الإصحاح الخامس والخمسون
هنا نرى الدعوة للجميع ليتركوا ملذات العالم ويتذوقوا نعمة الروح القدس وأفراحه وتعاليمه، دعوة ليتوب الجميع ويرفضوا الشر، وليؤمن غير المؤمنين فيتذوقوا ثمار الخلاص من شبع وإرتواء. واضح في هذا الإصحاح نتائج الخلاص وهو حلول الروح القدس. والخلاص من بابل هو رمز للخلاص العظيم الذي صنعه المسيح، ولا يذكر خلاص بابل بجانبه فحين يتم المرموز إليه لا نعود نذكر هذا الرمز.
العدد 1
آية (1): –
“1«أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا.”.
الْمِيَاهِ = هي ينابيع الروح القدس (يو 7: 37 + رؤ 22: 17) والمتكلم هنا كبائع يقف ليبيع بضاعته مجاناً = بلا فضة. والشرط الوحيد أن يشعر الإنسان بعطشه أي بالاحتياج ليأتي ويأخذ. وهذا الخلاص مقدم لمن ليس له فضة أي فقير في المال وفقير في الأعمال الصالحة، فهو مقدم للمحتاجين (رؤ 3: 14 – 18). وبركات الخلاص فائقة الثمن لا يقدر أحد على دفع ثمنها فلذلك يقدمها المسيح مجاناً والخَمْرً = يعنى الفرح فمن ثمار الروح القدس فرح وسلام. وَاللَبَنً = يعنى التعليم فهو يعلمنا كل شيء.
الأعداد 2-3
الآيات (2 – 3): –
“2لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. 3أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ.”.
لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ = لم يكن هناك نقود مسكوكة فى ذلك الوقت بل كانوا يعطون فى مقابل ما يشترونه فضة بالوزن. والخبز هو للشبع وللحياة، والمعنى لماذا تبعثرون طاقاتكم ومواهبكم أي وزناتكم في العالم الزائل الباطل وفيما ليس فيه شبع = لغير شَبَعٍ = شهوات العالم لا تشبع، وليس فيها حياة = ليس خبز، فالخبز يعطى حياة للجسد. أما هذا العالم بشهواته هو كالأبار المشققة التي لا تضبط ماء أى لغير شبع والنهاية موت أبدى وهذا معنى ليس خبز. اسْتَمِعُوا لِي = علينا أن ننتبه أن وعود الله حق ونستمع إليه فالله لا يرغمنا على طريقه. ومن يستمع سيأَكُلُ الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ = “يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم” (مز 36: 8).
وهذا عَهْد أَبَدى = العهد الجديد الذى حصلنا عليه هو عهد النعمة،، وأكل الدسم هو أكل جسد المسيح وسكنى الروح القدس فينا. فالتناول يفتح الأعين فنعرف المسيح، والذى يخبرنا به هو الروح القدس. والشبع معناه أن من يعرف المسيح حقيقة يحبه ويجد فيه كفايته ويستغنى به عن العالم “معك لا أريد شيئا فى الأرض” (مز 73).
وأقطع لكم عهدا أبديا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصادقة = العهد الجديد كان بدم المسيح، ومراحم داود أي الوعود بدوام مملكة داود، أى أن المسيح يملك على شعبه فنكون له شعباً ويملك هو علينا. “ليأت ملكوتك”، وهذا عهد أبدى وصادق.
العدد 4
آية (4): –
“4هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعًا لِلشُّعُوبِ، رَئِيسًا وَمُوصِيًا لِلشُّعُوبِ.”.
المسيح هنا سُمِّى داود فى الآية السابقة، فهو من نسله “هو أصل وذرية داود” (إر 30: 9 + حز 34: 23 + رؤ 22: 16). وشَارِعًا = أي مشَرِّع شريعة المحبة الجديدة. فالمسيح كان يقول “سمعتم أنه قيل للقدماء… أما أنا فأقول لكم” (مت5: 21، 22)، هنا نجد المسيح يهوه الذى شرَّع شريعة العهد القديم هو نفسه مشرع شريعة العهد الجديد. المسيح لا يغير الشريعة بل يكملها، فالعهد القديم إكتفى بوصية لا تقتل على قدر قامة إنسان العهد القديم، أما العهد الجديد ومع إمكانيات النعمة وصل لدرجات أعلى فقال لا تغضب، بل قال “أحبوا أعداءكم” فالروح القدس الذى يسكن فينا فى العهد الجديد يعطينا هذه الإمكانيات الجديدة.
العدد 5
آية (5): –
“5هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا، وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ».”.
المخاطب هنا هو المسيح والمعنى أن الأمم سيدعوهم المسيح وسيركضون إليه.
الأعداد 6-7
الآيات (6 – 7): –
“6اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. 7لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ.”.
هنا نرى أهمية الصلاة والتوبة دائماً.
الأعداد 8-9
الآيات (8 – 9): –
“8«لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. 9لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ.
طرق الله عجيبة، فهو يحول إنسان خاطئ للتوبة عن طريق إصابته بمرض أو تجربة. وهكذا عن طريق السبي امتنع اليهود نهائياً عن الوثنية. وقد استخدم بولس الرسول هذه الآيات حينما تأمل في أن الله قَبِل اليهود أولاً ثم رفضهم وقَبِل الأمم، ثم يعود في نهاية الأزمنة ويقبل اليهود (رو 11: 23، 24).
الأعداد 10-11
الآيات (10 – 11): –
“10لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، 11هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ.”.
كلمتى = المسيح كلمة الله الذى سيتجسد ويفدى ويشرع لن يفشل عمله بل سيأتى بثماره.
وكلمة الرب في كتابه المقدس أو كلمة الكرازة لاَ تَرْجعُ فَارِغَةً = بل يكون لها ثمار وكلمة الله تشبه المطر لأنها نازلة من السماء، وتنزل على الأرض اليابسة (آدم وكل شعب الله أُخِذوا من الأرض وإلى التراب يعودون) فيرويها ويكون لها ثمار.. والمطر لا يعود إلى السماء إلا بعد أن يروى الأرض ويعمل عمله (هو يعود للسماء بعد أن يتبخر).
العدد 12
آية (12): –
“12لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ. الْجِبَالُ وَالآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّمًا، وَكُلُّ شَجَرِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالأَيَادِي.”.
الشعب سبق لهم الخروج من مصر رمز العبودية. بفرح خرجوا، وبعد خروجهم رنموا، هكذا في خروجنا من سبى خطيتنا علينا أن نفرح ونتهلل.
العدد 13
آية (13): –
“13عِوَضًا عَنِ الشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَعِوَضًا عَنِ الْقَرِيسِ يَطْلَعُ آسٌ. وَيَكُونُ لِلرَّبِّ اسْمًا، عَلاَمَةً أَبَدِيَّةً لاَ تَنْقَطِعُ».”.
الشَّوْكِ كان لعنة من ثمار الخطية والمعنى هنا أنه عوضاً عن لعنة الخطية ستكون بركات وتكون أشجار جميلة نافعة عوضاً عن الأشواك المؤلمة. وَيَكُونُ لِلرَّبِّ اسْمًا = أي يتمجد الرب في أبنائه المؤمنين، بل يبدأ غير المؤمنين يعرفونه ويؤمنوا.