الإصحاح الثانى والثلاثون
أراضى شرق الأردن.
كان سبط رأوبين وجاد تحت مظلة راية واحدة أى لهم نفس المحلة. ولما أتوا إلى أرض جلعاد وهى التى كان يملكها عوج وسيحون ملوك الأموريين، رأوا أنها أرض رعى وهم يملكون مواشٍ كثيرة فطلبوا أن يقيموا بها عوضاً عن عبور الأردن وهى أرض جيدة، ولكن المشكلة أنهم هم الذين إختاروا ولم يتركوا الإختيار لله فكانوا مثل لوط حينما إختار أرض سدوم وعمورة لجودتها، فكان إختيار بشرى بحسب المنظر وكان الله قد أعد لهم أرضا عبر الأردن. وغالباً فقد طلب معهما نصف سبط منسي نفس الطلب. وإذا كان عبور الأردن يشير لعبورنا إلى السماء فليكن إختيارنا هو السماء ولا نطلب نصيباً أرضياً، بل أن تكون لنا شهوة أن ننطلق ونكون مع المسيح فذاك أفضل جداً (فى1: 23). وجلعاد هى كل منطقة شرق الأردن وهى أرض غابات وحقول ووديان ومجارى مياه. تصلح للرعى (نش 1: 4 + 5: 6) تشتهر بنوع من الأشجار يخرج منه مادة صمغية تسمى بلسان جلعاد ذات خواص طبية وقيل أن عصيره كان يستخدم كعلاج للإلتهابات (إر22: 8 + 11: 46 + تك25: 37).
وكان أنه حين إختار سبطا رأوبين وجاد بحسب المنظور البشرى فقدا نصيبيهما فى الأرض التى تفيض لبناً وعسلاً وحصلا على أرض بلا حدود طبيعية تحميهم من هجمات الأعداء حتى إضطر إخوتهما للتدخل لإنقاذهما (1 صم1 – 10 + 1مل3: 22) بجانب بُعد الأرض عن الجماعة فصارا كمن فى عُزلة. بل كانا أول من أسَرَهم ملك أشور (1 أى 26: 5) والأكثر من هذا كله كان إنفصالهم عن إخوتهم يسبب حرباً بينهم وبين بقية إخوتهم (يش 22). هذا إذن جزاء شهوة العيون وتعظم المعيشة (1يو 6: 2) وبالرجوع إلى (إش2: 15 + إر 19، 18: 48) نجد أن بعض المدن المذكورة هنا قد سقطت فى يد موآب.
ويُقال أن هناك سبب نفسى لإختيار السبطين لأرض جلعاد هو شعور رأوبين إبن يعقوب أنه فقد بكوريته، وجاد هو بكر زلفة الجارية وإحساس منسى أن أخاه افرايم يفوقه فى البركة. فحاول هؤلاء بعد أن شعروا أن نصيبهم سيكون قليلاً إذ ليسوا فى قوة الآخرين وهم يشعرون أنهم أحق كأبكار أن يختاروا لأنفسهم.
وللعلاّمة أوريجانوس تأمل لطيف فهو يرى: أن السبطين ونصف السبط الذين لم يعبروا نهر الأردن إشارة لكنيسة العهد القديم وهى كنيسة واحدة مع كنيسة العهد الجديد، لكنها ليست فى غنى بركات كنيسة العهد الجديد التى عبرت مياه المعمودية، وحملت فى وسطها المقدسات. هى صورة رائعة للجنس البشرى المؤمن، جزء نال نصيب خلال الناموس (موسى) حيث تمت الغلبة على يديه (أى فى أيام قيادته) على عوج وسيحون ووزَّع أملاكهما على السبطين ونصف. أما الجزء الأعظم فقد تحقق على يدى يشوع (يسوع) الذى دخل بهم إلى الأرض عينها التى تفيض لبناً وعسلاً. الأولون أبكار لكنهم نالوا ميراث موسى أما الآخرون فنالوا ميراث يشوع (المسيح ربنا).
لكن هذا لا يلغى أن من يستحق منهم الخلاص قد نال الخلاص فى المسيح (رو3: 25، 26). أما ما يقصده أوريجانوس فهو نصيب اليهودى البار من الفرح والسلام وهو على الأرض قبل المسيح.
والسبب الذى قيل لإختيارهم هذه الأرض أن لهم مواشى كثيرة. “فلا يستطيع الإنسان الطبيعى أن يقبل ما لروح الله، لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه” (1كو14: 2) لذلك فهؤلاء إختاروا لأنفسهم وصاروا غرباء عن الأرض المقدسة. فالمواشى الكثيرة تشير لإرتباط شعب العهد القديم بالأمور الجسدية الملموسة.
