الأصحاح الثالث والعشرون سفر حزقيال القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث والعشرون

هذه هى المرة الثالثة التى يتهم الله فيها شعبه بخيانته فى عبادة أوثان الشعوب المحيطة بهم، والإتكال على شعوب أخرى مثل أشور وبابل ومصر لحمايتهم، فهذا يعتبر إهانة لله، أن لا يؤمن شعبه بقدرته على خلاصهم وحمايتهم، ويعتبر تأليها لهذه الشعوب إذ إعتبر شعب الله هذه الشعوب بمثابة الحامى لهم. كما أن إعتمادهم على هذه الشعوب قد فتح الأبواب لدخول أصنام هذه الأمم إلى شعب الله فعبدوها، وزادت الخيانة، فكان شرط الأمم الوثنية لعقد تحالف مع شعب آخر، أن يقدم هذا الشعب الآخر الطالب للتحالف والحماية العبادة لآلهتهم. بل أن ما يصاحب العبادات الوثنية من زنا جسدى فاقم الوضع. والكتاب يُسمى عبادة الأوثان زنا روحى لأن من يرتبط بإله آخر (الوثن) يعتبر هذا خيانة للإله الواحد يهوه الذى حررهم وإرتبط بهم وأعطاهم كل الحب.

الله يتهم شعبه هنا بــ: – 1) عبادة الأوثان 2) تأليه هذه الشعوب 3) الزنا الجسدى.

الأعداد 1-10

الآيات (1 – 10): –

“1 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«يَا ابْنَ آدَمَ، كَانَ امْرَأَتَانِ ابْنَتَا أُمٍّ وَاحِدَةٍ، 3 وَزَنَتَا بِمِصْرَ. فِي صِبَاهُمَا زَنَتَا. هُنَاكَ دُغْدِغَتْ ثُدِيُّهُمَا، وَهُنَاكَ تَزَغْزَغَتْ تَرَائِبُ عُذْرَتِهِمَا. 4 وَاسْمُهُمَا: أُهُولَةُ الْكَبِيرَةُ، وَأُهُولِيبَةُ أُخْتُهَا. وَكَانَتَا لِي، وَوَلَدَتَا بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَاسْمَاهُمَا: السَّامِرَةُ «أُهُولَةُ»، وَأُورُشَلِيمُ «أُهُولِيبَةُ». 5 وَزَنَتْ أُهُولَةُ مِنْ تَحْتِي وَعَشِقَتْ مُحِبِّيهَا، أَشُّورَ الأَبْطَالَ 6اللاَّبِسِينَ الأَسْمَانْجُونِيَّ وُلاَةً وَشِحَنًا، كُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ، فُرْسَانٌ رَاكِبُونَ الْخَيْلَ. 7فَدَفَعَتْ لَهُمْ عُقْرَهَا لِمُخْتَارِي بَنِي أَشُّورَ كُلِّهِمْ، وَتَنَجَّسَتْ بِكُلِّ مَنْ عَشِقَتْهُمْ بِكُلِّ أَصْنَامِهِمْ. 8 وَلَمْ تَتْرُكْ زِنَاهَا مِنْ مِصْرَ أَيْضًا، لأَنَّهُمْ ضَاجَعُوهَا فِي صِبَاهَا، وَزَغْزَغُوا تَرَائِبَ عِذْرَتِهَا وَسَكَبُوا عَلَيْهَا زِنَاهُمْ. 9لِذلِكَ سَلَّمْتُهَا لِيَدِ عُشَّاقِهَا، لِيَدِ بَنِي أَشُّورَ الَّذِينَ عَشِقَتْهُمْ. 10هُمْ كَشَفُوا عَوْرَتَهَا. أَخَذُوا بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا، وَذَبَحُوهَا بِالسَّيْفِ، فَصَارَتْ عِبْرَةً لِلنِّسَاءِ. وَأَجْرَوْا عَلَيْهَا حُكْمًا.”.

إمرأتان إبنتا أم واحدة = هما إسرائيل الأخت الكبرى (10 أسباط) ويهوذا الأخت الصغرى (سبطين) وزنتا بمصر. فى صباهما زنتا = بدء سقوطهم كان فى مصر حينما عشقوا العبادة الوثنية بطقوسها المثيرة وأغانيها وموسيقاها والزنا الجسدى المصاحب لها. وهم تعلموا هذا فى بداياتهم فى مصر (حزقيال 20: 7، 8). فحزقيال هو أول من كشف أن الشعب فى مصر تعلم العبادة الوثنية. عموماً فهذا يتضح أيضاً من سفر الخروج حيث صنعوا عجلاً ذهبياً ليعبدوه (خر 32: 4). فهم صنعوا فى البرية ما تعلموه فى مصر.

ولاحظ أن الإمرأتان يشيران ضمنيا أيضا لليهود وللأمم فالعالم كله زاغ وفسد (رو3: 12) (فإسرائيل المملكة الشمالية قد إنحرفت من بدايتها… أي منذ إنفصالها عن كرسى داود… إنحرفت عن عبادة الله النقية بسبب هياكل العجول التى أقامها يربعام الملك ثم إزداد الإنحراف بدخول عبادة البعل الوثنية إلى إسرائيل فشابهت الأمم).

تزغزغت ترائب عذرتهما = لشرح هذا نقول أنه حين يولد طفل، فإنه يولد بريئاً لا يعرف شيئاً عن الخطايا فلا يشتهيها، ولكن إذا علَّمه أحد هذه الخطايا فإنها تتلاعب بأحاسيسه العذراوية وتدنسها، ويكون أنه كلما يحاول أن ينسى ذكرى هذه الخطايا الأولى أن ذكراها تثير أحاسيسه بملذاتها الجسدية ثانية. ونفس الكلام ينطبق على كل من يتعلم خطية جديدة وهو فى حالة الطهارة. وهذا ما تسميه الكنيسة فى صلاة الصلح للقداس الباسيلى “تذكار الشر الملبس الموت”. ويكون عمل الروح القدس بعد ذلك تقديس النفس حتى تنال قوة لنسيان هذه الخطايا وإستعادة البساطة الطفولية، ومن يستعيد هذه الصورة يخلص، وهذا هو المقصود بالخليقة الجديدة فى المسيح (غل6: 15)، أما من يستمر فى حالته التى شوهتها الخطية فهو لا يخلص. وهذا معنى قول السيد المسيح “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هؤلاء الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات”. وهذا ما قاله الأباء “التوبة تحول الزانى إلى بتول”. فاليهود فى مصر إذاً كانوا كالأطفال الذين تعلموا الوثنية فلم تقتلع منهم، فهناك فى مصر تزغزغت ترائب عذرتهما = أى أثيرت شهواتهما العذراوية التى كانت غير دنسة من قبل.

