الأصحاح الثامن عشر تفسير إنجيل يوحنا القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثامن عشر

محاكمة يسوع دينيًا ومدنيًا.

حتى نهاية الأصحاح السابع عشر لم يسجل لنا الإنجيلي يوحنا إلا القليل جدًا عن تاريخ السيد المسيح، مقدمًا ما يستلزمه الأمر للكشف عن شخصيته ورسالته. أما الآن وقد أتت الساعة كما قرأنا في الصلاة الوداعية، واقترب الصليب، فقد انشغل القديس كغيره من الإنجيليين بسرد تفاصيل أحداث هذا الأسبوع. التلاميذ والرسل الذين كانوا يخجلون من الأحداث أثناء وقوعها هم أنفسهم وجدوا فيها عذوبة وخلاصًا ومجدًا، كما وجدوا فيها كشفًا عن الأسرار الإلهية الفائقة.

بعد حديث السيد المسيح الوداعي الطويل مع التلاميذ، وتقديم الصلاة الوداعية، بدأ الإنجيلي يعرض قصة آلامه. وقد اهتم القديس يوحنا بعرض الظروف المحيطة بآلام السيد المسيح بكونها تمس خلاصنا، وعرض أيضًا ما لم يعرضه الإنجيليون الثلاثة السابقون.

1. تسليم نفسه للجند ١ – ٩.

2. قطع أذن ملخس ١٠ – ١٢.

3. أمام حنان ١٣ – ١٤.

4. إنكار بطرس ١٥ – ١٨.

5. حوار مع رئيس الكهنة ١٩ – ٢٤.

6. إنكار بطرس مرتين ٢٥ – ٢٧.

7. في دار الولاية ٢٨ – ٣٢.

8. حوار مع بيلاطس ٣٣ – ٤٠.

الأعداد 1-9

1. تسليم نفسه للجند

“قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون،.

حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه “. (1).

هيأ السيد المسيح تلاميذه لهذه الساعة خلال أحاديثه الوداعية، وطلب مساندة الآب لهم في صلاته الوداعية، وهو في العلية في حضور تلاميذه، وإعلانه لهم عن كثير من أسراره التي تمس خلاصهم وخلاص العالم. لذا حانت لحظات مواجهته للصليب بفرحٍ داخليٍ وسرورٍ، حسب مسرة أبيه الصالح.

يروي لنا الإنجيلي ليس قصة القبض على يسوع المسيح، بل بالأحرى تسليم نفسه للجند لمحاكمته. أخذ تلاميذه وانطلق على ضوء القمر حيث كان احتفال الفصح والقمر كاملاً، ودخل بستانًا يملكه أحد أحبائه، اعتاد أن يدخله ويجتمع مع تلاميذه فيه كثيرًا. وقد كان لنبلاء اليهود حدائقهم وأماكن اللهو خارج المدينة حتى جبل الزيتون؛ ولازالت هذه العادة قائمة عند الآسيويين.

لقد جاءت الساعة لكي يدخل رئيس خلاصنا دائرة الآلام ليحقق الخلاص الذي جاء من أجله، وصارت اللحظات الأخيرة من حياته هنا على الأرض تحمل أحداثًا متوالية تمس كل كياننا. كأن السيد المسيح قد مارس أولاً عمله كمعلمٍ يقود تلاميذه إلى الحق الإلهي، ثم ككاهنٍ يشفع فيهم لدى الآب، وكذبيحةٍ يبذل ذاته، وكملكٍ يملك بالحب العملي الباذل، يفتح بدمه القلوب ويؤسس عرشه في داخلنا؛ إنه المعلم والكاهن والذبيحة والملك.

اختار البستان أرضًا للمعركة للقبض عليه، أو بالأحرى لتسليم نفسه، ولم يختر بيتًا ما داخل المدينة، حتى لا يحاول البعض من الشعب أو الأحباء الدفاع عنه، فيدخلون في معركة وبسببه يحدث سفك دم. ولكي لا يسبب متاعب أو حرجًا لصاحب البيت، ولكي تجد الجماهير فرصتهم للانطلاق بلا عائق للقبض عليه مع القيادات الدينية والجند. في البستان يمكن للتلاميذ أن يهربوا دون سفك دماء بسببه، أما في المدينة، فقد يعترض البعض صفوف القادمين للقبض عليه، وقد يتحول الأمر إلى معركة. إنه لا يطلب كرامة بشرية، ولا مدافعين عنه بل ينسحب لكي يحمل آلام الغير.

جاء ليحمل أتعاب الآخرين لا أن يحمل الآخرون أتعابه. هكذا قدم لنا مثلاً حيًا بأن المسيحي كقائد محب لا يلقي بهمومه أو متاعبه أو آلامه على الآخرين، ولا يشتكي لأحد، بل ينحني مع سيده ليحمل أتعاب الآخرين. أخيرًا فإن القبض عليه في البستان يعلن رفض قصور الأغنياء ومنازل اليهود إيواءه، فيُقبض عليه كمرفوضٍ من شعبه، خارج المحلة.

عبر وادي قدرون: كان بستان جسثيماني في جبل الزيتون شرقي أورشليم. يفصل هذا الجبل عن المدينة وادي ضيق للغاية يجري فيه مجرى (نهير) قدرون. وهو نهر صغير جدًا عرضه ما بين ٦ و٧ أقدام، ولم يكن دائمًا مملوء ماءً، بل كان طوال السنة جافًا ماعدا فترات سقوط الأمطار. وقد أخذ اسمه من كلمة قيدار qaadar العبرية ومعناها “أسود”، حيث كانت بقايا الذبائح ومخلفات المدينة تُلقي فيه. ويرى البعض أنه كان أشبه بمصرف أكثر منه بنهرٍ. وكان لعبور وادي قدرون معناه الخاص:

أولاً: جاءت نبوة داود النبي عن المسيا في مزمور ١١٠: ٧: “من النهر يشرب في الطريق، لذلك يرفع الرأس”. لقد شرب المسيا من المجرى في طريقه إلى آلامه المجيدة لخلاصنا. دُعي النهر الأسود بسبب ظلام الوادي الذي يجري فيه أو لون مياهه المختلطة بالقاذورات التي تُلقى فيه من المدينة. من هذا المجرى شرب مسيحنا وهو في طريقه لخلاصنا فرفع رأسه ورؤوسنا.

ثانيًا: في طريق هروبه من وجه ابنه ابشالوم المتمرد عبر داود الملك مع من كانوا معه نهر قدرون، وصعدوا إلى جبل الزيتون، وهم يبكون بصوت عظيم (٢ صم ١٥: ٢٣، ٣٠). هكذا إذ رفض اليهود ملكهم “ابن داود” انسحب إلى جبل الزيتون عابرًا نفس طريق داود، وكان يطارده اليهود المتمردون لكي لا يملك على قلوبهم.

ثالثًا: اعتاد بعض ملوك يهوذا الصالحين أن يحرقوا الأوثان ويدمروها ويلقونها في هذا الوادي، مثل آساأي ١٥: ١٦)، وحزقيا (٢ أي ٣٠: ١٤)، ويوشيا (٢ مل ٢٣: ٤، ٦). وهكذا كان الوادي مملوءً من الرجاسات الملقية فيه. لقد قبل السيد المسيح الذي بلا خطية أن يصير خطية لأجلنا، ليحمل عنا اللعنة.

دخل آدم الثاني، السيد المسيح، في البستان حتى يبدأ احتمال سلسلة آلام الصليب، كما بدأت خطية آدم الأول في جنة عدن. وفي البستان أُعلنت اللعنة، وفيه نال آدم وعدًا بالمخلص، لذلك بدأ تحقيق الخلاص في البستان، وفي البستان تحققت القيامة وتمتع الإنسان بالبرّ الإلهي. في كل مرة ندخل فيها حديقة نذكر آلام السيد المسيح في البستان التي زرعها لكي ننعم بثمر الروح المشبع والمفرح.

أخذ معه تلاميذه إذ اعتاد أن يأخذهم في رفقته عندما ينسحب للصلاة. أخذهم، لا ليدافعوا عنه، وإنما ليشهدوا لآلامه واحتماله من أجلهم، ولكي يتهيأوا لشركة آلامه. ولعله أراد أن يكشف لهم عن ضعفهم حتى يدركوا أنه لا خلاص لهم إلا بمخلصهم.

حدثنا الإنجيلي يوحنا عن الكأس التي تسلمها من يد الآب ليشربها (11)، لكنه لم يسرد لنا تفاصيل آلامه في البستان، إذ سبق فعرضها غيره من الإنجيليين. هذا وقد أبرز الإنجيلي أن كل الأمور كانت تسير بخطة إلهية فائقة دون أن يفقد حتى الأشرار حرية إرادتهم. لم يكن طريق الألم بالنسبة للسيد المسيح هزيمة أو ضعفًا، لكنه كان طريق ابن الله الذي يحقق خطة خلاص البشرية الفائقة، هو طريق الصليب، واهب الغلبة، ومحطم مملكة الظلمة. لقد أبرز الإنجيلي الجانب الآخر لآلام السيد بكونها طريق المجد الأبدي. لقد أظهر أن يسوع المتألم هو سيد الموقف، حتى نشاركه ذات المشاعر وسط مشاركتنا له آلامه وصلبه في حياتنا اليومية.

ما يرويه هنا بخصوص دخول الرب إلى البستان مع تلاميذه لم يتم بعد تقديم الصلاة مباشرة… إنما بالتأكيد تمت أحداث معينة عبًّر عنها الإنجيلي الحالي ووجدت في الأناجيل الأخرى. وذلك وجدت أحداث كثيرة هنا صمت عنها الإنجيليون الآخرون في رواياتهم.

القديس أغسطينوس.

الموت أمر مرعب للغاية، لكن ليس لأولئك الذين تعلموا الحكمة الحقيقية التي من فوق. فإن من لا يعرف شيئا عن الأمور العتيدة بل يحسب الموت انحلالاً ونهاية للحياة، بحق يرتعب ويخاف كمن يعبر إلى لا وجود. أما الذي يتعلم بنعمة الله الأمور الخفية السرية لحكمة (الله)، ويحسب الأمر رحيلاً إلى موضع آخر، لا يجد سببًا للرعدة، بل بالأحرى يفرح ويبتهج، إذ بتركنا الحياة الفانية نذهب إلى حياة أفضل وأبهى وبلا نهاية. هذا ما يعلمنا إياه المسيح بتصرفاته حيث يذهب إلي آلامه، لا متغصبًا ولا عن ضرورة، بل بإرادته، لذلك قيل: “قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون، حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه”.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع،.

لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه “. (2).

سمح السيد أن يتم القبض عليه في الموضع الذي يعرفه يهوذا، حتى يعطيه فرصة لمراجعته لنفسه، لعله يدرك أنه أساء استخدام المزايا التي قُدمت له، أن يكون من خاصته حتى في مكان خلوته.

قدم لنا الإنجيليون الحقائق دون تعليق، فذكروا ما فعله يهوذا كحقيقة واقعية دون لومٍ أو تبكيتٍ، وذلك كما قدموا أعمال السيد المسيح وكلماته دون تعليق. ولعلهم بإعلان الروح القدس أرادوا أن يتركوا الأعمال نفسها تتحدث في قلوب القراء وأفكارهم.

إذ سارع السيد المسيح إلى المكان الذي كان معروفًا عند مسلمه، أزال عن المتآمرين عليه التعب، وخلصهم من كافة الشقاء، وأظهر لتلاميذه أنه يجيء إلى الموت طوعًا، فقد كان هذا فيه كفاية لتعزيتهم. جاء لكي يضع نفسه في البستان كما في سجن.

“قال يسوع هذا”. ماذا تقول؟ بالتأكيد كان يتحدث مع الآب، بالتأكيد كان يصلي. لماذا لم يقل: “إذ انتهي من الصلاة جاء إلي هناك”؟ لأنه لم تكن صلاة بل كانت حديثًا لحساب التلاميذ….

ولئلا إذا سمعت قول البشير: “حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه” تظن أن السيد المسيح استتر فيه، قال بعد ذلك مباشرة: “وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع”. ولم يقل هذا فقط، لكنه قال: “لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه”. إذ كان السيد المسيح يجتمع مع تلاميذه الخاصة، مخاطبًا إياهم في أمورٍ خاصة ضرورية، لا يجوز أن يسمعها غيرهم، وقد يأخذهم في جبالٍ وبساتينٍ، ملتمسًا مكانًا خاليًا من الاضطرابات أكثر من غيره، حتى لا تنزعج نيتهم عند استماعهم له.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

هناك وُجد الذئب الملتحف بجلد الحمل، الذي اجتاز بين الغنم بمشورة خفية ضد أب الأسرة، وعرف كيف يجد الفرصة لتشتيت القطيع الهزيل، وإلقاء شباكه المشتهاة للراعي.

القديس أغسطينوس.

“فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين،.

وجاء إلى هناك بمشاعلٍ ومصابيحٍ وسلاحٍ “. (3).

كيف لم يخجل يهوذا من مواجهة السيد المسيح وهو يقود أعداءه ضده، مرتدًا عن التبعية له، والشركة مع تلاميذه؟ هذا هو فعل الخطية، وهذا هو عمل إبليس. أن يصير للخاطئ ما هو أشبه بجبهة زانية لا تعرف الحياء. قاد يهوذا هذا الموكب الضخم، ولعله طلب هذا العدد لإشباع طموحٍ فيه كقائدٍ له وزنه وكرامته.