الأعداد 1-4
الأيات (1 – 4): –
“1 وَأَمَّا بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ فَكَانَ لَهُمْ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ وَافِرَةٌ جِدًّا. فَلَمَّا رَأَوْا أَرْضَ يَعْزِيرَ وَأَرْضَ جِلْعَادَ، وَإِذَا الْمَكَانُ مَكَانُ مَوَاشٍ، 2أَتَى بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ وَكَلَّمُوا مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَرُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ قَائِلِينَ: 3«عَطَارُوتُ وَدِيبُونُ وَيَعْزِيرُ وَنِمْرَةُ وَحَشْبُونُ وَأَلِعَالَةُ وَشَبَامُ وَنَبُو وَبَعُونُ، 4الأَرْضُ الَّتِي ضَرَبَهَا الرَّبُّ قُدَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هِيَ أَرْضُ مَوَاشٍ، وَلِعَبِيدِكَ مَوَاشٍ».”.
الأعداد 5-15
الأيات (5 – 15): –
“5ثُمَّ قَالُوا: «إِنْ وَجَدْنَا نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلْتُعْطَ هذِهِ الأَرْضُ لِعَبِيدِكَ مُلْكًا، وَلاَ تُعَبِّرْنَا الأُرْدُنَّ». 6فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ: «هَلْ يَنْطَلِقُ إِخْوَتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ، وَأَنْتُمْ تَقْعُدُونَ ههُنَا؟ 7فَلِمَاذَا تَصُدُّونَ قُلُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْعُبُورِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ الرَّبُّ؟ 8هكَذَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ حِينَ أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ قَادَشَ بَرْنِيعَ لِيَنْظُرُوا الأَرْضَ. 9صَعِدُوا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ وَنَظَرُوا الأَرْضَ وَصَدُّوا قُلُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ دُخُولِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ الرَّبُّ. 10فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَأَقْسَمَ قَائِلاً: 11لَنْ يَرَى النَّاسُ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ مِصْرَ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُونِي تَمَامًا، 12مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ الْقِنِزِّيَّ وَيَشُوعَ بْنَ نُونَ، لأَنَّهُمَا اتَّبَعَا الرَّبَّ تَمَامًا. 13فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَتَاهَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الْجِيلِ الَّذِي فَعَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 14فَهُوَذَا أَنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ عِوَضًا عَنْ آبَائِكُمْ، تَرْبِيَةَ أُنَاسٍ خُطَاةٍ، لِكَيْ تَزِيدُوا أَيْضًا حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. 15إِذَا ارْتَدَدْتُمْ مِنْ وَرَائِهِ، يَعُودُ يَتْرُكُهُ أَيْضًا فِي الْبَرِّيَّةِ، فَتُهْلِكُونَ كُلَّ هذَا الشَّعْبِ».”.
لاحظ فى تأنيب موسى لهم على هذا الإختيار أنه يهتم بدخولهم أرض الميعاد، وهو نفسه يعلم أنه محروم منها. فالخادم الحقيقى يهتم بخلاص نفوس الآخرين غير عابىء بمشاكله الشخصية، ونلاحظ مرونته وحواره معهم ومن غير تشدد. وكان الأمر الذى أحزن قلب موسى قولهم ولا تعبرنا الأردن (5) وهو الذى عاش 40 سنة يشتهى عبوره، وما أقسى على قلبه أن يشعر بهم يحتقرون أرض الموعد تاركين ميراث الله من أجل شهوة قلوبهم الزمنية، مهتمين بمواشيهم ولم يهتموا بمواعيد الله ولا أن يساندوا إخوتهم.
الأعداد 16-19
الأيات (16 – 19): –
“16فَاقْتَرَبُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: «نَبْنِي صِيَرَ غَنَمٍ لِمَوَاشِينَا ههُنَا وَمُدُنًا لأَطْفَالِنَا. 17 وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَجَرَّدُ مُسْرِعِينَ قُدَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِمْ إِلَى مَكَانِهِمْ، وَيَلْبَثُ أَطْفَالُنَا فِي مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ مِنْ وَجْهِ سُكَّانِ الأَرْضِ. 18لاَ نَرْجعُ إِلَى بُيُوتِنَا حَتَّى يَقْتَسِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ. 19إِنَّنَا لاَ نَمْلِكُ مَعَهُمْ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ وَمَا وَرَاءَهُ، لأَنَّ نَصِيبَنَا قَدْ حَصَلَ لَنَا فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الشَّرْقِ».”.
هذا عرض جديد منهم لاقى قبول موسى. بل عرضوا أن يكونوا فى مقدمة إخوتهم وفى هذا صاروا ممثلين لكنيسة العهد القديم التى لم تنطلق إلى أرض الموعد بل ساندوا إخوتهم من خلال كتبهم ونبواتهم وإيمانهم. وقد ذهب منهم لكنعان 40000 بينما أن عددهم أكبر من 100000.
العدد 20
أية (20): –
“20فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «إِنْ فَعَلْتُمْ هذَا الأَمْرَ، إِنْ تَجَرَّدْتُمْ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ،”.
موسى هنا يؤكد أنهم أمام الرب إذاً هم يحاربون كإعلان لخضوعهم وجهادهم امام الرب. ويعنى الكلام أيضا أن الرب شاهد على وعودكم.