ترائب = عظام القفص الصدرى والمقصود ما فى داخل القلب من شهوات.

عذرتهما = محبتهم الطاهرة النقية لله وحده = العذراوية = رافضين شهوات العالم.

تزغزغت = تفتحت عينيهما على محبة أخرى غير محبة الله، ألا وهى شهوات العالم الوثنى وممارساته بما يحويه من الممارسات الجنسية، وهذا هو ما قيل عن اليهود حينما أجبروا هرون على صنع عجل ذهبى، وقلَّدوا المصريين فى ممارساتهم الوثنية ثم “قاموا للعب” (خر32: 6) وقوله قاموا للعب = هذا يعنى ممارسات جنسية شهوانية. ولأن الوحى يشبه يهوذا وإسرائيل بإمرأتان فيقول عن إثارة شهواتهم وبنفس المعنى = دغدغت ثديهما = وجاءت كلمة ثديهما هنا فى أصلها اللغوى من أصل غير مستخدم ولكنه يعنى “حب أو تذكار حب أو إحتضان” (قاموس strongs). والمعنى أن هذه الخطية صارت محبوبة يحتضنها القلب وموجودة داخل الصدر، يتذكرونها فيشتهون تكرارها دائما.

وصارت هذه الشهوات تهاجمهم دائما، ويشتاقون للرجوع إليها حتى أيام حزقيال، وعموما هذا هو حال الخطية دائما، فالشيطان يظل يسعى وراء كل إنسان ليتذوق الخطية فيظل يشتهيها = “تذكار الشر الملبس الموت”.

والكنيسة مشبهة بعشر عذارى (مت25) والعذارى الحكيمات هم من حافظوا على عذراويتهم، أى ظل قلبهم فى محبة لله تاركين محبة العالم التى هى عداوة لله (يع4: 4). أو هم تابوا وتركوا محبة الخطية فعادت لهم عذراويتهم كما قال الأباء “التوبة تحول الزانى إلى بتول”.

أهولة وأهوليبة = كلمتان مشتقتان من الكلمة العبرية “أوهل” أى خيمة تشير للحياة المؤقتة على الأرض فهى إذن تشير لجسدنا (قارن مع 2كو 5: 1). وسميت إسرائيل أهولة = أى خيمتها. فهى قد أقامت لها هياكل مستقلة للعجول بعيدا عن عبادة الله النقية التى عرفوها فى هيكل أورشليم. وكان هذا بعد إنفصالها عن يهوذا. أما يهوذا فسميت أهوليبة = أى خيمتى فيها، فالله هو الذى أمر ببناء هيكله فى أورشليم.

وبصورة أشمل فأهوليبة تشير لشعب إسرائيل بينما تشير أهولة للأمم فالكل قد أخطأ.

وواضح أن الكلمات المستخدمة فى هذا الإصحاح قاسية فى تعبيرها عن الزنا ولكن هذه هى بشاعة الخطية، وكم تثير الخطية الله وتغيظه. فإلهنا غيور، وتصور حال رجل يكتشف أن زوجته التى يحبها تخونه مع كل من تراهم، ماذا يكون حال هذا الرجل، وكم تكون ثورته؟ هذا هو لسان حال الله فى هذا الإصحاح، فهو يعبر عن حزنه من خيانة شعبه الذى فاض عليه ببركاته فتركه وذهب لآلهة أخرى… جرياً وراء شهواته.

ولقد إتضحت الشهوات المنحرفة لهذا الشعب فور خروجهم من أرض مصر حين صنعوا عجلاً ذهبياً لعبادته… ثم قاموا للعب (خر32: 6). وبعد أن دخلوا أرض كنعان إستمروا فترة بدون عبادة وثنية، إلي أن إنفصلت المملكة أيام رحبعام. فبدأت أهولة أى السامرة ممارساتها الخاطئة فوراً فهى بلا هيكل ولا كهنة. وهنا كان تذكار الشر الملبس الموت، حين رأت فى أشور وعبادتها ما ذكرها بشهواتها الأولى = وزنت أهولة من تحتى = أى خانتنى بمحبتها لشبان أشور وعباداتهم، وعقد معاهدات مع أشور فيها تقدم لآلهة أشور العبادة. من تحتي = فهم كانوا تحت رعاية الله وخاضعين لوصاياه متمتعين بمحبته. عشقت أشور الأبطال اللابسين… ولقد إنجذبوا لما هو جديد فيهم، ومازال حتى اليوم من أبناء الله من ينجذب للأفكار والتقاليع الجديدة البعيدة عن أفكار الكنيسة التى توارثتها عن الأباء الرسل. والنتيجة أن سلمتها ليد عشاقها = فوقعت إسرائيل فى سبى أشور. سلمتها ليد عشاقها = الله يظل يحمى أولاده من نتائج خطيتهم ليعطيهم فرصة للتوبة، ولكن إن أصروا على عدم التوبة يرفع حمايته عنهم فتضربهم نتائج خطاياهم والسبب: – 1) الله قدوس لا يطيق الخطية.

2) كل خطية هى كسر لوصية من وصايا الله، والله أعطى الوصايا لأنه يعلم النتائج السيئة للخطية، فالوصية حماية لنا.

3) الله يسمح بهذه الضربات لعلها تقود الإنسان للتوبة.

وهكذا كل من يسلم نفسه لخطية ما تقضى عليه هذه الخطية. مثلاً ما هو معروف الآن، فمن يسلم نفسه للشذوذ الجنسى يقضى عليه مرض الإيدز، ومن يسلم نفسه للقلق والغضب تقضى عليه أمراض القلب…. الخ.

فدفعت لهم عُقرها = العُقر هو أجر الزانية. فلقد سبق فى (16: 34) أن الله يتعجب من تصرفهم، فهو يشبه إسرائيل بزانية ولكنها على عكس عادة الزوانى، فهى تدفع أجراً لمن يزنى معها (بينما أن أى زانية تأخذ أجراً عن زناها). فعبادتها لآلهة أشور هو زنا، وهى تدفع لأشور لكى تحميها. وهنا يقول نفس الكلام أنها تدفع للشعوب الوثنية حولها أجراً. وهنا يسمى أموالهم عقرها = فهم فى حالة زنا، وأموالهم أموال زنا، يحصلون عليها من زنا، وتذهب فى زنا (مى 1: 7)، حصلوا على أموالهم بطريقة غير شريفة، وها هى تذهب لزانية أخرى هى أشور. هم كشفوا عورتها = أزالوا عنها زينتها وسبوا شبانها وفتياتها، وحينما سقطت السامرة فى يد أشور دخلها الجنود الأشوريون وحطموا كل ما فيها حتى قصورها ونهبوا كل شئ. فصارت عبرة للنساء = هذه صورة حية لطبيعة الخطية وفاعليتها، أنها مخادعة وجذابة يجرى وراءها الإنسان ظناً منه أنه يجد فيها شبعه الجسدى والنفسى، لكنها سرعان ما تحدره تحت قدميها وتفقده كرامته وتحرمه سلامه، كما أنها تضره جسدياً ونفسياً وروحياً، وتقوده للهلاك.