خرجت فرقة (teen speiran) cohort وهي تعادل عُشر فيلق (legion). يرى البعض أن تعداد الفيلق 6٠٠٠ شخصًا، غير أن البعض يرى أن عدد الفيلق لم يكن ثابتًا ولا أقسامه كفرقٍ متساوية. فرقة الجند هنا هم العسكر الرومان الذين يقدمهم الحاكم لحماية الهيكل، وأما الخدام فهم الذين ينتسبون إلى السنهدرين. ويقدر البعض الجند والخدام (جند الهيكل) بحوالي ٥٠٠ شخصًا، والبعض يظنهم ألفًا، أما الذين حول السيد في البستان فكانوا غالبًا إحدى عشر. فكثرة الجمهور لا تعني صدق الطريق؛ كثيرًا ما تكون القلة القليلة هي الأمينة المخلصة في علاقتها مع الله. ولعل الجند جاءوا بالسيوف، وأما الخدام فجاءوا بالعصي.

ربما يتساءل البعض: لماذا كل هذا العدد للقبض على السيد المسيح؟ لقد اعتاد الرومان أن يستخدموا أعدادًا كبيرة من الجند لممارسة عملٍ صغيرٍ. ففي أعمال الرسل نجد 200 جنديًا و70 فارسًا و200 حاملي حراب في حراسة الأسير بولس في الطريق (أع 23: 23). هذا وقد كان يُخشى حدوث ثورة شعبية بالقبض عليه.

لم تكن هذه جماهير شعبية جاءت اعتباطًا، وإنما كانت قيادات، وجاء مسئولون من الهيكل ومن البلاط للقبض عليه. اتحدت الكنيسة الشكلية الحرفية مع قوات الظلمة ضد الحق. وجاء الحشد خليطًا من قيادات يهودية متنوعة مع جند من الأمم الرومان، وخدام يهود، كل يحمل عداوة تجاه المجموعة الأخرى، لكنهم اتحدوا في مقاومة السيد المسيح، تصالحوا عندما دخل السيد المسيح طريق الألم، لكي يقدم الكل أعضاء في جسده المتألم الممجد.

في الليل انطلق السيد المسيح قائد المعركة ضد قوات الظلمة، ليذهب إلى أرض المعركة، معلنًا خروجه للصليب. انطلق مع تلاميذه إلى موضع معروف، إلى البستان كما في موكبٍ. ذهب في خطة مرسومة ينتظر موكبًا متواطئًا مع الظلام. كان ينتظر يهوذا مع موكب الظلمة كمن في شبه موعدٍ معه، وفي مكانٍ معروفٍ لديه. لم يتهرب السيد المسيح من موكب الظلمة، كما توارى سابقًا حين رفع اليهود الحجارة ليرجموه وهو يُعَّلم في الهيكل، فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم (يو 8: 58).

خرجوا بمصابيح ليلقوا القبض على يسوع، آدم الثاني، مع أن القمر كان كاملاً. لقد ظنوا أنه ربما يختبئ بين الأشجار كما اختفى آدم الأول في جنة عدن وراء الشجر من وجه الله. جاءوا بالمشاعل ليوقدوها لعلهم يرون الشمس المشرقة في وسط البستان! أرادوا بالمصابيح أن يروا “شمس البر”. حملوا سيوفًا وأسلحة لئلا يقاوم آدم الثاني أو تلاميذه، ولم يدركوا انهم بهذا يستلون السيوف ضد أنفسهم. جاء الموكب مستعدًا، لعلهم خشوا من خسوف القمر لذلك حملوا المشاعل والمصابيح، وخشوا أن يُوجد مع تلاميذه أسلحة، لذلك جاءوا مسلحين مستعدين للدخول في معركة.

ليس عجيبًا أن نجد ذات الفكر عبر العصور، فيتهم العالم الكنيسة بأنها تريد أن تقيم دولة داخل دولة، مع أن أسلحتها روحية، ومملكتها ليست من هذا العالم.

يذكر الإنجيلي يوحنا وحده دون سائر الإنجيليين “الجند”، أي فرقة من الحرس الرومانيين المرابطين في أورشليم، جاءوا مع خدام من عند رؤساء الكهنة والفريسيين للقبض على السيد المسيح. وكأن روما نفسها، أي عاصمة العالم، قد دخلت طرفًا في الدعوى ضد يسوع الناصري.

إنها كتيبة، ليست من اليهود بل من العسكر. هنا نفهم أن الأمر تم عن طريق الحاكم كما لو كان من أجل أمان الشخص المجرم، ولحفظ مراسيم السلطة القانونية الشكلية، ولردع أية محاولة للمعتقل أن يقاوم. وفي نفس الوقت وُجدت جماعة ضخمة قد اجتمعت، وجاءت مسلحة لبث الرعب أو للهجوم ضد أي شخص يحاول الدفاع عن المسيح.

القديس أغسطينوس.

هؤلاء كثيرا ما أرسلوا للقبض عليه لكنهم لم يكونوا قادرين. لكن في هذه المرة واضح أنه سلم نفسه لهم بإرادته. كيف أغروا الكتيبة؟ لقد كانوا جنودا يفعلون أي شيء من أجل نوال مال.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

من هو الخروف الذي قلب نفسه ذئبًا، وبدأ يعض الراعي الصالح؟!

لماذا بالغش نسيت تلك الموهبة التي أعطاك إياها ربنا كما أعطى بطرس ويوحنا؟!

ارتعبوا أيها الحكماء من القبلات الغاشة، فإنه بواحدة منها عُلق ابن اللّه على خشبة.

القديس يعقوب السروجي.

“فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه،.

وقال لهم: من تطلبون؟ “(4).

واجه السيد المسيح الجموع الثائرة المسلحة بلطف ورقة سائلاً إياهم: “من تطلبون؟” بلا شك سبق أن رآه كثيرون من خدام الهيكل حين كان يذهب هناك، لكن خشية حدوث أي خطأ قام يهوذا بتقبيله، لأنه يعرفه أكثر منهم. وإذ رأوه لم يعرفوه ليؤكد لهم أن مصابيحهم لن تنفعهم شيئًا. وحين عرَّفهم ذاته لم يستطيعوا القبض عليه ليدركوا أن سيوفهم بلا قيمة ما لم يسلم نفسه إليهم.

هكذا لم ينتظر أن يعرف ذلك من مجيئهم بل تحدث وعمل بغير ارتباكٍ إذ هو عالم بكل شيء.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجابوه: يسوع الناصري.

قال لهم يسوع: أنا هو.

وكان يهوذا مسلمه أيضًا واقفًا معهم “. (5).

عندما أرادوا أن يقيموه ملكًا اختفى (يو ٦: ١٥)، وحينما أرادوا صلبه قدم نفسه لهم، فقد جاء إلى العالم لكي يحمل أثقالنا على الصليب. التقى بهم في هدوء وسكينة وكان يجيبهم بكل لطفٍ: “أنا هو”. وهو اسم الله الممجد وسط شعبه (خر ٣: ١٤). لقد وطأوا عليه كدودة لا إنسان (مز 22: 6)، ولم يدركوا أنه يهوه ذاته.

عندما سُئلوا عمن يطلبون أجابوا: “يسوع الناصري“. كل ما يعرفونه عنه أنه “يسوع الناصري“. ولعلهم استخدموا هذا اللقب للاستهانة به، أنه من الناصرة، وللتغطية على أنه المسيح المنتظر. حقًا لم يعرفوه، لأنهم لو عرفوا رب المجد لما صلبوه. لم يستغل السيد المسيح عدم معرفتهم له أو عماهم، كما فعل أليشع ضد قوات آرام (السريان) حيث قال لهم إنه هذا هو الطريق ليدخل بهم إلى المدينة. في نظر القديس يوحنا الإنجيلي تعثر اليهود في يسوع بسبب هويّته أنه “الناصري“.

تعثّر فيه نثنائيل في بداية خدمة السيد المسيح، إذ قال لفيلبس: “أمنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟” (يو 46: 1).

وحينما تحدّث مع الجماهير عن نفسه أنه الخبز السماوي قالوا: “أليس هذا هو يسوع الذي نحن عارفون بأبيه وأمه” (راجع يو 38: 6 – 42)، حيث يشيرون بهذا إلى يوسف الناصري.

وحين تدخّل نيقوديموس للدفاع عن السيد المسيح قال بعض المتشككين: “ألعلّ المسيح من الجليل يأتي؟… لم يقم نبي من الجليل” (يو 41: 7، 52). فتعثّروا فيه، لأنه من مدينة ناصرة الجليل.

للمرة الرابعة في البستان في سخرية قالت الجماهير إنها تطلب يسوع الناصري.

وأخيرًا للمرة الخامسة عندما كان يسوع ممددًا على الصليب كمجرمٍ محكومٍ عليه بالموت جاء عنوان علته: “يسوع الناصري ملك اليهود” (يو19: 19).

أرأيت قدرة السيد المسيح أن تحارب عنه، إذ كيف كان في وسطهم فأعمى عيونهم. والدليل على أن ظلام الليل لم يكن السبب في ذلك، هذا أوضحه البشير، إذ قال عن يهوذا: “وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح”. لو لم يكن معهم مشاعل لوجب أن يعرفوا السيد المسيح من صوته، فإن كان أولئك يجهلونه، فكيف يجهله يهوذا الملازم معه على الدوام، لأنه كان واقفًا معهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“فلما قال لهم اني أنا هو،.

رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض “. (6).

قال: “أنا هو”، وهو اسم الله المجيد (خر ٣: ١٤) الخاص بإعلان حضرته في وسط شعبه. تعبير أنا هو ego eimi، في اليونانية يدل على ثمة “ذات” مهيبة وغير مدركة تُزيح الستار عن نفسها، كما جاء في الاصحاح الثامن حين قال يسوع: “قبل أن يكون إبراهيم أنا هو ego eimi” (يو58: 8)، أو “أنا كائن” وليس “كنت”. وإذ قال إنه هو، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض، لا حول لهم ولا قوة، كمن هزهم رعد شديد أو صعقهم برق. كان يمكنه أن يأمر الأرض فتنشق وتبتلعهم كما حدث مع قورح وداثان وجماعتهما (عد 16: 49)، لكن عاد فسلم نفسه إليهم بعد أن قدم حماية لتلاميذه. بهذا أكد للكل أنه سلم نفسه للموت بكامل إرادته. أراد أن يدركوا ضعفهم لعلهم يتوبون، ولم يكن يعاقبهم على ما فعلوه، فإن العقاب أصعب من أن يحتملوه. هذا كله لم يحرك قلوبهم للتوبة، ولا نسبوا ما حدث لهم إلى قوة السيد المسيح، بل كملوا طريق شرهم بقلوب جاحدة حجرية.

لقد صنعت آية في اللحظات الأخيرة قبيل تسليم نفسه، ومع هذا لم تستجب قلوبهم، لأنهم لم يطلبوا الحق الإلهي، وإنما سلكوا حسب أهوائهم البشرية، وطلبوا ما هو للناس وليس ما هو لله. فالمعجزة لا تحرك القلب إلا إذا كان القلب حتى في عماه يشتهي أن يتعرف على النور، وأن يسلك فيه.

يقول القديس أغسطينوس إنه إن كان قد فعل ذلك عندما أُلقي القبض عليه ليُحاكم، فماذا يفعل عندما يأتي لكي يحاكم؟

رب المجد الذي استهان بالخزي واحتضن الآلام في الجسد لم يهجر حرية إرادته، إذ يقول: “انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو 2: 19). مرة أخرى: “ليس أحد يأخذ حياتي مني، بل أنا أضعها بنفسي”. “لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها” (راجع يو 10: 18). ولما اقترب منه المسلحون بالسيوف والعصي في ليلة آلامه، جعلهم يتراجعون إلى الوراء بقوله: “أنا هو” (يو 18: 6؛ خر 3: 14). مرة أخرى عندما طلب منه اللص وهو يموت أن يذكره، اظهر سلطانه الجامعي بقوله: “اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 24). حتى في لحظات آلامه لم يتخلَ عن سلطانه.

القديس غريغوريوس النيسي.

صوته وحده الناطق “أنا هو” بدون أسلحة ضرب الجمع الغفير وأثبطهم وأسقطهم أرضًا مع كل وحشية كراهيتهم ورعب أسلحتهم. فإن الله مخفي في الجسد البشري، واليوم كان (النور) الأبدي غامضًا هكذا في تلك الأذرع البشرية حتى أنهم بحثوا عنه بمشاعل ومصابيح ليقتلوه بالظلمة.

حقًا لقد بحثوا عنه في ثورتهم الجنونية للموت، لكنه هو أيضًا إذ سلم نفسه للموت كان يبحث عنهم. لهذا إذ أظهر سلطانه للذين لهم الإرادة (أن يقتلوه)، وليس السلطة أن يمسكوه. ليتهم الآن يمسكوه لكي يعمل بإرادته في الذين لم يعرفوها.

القديس أغسطينوس.

“فسألهم أيضًا: من تطلبون؟

فقالوا: يسوع الناصري “. (7).

إذ لم يهدف نحو معاقبتهم، بل نحو مراجعتهم لأنفسهم، أقامهم بعنايته، ولم يتركهم ساقطين أبديًا، لأنه لم يأت ليدين بل ليخلص. وإذ سقطوا لم يهنهم بكلمة جارحة، ولا أساء إليهم، بل كرر ذات السؤال، وقدموا ذات الإجابة. وهو بهذا يريد أن يثير ضمائرهم حتى يدركوا أنهم أخطأوا التصرف. وقد جاءت إجابتهم دون تغيير تكشف عن عنادهم وإصرارهم على الشر.

يا لغباوتهم! كلمة السيد المسيح ألقتهم مطروحين على ظهورهم، فلم يرتجعوا ولا على هذا الحال، وقد عرفوا قدرته، بل كرروا أقوالهم أيضًا نفسها.

إن كانوا لم يعرفوا أنه يسوع كيف كان ليهوذا أن يجهله، الذي كان معه على الدوام؟ فقد وقف معهم؛ ولم يعرفه بعد مثلهم، وسقط إلى الوراء معهم. وقد صنع يسوع ذلك ليظهر أنهم ليس فقط لم يستطيعوا أن يمسكوه، بل ولم يكن في استطاعتهم أن يروه بينما كان في وسطهم لو لم يعود فيهبهم سماحًا بذلك.

هل تبحث عن  الكاثوليكون من رساله يوحنا الثانية (1 : 1 - 8) يوم الاثنين

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو،.

فإن كنتم تطلبونني، فدعوا هؤلاء يذهبون “. (8).

أمر بترك تلاميذه يذهبون في طريقهم لأنهم لم يكونوا بعد قادرين على مشاركتهم آلامه بسبب ضعف إيمانهم، كما أنه أراد أن يجتاز المعصرة وحده، لأنه ليس من حق كائن ما أن يقدم خلاصًا للعالم سواه. هو وحده قادر أن يحتل مركزنا ليحمل آثامنا عنا، ويغفرها خلال ذبيحته الكفارية الفريدة. إنه تصرف سليم يطابق الأصول القضائية، إذ يسلم المتهم نفسه إلى العدالة ليُطلق سراح الذين لم يكونوا طرفًا في النزاع. بهذا أعطى فرصة لأحبائه ليتمتعوا بحمايته فيهربون، كما قدم فرصة للجموع المقاومة له أن تعيد التفكير وتقدم توبة إن أرادت.

سلم نفسه بإرادته ليكون سجينًا، ليس لأنه كان عاجزًا عن الهروب، وإنما لأنه لم يرد أن يهرب. وحين طلب منهم أن يتركوا تلاميذه يذهبون لم يتوسل إليهم، لأنهم كانوا في ضعفٍ شديدٍ، وإنما كان يأمرهم ليدركوا أنه صاحب سلطان، يهتم بخلاص تلاميذه كما يسلم نفسه من أجلهم ومن أجل المختارين. أظهر حنوه على خاصته حتى في أمر لحظات الألم، ترفق بضعف إيمانهم وقامتهم الروحية غير النامية، فإنه لم يحن بعد وقت شركتهم معه في آلامه، ولا نالوا قوة الروح القدس الذي يسندهم. إنه لا يدعنا نُجرب فوق ما نحتمل، يعرف كيف يسمح بالضيق قدر الإمكانيات الموهوبة لنا، والقامة التي بلغناها.

“ليتم القول الذي قاله،.

إن الذين اعطيتني لم أهلك منهم أحدًا “. (9).

قال السيد المسيح: “فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون”، موضحًا حنوه إلى الساعة الأخيرة، كأنه قال لهم: إن كنتم تحتاجون إليّ فلا يكون لكم مع هؤلاء تصرف، فها أنا بذلت لكم ذاتي.

بالهلاك هنا لا يعني الموت بل الهلاك الأبدي؛ وإن كان الإنجيلي في هذا الموضع عني أيضًا المعنى السابق (الموت) أيضًا. ربما يندهش أحد لماذا لم يلقوا القبض عليهم معه، ويقاطعونهم إربًا، خاصة عندما أثارهم بطرس بما فعله مع العبد. من إذًا الذي منعهم؟ ليس أحد سوى القوة التي دفعتهم إلى الوراء. هكذا لكي يظهر الإنجيلي أن هذا لم يحدث بمحض رغبتهم، بل بأمره (السيد) وقوته قد مُنعوا من ذلك، أضاف: “ليتم القول الذي قاله أن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا” (6).

القديس يوحنا الذهبي الفم.

ربما يتساءل البعض: لماذا ترك التلاميذ يهربون “ليتم القول الذي قال إن الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحدًا” (٩)، بينما سمح لمؤمنيه فيما بعد أن يحتملوا الاضطهاد والاستشهاد؟ لقد أراد لهم أن يهربوا، لأنهم لم يكونوا بعد قد قبلوا الروح القدس الذي يسندهم وسط الاضطهادات، فكان يمكنهم أن ينكروا السيد المسيح كما أنكره بطرس ثلاث مرات وقت محاكمة السيد، وبذلك يتعرض التلاميذ ليس للموت الجسدي، وإنما للهلاك الأبدي.

القديس أغسطينوس.

الأعداد 10-12

2. قطع أذن ملخس

“ثم أن سمعان بطرس كان معه سيف،.

فاستله، وضرب عبد رئيس الكهنة،.

فقطع أذنه اليمنى،.

وكان اسم العبد ملخس “. (10).

أخطأ سمعان بطرس إذ تصرف بما لا يليق به كتلميذٍ للسيد المسيح الذي دعا إلى عدم مقاومة السلطات (مت ٥: ٣٩)، وعدم مقاومة الشر بالشر. لقد كرر السيد المسيح عدة مرات أنه ينبغي أن يتألم ابن الإنسان، كما أعلن أن ساعته قد جاءت، ومع هذا فقد قاوم بطرس بالكلام كما بالعمل ليمنع الآلام. وبينما كان يظن أنه يدافع عن سيده إذا به يعمل ضد إرادته. لقد سمع منذ دقائق طلب السيد المسيح أن يتركوا تلاميذه يذهبون في طريقهم بسلامٍ، أما هو فعوض ذهابه أصر أن يقف ويضرب بالسيف. حينما رأى سمعان بطرس سقوط الجموع أمام السيد المسيح تشجع وأراد أن يدافع بالسيف، لكنه ما أن رأى السيد المسيح مقبوضًا عليه تحت المحاكمة سرعان ما أنكره ثلاث مرات.

اتسم بطرس بغيرته المتقدة مع تسرعه، ومع هذا فإن ما فعله هو أنه قطع الأذن اليمنى للعبد. والعجيب أنه لم يجسر أن يضرب يهوذا كخائنٍ لسيده وفي مقدمة العصابة، بل ضرب عبدًا. كانت نية بطرس صالحة، وهي الدفاع عن سيده، لكن هذه النية لن تبرر سوء تصرفه واستخدامه للسيف. كان يليق به أن ينتظر ما يأمر به سيده.

ربما كان بطرس يريد قتل عبد رئيس الكهنة، لكن الرب لم يسمح إلا بقطع أذنه لا ليبرز سلطانه في الشفاء وإعادة الأذن، وإنما ليعلن ترفقه حتى لمقاوميه. لم يسمح الله لبطرس أن يضرب رقبة العبد، لأنه ربما كان ذلك يثير الجند فيقتلون التلاميذ، ويُحاكم السيد المسيح كمثيرٍ للفتنة والقتل.

ذكر الإنجيليون الثلاثة الآخرون هذا الحدث دون الإشارة إلى اسم الرسول بطرس واسم العبد ملخس، ربما لأنهما كانا لا يزالا عائشين، أما القديس يوحنا فذكر الاسمين لأنهما كانا قد رقدا.

وثق بطرس الرسول في كلمات ربنا يسوع المسيح وآياته التي فعلها من قبل، فتدرع بسلاحٍ ضد الذين يهاجمونهم. فإن قلت: كيف امتلك بطرس الرسول سيفًا هذا الذي اُمر ألا يقتني ذهبًا ولا ثوبين (مت 10: 9، 10)؟ أجبتك: على ما يلوح لظني أن بطرس الرسول خشي هذا الحادث بعينه، فاستعد لذلك من قبل. وإن قلت: لقد أُمر ألا يلطم أحدًا (مت 5: 39)، كيف صار قاتلاً للناس؟ وأبلغ ما يُقال إنه أُمر ألا ينتقم. أجبتك: إنه حارب هنا ليس لذاته، لكن لمعلمه، ولم يكن التلاميذ كاملين.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

بمثل هذا الفعل طلب التلميذ الدفاع عن سيده دون أي تفكير فيما يحمله العمل من معنى. لذلك حثه أن يمارس الصبر، وسجل الحدث نفسه لكي نختبر فهمه…

تفسير “ملخس” هو “مُعين لكي يملك”. ماذا إذن يعني بالأذن التي قُطعت من أجل الرب وشفاها الرب إلا تجديد السمع الذي يقلَّم (يشذَّب) من عتقه لكي يتمتع بجدة الروح، وليس بعتق الحرف؟ من يستطيع أن ينكر أن الذي يفعل معه المسيح هكذا لا يُعين أن يملك معه؟ لقد وُجد كعبدٍ محتاج إلى العتق من للعبودية… ليتمتع بالشفاء والحرية.

القديس أغسطينوس.

“فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد.

الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ “(11).

لم يضّخم السيد المسيح من الموقف بل في حنوٍ ورقةٍ وبخ تلميذه الحسن النية، وقام بشفاء العبد. بلطف وبخه، حتى لا يستخدم السيف المادي، بل سيف كلمة الله القادر على النصرة. اتهمه السيد المسيح بأنه مقاوم لإرادة الآب الذي أعطى الابن الكلمة المتجسد الكأس ليشربها، وإن كانت تبدو مرة للغاية.

لقد صمم السيد المسيح أن يشرب الكأس بسببنا، كأس الألم حتى الموت موت الصليب، لكي يقدم لنا كأس الخلاص، كأس البركة الإلهية والتعزيات السماوية. أراد أن يشرب الكأس في طاعة لأبيه محب البشر الذي يعلم شوق ابنه الوحيد لخلاص البشر. ونحن أيضًا إذ نتقبل من يدي الله كأس الآلام نذكر أنها كرامة عظيمة لنا أن نشارك الابن الوحيد الجنس آلامه وصلبه وكأسه؛ نتقبلها من يد الآب الذي يحبنا ويرعانا، وبحكمته يعلم قدر احتمالنا وما فيه نفعنا. إنه أب حكيم قدير لن يخطئ التقدير قط!

بالحب والطاعة شرب السيد كأس الألم ثمرة خطايانا لنشرب نحن كأس الخلاص المفرح، واهب البركة والتعزية. يليق بنا نحن أيضًا أن نشارك مسيحنا شرب الكأس التي نتسلمها من الآب بفرحٍ ومسرةٍ. إنها مجرد كأس صغير، وليست نهرًا ولا بحرًا؛ ليست جحيمًا، بل نيرًا هينًا إلى لحظات. آلامنا مع المسيح هي كأس تُقدم لنا كهبةٍ إلهية، يقدمها لنا الأب خلال أبوته الحانية لمجدنا لا لضياعنا.

يشير الكأس إلى نصيب الإنسان من الحياة سواء كان من الأفراح أو الأتعاب، هنا يشير إلى آلام المسيح النهائية التي قبلها مسرة من يد الآب لأجلنا.

1. قال السيد المسيح لبطرس الرسول “الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟”، موضحًا أن الحادث لم يكن من اقتدار أولئك، لكنه من سلطانه، وأظهر أنه ليس مخالفًا لله، لكنه مطيع لأبيه إلى الموت.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

أصل هذا الكأس هو هذا الذي مع (المسيح) وقد شربه، إذ يقول الرسول: “أحبنا المسيح، وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة” (أف ٥: ٢).

القديس أغسطينوس.

“ثم أن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه”. (12).

حنو السيد المسيح على ملخس وشفاء أذنه لم يؤثر على ثورة الجمع المحتشد ضده.

انفرد هذا الإنجيلي بذكر أنهم إذ قبضوا عليه أوثقوه. أوثقوه كمن نالوا نصرة عليه، ولعلهم خشوا أن يصنع معجزة فيفلت من أيديهم، لذلك أحكموا الوثق جدًا. يُقال أنه إذ سلم نفسه أرادوا ضمان السيطرة عليه فقيدوه بعنفٍ شديدٍ، حتى كان الدم يخرج من أطراف أصابعه. أوثقوا يديه خلفه، ووضعوا قيودًا حديدية في رقبته، وصاروا يجرونه. بدأت سلسلة العذابات والإهانات بكل وسيلة ممكنة. كان العبيد وحدهم هم الذين يوثقون قبل إثبات دينونتهم. لقد قبضوا على يسوع وأوثقوه ليس عن ضعف أو عجز، ولا عن عدم قدرة للهروب، ولكن لأنه كان يريد خلاصنا بالصليب. ما كان يمكنهم أن يوثقوه لو لم يوثق نفسه بقرون المذبح بحبال الحب الفائق، كحملٍ ليُقدم ذبيحة عن العالم. لم يدركوا انه قد رُبط عوضًا عنا نحن الذين تربطنا حبال آثامنا (أم ٥: ٢٢) ونير العصيان (مراثي ١: ١٤)، فإن الشر هو رباطات النفس التي تسحبنا أمام قضاء الله. الفساد هو رباط النفس الذي يقودنا إلى مملكة إبليس. وإذ صار مسيحنا خطية من أجلنا قبل أن يُربط بالحبال لكي يحررنا من قيودنا. صار تحت القيود لننعم نحن بالحرية.

إذ قبل القيود خلال محبته صارت لنا كرامة الشركة معه أن نُقيد بالطاعة والحب لله. نفتخر بقيود الحب فنقول مع الرسول: “اذكروا قيودي” (١ كو ٤: ١٨)، بكونها شركة قيود مع المسيح. قيوده حولت القيود من علامة العبودية والشر إلى علامة شركة الحب، فلا عجب إن تهلل بولس وسيلا في قيودهما ليسبحا الله في منتصف الليل داخل السجن، ويحسبها القديس أغناطيوس الأنطاكي لآلئ روحية ثمينة.

القائد Chiliarches هنا هو قائد الألف، ربما كان قائد جند الهيكل أو الحاكم الروماني المسئول عن أمن الهيكل وحراسته.

لقد تحققت النبوات فقد أحاطت به الثيران (مز ٢٢: ١٢)، أحاطت حوله كالنحل (مز ١١٨: ١٢). وتحققت الرموز، فقد رُبط اسحق لتقديمه محرقة، ورُبط يوسف لكي تجتاز القيود نفسه، ويدخل السجن ظلمًا، ورُبط شمشون ليقتله الفلسطينيون، وقال عنه إشعياء النبي: “من الضغطة ومن الدينونة أُخذ” (إش ٥٣: ٨).

الأعداد 13-14

3. أمام حنان

في الاستعمار الروماني كان ما يشغل روما الجزية التي تقدم للإمبراطور، والسلطة العسكرية لضمان قوة الإمبراطورية وسلطانها، لهذا لم تُلزم المستعمرات بتغيير اللغة والثقافة والدين وممارسة الشئون الداخلية. فكانوا يتركون المستعمرات تمارس المحاكمات المدنية والجنائية حسب تقاليدها، مع حق الحاكم الروماني في التغيير إن استوجب الأمر. كما كان للحاكم أن يقضي في الشئون التي تمس سلام الدولة، خاصة أن أثار أحد شغبًا عامًا، أو فتنة ضد الدولة الرومانية، لهذا كانت محاكمة يسوع المسيح أمام رؤساء الكهنة وفي مجمع السنهدرين أمرًا طبيعيًا، أما إن صدر الحكم بالقتل، فكان يلزم تثبيت الحكم بواسطة الحاكم الروماني.

لقد خشيت القيادات الدينية أن يرفض الحاكم الروماني قتل يسوع المسيح لسببٍ دينيٍ، لذلك قدمت الشكاية من جانبين: ديني كمجدفٍ، وجنائي كمثير فتنة ضد الدولة الرومانية.

“ومضوا به إلى حنان أولاً،.

لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة “. (13).

حنان: اسم عبري، اختصار حنانيا، معناه “يهوه قد أنعم”، رئيس كهنة في أورشليم.

قيافا: اسم آرامي، ربما كان معناه “صخرة” وقد كان رئيس كهنة لليهود، إذ لم تعد وظيفة رئيس الكهنة مدى الحياة كما كانت سابقًا.

كان من المتوقع أن يُلقى في السجن حتى الصباح لمحاكمته، لكن قوات الشر كانت تخشاه، فأسرعت بإجراءات المحاكمة الدينية ليلاً، وبقيت تعمل حتى الصباح. كانوا في ظمأ نحو دم المسيح، كفريسة سقطت بين أيديهم. انطلق الموكب ليلاً أولاً من جبل الزيتون في أورشليم إلى منزل حنان حمى قيافا رئيس الكهنة في تلك السنة، ربما لأن منزله كان في الطريق، ولعلهم أرادوا أن ينالوا فتواه كرئيس كهنة سابق مختبر وشيخ، وهم يعلمون أنه مع شيخوخته متعطش إلى سفك دم يسوع المسيح، فلا يُحسب ذهابهم في منتصف الليل إزعاجًا له بل تكريمًا. هذا ولعلهم ذهبوا لنوال الأجرة، فقد حققوا خطته، وتمموا نصيحته: “أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب” (١٤).

قادوه إلى سادتهم، وكان الوقت في منتصف الليل. بناء على توجيهات قيافا انطلق الموكب إلى حنان أولاً، لكي يثبت حكمه دينيًا أمام الشعب بأنه لا خلاف قط بين كل القيادات الدينية على الخلاص من يسوع. ذهبوا به لإقامة جلسة غير رسمية مخصصة لجمع الأدلة على الاتهامات الموجهة ضد يسوع. أما الجلسة الرسمية فكانت في الصباح أمام رئيس الكهنة قيافا الذي تولّى الرئاسة. لم يكن متوقعًا أن يحضر حنان محاكمته الدينية أمام مجمع السنهدرين في الصباح المبكر جدًا، وكرئيس كهنة قدمت له الذبيحة لفحصها أنها بلا لوم! هذا وإحضاره لحنان حما قيافا يعطي الأخير سندًا لمحاكمته يسوع المسيح مستندًا عل قرار حماه.

كان لحنان سلطانه القوي وسط أمته، لأنه عاش كرئيس كهنة لمدة طويلة. ولأنه على الأقل خمسة من أبنائه تولوا رئاسة الكهنوت بالتتابع، وفي تلك السنة تسلم زوج ابنته رئاسة الكهنوت.

لم يجد حنان حاجة إلى تأخير الذبيحة بل بعث بها فورًا إلى زوج ابنته قيافا حيث جمع أعضاء السنهدرين في بيته، وربما في المكان المخصص لهم في الهيكل، لإصدار الحكم فورًا دون تأجيل. فالأمر في أذهانهم لا يحتاج إلى فحص ومداولات. كان حكم قيافا مقدمًا بأنه لصالح الشعب كله أن شخصًا واحدًا يموت، سواء كان بحقٍ أو ظلمٍ، كان بريئًا أو مذنبًا. فإن الصالح العام يقتضي هذا.

فإن قلت: ولِمَ جاءوا بالسيد المسيح إلى حنان؟ أجبتك: بسبب رغبتهم في القبض عليه، شهروا بما فعلوه، وحالهم حال قوم قد نالوا انتصارًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

مضوا به إلى أولئك الذين لم يجدوا قط إمكانية الدنو إليه. لأنه استمر في كونه النهار (المضيء) بينما بقوا هم كظلمة. إنهم لم يبالوا بالكلمات: “تعالوا إليه واستنيروا” (مز ٣٤: ٥). لو أنهم اقتربوا إليه لاقتنوه، لا بأياديهم لقتله، بل بقلوبهم للترحيب به. على أي الأحوال إذ أمسكوا به بهذه الطريقة ازدادت الهوة جدًا بينهم وبينه. لقد أوثقوا ذاك الذي كان يلزم أن يحلهم.

القديس أغسطينوس.

“وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود،.

أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب “. (14).

لماذا يذكرنا الإنجيلي بهذه النبوة؟ إنه يعلن أن هذه الأمور قد تمت لأجل خلاصنا. هكذا هي قوة الحق المتزايدة، فإنه حتى الأعداء يعلنون الأمور مقدمًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

الأعداد 15-18

4. إنكار بطرس

“وكان سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع،.

وكان ذلك التلميذ معروفًا عند رئيس الكهنة،.

فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة “. (15).

لقد هرب بطرس أولاً مع بقية التلاميذ، لكنه عاد يتبع المسيح من بعيد ومعه الإنجيلي يوحنا. يرى القديس جيروم أن يوحنا تبع السيد المسيح حتى الصليب لأنه كان معروفًا لدى رئيس الكهنة كإنسانٍ له مركزه، من عائلة لها سمعتها وتقديرها. والبعض يرى أنه كان يبيع السمك لبيت رئيس الكهنة أو لخدمه، لهذا تركوه يتبعه حتى لحظات الصليب.

وإن سألت: لِمَ لم يذكر اسمه؟… لأنه ذكر هنا فضيلة عظمى لم يحكمها، لأن تلاميذه فروا هاربين، وهو لحقه، لهذا السبب أخفى نفسه، وقدم بطرس الرسول عن نفسه. وحتى لا يُقال كيف لما انصرف التلاميذ كلهم دخل هذا التلميذ إلى دار رئيس الكهنة؟! ذكر أنه “كان ذلك التلميذ معروفًا عند رئيس الكهنة”، حتى لا يتعجب أحد أنه لحقه، ولا يصفه بالشجاعة.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“وأما بطرس فكان واقفًا عند الباب خارجًا،.

فخرج التلميذ الأخر الذي كان معروفًا عند رئيس الكهنة،.

وكلم البوابة فأدخل بطرس “. (16).

مجيئه إلى هناك كان من شوقه، ووقوفه دون أن يدخل إلى داخل كان من ارتياعه وخوفه.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“فقالت الجارية البوابة لبطرس:

ألست أنت أيضًا من تلاميذ هذا الإنسان؟

قال ذاك: لست أنا “. (17).

ربما كان لبطرس شيئًا من العذر لو أن الذي تحدث معه هو ملخس عبد رئيس الكهنة وقال: “أنت الذي قطعت أذني فسأقطع رأسك”. لكن تحدثت معه الجارية البوابة، وكان يليق به في شجاعة أن يعتز بأنه تلميذ هذا الإنسان أو على الأقل خلال الحكمة البشرية يصمت، لكنه أنكر بالرغم من تحذير الرب له أنه سينكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك.

يرىCalzarius أن اسم الجارية Ballila، ويلاحظ أنه كان من الشائع في أغلب الأمم القديمة أن يقوم بهذا العمل سيدة “بوابة”، غـالبًا ما كانت هذه السيدة عجوز (2 صم ٤: ٦).

ماذا تقول يا بطرس؟ ألم تعلن: “إن لزم الأمر أن أضع نفسي من أجلك إني أضعها”؟ ماذا حدث إذن حتى أنك لم تقدر حتى أن تحتمل تساؤل جارية؟

هل سألك جندي؟

هل هو أحد الذين قبضوا عليه؟

لا بل جارية بسيطة في مذلة، ولم يصدر التساؤل من جنس عنيف.

إنها لم تقل: “ألست أنت تلميذ ذاك المخادع المفسد؟، بل قالت:” هذا الإنسان “، وهو تعبير يحتمل نوعًا من الشفقة عليه واللين. لكن بطرس لم يقدر أن يحتمل أية كلمة في هذا الأمر… لقد تحدثت بلطفٍ، لكن بطرس لم يدرك هذا، ولا حسب الأمر هكذا في ذهنه.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“وكان العبيد والخدام واقفين، وهم قد أضرموا جمرًا،.

لأنه كان برد. وكانوا يصطلون، وكان بطرس واقفًا معهم يصطلي “. (18).

اصطحب العبيد والخدام الواقفين حول النار ربما لكي لا يشك أحد في أمره كتلميذٍ ليسوع، ويظنوه واحدًا منهم. اصطحب الأشرار ليستدفئ معهم، ولم يدرك أنه بهذا يلهب نار التجربة ضده فيحترق، لولا غنى نعمة الله التي انتشلته.

وسط هذا الجو الرهيب من الكراهية وجّه الإنجيلي يوحنا أنظارنا نحو الجحود الثلاثي الذي سبق فكشف عنه ربنا يسوع لتلميذه بطرس الذي مارس هذا الجحود.

أضرم العبيد والخدام نارًا، لأنه كان برد. لم تشغلهم محاكمة يسوع المسيح، بل كان يشغلهم الدفء من برد الجو. وكما قيل: “الشاربون من كؤوس الخمر والذين يُدهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف” (عا ٦: ٦). لعل هؤلاء كانوا خدام رئيس الكهنة ومعهم الجند الرومان الذين قاموا بدورهم العنيف في القبض على يسوع واقتياده إلى حنان ثم إلى بيت قيافا، وعندئذ سُمح لهم بالانصراف عن مجلس المحاكمة. أما رئيس الكهنة ومن معه، فكانت غيرتهم لقتل يسوع قد أنستهم البرد.

كان يليق ببطرس أن يهرب من صحبة الأشرار مرددًا قول المرتل: “لا تمل قلبي إلى أمرٍ رديء لأتعلل بعلل الشر مع أناسٍ فاعلي إثم، ولا آكل مع نفائسهم” (مز ١٤١: ٤). لكنه وقف يستدفئ مع العبيد والخدام عوض مرافقة السيد المسيح في محاكمته لعله يطلب شهادته. لقد تجمدت غيرة بطرس من البرد الداخلي ووقف يستدفئ مع مقاومي الحق، فعرض نفسه لخطر جحوده لسيده.

يقول الإنجيلي يوحنا: “لأنه كان برد”. إن وضعنا في اعتبارنا الموسم، ربما لم يكن ممكنًا أن يكون الجو باردًا، لكن يكون برد عندما لا يُعرف المسيح، عندما لا يوجد من يرى النور، عندما تُجحد النار الآكلة.

وقف بطرس بجوار كانون الجمر، إذ شعر أنه يتجمد.

الشر ذو لهيب يهودي، يحرق ولا يقدم دفئًا.

الشر هو الموقد الذي يلهب ظلام الخطأ حتى في أذهان القديسين، فقد أظلمت عينا بطرس الداخلتين.

القديس أمبروسيوس.

الأعداد 19-24

5. حوار مع رئيس الكهنة

“فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه”. (19).

ربما سأله رئيس الكهنة بأي سلطان يقيم له تلاميذ، ويشكّل جماعة دينية تكرز بتعاليم جديدة، ويجعل من نفسه مصلحًا عامًا. سأله عن تلاميذه لكي يثبت الاتهام المدني أنه مثير للشغب ضد الدولة، وأنه خطر على الحكام الرومان، له تلاميذ يقاومون السلطات. كما سأله عن تعليمه لكي يؤكد الاتهام الديني أنه مجدف ونبي كاذب، يعمل ضد الناموس خاصة بأمن الكنيسة اليهودية. لتثبيت ضرورة قتله أثار الجانبين: الجانب السياسي والجانب ديني وكلا الاتهامين عقوبتهما الموت! أراد أن يُسقط السيد المسيح تحت جناية.

لم يسأله عن أعمال محبته ومعجزاته، لأنه لم يكن قادرًا على إنكارها كأعمال إلهية، وهو يعلم أن هذا قد يثير أذهان الحاضرين لإعادة التفكير في أمره بسبب أعماله الفائقة.