الأعداد 21-38
الأيات (21 – 38): –
“21 وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ كُلُّ مُتَجَرِّدٍ مِنْكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى طَرَدَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَمَامِهِ، 22 وَأُخْضِعَتِ الأَرْضُ أَمَامَ الرَّبِّ، وَبَعْدَ ذلِكَ رَجَعْتُمْ، فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ مِنْ نَحْوِ الرَّبِّ وَمِنْ نَحْوِ إِسْرَائِيلَ، وَتَكُونُ هذِهِ الأَرْضُ مُلْكًا لَكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ. 23 وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هكَذَا، فَإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى الرَّبِّ، وَتَعْلَمُونَ خَطِيَّتَكُمُ الَّتِي تُصِيبُكُمْ. 24اِبْنُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنًا لأَطْفَالِكُمْ وَصِيَرًا لِغَنَمِكُمْ. وَمَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِكُمُ افْعَلُوا». 25فَكَلَّمَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ مُوسَى قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ يَفْعَلُونَ كَمَا أَمَرَ سَيِّدِي. 26أَطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا وَمَوَاشِينَا وَكُلُّ بَهَائِمِنَا تَكُونُ هُنَاكَ فِي مُدُنِ جِلْعَادَ. 27 وَعَبِيدُكَ يَعْبُرُونَ، كُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلْجُنْدِ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ كَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدِي».
28فَأَوْصَى بِهِمْ مُوسَى أَلِعَازَارَ الْكَاهِنَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ وَرُؤُوسَ آبَاءِ الأَسْبَاطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 29 وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «إِنْ عَبَرَ الأُرْدُنَّ مَعَكُمْ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ، كُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلْحَرْبِ أَمَامَ الرَّبِّ، فَمَتَى أُخْضِعَتِ الأَرْضُ أَمَامَكُمْ، تُعْطُونَهُمْ أَرْضَ جِلْعَادَ مُلْكًا. 30 وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَعْبُرُوا مُتَجَرِّدِينَ مَعَكُمْ، يَتَمَلَّكُوا فِي وَسَطِكُمْ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ». 31فَأَجَابَ بَنُو جَادٍ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ قَائِلِينَ: «الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ عَبِيدِكَ كَذلِكَ نَفْعَلُ. 32نَحْنُ نَعْبُرُ مُتَجَرِّدِينَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَلكِنْ نُعْطَى مُلْكَ نَصِيبِنَا فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ». 33فَأَعْطَى مُوسَى لَهُمْ، لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ وَنِصْفِ سِبْطِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ، مَمْلَكَةَ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ وَمَمْلَكَةَ عُوجٍ مَلِكِ بَاشَانَ، الأَرْضَ مَعَ مُدُنِهَا بِتُخُومِ مُدُنِ الأَرْضِ حَوَالَيْهَا.
34فَبَنَى بَنُو جَادَ: دِيبُونَ وَعَطَارُوتَ وَعَرُوعِيرَ 35 وَعَطْرُوتَ شُوفَانَ وَيَعْزِيرَ وَيُجْبَهَةَ 36 وَبَيْتَ نِمْرَةَ وَبَيْتَ هَارَانَ مُدُنًا مُحَصَّنَةً مَعَ صِيَرِ غَنَمٍ. 37 وَبَنَى بَنُو رَأُوبَيْنَ: حَشْبُونَ وَأَلِعَالَةَ وَقَرْيَتَايِمَ 38 وَنَبُوَ وَبَعْلَ مَعُونَ، مُغَيَّرَتَيِ الاسْمِ، وَسَبْمَةَ، وَدَعَوْا بِأَسْمَاءٍ أَسْمَاءَ الْمُدُنِ الَّتِي بَنَوْا. “.
مغيرتى الإسم = هم أخذوا المدن وغيروا أسماءها الوثنية إلى أسماء أخرى.
العدد 39
أية (39): –
“39 وَذَهَبَ بَنُو مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى إِلَى جِلْعَادَ وَأَخَذُوهَا وَطَرَدُوا الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ فِيهَا.”.
لعل نصف سبط منسى حين وجد جاد ورأوبين قد إمتلكوا تشجع وفتح بعض البلاد فصارت لهم أو كانوا ضمن الإتفاق ولم يُذكروا إلا مؤخراً.
الأعداد 40-42
الأيات (40 – 42): –
“40فَأَعْطَى مُوسَى جِلْعَادَ لِمَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى فَسَكَنَ فِيهَا. 41 وَذَهَبَ يَائِيرُ ابْنُ مَنَسَّى وَأَخَذَ مَزَارِعَهَا وَدَعَاهُنَّ: حَوُّوثَ يَائِيرَ. 42 وَذَهَبَ نُوبَحُ وَأَخَذَ قَنَاةَ وَقُرَاهَا وَدَعَاهَا نُوبَحَ بِاسْمِهِ.