هل تبحث عن  الأسر والرؤى في الكتاب المقدس

شِحَناً = القادة والرؤساء فى أشور. وشعب الله أعجبوا بهيئة هؤلاء القادة.

الأعداد 11-21

الآيات (11 – 21): –

“11«فَلَمَّا رَأَتْ أُخْتُهَا أُهُولِيبَةُ ذلِكَ أَفْسَدَتْ فِي عِشْقِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، وَفِي زِنَاهَا أَكْثَرَ مِنْ زِنَا أُخْتِهَا. 12عَشِقَتْ بَنِي أَشُّورَ الْوُلاَةَ وَالشِّحَنَ الأَبْطَالَ اللاَّبِسِينَ أَفْخَرَ لِبَاسٍ، فُرْسَانًا رَاكِبِينَ الْخَيْلَ كُلُّهُمْ شُبَّانُ شَهْوَةٍ. 13فَرَأَيْتُ أَنَّهَا قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَلِكِلْتَيْهِمَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ. 14 وَزَادَتْ زِنَاهَا. وَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى رِجَال مُصَوَّرِينَ عَلَى الْحَائِطِ، صُوَرُ الْكَلْدَانِيِّينَ مُصَوَّرَةً بِمُغْرَةٍ، 15مُنَطَّقِينَ بِمَنَاطِقَ عَلَى أَحْقَائِهِمْ، عَمَائِمُهُمْ مَسْدُولَةٌ عَلَى رُؤُوسِهِمْ. كُلُّهُمْ فِي الْمَنْظَرِ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ شِبْهُ بَنِي بَابِلَ الْكَلْدَانِيِّينَ أَرْضُ مِيلاَدِهِمْ، 16عَشِقَتْهُمْ عِنْدَ لَمْحِ عَيْنَيْهَا إِيَّاهُمْ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ رُسُلاً إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 17فَأَتَاهَا بَنُو بَابِلَ فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ، فَتَنَجَّسَتْ بِهِمْ، وجَفَتْهُمْ نَفْسُهَا. 18 وَكَشَفَتْ زِنَاهَا وَكَشَفَتْ عَوْرَتَهَا، فَجَفَتْهَا نَفْسِي، كَمَا جَفَتْ نَفْسِي أُخْتَهَا. 19 وَأَكْثَرَتْ زِنَاهَا بِذِكْرِهَا أَيَّامَ صِبَاهَا الَّتِي فِيهَا زَنَتْ بِأَرْضِ مِصْرَ. 20 وَعَشِقَتْ مَعْشُوقِيهِمِ الَّذِينَ لَحْمُهُمْ كَلَحْمِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. 21 وَافْتَقَدْتِ رَذِيلَةَ صِبَاكِ بِزَغْزَغَةِ الْمِصْرِيِّينَ تَرَائِبَكِ لأَجْلِ ثَدْيِ صِبَاكِ.”.

كانت أهوليبة = يهوذا أفضل نسبياً من أختها وسر ذلك وجود الهيكل وسطها، ولذلك فإن الله أعطاها فرصة أخرى أيام حزقيا، فلم تدمر أشور يهوذا، بل حطم الله جيش أشور على أسوار أورشليم (يوم الـ 185000) لينقذ يهوذا وأورشليم معطياً لهم فرصة أخرى. ولكن كانت أشور قد حطمت إسرائيل المملكة الشمالية وهذا معنى الآيات (11 – 13). وكان المفروض أن تتعظ يهوذا مما حدث لإسرائيل فتترك عبادة الأوثان.

ولكن يهوذا عادت وفسدت أكثر من إسرائيل، بل أن حزقيا فتح قصره وفتح الهيكل للبابليين لإعجابه بهم وظنه أنهم سيكونون له الحليف القوى، وكان فتح الهيكل والقصر للبابليين بمثابة كشف عورة يهوذا لهم (آية 18) أما الشعب ففرح بملابسهم وفرسانهم وخيلهم، فهم فرحوا بكل ما هو غريب وأجنبى وإزدروا بتقاليدهم وبدينهم وإعتبروه حقيراً بجانب الممارسات المثيرة لهذه الشعوب (إش 8: 5 – 8)، بل هم عشقوا صور الكلدانيين، وفرحوا بأن يقيموا أحلافاً معهم. وربما أرسلوا يطلبون صوراً لهياكلهم وأصنامهم ليستخدموها فى عبادتهم. وكانت هذه الصور مصورة بمغرة = المغرة هى مسحوق أكسيد الحديد، ويوجد فى الطبيعة مختلطاً بالطفال، وقد يكون أصفراً أو أحمر بنياً ويستعمل فى أعمال الطلاء.

ملحوظة على الآية 14 وَزَادَتْ زِنَاهَا. وَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى رِجَال مُصَوَّرِينَ عَلَى الْحَائِطِ = أليس هذا هو حال كل من يجرى وراء الصور والأفلام الخارجة الآن.