إذ كان قيافا قد أراد أن ينصب الشباك لتلاميذ يسوع كمسببي شغبًا، صمت السيد المسيح من أجل حنوه عليهم، وبعدم الإجابة بخصوصهم أخرجهم من هذه الشباك. فقد جاء السيد المسيح لخلاصهم وتقديسهم، لذلك صمت من جهتهم لخلاصهم من أيدي المقاومين. هذا وإذ يدافع عن تعاليمه لا يوجد مجال لاتهام التلاميذ الذين يمارسون ما يسمعونه من تعاليم.

يا لخبث رئيس الكهنة، لقد سمع السيد المسيح في الهيكل يخاطب الشعب باستمرار، معلمًا إياهم بمجاهرة، فأراد الآن أن يعرف… مريدًا أن يطعن في السيد المسيح.

هل تبحث عن  بصوتي إلى الرب أصرخ

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجابه يسوع:

أنا كلمت العالم علانية.

أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل،.

حيث يجتمع اليهود دائمًا،.

وفي الخفاء لم أتكلم بشيء “. (20).

بخصوص الاتهام الثاني طلب شهادة الجموع أنفسهم لأنه كان يتحدث علانية، لكل من له أذن للسمع لكي يسمع، أي لكل من يرغب في الاستماع إلى الحق، سواء كان من الطبقات العليا أو الدنيا، من المتعلمين أو الأميين، من اليهود أو الأمم، يحمل صداقة أو عداوة.

إنه كالشمس التي تلقي بأشعتها في كل موضع. كان يتحدث علانية في الهيكل كما على الجبل وعلى الشواطئ. يتحدث في الأعياد والسبوت وكلما حان وقت مناسب للكلمة. إنه الحكمة التي تنادي في كل موضع لعل أحد ما يميل إليها (أم ٨: ٣؛ ٩: ٣). استخدم السيد المسيح كلمة “علانية”، وهي تحمل أيضًا معنى “الجرأة”، فإنه لم يعلم في زاوية خفية كمن هو خائف أو كمن يطلب ود إنسانٍ ما. هو معلم الجميع، يطلب بنيان الكل.

بقوله “خفية” لا ينفي لقاءاته الشخصية مع أفراد أو مع تلاميذه وحدهم. لقاءاته الشخصية لم يحسبها أحاديث خفية، بل هي كتاب مفتوح أمام الجميع، لأن ما ينطق به مع أحدٍ على انفراد يتناغم مع تعليمه العام. فما تحدث به مع السامرية أعلنته لأهل المدينة، فجاءوا إليه يحدثهم بذات التعليم. وقد أعلن السيد نفسه أن ما يُقال في المخادع يُعلن في السطوح (مت ٣٠: ١١). هكذا يليق بالمؤمن أن يقتدي بسيده في هذا الأمر (رو ١٠: ٦).

يؤكد السيد المسيح أن وصيته ليست مخفية. وكما جاء في سفر التثنية: “إن هذه الوصية التي أوصيك بها اليوم ليست عسرة عليك، ولا بعيدة منك” (تث ٣٠: ١١). ويقول العلامة ترتليان: [لا يخشى الحق شيئا سوى إخفاءه]. كأنه يقول: لماذا تسألني؟ اسأل الخدام الذين أرسلتهم أنت ومن معك من رؤساء الكهنة والفريسيين، فقد سبقوا فقدموا لكم عني تقريرًا: “لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان” (يو ٧: ٤٦). ولعله كان بعضهم من الذين جاءوا للقبض عليه، وحضروا محاكمته الدينية، لكنهم صمتوا عن الحق الذي سبق أن شهدوا عنه.

واضح أن كلمة “العالم” تشير إلى العالم اليهودي، لأن السيد المسيح تحدث معهم علانية، أما مع الأمم فالتقى على مستوى فردي مع أشخاص معينين أرادوا الحديث معه أو التمتع بأعمال محبته.

لم يقم السيد المسيح مدرسة سرية، بل كانت أحاديثه عامة وصريحة. وأنه لم يقف هو أو تلاميذه موقف المثيرين ضد المجتمع أو الدولة.

كان القاضي هو نفسه المُدعي مقدم الاتهام، والمتهم نفسه هو المحامي عن نفسه والشاهد.

ما هذا؟ ألم يتكلم قط في الخفاء؟ حقًا قد تكلم، ولكن ليس كما كانوا يظنون أنه تكلم عن خوف أو ليسبب منازعات، ولكن في كل وقت كانت منطوقاته عالية جدًا عن مسامع الكثيرين.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أنا كلمت العالم علانية”) ٢٠ (. إنه تكلم علانية إذ سمعه كثيرون؛ مرة أخرى لم يكن ذلك علانية لأنهم لم يفهموا حتى ما تكلم به مع تلاميذه وحدهم، بالتأكيد تكلم معهم خفية… لكنه أراد أن يُعرف ذلك لكثيرين بواسطتهم، إذ قال للقلة القليلة في ذلك الحين: “الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح” (مت ١٠: ٢٧). بهذا فإنه حتى ما يبدو أنه قاله لهم خفية كان بمعنى ألا يكون في خفية، إذ لم يقل هذا ليبقى السامعون لا ينطقون به، بل بالأحرى يكرزون بكل طريقة ممكنة. هكذا يمكن أن ينطق بالشيء علنًا وليس علنًا في نفس الوقت.

القديس أغسطينوس.

“لماذا تسألني أنا؟

إسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم.

هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا “. (21).

طلب شهادة من سمعوه ليس من تلاميذه أو أحبائه ليدافعوا عنه، وإنما شهادة خدام الهيكل والشعب الذي استمع إليه. فقد قالوا: “لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان (يو ٧: ٤٦). هذه هي شهادة الخدام أمام رؤساء الكهنة والفريسيين.

جاءت إجابة ربنا يسوع لرئيس الكهنة تحمل اتهامًا ضمنيًا ضد رئيس الكهنة أن إجراءات المحكمة خاطئة، وأنه يتربص على خطأ غير موجود، وأن المحاكمة ملفقة ومخادعة. لهذا صفـعه أحد الخدّام مدافعًا عن كرامة رئيس الكهنة حسب زعمه (22).

هذه ليست أقوال متكبرٍ، لكنها أقوال الواثق بحقيقة ما قاله. وكأن السيد المسيح قال لرئيس الكهنة: أتسألني عن تلاميذى؟ اسأل أعدائي المتآمرين عليّ، الذين ربطوني… لأن هذا هو برهان للصدق الخالي من الشك والارتياب، أن يستدعي أحد أعداءه شهودًا لما قاله، فقد كان يجب على رئيس الكهنة أن يفعل هكذا، لكنه لم يعمل.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفا قائلاً:

أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟ “(22).

يرى البعض أن الكلمة هنا تعني ليس لطمة بيده بل بالعصا الخاصة بعسكر الهيكل، ضربه بها على وجهه. وهي ذات الكلمة التي استخدمت في ميخا ٥: ١ “يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده”، وفي أيوب ١٦: ١٠ “لطموني على خدي تعييرًا”.

لم تحمل كلمات السيد المسيح جفاء أو قسوة بل شفقته تستشفّ من الكلمات. تحدث بوداعة ورقة مع شجاعة، دون أية إهانة لرئيس الكهنة، لكن إذ كانت كلماته مقنعة وتجيب على اتهام الكهنة لهذا عبّر الخادم عما في قلب رئيس الكهنة وما يود أن يفعله. لم يدرِ هذا الخادم أن بفعله هذا أعلن شخص المسيا الذي تنبأ عنه الأنبياء: “بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق” (إش ٥٠: ٦). “يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده” (مي ٥: ١). “فغروا عليّ أفواههم،” لطموني على فكي تعييرًا، تعاونوا علىّ جميعًا “(أي ١٦: ١٠).

يعتقد البعض أن هذا الخادم هو ملخس الذي شفى السيد المسيح أذنه، فردَّ عمل الحب الإلهي بالجحود والعنف. ولعله كان أحد الخدام الذين شهدوا للسيد المسيح أمام رئيس الكهنة والفريسيين (يو ٧: ٤٦) فخشي أن يطلبه يسوع شاهدًا على كلماته وتعاليمه، أو لأن السيد شفاه خشي أن يُتهم بأنه صديق ليسوع على حساب الهيكل وولائه لرئيس الكهنة وللشعب، لذلك أظهر نوعًا من العداوة.

ارتعبي أيتها السماء، وتزعزعي أيتها الأرض من أجل حلم الرب وطول أناته ولقلة تحفظ عبيده. ماذا قال (السيد)؟ إنه لم يقل: “لماذا تسألني؟ كمن يرفض أن يتكلم معه، إنما أراد أن ينزع كل ستار عن سلوك أحمق، بل يكون فوق هذه اللطمة مع أنه قادر أن يحطمها ويزيلها، وينزع كل شيء، لكنه لم يفعل شيئًا من هذا، بل نطق بكلمات يمكن أن تهدئ من كل وحشية.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجابه يسوع:

إن كنت قد تكلمت رديًا فأشهد على الردي،.

وإن حسنًا فلماذا تضربني؟ “(23).

بإجابته على ضاربه أعطى المؤمنين حق الدفاع عن أنفسهم لا الانتقام لأنفسهم، مع الالتزام أن يكون الدفاع داخل دائرة الحب والحق والوداعة. فالسيد المسيح احتمل الضرب والإهانة ولم يهدد.

كان يمكن للسيد المسيح أن يجيب هذا الخادم بعملٍ معجزي كتيبيس يده أو بشق الأرض لتبتلعه الخ. لكن أجابه في وداعة وحكمة، دون أن يقدم له الخد الآخر كما أوصى في موعظته على الجبل (مت ٥: ٣٩). بهذا علم الجميع أنه يوجد من يحول الخد الآخر جسمانيًا لكن قلبه يحمل كراهية لمن يضربه، أما السيد المسيح فقد حوَّل كل جسمه ليُصلب بالحب حتى من أجل ضاربه. فالتحول يلزم أن يكون في الداخل.

ينقصنا صبر مخلصنا الذي أُقتيد كحملٍ للذبح ولم يفتح فاه، بل برحمةٍ قال لضاربه: “إن كنتُ قد تكلمتُ رديًّا فاشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني؟

القديس جيروم.

لم يجب الرب رئيس الكهنة باستخفاف، ولم يحط من قدره نهائيًا من كرامته ككاهن، إنما أكد بالأحرى براءته.

الشهيد كبريانوس.

أظهر هنا بالأحرى ما يجب إظهاره، وهو أن هذه الوصايا العظمى التي له (كتحويل الخد الآخر للاطمين) تتم لا بتباهٍ جسدي بل بإعداد القلب. فإنه يمكن حتى الإنسان الغضوب أن يحول خده الآخر ظاهريًا.

القديس أغسطينوس.

“وكان حنان قد أرسله موثقًا إلى قيافا رئيس الكهنة”. (24).

واضح أنه قد حُلت وثق السيد المسيح أثناء محاكمته أمام حنان لفحصه، والآن قد أوثق مرة أخرى، وإن كان البعض يرى أن العبارة تحتمل أنه كان موثقًا حتى في لحظات محاكمته، وأرسل كما كان الحال عليه موثقًا إلى قيافا.

لم يشغل القديس يوحنا الإنجيلي عرض الأحداث بترتيب زمني. فما ورد هنا يأتي بعد الآية ١٣ مباشرة من جهة الترتيب الزمني.

الأعداد 25-27

6. إنكار بطرس مرتين

“وسمعان بطرس كان واقفًا يصطلي،.

فقالوا له:

ألست أنت أيضًا من تلاميذه؟

فأنكر ذاك، وقال لست أنا “. (25).

ربما سمع بطرس أن رئيس الكهنة سأل السيد المسيح عن تلاميذه (١٩)، فخشي أن يُقبض عليه أو يتعرض لضربات مثل سيده، لذلك أنكر أنه من تلاميذه. لقد ألقى بنفسه في التجربة للمرة الثانية، إذ وقف بين الخدام يصطلي. أراد أن يستدفئ بنار الأشرار، فحمل برودة من جهة الحياة الصالحة. كان يليق به أن يستدفئ بنار محبة المسيح التي لا تقدر مياه كثيرة أن تطفئها (نش ٨: ٦ – ٧).

يروي لنا القديس يوحنا الإنجيلي قصة مؤلمة تُعد بين آلام السيد المسيح، لا تقل عن آلامه الجسمانية وهي إنكار بطرس له ثلاث مرات.

الإنكار الأول: كان خارجًا أو تحت في قاعة دار قيافا. لم يكن يسوع في علية الدار أمام رئيس الكهنة. أنكر بطرس أمام البوابة الجارية وهو واقف يصطلي مع الخدام (١٦، ١٨).

الإنكار الثاني: بعد الإنكار الأول بفترة وجيزة (لو ٢٢: ٥٨). حتمًا انسحب من الموقع إلى مدخل القاعة يستدفئ بعد إنكاره الأول (مت ٢٦: ٧١) كان ذلك وقت الصياح الأول للديك بعد منتصف الليل مباشرةً. لكن تبعته الجارية وبعض من معها، خاصة وأن الاتصال بين الموضعين مباشر. هناك اتهمه رجل ربما بإثارة الجارية له. إذ أثارت المرأة الموقف غالبًا ما انهارت التساؤلات من كثيرين ليتعرفوا على حقيقة أمره. فلا يفهم من تساؤل الرجل عن شخص سمعان بطرس أن الباقين وقفوا صامتين، فإن الموقف كان يهز المدينة كلها، ولا شك حدث صخب مع تساؤلات كثيرة من كثيرين.

الإنكار الثالث: داخل القاعة على مرأى من يسوع، وإن كان عن بعد. بعد حوالي ساعة من الإنكار الأول وجه الحاضرون الاتهام الثالث ضده أنه جليلي (لو ٢٢: ٥٩)، مع تأكيد أنه من تلاميذه، وقد أورد القديس يوحنا أن أحد أقرباء ملخس قد دعم الاتهام (٢٦). كان الإنكار هذه المرة حارًا، هنا صاح الديك للمرة الثانية.

سقط بطرس في سلسلة من الأخطاء والخطايا، كل خطية تدفع به إلى أخرى حتى بلغ إلى ما لم يكن يتوقع حدوثه قط. بدأ بطرس بثقته في نفسه أنه مستعد أن يموت مع معلمه، خلال هذا الاعتزاز البشري الصادر عن ذات معتدة بنفسها اهتم بنفسه فانطلق يستدفئ بنارٍ في وسط صحبة الأشرار، ومع كل سقوط في الإنكار عن ضعف بشري يتلقفه إنكار أشد وأمرّ، بالرغم من تحذيرات السيد له. ومع الصياح الأول للديك، العلامة التي قدمها له السيد، لم يرجع عما هو فيه. كان بطرس في حاجة إلى نظرة المسيح إليه لتبعث فيه روح التوبة المملوءة رجاءً.

يا للعجب من بطرس الحار في الشوق، الثابت فيه، كم استحوذ عليه السهو، بعد أن أوثقوا السيد المسيح ومضوا به، لم يتحرك، لكنه لبث يستدفئ أيضًا، ثم لما سُئل أنكر أيضًا، لكي تعرف ما هو مبلغ ضعف طبيعتنا (لو 22: 62).

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“قال واحد من عبيد رئيس الكهنة،.

وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه:

أما رأيتك أنا معه في البستان؟ “(26).

حاول بطرس أن يخفي شخصيته كتلميذٍ للمسيح، ولم يعلم أنه ليس خفي إلا ويظهر. يوجد مثل شائع جاء فيه أنه ربما عصفور طائر في الهواء يخبر بما نخفيه كذبًا.

لماذا كتب الإنجيليون في اتفاق بخصوصه؟ ليس لاتهام التلميذ، وإنما من أجل تعليمنا أي شر عظيم ألا نترك كل الأمور في يد الله، بل نعتمد على أنفسنا. لكن لا تندهشوا من رعاية سيده المترفقة، فقد سبق ففكر في تلميذه، لكي يرفع بطرس حينما يسقط، وذلك بتطلعه إليه فيسبح به في بحر الدموع.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“فأنكر بطرس أيضًا،.

وللوقت صاح الديك “. (27).

انظروا، فقد تحققت نبوة الطبيب، وجاءت وقاحة المريض إلى النور.

القديس أغسطينوس.

الأعداد 28-32

7. في دار الولاية

“ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية،.

وكان صبح،.

ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية،.

لكي لا يتنجسوا،.

فيأكلون الفصح “. (28).

لماذا قُدم لبيلاطس الوالي لمحاكمته؟

1. لكي يصدر الحكم بموته بطريقه شرعية حسب دستور البلد كمستعمرة رومانية.

2. لو لم يقدم للمحاكمة الرسمية لتحول الأمر إلى شغب ولم يكن يًصلب، إذ هذا من حق الوالي وحده، وإنما لرجمه المشاغبون ولم تتحقق النبوات.

3. ربما خشيت القيادات اليهودية الدينية من ثورة الشعب عليهم، لذلك حسبوا أن محاكمته الرسمية تعطيهم شيئًا من الشرعية، وضبط الشعب إن انقلب عليهم.

4. لكي يصبغوا موته بصبغه العار والفضيحة، فكان الصلب مستخدمًا عند الرومان، وهو أكثر أنواع الموت خزيًا. فقد أرادت القيادات أن تفسد سمعته تمامًا وتطمس كل شهرته.

الآن يقدم لنا الإنجيلي صورة حية لمحاكمة السيد المسيح أمام بيلاطس الحاكم الروماني، في قاعة القضاء في دار الولاية praitoorin, praetorium. فقد بدأت إجراءات محاكمته مبكرًا جدًا. كانت الأحداث تجري بسرعة حتى يحقق السنهدرين خطته مدعمة بحكم مدني قبل أن يحدث انشقاق بين الشعب حول شخص يسوع. ظن البعض أنها بين الساعة الثانية والثالثة صباحًا، وآخرون أنها بين الخامسة والسادسة صباحًا، وكانت القيادات تستعجل هذه الإجراءات والناس نيام حتى يقللوا من خطر هياج الشعب عليهم، أو خطر إعادة النظر في أمر السيد المسيح، فبعد ثورتهم عليه يعودوا ويلتزمون بالوقوف في صفه ضد القيادات.

كان الأمر في أذهان اليهود غاية في الخطورة، إذ كانوا يدفعون الضابط الروماني الكبير الوالي بيلاطس بنطس للحكم عليه، بينما كانت الجماهير مضطرة إلى البقاء في خارج دار الولاية لئلا يتدنّسوا طقسيًا بدخولهم محكمة وثنية في أيام الفصح، أو بيت أممي غير ملتزم بالطقوس الخاصة بهذا الأسبوع كنزع الخميرة. كان اليهود يحسبون أن مجرد لمس شخص أممي يسبب لهم نجاسة، خاصة في وقت الفصح. كانوا يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.

بحسب الشريعة من يدخل مكانًا دنسًا يتدنس، ومن يدخل خيمة يرقد فيها ميت يحسب دنسًا (عد 19: 14). طقسيًا الشخص غير الطاهر لا يقدر أن يأكل من أية ذبيحة (لا 7: 20)، وهذا يمنعه من حفظ الفصح. من هو غير طاهر في وقت الفصح يمارس الفصح بعد شهر من موعده (عد 9: 6 – 13)، ولا يشترك مع الشعب في الفصح في موعده.

أبرز الإنجيلي يوحنا كغيره من الإنجيليين أن أحداث الصليب قد تمت ليس عن هزيمة السيد المسيح أمام الأشرار الذين كانوا يبدون أكثر قوة جسمانية منه، وأصحاب سلطة، وإنما تمت في توافقٍ تامٍ مع خطة الآب لخلاص العالم والتي هي مسرة الابن أن يتممها. فلا عجب إن أعلن مسيحنا على الصليب “قد أكمل” (19: 30) قبيل انحناء رأسه وتسليمه الروح. فالصليب بكل أحداثه لم يكن كارثة في حياة ربنا يسوع المسيح، بل تحقيق الخطة الإلهية.

كانت السلطة الرومانية تسمح لمحاكم اليهود صراحة بإقرار عقوبة الإعدام وتنفيذها في حالات معينة، وهي الزنا والتجديف وانتهاك حُرمة الهيكل. ولعلّه لهذا السبب كان الاتهام الأول هو عزمه على هدم الهيكل كوسيلة غير مباشرة لتسليمه إلى الموت الطقسي أو الشرعي، وكان هذا الموت يتم حسب التقليد اليهودي بالرجم بالحجارة. وقد توارى السيد المسيح عنهم عندما أرادوا رجمه (يو 59: 8). لأنه لم يكن ممكنًا للموت بالرجم أن يحقق خلاص العالم. أما عقوبة الصلب فكانت تُطبق حسب القانون الروماني على العبيد وغير الرومانيين. وهو عقوبة بشعة شائنة، وتمثل اللعنة والرجاسة القُصوى في نظر اليهود. لهذا تضامن اليهود مع بعض الرومان على تحقيقها بأسرع ما يمكن في يوم الاستعداد للفصح.

جرى حوار ثلاثي بين قادة الديانة اليهودية الرسميين رافعي الدعوة وبين الوالي الروماني الذي يلتزم كموظف روماني أن يقوم بواجبه بأن يتبين الجريمة التي اقترفها المتهم، ويتحقق من دواعي الشكوى وبين السيد المسيح العالِم بأن ساعته قد أتت، وأنه في طاعة يتمم مشيئة الآب المتطابقة مع مشيئته كمحبٍ للبشر.

يرى البعض أن “الفصح” هنا لا يعني حمل الفصح، وإنما ذبائح أخرى كانت تُقدم خلال الاحتفال بالفصح، كانت تؤكل في العشية السابقة للعيد، وأن السيد المسيح صُلب في اليوم التالي لعيد الفصح. يرى آخرون أن الفصح هنا يعني خروف الفصح، وأنه كان اليوم المناسب لتقديم الذبيحة، لأن السيد المسيح علق على الصليب في ذات لحظات أكل الفصح، بهذا لم يشترك السيد المسيح في أكل الفصح. ويرى فريق أن اليهود كانت لهم الحرية لأكل خروف الفصح منذ الخميس في العشية حتى الجمعة عشية، وأن هذا السماح كان لازمًا بسبب كثرة عدد الحملان التي كانت تُذبح.

يرى البعض أن السيد المسيح أكل بالفعل الفصح في السنة الأخيرة من حياته على الأرض (مت ٢٦: ١٧ – ١٩؛ مر ١٤: ١٢ – ١٨؛ لو ٢٢: ٨ – ١٥)، وأنه أكله قبل الموعد بعدة ساعات، وأن السيد نفسه قد ذُبح في نفس اللحظات التي يجب أن يُذبح الحمل حسب الشريعة.

واضح من الأناجيل الإزائية (متى ومرقس ولوقا) أن السيد المسيح وتلاميذه أكلوا الفصح في يوم خميس العهد، وبعد ذلك قدم جسده ودمه فصحًا للعهد الجديد. غير أن ما ورد هنا في إنجيل يوحنا يوضح إن القيادات اليهودية لم تكن بعد أكلت الفصح، وبهذا يكون الفصح في يوم الجمعة العظيمة.

نشر كثير من الدارسين كتبًا كاملة في حل هذه المشكلة. توجد دلائل على أن جماعات مختلفة في إسرائيل استخدمت تقويم مختلف عن التقويم الذي يستخدمه المسئولون في الهيكل. مثال ذلك الجماعات التي أنتجت مخطوطات البحر الميت استخدمت تقويمًا قديمًا وحسبت أن الكهنة في أورشليم يحتفلون الأعياد كلها في تواريخ خاطئة. فالحل البسيط للمشكلة القائمة بين أيدينا هو أن يسوع وتلاميذه استخدموا تقويمًا مختلفًا، فحفظوا الفصح يومًا مقدمًا عن المسئولين في الهيكل. هذا يفسر لنا لماذا لم يشر إلى الحمل الخاص بالفصح في العشاء الرباني، مع أنه أساسي في حفظ الفصح، حيث لم يكن ممكنًا تقديم الحمل ذبيحة قبل أكله بدون موافقة السلطات الخاصة بالهيكل. أشارت الأناجيل الإزائية إلى وجبة الفصح التي مارسها السيد المسيح وتلاميذه، أما يوحنا فأشار إلى الاحتفال الرسمي، وإذ لم يكن بعد قد تم لذلك امتنع فريق رؤساء الكهنة من دخول دار الولاية، حتى لا يتدنسوا، فيضطروا إلى الاحتفال بالفصح بعد شهر من موعده (عد 9: 6 – 13).

وأنا أقول لأحدهم: قل لي أي دنس يحل بك من سيرك في مجلس القضاء الذي فيه يقابل الظالمين مقابلة عادلة، هؤلاء الذين يعشرون النعناع والشبث ويقتلون ظلمًا ولا يظنون أنهم يتدنسون بذلك، واحتسبوا أن سيرهم في مجلس القضاء ينجسهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

من يدخل في أيام الفطير مسكن شخص من أمة أخرى يُحسب ذلك نجاسة! يا له من عمل شرير! هل بالحق يتنجسون بمسكن شخص غريب، ولا يتنجسون بارتكابهم الشر؟ كانوا يخشون الدنس من دار الولاية التي لقاضٍ غريب ولا يخافون التدنس بسفك دم أخٍ برئ.

القديس أغسطينوس.

“فخرج بيلاطس إليهم وقال:

أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان؟ “(29).

حمل بيلاطس بعض الصفات الجميلة، فمن جانب لم يرفض أن يقوم بدوره كقاضٍ في الصباح المبكر، مع أنه كان يمكنه أن يطلب انتظارهم حتى يحل الوقت المناسب لقيامه بالمحاكمة. ومن جانب آخر كان متواضعًا، فإذ رفضوا الدخول إلى دار ولايته لئلا يتنجسوا كان يمكنه ألا يخرج إليهم، بل يطلب منهم إما أن يدخلوا إليه أو يرجعوا إلى بيوتهم، أو يؤجلوا المحاكمة إلى ما بعد العيد، حتى يمكنهم المثول بين يديه. وأيضًا طلب بحث الأمر وتوضيحه، متسائلاً عن طلب الشكاية ضد يسوع، وما هو الاتهام ومدى صحته.

ألا ترون أنه متحرر من الولع بالحكم ومن الخبث؟ فإنه إذ رأى يسوع مقيدًا، يقتاده كثيرون، لم يظن أن هذا فيه برهان كاف لاتهامهم له، إنما سألهم عن الاتهام، حاسبا أنه لأمر غريب أن يحكموا ويصدروا العقوبة دون أية محاكمة من جانبه، فلماذا يقولون هذا؟

القديس يوحنا الذهبي الفم.

تساؤل بيلاطس لا يعني عدم معرفته للشكوى ضد السيد المسيح، لكنه كحاكمٍ يلتزم أن تسير كل الأمور بترتيب ونظام.

هذا ومن جانب آخر فإن تساؤل بيلاطس سبب إحباطًا للقيادات، إذ هم يعلمون أنه حسب الشريعة يسقط المجدف تحت حكم الموت، أما حسب القانون الروماني فإن التجديف على الإله الذي يعبده اليهود لا يبرر الحكم بالموت، إذ لا يحسب ذلك جريمة عظمى.

حقا لقد اشترك الجند الرومان مع جند الهيكل في القبض على يسوع المسيح، مما يدل على وجود نوع من التعاون أو التشاور بين السلطات الدينية والمدنية، ولعله لهذا لم تستعد السلطات الدينية للمحاكمة بوضع صحيفة اتهام ليسوع المسيح. سواء اشترك بيلاطس في تدبير القبض على السيد المسيح أو لم يشترك، فإنه كحاكم روماني كان يعتز بحبه لممارسة العدالة وتطبيق القانون والسير في الإجراءات القانونية بطريقة لائقة.

هل تبحث عن  سنكسار الاربعاء 7 سبتمبر 2022 م الموافق 2 نسيء 1738 ش

“أجابوا وقالوا له:

لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك “. (30).

سألهم بيلاطس بكل تهذيب عن شكواهم ضد يسوع، هذا ما يقتضيه واجبه كموظفٍ في المملكة، وفي نفس الوقت أظهر انزعاجه أمام هذا الشعب الصاخب. أما إجابتهم فجاءت تكشف عن عجزهم عن إثبات دعواهم ضده، مع اصرارهم بشراسة. لم يكونوا قادرين على تقديم اتهام صريح كأن يكون خائنًا للبلد أو قاتلاً أو مسببًا للشغب، لكنهم قدموا اتهامًا عامًا وهو أنه “صانع شر”. كانوا يزجّون بيلاطس رغمًا عنه لتنفيذ رغبتهم، أما هو فكان يود ألا يشترك في ذلك.

كان المدعون غير مهذبين في حوارهم مع بيلاطس، فقد خرج إليهم وسألهم عن الاتهام، أما هم ففي عجرفة لم يقدموا اتهامًا، بل حسبوا سؤاله أشبه بعدم ثقة فيهم وفي حكمهم، إذ “قالوا: لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك”. لم يرد اليهود أن يكون بيلاطس هو القاضي الذي يحكم، وإنما المنفذ العملي لما أصدروه هم. كأنه من حقهم أن يحكموا وليس من حق الوالي أن يتعرف على الاتهام أو يناقشهم في حكمهم. هم يحكموا وهو يلتزم بالتنفيذ، الأمر الذي لا يقبله عقل.

يا له من جنون! لماذا لم تشيروا إلى أفعاله الشريرة عوض إخفائها؟ لماذا لا تبرهنون على الشر؟ ألا ترون أنهم كانوا يتجنبون الاتهام المباشر من كل جانب، إذ كانوا عاجزين عن النطق بشيءٍ؟ سأله حنان عن تعليمه وسمع له، فأرسله إلى قيافا. وبدوره سأله قيافا، وإذ لم يكتشف شيئًا أرسله إلى بيلاطس. بيلاطس يقول: “أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان؟” ولا هنا وجدوا ما يقولونه… عندئذ ارتبك بيلاطس.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“فقال لهم بيلاطس:

خذوه أنتم وأحكموا عليه حسب ناموسكم.

فقال له اليهود:

لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا “. (31).

ربما ظنت القيادات الدينية اليهودية أنه مجرد تسليم شخص يهودي للحاكم المستعمر فيه كل الكفاية على التحقق من شره وجريمته؛ إذ لا يمكن لقيادة دولة مُستعمرة أن تسلم الحاكم المستعمر شخصًا للحكم عليه بالقتل بلا سبب. لكن هذا الفكر لا يناسب الحاكم الروماني الملتزم بتطبيق القانون ومراعاة الإجراءات القانونية السليمة. لقد حسب هذا نوعًا من الفوضى، لهذا قال لهم: “إن كان قد كسر ناموسكم، فأحكموا أنتم حسب ناموسكم، هذا أمر ليس من اختصاصي، ولا يشغل الرومان في شيء”. لم يرد الرومان أن ينشغلوا بالقضايا المحلية للمستعمرات، بل يتركوها في أيدي قياداتهم والمحاكم المحلية الوطنية مادامت لا تمس أمن الدولة.

يرى البعض أن بيلاطس هنا يذكرهم بسوء تصرفاتهم واستغلال سلطتهم، لذلك نزعت عنهم الدولة الرومانية حق الحكم بالموت على شخصٍ ما. وكأنه يقول لهم: بسبب إساءة استخدام السلطة نزعت عنكم الدولة حق الحكم بالموت، فلماذا تحكمون على يسوع هذا، وتطلبون مني التنفيذ دون محاكمة فعلية؟ خذوه أنتم واحكموا عليه إن كان ذلك في سلطانكم، وإما قدموا الدعوى ودعوني أبحث الأمر وأفحص الاتهام حتى لا أشارككم خطأكم.

يرى د. لايتفوت Lightfoot أنه قد حُرم اليهود من حق إصدار حكم الإعدام حوالي ٤٠ عامًا قبل خراب أورشليم، كما اعترفوا هم بذلك عدة مرات. قيل أن مجمع السنهدرين تحت تأثير بعض القادة الدينيين كانوا إلى فترة طويلة يرفضون الحكم بالموت على يهودي كابن لله مهما كان لصًا أو فاعل شر. فازداد عدد المجرمين واللصوص. انتشر الشر، وصارت الشريعة كما في سبات لا تتحرك نحوهم، فتركوا للحاكم – حتى وإن كان وثنيًا – أن يتصرف مع المجرمين. كان ذلك بسماحٍ إلهي، لأنه لو أصدر السنهدرين الحكم بالموت على شخص يسوع كفاعل شرٍ أو مجدفٍ الخ وقاموا بالتنفيذ، لحكموا عليه بالرجم لا بالصلب. وكان لابد لعتقنا من لعنة الناموس أن يرفع ابن الإنسان على الصليب لأنه ملعون من عُلق على خشبة.

لم يكن من حق اليهود الحكم بالإعدام صلبًا، لكن كان من حق مجلس السنهدرين أن يحكم بالرجم. فلا نتعجب من إحضار امرأة أمسكت في الزنا يطلبون من السيد المسيح حكمه عليها، إذ كان يلزم رجمها حسب الشريعة الموسوية. لم ينقض السيد المسيح الشريعة، لكنه طالبهم بوجود شخصٍ واحدٍ برئ من الخطية يلقيها بأول حجر، فلم يوجد. مرة أخرى نسمع عن استفانوس الشماس وأول الشهداء إذ رجمه اليهود دون أخذ إذن بذلك من السلطات الرومانية (أع 7: 57).

قال اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا، أي أنه لا يجوز لهم ذلك في هذا الوقت، إذ كانوا قد ارتكبوا كثيرًا من حالات القتل، وقد أظهر ذلك ما فعلوه بالشهيد إستفانوس الذي رجموه بالحجارة، إلا أنهم اشتهوا أن يصلبوه لكي يشهروا بموته.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“ليتم قول يسوع الذي قاله،.

مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت “. (32).

لقد رفضت القيادات اليهودية الحكم على السيد المسيح بالرجم، لأن هذا يثير الجماهير، خاصة وقد اكتظت المدينة بالجماهير من بلاد كثيرة، ولعل بعضهم سمعوا عن شخص السيد المسيح وأرادوا اللقاء معه. أما متى تم الحكم خلال الحاكم فلا تقدر الجماهير أن تثور، وربما تتشكك في أمر يسوع، لأن الحكم صدر عن هيئة غير دينية.

أما من الجانب الأهم فإن صلبه كما رأينا يحقق خطة الله التي سبق فكشف عنها خلال الناموس والأنبياء.

الأعداد 33-40

8. حوار مع بيلاطس

“ثم دخل بيلاطس أيضًا إلى دار الولاية،.

ودعا يسوع وقال له:

أنت ملك اليهود؟ “(33).

لماذا سأله بيلاطس؟ توجد آراء كثيرة.

1. يرى البعض أن بيلاطس بدأ يتلامس مع شخص السيد المسيح ويدرك أنه شخص غريب له تقديره واحترامه، حتى وإن سُلم إليه كسجين ومطلوب قتله. في داخل الولاية بعيدًا عن قادة اليهود والجماهير الثائرة سنحت الفرصة لبيلاطس أن يختلي مباشرة بالرب يسوع. وكأن السيد المسيح وقد رفضته خاصته انتقل إلى العالم الروماني الخارجي ليُعلن عن ذاته له.

2. يرى آخرون أنه كقاضٍ يبحث عن العدالة والحق التزم أن يسمع كل الأطراف حتى يتحقق من صحة الاتهام ضد يسوع أو بطلانه.

3. آخرون يحسبون أنه تكلم في شيءٍ من السخرية، فمادام يسوع ينطق بالحق، ففي سخرية يسأله: ما هو هذا الحق في ذهنك؟ ربما حمل هذا السؤال نوعًا من الاستخفاف، بمعنى: هل أنت هو ملك اليهود، المسيا الذي ينتظرونه ليخلصهم من الاستعمار؟ هل أنت ملك اليهود الذين يبغضونك ويسلمونك للموت؟ هل أنت الملك الشرعي وقيصر الملك الفعلي؟

في رأي هذا الفريق أن لم يرد أن يجيب على سؤال بيلاطس لأنه لم يسأل من أجل التعرف على الحق، وإنما كنوع من السخرية، فلم يرد أن يقدم اللآلئ أمامه.

لرغبة بيلاطس أن يتخلص من معاداة اليهود له لم يهملهم، مقدمًا محاكمة طويلة المدى، فدخل “ودعا يسوع“.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجابه يسوع:

أمن ذاتك تقول هذا؟ أم آخرون قالوا لك عني؟ “(34).

بقوله هذا واضح أن بيلاطس كان مترددًا بين شوقه للتعرف على شخص المسيح، وما سمعه عنه إن كان صاحب سلطان حقيقي أم لا، وبين ما سمعه من أقوال متضاربة من اليهود. وكأن السيد المسيح يطالبه أن يفكر في الأمر جديًا ليتعرف على شخصه.

لم يسأل السيد المسيح بيلاطس سؤالاً لجهله بما في ضميره، لكنه سأله مريدًا أن يوبخ اليهود… لقد وبخ بيلاطس، وكأنه قال له: “إذ قد سمعت هذا الذي قاله اليهود، فلماذا لا تستقصي في البحث؟”.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجابه بيلاطس: ألعلي أنا يهودي؟

أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت؟ “(35).

لم يقتنع بيلاطس من الموقف، ففي استهتار قال له بأن الأمر لا يشغله، إنه يخص اليهود، ولا يخصه هو. لقد تنحّى بيلاطس على مسئوليته معلنًا أنه ليس بيهودي، وأن الذي سلمه هو أُمّته ورؤساء الكهنة، وأن ما يقوم به إنما من قبيل المسئولية كقاضٍ.

هنا أراد أن يتنصل من الأمر. وإذ قال له: هل أنت ملك؟ وبخه يسوع مجيبًا إياه: “هذا سمعته من اليهود، فلماذا لم تبحث الأمر بدقة؟ لقد قالوا إني فاعل شر، اسألهم أي شر فعلته. لكنك لم تفعل هذا، بل ببساطة قدمت اتهامات ضدي”.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

“أجاب يسوع:

مملكتي ليست من هذا العالم،.

لو كانت مملكتي من هذا العالم،.

لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود،.

ولكن الآن ليست مملكتي من هنا “. (36).

اقتاد بيلاطس إلى فوق، ذاك الذي لم يكن شريرًا جدًا، ولا على شاكلتهم، فأراد أن يظهر له أنه ليس إنسانًا مجردًا بل الله، ابن الله.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

إذ أخذ الكلمة شكل عبد لا ينكر أنه الملك صاحب الكرامة والسلطان، ليس حسب فكر اليهود، ولا حسب فكر بيلاطس، إنما مملكته في أعماق القلوب، تحكم القلوب والأذهان بكونه الحق الإلهي. لقد فهم بيلاطس من كلماته أنه يحسب نفسه ملكًا مع أنه يقف أمامه كسجينٍ متهمٍ، ومطلوب إعدامه من رؤساء أمته. أكد السيد المسيح أن مملكته ليست من هذا العالم:

أولا: إنها لا تقوم في هذا العالم كممالك البشر الممتدة عبر البحار والأرض (دا ٧: ٣؛ رؤ ١٣: ١، ١١). عاصمة مملكته أورشليم المدينة التي من عند الله النازلة من السماء (رؤ ٢٢: ٢).

ثانيًا: طبيعة مملكته ليست أرضية، فهي مملكة داخل قلوب البشر (لو ١٦: ٢١)، تنشأ في القلوب والضمائر (رو ١٤: ١٧)، غناها روحي، وإمكانياتها روحية، ومجدها من الداخل.

ثالثا: حراسها ليسوا أرضيين، وأسلحتهم روحية، لا يحتاجون إلى أسلحة أرضية زمنية، لهذا منع تلاميذه من أن يدافعوا عنه. جاءت إجابة السيد المسيح أن مملكته ليست من هذا العالم، وإلا كان له جيش يدافع عنه، تُرضي بيلاطس جزئيًا، فإن السيد لن يدخل في القضايا الخاصة بهذا العالم، وخاصة اقتناء السلطة، لكنه في نفس الوقت هو ملك على مستوى أعظم من ممالك العالم.

رابعًا: خطتها ليست زمنية، لذا لم يسمح لتلاميذه أن ينسحبوا إلى المجد الباطل والعظمة البشرية.

خامسًا: سكانها ومواطنوها ليسوا من هذا العالم، يسلكوا في العالم، لكنهم ليسوا منه، يتمتعون بميلادٍ روحيٍ جديدٍ، ويسلكون بروح الله، ويتمتعون بالحكمة الإلهية، ويغتنون بالغنى الإلهي.

رآه إشعياء النبي بروح النبوة ملكًا على الشعوب بالصليب فقال: “هوذا قد جعلته شارعًا للشعوب رئيسًا وموصيًا للشعوب” (إش ٥٥: ٤). مملكته ليست كممالك العالم التي فيها “صار الحق معدومًا” (إش ٥٩: ١٥).

كأن أجابه السيد المسيح لبيلاطس هي أنه ليس ملكًا حسب فكر بيلاطس، أي ملك سياسي كسائر ملوك الأمم، أو كملك يخلص شعبه بالثورة ضد روما. وفي نفس الوقت هو الملك السماوي ليس من هذا العالم، فلا يحتاج إلي جيشٍ يدافع عنه، ويثبت سلطانه. حتمًا لم يكن بيلاطس قادرًا على إدراك هذا التمييز، لذا ربما استخف بإجابة السيد، أو شعر بنوع من الارتباك الفكري والعجز عما يعنيه المتهم أمامه. فإنه لم يسبق له أن يسمع مثل هذا.

لقد أبطل ما كان يخشاه بيلاطس منذ قليل، أي الشك في أن ينال سلطانًا ملوكيًا, فهل مملكته أيضًا ليست من هذا العالم؟ حتمًا إن مملكته أيضًا في العالم، فكيف يقول: “ليست من هذا العالم”؟ ليس لأنه لا يحكم هنا، وإنما لأن إمبراطوريته هي من فوق، إنها ليست إمبراطورية بشرية، بل أعظم بكثير من هذا وأكثر سموًا. فإن كانت أعظم، فكيف صار أسيرًا؟ برضاه وتسليم نفسه. لكنه لا يعلن عنها حاليًا، إنما ماذا يقول؟ “لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم” (36). أظهر هنا ضعف المملكة التي بيننا، إذ تعتمد قوتها على الخدام، أما المملكة التي من فوق ففيها الكفاية ولا تحتاج إلي شيء.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

تعالوا إلى الملكوت الذي ليس من هذا العالم.

تعالوا، آمنوا، ولا تسقطوا في جنون الغضب خلال الخوف.

لقد قال حقًا بالنبوة على لسان الله الآب: “أنا أقمت منه ملكًا على صهيون جبل قدسي” (مز ٢: ٦)، على جبل صهيون وليس ملكًا على العالم. لأنه ما هو ملكوته إلا أولئك الذين يؤمنون به، والذين يقول لهم: “أنتم لستم من العالم، كما إني لست من العالم”؟ ومع هذا فهو يرغب في أن يكونوا في العالم لكي ما يتحقق ما قاله عنهم للآب: “لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير” (يو ١٧: ١٥).

لقد كانوا من العالم طالما لم يكونوا من مملكته؛ كانوا مُنتسبين إلى رئيس هذا العالم. كل البشرية كانت من العالم؛ حقًا خُلقت بواسطة الله الصالح، لكنها وُلدت من آدم ككتلة فاسدة تحت الدينونة، ثم صارت مملكة لا تعود تنتسب للعالم، هذه التي تجددت بالمسيح. لأنه هكذا أنقذنا الله من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته (١ كو ١: ١٣)، عن هذه المملكة يقول: “مملكتي ليست من هذا العالم”، أو “مملكتي ليست من هنا”.

القديس أغسطينوس.

“فقال له بيلاطس:

فأنت إذا ملك؟

أجاب يسوع: أنت تقول إني ملك،.

لهذا قد ولدت أنا،.

ولهذا قد أتيت إلى العالم،.

لأشهد للحق.

كل من هو من الحق يسمع صوتي “. (37).

في كلمات نارية يؤكد السيد المسيح نفسه ملكًا يشهد للحق، وأن من هو من الحق يسمع له (37). إنه ملك بالميلاد الأزلي من الآب، بكونه الكلمة الإلهي. لكن هذا الحق لن يقدر أن يقبله إلا من هم من الحق وفي الحق. بيلاطس نفسه لم يكن قادرًا على إدراك هذه الحقيقة ولا أن يستمع لصوته.

جاء السيد المسيح لكي يشهد للحق، فقد عرف العهد القديم الله أنه “إله الحق” (مز 31: 5؛ إش 65: 16). بينما نقرأ في العهد الجديد “الحق الذي لله” (رو 15: 8)، الذي استبدله الوثنيون بالباطل أو الكذب (رو 1: 25)، حيث يبدو أن الحق هو كيان الله الجوهري. ويقول يسوع المسيح: “أنا هو الحق” (يو 14: 6).

“كل من هو من الحق”: نقرأ في هذا السفر عمن هم: “من الحق”، ومن هم “من الأرض” (3: 31)، ومن هم “من العالم” (15: 19)، ومن هم “من الله” (8: 37)؛ ومن هم “من إبليس” أبيهم (8: 44)، ومن هم من أسفل، ومن هم من فوق (8: 23). هكذا يميز السفر بين فريقين: فريق ينتسب لفوق، للسماء، لله، للحق؛ وفريق صار منتسبًا لأسفل للأرض، لهذا العالم الشرير ولإبليس. وليس من فريقٍ ثالثٍ يقف بينهما.

إن كان قد وُلد ملكا، فإن كل سماته الأخرى هي بالميلاد، ولم ينل شيئا إضافيًا. فعندما تسمع: “كما أن الآب له الحياة في ذاته، هكذا أعطي للابن أيضًا أن تكون له الحياة” (5: 26)، لا يُحسب سوى للميلاد، وهكذا بالنسبة لبقية السمات.

عندما قالوا إنه فاعل شر، ولم يكونوا قادرين على إثبات ذلك وقف صامتًا. ولكن عندما سئل بخصوص المملكة تحدث مع بيلاطس معلمًا إياه، وقائدا إياه إلى الأمور العلوية. ولكن لماذا سأل بيلاطس في غير حضورهم، وإنما في معزل عنهم إذ دخل به إلى دار الولاية؟ لقد توقع أمرًا عظيمًا من جهة، وأراد أن يدرك كل الأمور بدقة بعيدًا عن متاعب اليهود… أجابه: “مملكتي ليست من هذا العالم”، بمعنى: “إني بالحقيقة ملك، ولكن ليس كما يتوقع شخص مثلك، بل أسمى من ذلك بكثير جدًا”، مشيرًا بهذه الكلمات وتلك التي تليها أنه لم يفعل شرًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

ليس كل من يسمع صوتي هو من الحق، وإنما من هو من الحق يسمع صوتي، أي لأن هذه عطية تُمنح له من الحق. ما هذا سوى أنه بالهبة السخية التي للمسيح يؤمن بالمسيح؟

القديس أغسطينوس.

“قال له بيلاطس:

ما هو الحق؟

ولما قال هذا خرج أيضًا إلى اليهود،.

وقال لهم:

أنا لست أجد فيه علة واحدة “. (38).

قدم بيلاطس سؤالاً هامًا للغاية: “ما هو الحق؟” لكنه لم ينتظر الإجابة بل خرج إلى اليهود يعلن أنه لم يجد فيه علة واحدة. ربما قدم السؤال عن اشتياقٍ حقيقيٍ لمعرفة الحق، لكن انشغاله في أعماله لم يعطه الفرصة ليتمتع بالإجابة واختبار الحق. هذا ما نفعله كثيرًا في صلواتنا حين نطلب من الله ولا ننتظر إجابته علينا.

ظهر بيلاطس كصديقٍ لشخص يسوع، أحبه وتأثر به، فقد أعلن عن براءته علانية، وأنه لم يجد فيه علة تستوجب حكم الموت. وحين ألزموه أكد لهم أنه لا يفعل هذا من عنده، لكن هذا حكمهم عليه. وقد حاول بكل الطرق أن يفتح لهم بابًا للتراجع عما حكموا به عليه.

من الصعب تقييم شخصية بيلاطس، فواضح أنه كان مقتنعًا تمامًا ببراءة يسوع المسيح، وأنه قد سُلم إليه حسدًا وخبثًا. وأنه كان يخشى هياج الشعب عليه إن أطلقه. يمكن القول أنه كان يشتاق أن يعمل بالعدل والحق، لكن دون أن يسبب له ذلك مشاكل أو اضطرابات. فهو غير مستعد لأية تضحية من جانبه للوقوف في صف العدل والحق.

“ولكم عادة أن أطلق لكم واحدًا في الفصح،.

أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود “. (39).

كانت هذه العادة نوعًا من التكريم لعيد الفصح، كذكرى للتحرر من عبودية فرعون. لكنهم حولوا ما هو للتكريم إلى كسرٍ للناموس: “مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة للرب” (أم ١٧: ١٥).

لاحظوا كيف عمل بحكمة. إنه لم يقل: “حيث أنه مخطئ ومستحق للموت، سامحوه كهبة للعيد”، وإنما إذ برأه أولاً من كل جريمة سألهم بعد ذلك إن كانوا لا يسقطون قضيته بكونه بريئًا فإنه حتى كمخطئ يغفرون له بسبب الزمن (العيد).

القديس يوحنا الذهبي الفم.

لسنا نلومكم أيها اليهود على إطلاق المجرم في وقت الفصح، بل على قتلكم للبريء. ومع ذلك فلِمَ لم يحدث هذا لما تحقق الفصح الحقيقي، بل بقي ظل الحق قائمًا باليهود المخطئين. وبتدبير الحكمة الإلهية العجيبة تحقق الحق الذي لذاك الظل، وذلك بواسطة المضلين. فإنه لكي يُحفظ الفصح الحقيقي اُقتيد المسيح كشاةٍ للذبح كذبيحة.

القديس أغسطينوس.

“فصرخوا أيضًا جميعهم قائلين:

ليس هذا بل باراباس،.

وكان باراباس لصًا “. (40).

لم يجد بيلاطس علة واحدة يحاكمه عليها، ولكي يُوجد للثائرين منفذًا اقترح عليهم أن يطلق هذا البريء بمناسبة عيد الفصح؛ وبالرغم من سلطانه الشرعي لم يستطع أن يقف بيلاطس أمام هياج الجماهير التي طالبت بإطلاق اللص باراباس وليس يسوع. طلبوا أن يُطلق باراباس اللص ويُقتل يسوع، فإن باراباس لا يقدر أن يسرق منهم كرسي موسى الذي جلسوا عليه، أما يسوع ففي نظرهم قد سحب الكرسي من تحتهم، وسرق منهم تقاليدهم الخاطئة.

والعجيب أن باراباس في الآرامية تعني “ابن الآب“، وهو رجل اشتهر بسفك الدماء وفعل المنكرات. هنا يرفض العالم “ابن الآب” الحقيقي ليطلق من له الاسم وحده مع احترافه اللصوصية. وقد جاءت كلمة “لص” في السريانية archilesstees وتعني “رئيس عصابة”. يرى البعض أن باراباس كان يقتاد عصابة لصوص سفكت دماء كثيرة وهددت الحاكم الروماني (لو ٢٣: ١٩).

لقد فضلوا اللص رمز الخطية عن القدوس البار، في غباوة كثيرًا ما يفضل الإنسان شهوات جسده عن التمتع ببرّ المسيح.

من وحي يو ١٨.

آلامك تكشف عن أمجادك!

حانت ساعة آلامك، بل ساعة مجدك.

بإرادتك دخلت إلى البستان مع تلاميذك.

دخلت يا شمس البرّ تنتظر موكب الظلمة قادمًا إليك.

حملوا سيوف وعصي للقبض عليك.

كل الطبيعة تترقب كلمة من فيك فتبيدهم.

حملوا مشاعل ليبحثوا عن شمس البرّ!

ولم يدرك الكل أنك بإرادتك تسلمهم ذاتك،.

من أجل حبك العجيب لخلاصهم.

أرادوا أن ينقّضوا عليك،.

فسقطوا على وجوههم.

سلمتهم ذاتك،.

فأوثقوك في عنفٍ لئلا تهرب منهم.

تفجر الدم من يديك،.

وبحبك شفيت جراحات العبد ملخس!

سحبوك إلى رئيس الكهنة في وسط ظلمة الليل،.

يا من تود أن تسحبهم بروحك القدوس إلى بهاء نورك الإلهي.

حكم رئيس الكهنة الشرير بأنه خير أن تموت من أجل الأمة،.

ولم يدرك أنك رئيس الكهنة السماوي.

تموت لتقتل موت البشرية،.

وتقوم لتقيمهم معك.

التحف رئيس الكهنة بسلطان ديني وزمني وشعبي.

وأما أنت فتركك الكل،.

خانك تلميذك، وأنكرك آخر.

قدرة رئيس الكهنة تكمن في إمكانيات بشرية زائلة خارجية.

وأما أنت فقوة الله وكلمته وحكمته!

مجدك الإلهي ليس في عوزٍ إلى مساندة بشرية!

سلموك يا ملك الملوك السماوي إلى والٍ بشري.

طالبوا بقتلك كفاعل شرٍ.

لم يجد فيك الوالي علة واحدة!

تحايل بكل وسيلة لكي لا يمد يده بغير ما يمليه عليه ضميره!

لكن أصر الشعب العنيد على قتلك.

قبلوا قيصر ملكًا وحيدًا عليهم لكي يرفضوا ملكك.

أطلقوا باراباس لكي تصلب أنت يا كلي الصلاح!

في ضعف سلمك بيلاطس للصلب.

فإنه لا يستطيع أن يدفع صداقته لقيصر ثمنًا للعدل!

كل قوى الظلمة تكاتفت عليك،.

وهي لم تدرك أنها إنما تكشف عن علو مجدك!

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي