجهت أنظار الكل لا إلى بطولتها، وإنما لحب الله الفائق الذي يحطم العدو تحت أقدام المؤمنين.
ثُمَّ أَخرَجَتِ الرأسَ مِنَ الجعْبَة، وأَرَتْهم إِيَّاه،.
وقالَت لَهم: “هذا هو رأسُ أليفانا رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أشور،.
وهذه هي الناموسِيَّةُ الَّتي كانَ مُضطَجِعًا تَحتَها في سُكرِه.
ضَرَبَه الرَّبُّ بِيَدِ امرَأَة [15].
لم تُخرج رأس أليفانا إلاَّ بعد الدعوة نحو تسبيح الرب، فقد أرادت تركيز أنظارهم نحو الله مخلصهم. أما العدو فقد سحقه الرب بيد امرأة، وليس خلال معركة عسكرية. فقد كان من العار أن يُقتل قائد عسكري بيد امرأة ليست لها خبرة عسكرية. قُتل وهو على سريره وبين حرَّاسه، قُتل بيد امرأة غريبة الجنس.
حَيٌّ هو الربُّ الَّذي حَفِظَني في الطريقِ الَّذي سلَكتُه،.
لأَنَّ وَجْهي قد أَغْوى ذلك الرَّجُلَ لِهَلاكِه،.
ولم يَرتَكِبْ خَطيئةً معي لِنَجاسَتي وعاري “[16].
لقد طمأنت الشعب أن نصرتها بالرب لم تكلفها أية تنازلات من جهة حفظ الشريعة والطهارة، فإنها لم تتدنس بملذات القائد وأطعمته المرتبطة بالذبائح الوثنية، ولم يمس عفتها ونقاوتها. ما مارسته لم يكن عن انفعالٍ مؤقت، ولا عن غيرة بشرية وتعصبٍ أعمى، وإنما يتفق مع إرادة الله المقدسة.
هذه الأمور لا تمس حياتها الشخصية وحدها، بل تمس حياة الكنيسة المقدسة. فحسبت ما فعلته إنما باسم كل المؤمنين. عفتها لا تنفصل عن قدسية الشعب المقدس والمدينة المقدسة والمذبح المقدس.
امتدح بعض الآباء مثل العلامة ترتليان[187] وميثوديوس أسقف صور[188] والقديس أمبروسيوس[189] بقوة يهوديت من أجل تصميمها على حياة العفة والطهارة أكثر من شجاعتها وقتلها أليفانا أو هولوفرنيس قائد الجيش الأشوري الذي كان يعيِّر رب الجنود.
- ذهبت الطهارة لتقيم معركة ضد الشهوة،.
وتقدم التواضع المقدس لدمار الكبرياء.
حارب (هولوفرنيس) بأسلحة، أما (يهوديت) فحاربت بالأصوام. كان في حالة سُكر، أما هي ففي صلاة.
لهذا فإن الأرملة التقية حققت بالطهارة ما عجز أن يفعله شعب إسرائيل كله. امرأة واحدة نزلت بقائد جيش عظيم، وردّت الذين بلا رجاء إلى حرية شعب الله[190].
فيلجنتيس أسقف Ruspe.
العدد 17
5. الشعب يسبح الله
فاستولى على الشعبِ كُلِّه دَهَشة شَديدة،.
وجَثَوا، فسَجَدوا ِللهِ، وقالوا بِصَوتٍ واحِد:
“مُبارَكٌ أَنتَ، يا إِلهَنا،.
فإِنَّكَ أَفنَيتَ في هذا اليَومِ أَعْداءَ شَعبِك “[17].
جاء هتاف النصرة تسبيحًا لله الذي يهب نصرة كاملة لشعبه، دون تنازلات من جانبهم لحساب العدو! مع تقديرهم ليهوديت، استطاعت أن توجّه كل المجد لله واهب النصرة.
الأعداد 18-20
6. عزِّيا يبارك يهوديت
وقالَ لَها عُزَّيا:
“باركَكِ، يا بُنَيَّة، الإِلهُ العَلِيّ فَوقَ جَميع النساءِ اللَّواتي على الأَرض.
وتَبارَكَ الربُّ الإِلهُ الَّذي خَلَقَ السماوات والأَرض،.
والَّذي هَداكِ لِضَربِ رأسِ قائِدِ أَعْدائِنا [18].
إذ دعت القادة مع الشعب للتسبيح لله واهب النصرة، كرّمها الله، ومجّدها، وجعلها نموذجًا حيًا للمؤمن المنتصر على عدو الخير إبليس، قائد أعدائنا. فإن كان العدو يطلب رؤوسنا ليقيم لنفسه مملكة في عقولنا كما في قلوبنا، يهبنا الله أن نقطع رأسه، ونحطم خططه ضدنا.
يدعوها عزِّيا “ابنة”، فمن جانبٍ كوَليّ لها يحسب نفسه أبًا لها، ومن جانب آخر يدعوها هكذا من أجل صغر سنها.
جاء هذا التطويب صورة حيّة لتطويب الكنيسة للقديسة مريم والدة الإله.
فإِنَّ رَجاءَكِ فيه لن يُفارِقَ قُلوبَ الناسِ،.
الَّذينَ يَذكُرونَ قوَّةَ اللهِ [19].
ما أدهش الكل، رجاء يهوديت في قوة الله، مما وهبها فرحًا وتهليلاً مع نصرة وكرامة في الرب.
- يدفع الرجاء الإنسان نحو المستقبل تجاه الأبدية، في إيمان عملي، ومثابرة مع فرحٍ وبهجةٍ وسط الآلام[191].
- لنصغِ ولنبتهج في الرجاء حتى وإن كان الحاضر حياة لا تُحب وإنما تُحتمل، إذ تكون لك القوة على احتمال كل تجاربها[192].
- نفرح بالرجاء متطلّعين إلى الراحة المقبلة، بهذا نسلك ببهجةٍ وسط المتاعب[193].
عسى اللهُ أَن يُرفَعَ شأنُكِ لِلأَبَد.
وأَن تُفتَقَدي بِبركاتِه.
لأَنَّكِ لم تُشفِقي على نَفسِكِ مِن أَجلِ مَذَلَّةِ أمتنِنا،.
بل تَداركتِ هَلاكَنا بِسَيرِكِ المُستَقيمِ في حضرة إِلهِنا “.
فأَجابَ الشَّعبُ كُلُّه: “آمين! آمين!” [20].
ما يستحق المديح في يهوديت هو البذل الكامل من أجل الشعب مع الاحتفاظ بالحياة المستقيمة المقدسة في الرب. ما كان يشغلها فكريًا وعمليًا حبها للشعب الذي لا ينفصل عن محبتها لله القدوس.
سقوط هولوفرنيس كما ورد في السجلات الأشورية.
ذكر دميان ماكي Damien Mackey:
[إذ قمت بإعادة بناء التاريخ الأشوري الجديد، استطعت أتعرف بطريقة تبدو سليمة جدًا أن هولوفرنيس هو آسرحدون، بكونه الرجل الثاني للملك الأشوري خلال الفترة العصيبة للتاريخ الذي مات أثناء الحملة الغربية. سار (البحث) بطريقة حسنة وجيدة إلى حدٍ ما. ولكن للتأكيد نحتاج إلى شهادة ما من موت نائب الملك المهين. اعتقد أن هذا يمكن تتبعه في السجلات الأشورية ذاتها، في واضع تسجيل الأحداث[194]Eponym Chronicle، حيث يرد على أصحاب النظرة الساذجة القائلين بأن سجلات الأشوريين لم تسجل الأمور المضادة (لهم).
يقدم تادمور H. Tadmor النص التالي الذي قدمته أثناء إعادة النظر بخصوص المشاكل الخاصة بالأشوريين عن اقتحام سرجون Sargon كما لو كانت تخص السنة 17 من سرجون (705 ق. م بافتراض أنها السنة التي مات فيها سرجون).
“في كولوميان Kulummaean… مات الملك. وضاع العسكر في 12 من آب، سنحاريب. ابن [سرجون احتل عرشه]”.
لا توجد أية معلومات عن مصدر آخر بخصوص حرب سرجون الأخيرة، وليس من يقدم تعريفًا معقولاً لـ Kulummaean. ونحن نعلم الآن ما قد افترضناه قبلاً عن سنحاريب الذي خلف سرجون أنه أمر مستحيل. فالملك المُشار إليه هنا في الواقع هو آسرحدون، أي هولوفرنيس الوارد في يهوديت.].
مما زاد من عار أشور أن القائد لم يدفن في بيته. وبحسب ما ذكر تادمور Tadmor: [هذا قد يعني أن جثمانه قد حُرق في أرض المعركة أو أنهم لم يتمكنوا من استرداده من العدو.].
جاء في تسجيل أحداث آسرحدون أنه مات في اليوم العاشر من شهر مارشيسفان marchesvan، أي في الشهر الثامن[195].].
سقوط هولوفرنيس في إشعياء 14.
يرى دميان ماكي أن ما ورد في إشعياء 14 عن سقوط ملك بابل أنه كان يشير إلى آسرحدون الأشوري، وليس كما ظن Boutflower أنه يتحدث عن سقوط تجلث بلاسر الثالث. فقد أشار الكاتب إلى الموت العنيف للملك أثناء معركة عسكرية، هذا ما حدث مع آسرحدون. ليس من شهادة قوية إن تلجث بلاسر الثالث قد مات في معركة.
جاء في القطعة الشعرية لإشعياء النبي أن مجد الملك زال في لحظة مثل سقوط كوكب من السماء (إش 14: 12 – 20). بعد آيات قليلة يشير إشعياء إلى الملك أنه أشوري يموت على جبال إسرائيل (إش 14: 24 – 25). كما أوضح أنه سبب كارثة لشعبه، وأنه لا يدفن في بلده في جنازة ملوكية، بل يسقط تحت الأقدام.
قطعة إشعياء الشعرية تتناسب تمامًا مع السيناريو الخاص بموت هولوفرنيس آسرحدون.
ما ورد في سجلات آسرحدون من تشامخه واعتزازه بنفسه يتناسب مع ما ورد في إشعياء 14. كمثال كتل: [أنا قوي، كلي القوة، أنا بطل، أنا عملاق، أنا عظيم، أنا مكرَّم، أنا ممجَّد، ليس من يعادلني بين الملوك (راجع إش 14: 13 – 14).].
إما أنه مات في Kulummaean فربما يقصد بها Chelmon الواردة في يهوديت 7: 3 (نص Douay) حيث كان الجيش الأشوري مقيمًا بجوار بيت فَلْوى.
من وحي يهوديت 13.
من يقدر أن يعيِّر رب الجنود؟
- ظن أليفانا عند دخول يهوديت خيمته،.
أنه في أسعد لحظات عمره.
لم يُسر بانتصاراته المتوالية على الأمم والشعوب،.
مثلما سُّر بدخول يهوديت إلى مخدعه!
هام فكره والتهبت عواطفه، متسائلاً:
متى ينفرد بها دون حرّاسه،.
فيغتصب عفتها وطهارتها؟!
- دخلت يهوديت المخدع، ولم ترَ أمامها أليفانا،.
ولا انشغلت بحرَّاسه ومائدته الفخمة.
رأت أمرًا واحدًا، أن الله يذل ذاك الذي يعيِّر رب الجنود!
ما يشغلها أن يعمل الله حسب مسرته وإرادته.
- كان قلبها مشغولاً على الدوام بصرخات خفية.
كان فكرها يهيم بروح الرجاء، منتظرًا عملاً إلهيًا عجيبًا.
لا تعلم ماذا يحدث بعد لحظات.
لكنها تؤمن أنها دخلت مختفية في عريسها السماوي.
آمنت أنها في معركة هي ليست طرفًا فيها.
- كانت نظرات أليفانا تتجه إلى يهوديت.
لم يستطع أن يحول عينيه حتى عن حذائها الذي سباه تمامًا!
كانت يده تمسك بقنينة الخمر،.
فقد اتزانه ووعيه،.
وصار يشرب بلا حساب.
سكر تمامًا، وارتخى كل جسمه.
دخل في نعاسٍ عميق، أدركه كل الحاضرين.
- خرج الكل ليتركوا الجبار مع الأرملة الجميلة.
حتى الوصيفة خرجت في حجرة الاستقبال عند مدخل باب المخدع!
- أمسكت بسيف الجبار،.
وضربت يهوديت رقبته مرتين.
قُطعت الرأس التي أربكت الأمم وحطمت الشعوب.
نزعت الناموسية، ولفت فيها رأس الجبار.
بقوةٍ دفعت بجثمانه، فسقط أرضًا.
- خرجت يهوديت ووصيفتها.
هوذا الرأس المفكر صار في مخلاة لا حياة فيها.
الذي ظن أن العالم كله يُقدم له طعامًا يأكله،.
صار هو في مخلاة كطعامٍ تأنف منه النفس.
- هب لي يا رب روح القوة بالإيمان مثلاثة أشهرع الرجاء فيك.
لا يقدر عدو الخير بكل خططه وقدراته أن يحطم نفسي.
أنت هو سرّ نصرتنا وفرحنا الدائم.
- هب لي أن أبشر شعبك بهلاك إبليس.
هب لي أن أنطلق لأعلن عمليًا عن قوتك.
- لتفرح السماء والأرض بعملك في الضعفاء.
ليباركك الجميع يا أيها القدوس مخلص العالم!
[181] Hymns on the Nativity, 3.
[182] Homilies on Ecclesiastes, 3.
[183] Paedagogus 2: 2: 27 – 28.
[184] Letter to Furia 54: 16.
[185] Stromata 4: 19.
[186] Methodius: The Banquet of the Ten Virgins, or Concerning Chastity, Discourse 11: 2: 14.
[187] Tertullian: De monogamia 17. PL 2: 952.
[188] Methodius of: Convivum decem virgin, Oratio 11: 2. PG 18: 212.
[189] De Virginibus 1: 2: 4. PL 16: 213.
[190] Fulgentius of Ruspe (467 – 533) to the Widow Galla. Epistle 2: 29.
[191] Cf. St Augustine: Faith, Hope and Love.
[192] In Ioan. tr 111: 1.
[193] Letter, 55.
[194] Given as Cb6 in H. Tadmor’s “The Campaigns of Sargon II of Assur” , JCS XII (1958) , 96.
[195] As quoted by Jonsson, op. cit. , 16.The name EsARhadDON is a reasonable likeness to MARDONius mentioned in (Encyclopedia Judaica (EJ) , “Judith)..Aspects of the story regarding the Commander – in – chief in Judith do seem to have certain likenesses, too, to Xerxes’ commander, Mardonius; and / or even ‘s ultimately headless brother, Hasdrubal.Even the search for Mardonius dead on the battlefield is reminiscent of Sennacherib’s enquiries about his dead son.