وجفتهم نفسها = هذه طبيعة عبودية الخطية والشيطان، فحين نسلم أنفسنا لهم يستعبدوننا فنكرههم لقسوتهم. وللأسف يستمر الخطاة فى السعى وراء شهوتهم من أجل اللذة الجسدية مع أنهم يعلمون أن فى توبتهم الخلاص من العبودية التى هم فيها. (هذه مثل ما قال الشاعر “داونى بالتى كانت هى الداء”). وعوضاً عن أن تستنجد بإلهها، ذهبت يهوذا للمصريين أيام يكنيا وصدقيا فهى ذكرت أيام صباها التى فيها زنت بأرض مصر = كما لو كانوا يسترجعون متعتهم بنكهة البصل والكرات التى أكلها الشعب فى مصر، أو بالأحرى أوثان مصر فهم عشقوا معشوقيهم = أى إشتهوا من أحبوهم سابقاً أى المصريين وهم فى نظر الله لكبريائهم وغباوتهم فى وثنيتهم، وتعاملهم مع الشياطين فى ديانتهم كالخيل والحمير، فهى فى زناها كأنها إشتهت أن تزنى مع حيوانات وهذا شئ بالغ النجاسة. بل في زناها مع هؤلاء النجسين بوثنيتهم دخل فيها نفس النجاسة وكأنها تلقحت بمحبة العبادة الوثنية وهي الزنا الروحي وبما تشمله من زنا جسدي. فهى بهذا إفتقدت رذيلة صباها = أى تذكرت خطايا صباها من عبادة وثنية في مصر، فإشتهت العودة للخطية مرة ثانية. (راجع إش 30: 6، 7). ولكل هذا يقول الله جفتها نفسي. ونجد التشبيه هنا فيه إشارة لغبائهم فهم لم يفهموا ولم يتعلموا من نتائج ما حدث لأختهم الكبيرة إسرائيل (آية 10) فصاروا كالحمير لا يفهمون. وفى جريهم وراء شهواتهم صاروا كالخيل (إر5: 8).

الأعداد 22-35

الآيات (22 – 35): –

“22«لأَجْلِ ذلِكَ يَا أُهُولِيبَةُ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ، وَآتِي بِهِمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: 23بَنِي بَابِلَ وَكُلَّ الْكَلْدَانِيِّينَ، فَقُودَ وَشُوعَ وَقُوعَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ بَنِي أَشُّورَ، شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وُلاَةٌ وَشِحَنٌ كُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ وَشُهَرَاءُ. كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ الْخَيْلَ. 24فَيَأْتُونَ عَلَيْكِ بِأَسْلِحَةٍ مَرْكَبَاتٍ وَعَجَلاَتٍ، وَبِجَمَاعَةِ شُعُوبٍ يُقِيمُونَ عَلَيْكِ التُّرْسَ وَالْمِجَنَّ وَالْخُوذَةَ مِنْ حَوْلِكِ، وَأُسَلِّمُ لَهُمُ الْحُكْمَ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْكِ بِأَحْكَامِهِمْ. 25 وَأَجْعَلُ غَيْرَتِي عَلَيْكِ فَيُعَامِلُونَكِ بِالسَّخَطِ. يَقْطَعُونَ أَنْفَكِ وَأُذُنَيْكِ، وَبَقِيَّتُكِ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. يَأْخُذُونَ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ، وَتُؤْكَلُ بَقِيَّتُكِ بِالنَّارِ. 26 وَيَنْزِعُونَ عَنْكِ ثِيَابَكِ، وَيَأْخُذُونَ أَدَوَاتِ زِينَتِكِ. 27 وَأُبَطِّلُ رَذِيلَتَكِ عَنْكِ وَزِنَاكِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فَلاَ تَرْفَعِينَ عَيْنَيْكِ إِلَيْهِمْ وَلاَ تَذْكُرِينَ مِصْرَ بَعْدُ. 28لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُسَلِّمُكِ لِيَدِ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ، لِيَدِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ. 29فَيُعَامِلُونَكِ بِالْبُغْضَاءِ وَيَأْخُذُونَ كُلَّ تَعَبِكِ، وَيَتْرُكُونَكِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً، فَتَنْكَشِفُ عَوْرَةُ زِنَاكِ وَرَذِيلَتُكِ وَزِنَاكِ. 30أَفْعَلُ بِكِ هذَا لأَنَّكِ زَنَيْتِ وَرَاءَ الأُمَمِ، لأَنَّكِ تَنَجَّسْتِ بِأَصْنَامِهِمْ. 31فِي طَرِيقِ أُخْتِكِ سَلَكْتِ فَأَدْفَعُ كَأْسَهَا لِيَدِكِ. 32هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنَّكِ تَشْرَبِينَ كَأْسَ أُخْتِكِ الْعَمِيقَةَ الْكَبِيرَةَ. تَكُونِينَ لِلضَّحِكِ وَلِلاسْتِهْزَاءِ. تَسَعُ كَثِيرًا. 33تَمْتَلِئِينَ سُكْرًا وَحُزْنًا، كَأْسَ التَّحَيُّرِ وَالْخَرَابِ، كَأْسَ أُخْتِكِ السَّامِرَةِ. 34فَتَشْرَبِينَهَا وَتَمْتَصِّينَهَا وَتَقْضَمِينَ شُقَفَهَا وَتَجْتَثِّينَ ثَدْيَيْكِ، لأَنِّي تَكَلَّمْتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 35لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ نَسِيتِنِي وَطَرَحْتِنِي وَرَاءَ ظَهْرِكِ، فَتَحْمِلِي أَيْضًا رَذِيلَتَكِ وَزِنَاكِ».”.

نرى هنا نتائج الخطية.

من إشتهتهم سيكونون هم سبب خرابها. وسيخربها الكلدانيين أى البابليين المكون جيشهم من قبائل مختلفة فقود وشوع وقوع = وهى قبائل من شرق نهر دجلة. وبقايا جيش أشور الذى إنضم إلى بابل بعد خراب أشور بيد بابل. شهراء = مشهورين ولهم أسماء معروفة. ويقطعون أنفك وأذنيك = كانت هذه عادة أشورية، فهم يقطعون أنوف وأذان الملوك والأمراء والعظماء من أسراهم ويضعونهم فى أقفاص ويعرضونهم أمام شعوبهم للسخرية منهم. ومعنى يقطعون أنفك = أى ملكها الذى كان ينبغى أن يكون فى المقدمة له حاسة التمييز، فيدرك الطريق الآمن ويقود شعبه له لكنه ذهب للطريق الخطر بتحالفه مع مصر. أما المعنى الروحى لنا فثمر الخطية هو فقداننا روح التمييز الذى به ندرك الحق ونرفض الباطل. وأذنيك = هذا يشير لسبى الكهنة ومشيرى الملك الذين عوضاً عن أن يسمعوا صوت الله ويميزوا إرادته ويستمعوا لأنبيائه إستمعوا لشهوات قلوبهم. والمعنى الروحى لقطع الأذنين هو تحجر القلب نتيجة الإصرار على الخطية ومقاومة صوت تبكيت الروح القدس، الذى يبكت على الخطية فحينئذ ينطفئ الروح (1تس5: 19) وما يعود الإنسان يسمع صوت التبكيت. أما بقية أورشليم فتهلك بالسيف = إشارة لهلاك الشعب بسبب هذه التصرفات، وهذا يرمز لهلاك الجسد الذى يتدنس ويهلك بسبب حرماننا من نعمة التمييز وعدم سماعنا لصوت الله. ويأخذون بنيك وبناتك = قد يأخذونهم سبايا أو يقدمونهم محرقات. وهذا يشير لتبديد المواهب والطاقات، فبدلاً أن تقدم لخدمة الله تستخدم لحساب الشيطان. وينزعون عنك ثيابك = الخطية الأولى سببت الإحساس بالعرى، والله من نعمته كسا البشر وستر عليهم، ولكن من يرتد عنه تذهب عنه نعمة الله فيعود للعرى والفضيحة ثانية، إذ حرم نفسه من ستر الله. ويأخذون أدوات زينتك = لقد جعلها الله جميلة وكساها ولكن كل شئ سيذهب للبابليين.

وأبطل رذيلتك عنك = إذاً الله سمح بكل هذا ليبطل الرزيلة وليس للإنتقام. وهذا معنى =.

لا تذكرين مصر بعد.

وفى آية 29 نجد أن الله يحذرهم من ضياع كل البركات التى أفاض بها عليهم، إذ هم إستخدموها فى شرورهم، بل قدموها للشر فأصبحوا لا يستحقونها.

وبعد هذه الضربات التى تشربها كما تشرب كأس تحير وخراب. تشربها كما شربت أختها كأسها…… تجتثين ثدييك = المقصود أنها ستتخلى عن كل ما كان يثيرها وتترك عبادة الأصنام تماماً. وبهذا تكره خطيتها، وأليس هذا ما عمله الله مع داود إذ زنى وقتل، فسمح الله بدخول الزنى والقتل إلى بيته، ولنتصور حال داود ليلة هربه من وجه مؤامرة إبشالوم ضده… هل كان يشتاق للخطية مرة أخرى… لا بل هو قد كرهها إذ رأى نتائجها وبهذا تطهر قلبه من هذه الخطايا.

هل تبحث عن  كانت الخطية قد انطلقت من حواء إلى آدم خلال غواية الحية

كأس تحير وخراب = هذه حالة من الضياع والتخبط واليأس يصل إليها الخاطئ، فيها لا يدرى ماذا يفعل، فحينما أطفأ الروح القدس داخله، فقد كل إستنارة تقوده فى طريقه، فالروح القدس هو روح النصح (2تى1: 7).

ملحوظة: – خرابها جاء على يد من أحبتهم حباً خاطئاً، وهكذا الحب الخاطئ يتحول لكراهية شديدة (راجع قصة أمنون وثامار أولاد داود) ولاحظ أن الله يسمح بهذا لعل الخاطئ يكره هذه الخطية ويتركها فيخلص بدلاً من أن يهلك.

الأعداد 36-49

الآيات (36 – 49): –

“36 وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَحْكُمُ عَلَى أُهُولَةَ وَأُهُولِيبَةَ؟ بَلْ أَخْبِرْهُمَا بِرَجَاسَاتِهِمَا، 37لأَنَّهُمَا قَدْ زَنَتَا وَفِي أَيْدِيهِمَا دَمٌ، وَزَنَتَا بِأَصْنَامِهِمَا وَأَيْضًا أَجَازَتَا بَنِيهِمَا الَّذِينَ وَلَدَتَاهُمْ لِي النَّارَ أَكْلاً لَهَا. 38 وَفَعَلَتَا أَيْضًا بِي هذَا: نَجَّسَتَا مَقْدِسِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَدَنَّسَتَا سُبُوتِي. 39 وَلَمَّا ذَبَحَتَا بَنِيهِمَا لأَصْنَامِهِمَا، أَتَتَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى مَقْدِسِي لِتُنَجِّسَاهُ. فَهُوَذَا هكَذَا فَعَلَتَا فِي وَسْطِ بَيْتِي. 40بَلْ أَرْسَلْتُمَا إِلَى رِجَال آتِينَ مِنْ بَعِيدٍ. الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ فَهُوَذَا جَاءُوا. هُمُ الَّذِينَ لأَجْلِهِمِ اسْتَحْمَمْتِ وَكَحَّلْتِ عَيْنَيْكِ وَتَحَلَّيْتِ بِالْحُلِيِّ، 41 وَجَلَسْتِ عَلَى سَرِيرٍ فَاخِرٍ أَمَامَهُ مَائِدَةٌ مُنَضَّضَةٌ، وَوَضَعْتِ عَلَيْهَا بَخُورِي وَزَيْتِي. 42 وَصَوْتُ جُمْهُورٍ مُتَرَفِّهِينَ مَعَهَا، مَعَ أُنَاسٍ مِنْ رَعَاعِ الْخَلْقِ. أُتِيَ بِسَكَارَى مِنَ الْبَرِّيَّةِ، الَّذِينَ جَعَلُوا أَسْوِرَةً عَلَى أَيْدِيهِمَا وَتَاجَ جَمَال عَلَى رُؤُوسِهِمَا. 43فَقُلْتُ عَنِ الْبَالِيَةِ فِي الزِّنَا: آلآنَ يَزْنُونَ زِنًا مَعَهَا وَهِيَ. 44فَدَخَلُوا عَلَيْهَا كَمَا يُدْخَلُ عَلَى امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ. هكَذَا دَخَلُوا عَلَى أُهُولَةَ وَعَلَى أُهُولِيبَةَ الْمَرْأَتَيْنِ الزَّانِيَتَيْنِ. 45 وَالرِّجَالُ الصِّدِّيقُونَ هُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِمَا حُكْمَ زَانِيَةٍ وَحُكْمَ سَفَّاكَةِ الدَّمِ، لأَنَّهُمَا زَانِيَتَانِ وَفِي أَيْدِيهِمَا دَمٌ. 46لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أُصْعِدُ عَلَيْهِمَا جَمَاعَةً وَأُسَلِّمُهُمَا لِلْجَوْرِ وَالنَّهْبِ. 47 وَتَرْجُمُهُمَا الْجَمَاعَةُ بِالْحِجَارَةِ، وَيُقَطِّعُونَهُمَا بِسُيُوفِهِمْ، وَيَذْبَحُونَ أَبْنَاءَهُمَا وَبَنَاتِهِمَا، وَيُحْرِقُونَ بُيُوتَهُمَا بِالنَّارِ. 48فَأُبَطِّلُ الرَّذِيلَةَ مِنَ الأَرْضِ، فَتَتَأَدَّبُ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَلاَ يَفْعَلْنَ مِثْلَ رَذِيلَتِكُمَا. 49 وَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمَا رَذِيلَتَكُمَا، فَتَحْمِلاَنِ خَطَايَا أَصْنَامِكُمَا، وَتَعْلَمَانِ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ».”.

هذا حديث ختامى للأختين يوجهه الرب لهما يكشف فيه شرهما وبشاعة عبادتهم للأصنام وتقديم أولادهم ذبائح لها. ولنلاحظ أن الله يعتبر أن الأولاد هم له = ولدتاهم لى فالأباء ينجبون الأولاد ويربونهم لحساب الله، فهم لله وليس لأبائهم. وهم تجملوا وأرسلوا لرجال آتين من بعيد = ليرتكبوا معهم الشر ويعبدوا أوثانهم = وذلك لعمل حلف معهم لحمايتهم، ولذلك فهم يقدمون لآلهتهم الوثنية زيت وبخور الله = الذى كان يجب أن يقدم لله. ولاحظ أن الله يعتبر أن كل ما فى أيدينا (زيت وبخور… الخ) هو له، فالله هو الذى أعطاه لهم. الله أعطانا الكثير لنمجده به فماذا نفعل بما أعطاه لنا الله؟ هو الذى يعطى كل شئ، وله كل شئ. هذه الصورة تثبت أنهم لم يسقطوا عفواً ولا نتيجة غواية من الآخرين بل دبرتا خطة الشر بنفسيهما، فهم الذين أرسلوا لإستدعاء الرجال، وإستخدمتا حتى المقدسات الإلهية (الزيت والبخور) لتدفعا الغير لإرتكاب الشر معها.

ويا للعار لقد قبلتا من الغرباء إسورة على أيديهما وتاج جمال على رؤوسهما = هذه كقول المزمور عن تشجيع الشيطان وأعوانه لمن يخطئ حتى يستمر فى خطيته “نِعَماً نِعماً (حسب السبعينية) أو هه هه = وهى كلمات تشجيع وفرح مثل قولنا الآن برافو (مز70: 3). وهؤلاء الأشرار فرحوا بسقوطها فى الشر (رو1: 32). وليشجعونها على الإستمرار نسبوا لها الجمال الزائف، ولكن كان هذا تقييدا لها = إسورة وهذه فى مقابل سلاسل الذهب التى يصنعها الله لعروسته (راجع نش1: 11). إسورة الأشرار هذه تسمى رباطات الخطية. وتاج الجمال المخادع ليس لجمالها الحقيقى بل هو خداع (رؤ17: 4)، لأن سر جمال النفس الحقيقى هو الله (نش1: 5). عوض مواهب الله وأكاليله الأبدية هم قدموا مواهبهم وقدراتهم (أيديهم) للشر. لذلك إستحقوا التأديب الإلهى. ملحوظة: – نلاحظ أن الحديث هنا هو للأختين معاً، فبعد سبى أشور لإسرائيل وخراب المملكة الكبرى ذهب الكثير من شعب إسرائيل ليهوذا وعاشوا هناك.

وكلمة الله للنبى أتحكم على أهولة وأهوليبة = أى لا تحاول أن تجد لهما أعذاراً بل إصدر عليهما أحكاماً. ولاحظ أيضاً بشاعة خطيتهم فى تقديم أولادهم للنار فهم أحبوا الأوثان أكثر من أولادهم. ولاحظ أيضاً أن الله إعتبر المعاهدات مع البابليين زنا = وجلست على سرير فاخر. فهم تجملوا جداً أمامهم كما تتجمل زانية أمام عاشقيها. بل هم تمادوا حتى يثبتوا للبابليين تسامحهم الدينى بأن قدموا زيتاً وبخوراً لآلهة البابليين، كان يجب أن تقدم لله. وكان هناك فرح كبير من الشعب بهذه المعاهدات كما لو كانت بركة لهم = فكان صوت جمهور مترفهين معاً = فهم أحسوا بالأمان فى المعاهدات. وأتوا بالرعاع والسكارى من البرية = ليفرحوا معهم، والسكارى من البرية = هم غالباً شعوب عمون والعرب وأدوم وموآب. مترفهين = مبتهجين، وبلا هَمْ = هو سلام الإطمئنان الكاذب، فكيف يكون هناك سلام حقيقى مع وجود خطية “لاسلام قال الرب للأشرار” (إش48: 22) فمصدر السلام الحقيقى هو الله. وهذا هو الحال دائما مع الخطاة، إذ يلتف حولهم الخطاة الآخرين ويكون مجلسهم مجلس مستهزئين.

وفى آية 43: – الآن يزنون زنا معها وهى… = المقصود وهى معهم حسب الترجمة الإنجليزية ولكن فى الترجمة العربية نجد فراغا ولا يوجد كلمة معهم، والترجمة العربية هى الأدق، فلا نجد فى الأصل العبرى كلمة معهم. وربما تركت الكلمة فى الأصل العبرى دون أن تكتب وذلك كنوع من إظهار التعجب كيف يسقط شعب الله فى خطية كهذه. وقوله البالية فى الزنا = التى تمارس خطية الزنا منذ زمن بعيد، فهم بدأوا هذا منذ وجودهم فى مصر.

وفى آية 45: – رجال صديقون = البقية التى تعرف الرب فى أورشليم وهؤلاء يشجبون سياسة ملوكهم.

فكرة الإصحاح.

الله محبة والله حياة والله قدوس.

الله فى محبته خلق البشر وأعطاهم حياة إذ هو يحب الإنسان محبة أزلية أبدية (راجع تفسير يو13: 1) ومات الإنسان كنتيجة لخطيته. وكان الفداء ليعيد السيد المسيح الحياة للإنسان.

والمسيح بقيامته زرع فى الإنسان بذرة حياة، وهذا ما قاله القديس بطرس “مولودين ثانية لا من زَرْعٍ يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد” (1بط1: 23). وجاءت كلمة زَرْعٍ فى الإنجليزية seed وتعنى (بذرة / نسل / ذرية / وتعنى أيضا مَنِىّ الرجل وهو ماء [أو سائل] الرجل الذى يُخَصِّب بويضة المرأة لتخرج حياة من البويضة المخصبة). ولقد إستخدم الوحى تعبير زَرْع لا يفنى أى لا يموت لأن المسيح كلمة الله الحية الباقية إلى الأبد… زرع فينا حياته الأبدية المقامة من الأموات، وهذا بإتحاده بنا، على شرط أن نجاهد لنظل ثابتين فى المسيح. المسيح وضع فينا بذرة حياة، إذ إتحدنا بجسده، وصرنا أعضاء جسده، وصارت لنا حياته (غل2: 20 + فى1: 21 + أف5: 30 + أف1: 23). وهذا الإتحاد بيننا وبين المسيح يتم بالمعمودية “فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضا فى جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضا بقيامته” (رو6: 4، 5). ولهذا فنحن لا نموت بل ننتقل “ليس موت لعبيدك يا رب بل هو إنتقال” أوشية الراقدين. وكيف نموت والحياة التى فينا هى حياة المسيح، والمسيح لا يموت ثانية (رو6: 9)، وراجع تفسير (رو6: 1 – 14).

وحين إعترض الكورنثيون على هذا الفكر وقالوا كيف؟ ونحن نرى المسيحيون يموتون أمامنا كل يوم!! شرح لهم بولس الرسول هذا بتشبيه بسيط… وراجع (1كو15)…. فقال أن هذا يشبه بذرة حية لأحد البقول، فحين ندفنها يخرج منها شجرة إذ فى البذرة حياة. ونحن الآن حين نموت بالجسد نكون كالبذرة التى دفنت فى الأرض. ولكننا بعد مدة سنقوم بالجسد الممجد فى حياة أبدية (الشجرة).

بذرة الحياة وبذرة الموت.

فى هذا الإصحاح يستخدم الوحى صورة معكوسة لما سبق، ليشرح مصير من ينخدع وراء الشيطان، والشهوات التى يثيرها فينا، فيموت من ينخدع وراء هذه الشهوات. وراجع تفسير (هو7: 3 – 7) لترى كيف يُصوِّر هوشع النبى كيف أن الشيطان يستخدم أعوانه من البشر فى تدبير إثارة الشهوات مما يتسبب فى موت من ينخدع وينجذب فيموت.

ولكن إن كانت بذور البقول التى نزرعها ميتة (بها سوس) فهى لن تخرج شجرة، إذ هى فقدت الحياة التى كانت فيها أولا. وهذا مشبه فى هذا الإصحاح بمنِىّ المصريين. والمصريون هنا يرمزون للشيطان الذى يلقى بذرة الموت (السوسة) فى أبناء الله، بإثارة شهواتهم الخاطئة. وشبَّه الوحى هنا بذرة الموت هذه بمنِىّ المصريين. وهذه الشهوات الحسية هى سلاح إبليس الذى يجذب به أبناء الله فيزرع فيهم بذرة الموت.

هل تبحث عن  القديسة أوستخيوم

الوحى هنا يشرح أن هناك بذرة موت يزرعها الشيطان، فى مقابل بذرة الحياة التى يزرعها المسيح فى جسدنا المائت بسبب الخطية.

هأنذا بالإثم صُوِّرت وبالخطية حبلت بى أمى.

هذا ما قاله داود النبى (مز51: 5). فهكذا وُلِدنا بالخطية ولنا ميول قوية وإندفاع نحو الشهوات الخاطئة. ولكن بعد فداء المسيح أرسل لنا الرب يسوع الروح القدس “الذى يُعين ضعفاتنا” (رو8: 26). والقوة التى يعطيها الروح القدس لنا هى ما نسميه بالنعمة، وهذه النعمة تكتم الشهوات ولكن هذا لمن يريد ويجاهد، لذلك: -.

  1. من لا يُجاهد تنفجر الشهوة داخله لذلك يطلب الرسول أن نمتلئ بالروح (أف5: 18) فتزداد النعمة داخلنا وتظل الشهوات مكتومة.
  2. ومع هذا لن نتخلص من الشهوة تماما إلا بموت الجسد (راجع تفسير رو7).

وسلاح الشيطان هو إثارة الشهوات الجسدية، وفى المقابل نجد أن الله يعطى نعمة ليسند أولاده. والنعمة سلاح قوى، بل أقوى من جذب الشهوات = “يعطى نعمة أعظم” كما يقول القديس يعقوب (يع4: 6)…. ويخطئ من يظن أنه قادر على الصمود أمام شهوات الجسد بمفرده. لقد ظن بطرس أنه قادر بقوته أن يدافع عن المسيح فأخرج سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة ملخس، وظن أنه قادر أن يضع نفسه عن المسيح، لكن خانته شجاعته أمام جارية. أما بعد حلول الروح القدس نجده يجاهر أمام الألاف يوم الخمسين. لقد دخلت فيه قوة إلهية لا حدود لها. لذلك يقول رب المجد “بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا” (يو15: 5). وفى المقابل يقول القديس بولس الرسول “أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى4: 13).

ولكن الله يعطى هذه النعمة لمن يطلب ويريد، لذلك يقول “إسألوا تُعطوْا…” أما الشيطان فيعرض بضاعته على الكل.

لذلك يمكن لنا القول أن الشيطان يعمل على إثارة الشهوات، وبهذا كأنه يُلَقِّح الشهوة الكامنة فى الإنسان، وهذا ما نسمِّيه هنا بذرة الموت.

ونعود لنص سفر حزقيال فنفهم أن المقصود بهذا، أن من يترك الله ذاهبا للأوثان فكأنه ترك بذرة الحياة، لتدخل فيه بذرة أخرى هى بذرة موت (السوسة). وهذا ما أغاظ الله جدا، فإلهنا إله غيور = يغير على شعبه كما يغير العريس على عروسه التى يحبها، ولقد عبَّر القديس يعقوب عن هذه الغيرة بقوله “الروح يشتاق إلى الحسد” وكلمة الحسد تترجم بالغيرة (يع4: 5، 6). وأيضا يحزن الله إذ هو فى محبته لخليقته يحزن إذ يرفض الإنسان هبة الحياة التى أعطاها له الله، ويذهب وراء شهواته الجسدية التى يثيرها فيه الشيطان، وبهذا فهو يختار طريق الموت. فالشيطان هو الذى يقف وراء هذه الأوثان وفى داخلها بكل نجاسات عباداتها، وما فيها من ممارسات شهوانية جسدية. وبهذا فالإنسان الذى يذهب للعبادات الوثنية فهو يتحد بالشيطان (1كو10: 15 – 22) ومثل هذا يموت لأن الشيطان يلقى فيه بذرة الموت. والله يحزن لأن الإنسان يذهب للموت بإرادته، فالله فى محبته وهب للإنسان الذى يحبه الحياة، وكان يريد له أن يستمر حيا للأبد. “فالله لو لم يكن يحب أحد ما كان قد خلقه” (سفر الحكمة 11: 22 – 27).

ونجد موسى النبى ينبه شعب الله بأنه وضع أمامهم طريق الحياة وطريق الموت ويدعوهم أن يختاروا طريق الحياة (تث30: 15 – 20) وهكذا فعل يشوع مع الشعب (يش24: 14، 15).

ولكن هل بذرة الحياة التى يزرعها المسيح فيمن يؤمن ويعتمد فى العهد الجديد لها علاقة بشعب العهد القديم؟ يجيب بولس الرسول على هذا السؤال فى رسالة رومية (3: 24 – 26). ففى آية (25) نجد أن خلاص المسيح وتبريره يمتدان إلى من يستحق من العهد القديم، وفى آية (26) نجد خلاص المسيح لمن يؤمن فى العهد الجديد. وكرمز لهذا نجد الشمس فى قصة شفاء حزقيا الملك ترجع للوراء ثم تعود للأمام فى خط سيرها الطبيعى (2مل20: 9 – 11). ومسيحنا هو شمس البر (ملا4: 2).

ولأن الله محب للبشر فهو يؤدب الإنسان بضربات محدودة، ويظل يحمى الإنسان مرة وإثنتين وثلاثاً ويطيل أناته عليه، رافضا أن يسلمه للموت، لعل طول أناته تقتاده للتوبة (رو2: 4). ولكن، ولأن الله قدوس ولا يطيق الخطية وأمام إصرار الإنسان على طريق الخطية فهو يرفع حمايته عن الإنسان فيهلك ويموت، وهذا ما نراه فى الآيات (حز16: 22 – 35). وهذا يتفق مع (رو2: 5 – 10). الله كان يحمى شعبه زمنا من سيف ملك بابل، لكن حينما تمادى شعبه فى نجاسة الشهوة النجسة (السوسة = بذرة الموت) رافضا بذرة الحياة، ترك الله سيف ملك بابل ينقض على شعبه. وحين يقول الله “أنا وضعت السيف فى يد ملك بابل ليذبح الشعب” فالمعنى أن الله، كإله ضابط الكل ترك ملك بابل ليعمل هذا، فملك بابل لا يستطيع أن يعمل شئ إلا بسماح من الله.

20 وَعَشِقَتْ مَعْشُوقِيهِمِ الَّذِينَ لَحْمُهُمْ كَلَحْمِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ = ولماذا التشبيه بالحمير والخيل؟

الحمار = لا يفهم، وهذه صفة لمن يصر على الخطية دون أن يتعظ من الضربات التى أصابت غيره حين أخطأ. وهذا ما حدث، فالله ضرب السامرة وأبادتها أشور تقريبا بسبب وثنيتها ونجاستها. ولم تتعظ يهوذا فسلكت نفس مسلك السامرة، فهى لم تفهم (إر4: 22 + إش1: 3). وصارت تسير فى طريق الموت دون أن تدرك (آية 25) = يقطعون أنفك. والخيل = قيل عن الشهوانيون الذين يندفعون وراء شهواتهم دون ضوابط أنهم كالخيل (إر5: 7 – 9). وهؤلاء فى إندفاعهم وراء شهواتهم ما عادوا يسمعون نصائح أحد، لقد صار قلبهم متحجراً = يقطعون أذنيك.

ولاحظ أن خطية إشتعال الشهوة هى الخطية التى يتهم الله شعبه هنا بها = «لأَجْلِ ذلِكَ يَا أُهُولِيبَةُ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ، وَآتِي بِهِمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: 23بَنِي بَابِلَ وَكُلَّ الْكَلْدَانِيِّينَ، فَقُودَ وَشُوعَ وَقُوعَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ بَنِي أَشُّورَ، شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وُلاَةٌ وَشِحَنٌ كُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ وَشُهَرَاءُ. كُلُّهُمْ رَاكِبُونَ الْخَيْلَ شُبَّانُ شَهْوَةٍ = نحن البشر نولد بالشهوة داخلنا كما قلنا، وعمل عدو الخير الشيطان هو إثارة هذه الشهوات ليدفع الإنسان للخطية. ومن يقبل ويندفع وراء شهوته يقول عنه القديس يعقوب “ولكن كل واحد يجرب إذا إنجذب وإنخدع من شهوته، ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا” (يع1: 14، 15). فقوله هنا شُبَّانُ شَهْوَةٍ = نفهم منه أن الشيطان يضع أمام عيون شعب الله فى كل زمان ومكان ما يعثرهم ويثير شهواتهم وهذا ما يمكن أن نسميه بتلقيح الشهوة = مَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ = فتحبل الشهوة ولكنها تلد موتا = بذرة الموت.

إذاً الإنسان مولود هكذا بالخطية (مز50 + رو7: 20)، ولكن عمل النعمة فى المسيحى قادر أن يكتم هذه الشهوات بل يعطى شهوة للسمائيات “لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح….” (فى1: 23)، بل “الروح القدس يسكب محبة الله فى قلوبنا” (رو5: 5) فتكون شهواتنا مقدسة أى المحبة تكون لله وحده، وهذا هو طريق الفرح الدائم الوحيد، وهذا نراه فى ثمار الروح وهى… محبة فرح… إلخ. والمعنى أنه لو وجدت المحبة يوجد الفرح الحقيقى. أما الشهوات الجسدية فتعطى لذات حسية لحظية لا تدوم. ولكن ماذا عن غير المؤمنين الذين لم يعتمدوا ولم يسكن فيهم الروح القدس وبالتالى فهم محرومين من هذه النعمة التى تكتم الشهوات؟ يقول بولس الرسول “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس”. فالروح القدس يظل يحاول أن يقنع الشخص من الخارج (إر20: 7)، ومتى إقتنع يعتمد ويحل عليه الروح القدس ويسكن فيه فيمتلئ نعمة تعينه. وعمل الله هذا يكون لمن يعرف الله بسابق علمه أنه سيتجاوب معه (رو8: 28، 29). وهذا ما حدث مع شاول الطرسوسى والقديس موسى الأسود كأمثلة.

المحبة تُنشئ فرح، وكان هذا هو الحال فى جنة عَدْنْ، فآدم مخلوق على صورة الله، والله محبة، فكان آدم يحب الله، وكما أن “الله لذاته مع بنى آدم” (أم8: 31) هكذا كان آدم يجد لذته مع الله لأنه مخلوق على صورة الله. ومع هذه المحبة المتبادلة يوجد الفرح، وهذا هو معنى إسم الجنة… عَدْنْ = وهى كلمة عبرية تعنى فرح وبهجة.

إذاً هذه كانت إرادة الله بالنسبة للإنسان، لذلك فحينما يضيع من الإنسان كل هذا من أجل لذة عابرة ومخادعة يغتاظ الله جداً لأجل محبته للإنسان الذى خلقه ليحيا فى فرح للأبد. وهذا هو سر الكلمات القاسية التى قيلت فى هذا الإصحاح.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي