الأصحاح السادس تفسير إنجيل لوقا القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

المسيح رب السبت.

الأعداد 1-5

الآيات (لو 1: 6 – 5): –

“1 وَفِي السَّبْتِ الثَّانِي بَعْدَ الأَوَّلِ اجْتَازَ بَيْنَ الزُّرُوعِ. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ وَهُمْ يَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ. 2فَقَالَ لَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «لِمَاذَا تَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السُّبُوتِ؟ » 3فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ وَلاَ هذَا الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ، حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ؟ 4كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَخَذَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ وَأَكَلَ، وَأَعْطَى الَّذِينَ مَعَهُ أَيْضًا، الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ» 5 وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».”.

الآيات (مت 1: 12 – 8): -.

“1فِي دلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي السَّبْتِ بَيْنَ الزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. 2فَالْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ: «هُوَذَا تَلاَمِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السَّبْتِ! » 3فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ؟ 4كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَكَلَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلاَ لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ. 5أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ؟ 6 وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ههُنَا أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ! 7فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ! 8فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».”.

الآيات (مر 23: 2 – 28): -.

“23 وَاجْتَازَ فِي السَّبْتِ بَيْنَ الزُّرُوعِ، فَابْتَدَأَ تَلاَمِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَهُمْ سَائِرُونَ. 24فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «انْظُرْ! لِمَاذَا يَفْعَلُونَ فِي السَّبْتِ مَا لاَ يَحِلُّ؟ » 25فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ احْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ؟ 26كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ فِي أَيَّامِ أَبِيَأَثَارَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَأَكَلَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ، وَأَعْطَى الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَيْضًا». 27ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. 28إِذًا ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».”.

بمقارنة ما حدث فى لوقا مع ما قيل فى متى نجد أن اليهود لاموا التلاميذ أولاً ثم شكوهم للمسيح. ونلاحظ الآتى فى هذه القصة: -.

فقر التلاميذ، إذ يأكلون سنابل وكانت هذه عادة يهودية أن يفركوا السنابل الطرية الناضجة وينفخون القش ويأكلون الحب. ولقد سمحت الشريعة بقطف سنابل الغير أو عنب الغير فى حالة الجوع (تث 24: 23 – 25) ولكن لا يكون هذا فى وعاء أو بإستعمال منجل والاّ صار كسرقة للغير وإستغلال للمحبة.

متابعة التلاميذ المستمرة للمعلم فهو لا يهدأ فى خدمته، وهم ملتصقون به دائماً محبة فيه، لا يبحثون عن طعام بل يأكلوا سنابل نيئة. وواضح أن السيد أراد أن يختلى بتلاميذه فذهبوا للحقول وهناك جاعوا. والخلوة هي فرصة هدوء يسمع فيها التلاميذ صوت يسوع الهادئ. ولذلك نحتاج نحن أيضاً لهذه الخلوة. ومن يدخل في حوار مع المسيح هو إنسان حي.

ما أثار اليهود ليس أكل السنابل من حقل الغير بل قطف السنابل وفركها ونفخ القش يوم السبت، وهذا إعتبروه حصاد وتذرية، وهذا ممنوع يوم السبت. هو مفهوم حرفى قاتل، فكيف يطبقون مفهوم الحصاد على قطف عدة سنابل لأشخاص جوعى.

والسيد برر ما فعله تلاميذه بأن داود إذ جاع هو ورجاله أكل الخبز المقدس الذى لا يحل أكله إلاَّ للكهنة. وقطعاً فرك السنابل يوم السبت هو أقل خطورة بكثير من أكل أشخاص عاديين لخبز التقدمة المقدس. وكانت الأرغفة من خبز التقدمة توضع على مائدة خبز الوجوه كل سبت لمدة أسبوع ثم يأكلها الكاهن وأسرته فقط (1صم 1: 21 – 6).

أما قرأتم = المسيح متعجب ممن يقرأون ولا يفهمون.

الكهنة فى السبت يدنسون السبت = أى الكهنة يقومون بالأعمال الطقسية يوم السبت مثل الذبح والسلخ والتنظيف وشى الذبائح وختان الأطفال إذا وافق اليوم السبت اليوم الثامن لميلاد الطفل. فالكهنة لم يتوقفوا عن العمل = وهم أبرياء = أى أنهم لم يخطئوا بعملهم هذا. وهذه الأعمال لو قاموا بها خارج الهيكل لصار تدنيساً للسبت. فمن أجل كرامة الهيكل وكرامة الوصية التى وضعها رب الهيكل (تقديم الذبائح والختان….) يقوم الكهنة بأعمالهم داخل الهيكل ولا يحسب عملهم خطية، حتى تتم رسالة الهيكل لم يتوقفوا عن العمل. والآن فالمسيح هو رب الهيكل وقد حلَّ على الأرض وهؤلاء التلاميذ يخدمونه ويتبعونه، فما الخطأ فى أن يعملوا هذا العمل البسيط ليستمروا فى خدمتهم لرب الهيكل يوم السبت = ههنا أعظم من الهيكل = فالسيد المسيح بلاهوته المتحد بناسوته هو أعظم (يو2: 21).

وصية السبت تشير لراحتنا الأبدية فى السماء فى المسيح وخلاصنا من الخطية الذى تم بقيامة المسيح يوم الأحد الذى هو يوم الخليقة الجديدة. وكانت الراحة هى راحة من الأعمال الأرضية ليتذكروا أن هناك سماء وأن هناك إله يجب أن يعبدونه، وفى عبادة الله يجدوا راحتهم. لكن المسيح هو هذا الإله، والتلاميذ الآن معهُ لا يذكروا شيئاً عن أعمالهم وأكلهم وشربهم، بل هم جاعوا حتى إضطروا أن يفركوا سنابل ليأكلوا، فهم وجدوا راحتهم الحقيقية فى التصاقهم بالمسيح، وهذا بالنسبة لهم لم يكن يوماً فى الأسبوع، بل صار المسيح كل حياتهم، فلماذا التقيد بالحرفيات، خصوصاً أن المسيح إلهنا هو واضع وصية السبت، وله كل الحق كواضع للوصية أن يفسر الوصية كما يريد فهو رب السبت.

الله يستريح يوم السبت = هذا رمز لأن الله استراح في اليوم السابع بالفداء الذي به صار الخلاص للإنسان فإرتاح الإنسان. فراحة الله هي حقيقة راحة الإنسان.

يذكر إنجيل مرقس أن السبت وضع لأجل الإنسان = ليرتاح الإنسان وكل من معه جسدياً، بالإضافة لأن يذكر الإنسان أنه ينتمى للسماء. وكون السبت وضع لأجل الإنسان فلا يصح أن يكون سبباً فى جوع التلاميذ. فالله يريد رحمة لا ذبيحة (هو 6: 6).

لقد إشتكى اليهود التلاميذ للمسيح بسبب حريتهم فى المسيح، لكن ما أحلى أن نجد أن المسيح يدافع عنا وعن تلاميذه. فليشتكى علينا من يشتكى فلنا مسيح يدافع عنا (رو8: 33).

هناك مقارنة لطيفة بين أكل التلاميذ للسنابل والقصة التى إقتبسها السيد المسيح من حياة داود إذ أكل من الخبز المقدس. فكلا القصتين يرمزان للأكل من جسد المسيح فى سر الإفخارستيا، فالمسيح شبه نفسه بحبة الحنطة (يو 24: 12) وخبز الوجوه يشير لجسد المسيح فى سر الإفخارستيا ونحن بتناولنا من جسد المسيح نصير كلنا خبز واحد. وأكل داود الذى من سبط يهوذا، سبط المسيح، يشير لأن الخبز المقدس الذى كان حكراً على سبط لاوى صار لسبط يهوذا أى لكل المؤمنين بالمسيح.

فى إنجيل معلمنا مرقس يذكر أن رئيس الكهنة هو أبياثار، بينما جاء فى سفر صموئيلأبيمالك“: -.

(يمكن) أن أبياثار كان وهو إبن إبيمالك وكانا معاً حين إلتقى بهما داود النبى، ثم أن شاول قتل إبيمالك وهرب أبياثار إلى داود وصار رفيقاً له. ولما استقر داود فى ملكه صار أبياثار هو رئيس الكهنة والأكثر شهرة من أبيمالك، وإستمر رئيساً للكهنة طوال فترة ملك داود. ونال شهرة أكثر من أبيه. (1 صم 20: 22 + 7: 30).

(يمكن) أن أبيمالك رفض إعطاء الخبز المقدس لداود ورجاله ولكن أبياثار إبنه هو الذى وافق على ذلك، أو أن أبيمالك كرئيس للكهنة رأى أنه بحكم مركزه لا يصح أن يكسر الشريعة فأعطى الخبز المقدس لإبنه ليعطيه هو لداود فنسب العمل لأبياثار.

فى (لو 1: 6) وفى السبت الثانى بعد الأول = السبت الأول هو عيد الفصح 14 نيسان، فالفصح يسمى سبت. والسبت الثاني هو السبت الذى أتى بعد الفصح مباشرة. وفى هذا الوقت تكون السنابل طرية يمكن أكلها. وفى هذا السبت يقرأ اليهود فى المجامع قصة داود وأكله من الخبز المقدس. وهذه هى القصة التي استشهد بها السيد المسيح.

شفاء ذو اليد اليابسة فى السبت.

الأعداد 6-11

الآيات (لو6: 6 – 11)

“6 وَفِي سَبْتٍ آخَرَ دَخَلَ الْمَجْمَعَ وَصَارَ يُعَلِّمُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ الْيُمْنَى يَابِسَةٌ، 7 وَكَانَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُرَاقِبُونَهُ هَلْ يَشْفِي فِي السَّبْتِ، لِكَيْ يَجِدُوا عَلَيْهِ شِكَايَةً. 8أَمَّا هُوَ فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَدُهُ يَابِسَةٌ: «قُمْ وَقِفْ فِي الْوَسْطِ». فَقَامَ وَوَقَفَ. 9ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَسْأَلُكُمْ شَيْئًا: هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاَكُهَا؟ ». 10ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَفَعَلَ هكَذَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. 11فَامْتَلأُوا حُمْقًا وَصَارُوا يَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَاذَا يَفْعَلُونَ بِيَسُوعَ.”.

الآيات (مت 9: 12 – 14): -.

“9ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ، 10 وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السُّبُوتِ؟ » لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 11فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هذَا فِي السَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ 12فَالإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذًا يَحِلُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي السُّبُوتِ! » 13ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. 14فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ،”.

الآيات (مر 1: 3 – 6): -.

“1ثُمَّ دَخَلَ أَيْضًا إِلَى الْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. 2فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي السَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 3فَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَهُ الْيَدُ الْيَابِسَةُ: «قُمْ فِي الْوَسْطِ! » 4ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟ ». فَسَكَتُوا. 5فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى. 6فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ.”.

السيد هنا يؤكد المبدأ السابق أن الله يريد رحمة لا ذبيحة (هو 6: 6) فالسيد هنا بنفسه قام بشفاء الإنسان ذو اليد اليابسة أى المشلولة. واليهود سألوا الرب هل يحل الإبراء فى السبوت = لم يكن السؤال لأجل المعرفة بل إستنكاراً لتصرفات المسيح وإتهاماً لهُ. والسيد إذ يعلم محبتهم للأموال والمقتنيات سألهم أى إنسان منكم يكون له خروف … ليظهر لهم أنهم يهتمون بمقتنياتهم وأموالهم أكثر من رحمتهم بإنسان يده مشلولة. والرب كما أعطى قوة لهذا المريض ثم أعطاه أمراً أن يمد يده، هكذا مع كل وصية يعطيها لنا يعطى معها القوة على التنفيذ فنمد أيدينا لفعل الخير بنعمته. ولاحظ إيمان الرجل إذ لم يعترض على أمر المسيح بل مد يده. هناك من قال أن اليهود وضعوا هذا الرجل فى المجمع ليروا هل يشفيه المسيح. والمسيح تعمد أن يصنع معجزات كثيرة يوم السبت، فهو أتى ليصحح المفاهيم الخاطئة. ولاحظ أنهم كانوا يريدون من المسيح ألاّ يشفى يوم السبت، وتآمروا هم لقتل المسيح يوم السبت (مت 14: 12) ولهذا إذ عرف المسيح فكرهم قال لهم هل يحل فى السبت فعل الخير أو فعل الشر تخليص نفس أو قتل (مر4: 3).

بغضب = بسبب عنادهم. ولو فكروا قليلاً فى روح الوصية. ففى وصية السبت يمنع شغل حتى الحيوانات (تث 14: 5) وذلك لكى يرتاح الحيوان، فهل الله يهتم براحة الحيوان يوم السبت ولا يهتم بشفاء مريض يوم السبت. لاحظ قول مرقس فصاروا يراقبونه = المقصود أنهم يتربصون به ليتصيدوا عليه خطأ قال السيد للرجل قم فى الوسط = كان هذا ليستدر رحمتهم على الرجل المشلول. ولكن القلوب القاسية لم تلنْ. وهذا تدين فاسد إذ لم يجعل القلوب رحيمة، لهذا أصر السيد على عمل معجزاته يوم السبت ليصحح هذا التدين الفاسد الذى أغلق القلوب.

(مر3: 5): – غلاظة قلوبهم = لماذا إعتبر السيد المسيح أن دفاع اليهود عن وصية السبت هو غلاظة قلب بينما أنه هو واضع الوصية؟ كما رأينا أن مفهومهم كان خاطئا، ولكن نلاحظ تفاهة الإعتراض، فالمسيح قام بعمل خير، بل كل من هو فيه مرض من الواقفين كان يتمنى من المسيح أن يشفيه حتى لو فى السبت. إذن أين غلاظة القلب؟ حقيقة لا بد وأن نعرفها أن القلوب النجسة المملوءة شراً تحاول أن تتمسح بالشكليات لتخفى الفساد الداخلى، فهم يتمسكون هنا بحرفية الوصية لإظهار برٍ كاذب يَدَّعونه لإخفاء غلاظة = نجاسة قلوبهم. وهذا معنى قول السيد المسيح “…. هكذا أنتم أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما… يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل…. (مت23: 16 – 34).

إختيار الرسل الإثنى عشر.

الأعداد 12-16

الآيات (لو12: 6 – 16): –

“12 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للهِ. 13 وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلاً»: 14سِمْعَانَ الَّذِي سَمَّاهُ أَيْضًا بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ. يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فِيلُبُّسَ وَبَرْثُولَمَاوُسَ. 15مَتَّى وَتُومَا. يَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى وَسِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ. 16يَهُوذَا أَخَا يَعْقُوبَ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ الَّذِي صَارَ مُسَلِّمًا أَيْضًا.”.

الآيات (مت 1: 10 – 4): -.

“1ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. 2 وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. 3فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. 4سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ.”.

الآيات (مر 13: 3 – 19): -.

“13ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَدَعَا الَّذِينَ أَرَادَهُمْ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. 14 وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلِيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا، 15 وَيَكُونَ لَهُمْ سُلْطَانٌ عَلَى شِفَاءِ الأَمْرَاضِ وَإِخْرَاجِ الشَّيَاطِينِ. 16 وَجَعَلَ لِسِمْعَانَ اسْمَ بُطْرُسَ. 17 وَيَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ، وَجَعَلَ لَهُمَا اسْمَ بُوَانَرْجِسَ أَيِ ابْنَيِ الرَّعْدِ. 18 وَأَنْدَرَاوُسَ، وَفِيلُبُّسَ، وَبَرْثُولَمَاوُسَ، وَمَتَّى، وَتُومَا، وَيَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى، وَتَدَّاوُسَ، وَسِمْعَانَ الْقَانَوِيَّ، 19 وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. ثُمَّ أَتَوْا إِلَى بَيْتٍ.”.

هل تبحث عن  دعه يطرد الجميع

لقد أمر الرب أن يطلبوا من رب الحصاد ليرسل فعلة إلى حصاده وهاهو قد إستجاب، وإختار التلاميذ الإثنى عشر وأرسلهم للخدمة. ولا أحد يأخذ هذه الوظيفة لنفسه بل المدعو من الله (عب 4: 5). ونلاحظ من إنجيل لوقا أن السيد إختار تلاميذه بعد أن قضى الليل كله فى الصلاة. وهكذا تصلى الكنيسة قبل إختيار راعيها.

وليس مصادفة أن يكون عدد التلاميذ 12، فعدد أسباط الشعب فى العهد القديم 12، فكأن المسيح يُعِّدْ شعباً جديداً برئاسة جديدة، ففى المسيح يصير كل شىء جديداً. كان المسيح يعمل بهم وفيهم ليعد شعباً وكنيسة جديدة. ورقم 12 يشير لمملكة الله على الأرض.

12 = 3 (الثالوث القدوس) × 4 (العالم) = المؤمنون بالله مثلث الأقانيم فى كل العالم.

ولذلك كان أسباط العهد القديم أيضاً 12 فهم شعب الله فى هذا العالم وبهذا المعنى حينما هلك يهوذا وصاروا أحد عشر فقط إختاروا متياس ليكمل عددهم إلى 12. وصار إسم الإثنى عشر يستعمل للدلالة عنهم.

ثم دعا = هذا يدل كما رأينا سابقاً أن السيد سبق وتحاور معهم وإختارهم وأقنعهم، وإقتنعوا به، فلما دعاهم تبعوه فى الحال. راجع (مت 18: 4 – 21). وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة = سلطان روحى وقوة روحية لهدم مملكة الشر. وللأسف كان يهوذا له هذا السلطان وإستخدمه.

والسيد إختار الإثنى عشر ليتتلمذوا على يديه، يعيشوا معه ويسمعوه ويرافقوه فيعرفوا فكره، وينقلوه لمن هم بعدهم وهذا ما نسميه الفكر الرسولى، هذا هو التقليد الكنسى. هو إستلام الفكر بطريقة عملية وتسليمه من جيل إلى جيل، هي حياة المسيح وأسلوبه في كل تصرف يتعلمونها فيحيون بها. ولقد إختار السيد تلاميذه من وسط الناس البسطاء ليؤكد أن فضل قوتهم هو لله وليس منهم. لقد وهبهم السيد إمكانياته ليعملوا لا بإسمهم بل بإسمه ولحساب مملكته بكونه العامل فيهم. ونسمع فى مرقس ولوقا أن المسيح صعد إلى الجبل ليصلى قبل إختيار تلاميذه، والجبل بعلوه يشير للسماويات، وكأن صلاته تشير لأنه سماوى متصل بالله أبيه، يسمو فوق الأرضيات بغناها وأمجادها، كأنه بإرتفاعه على الجبل يبعد عن الأرضيات. وصلاة المسيح تشير لأنه إنسانياً يمتلئ بالروح (لو1: 4)، وهذا الإمتلاء كان ليختار تلاميذه بقوة وإرشاد الروح. والمسيح بهذا فتح لنا الطريق كبشر أن نمتلئ بالروح حين نصلي فيفتح حواسنا على السمائيات. فحين تمتلئ الإنسانية التي في المسيح بالروح فهو يفتح الطريق أمامنا لنفس الإمتلاء حين نثبت فيه. وواضح من (لو 13: 6) أنه كان هناك عدد كبير يتبع المسيح ولقد إختار منهم المسيح 12 فقط.

ونلاحظ أن السيد قد إختار من ضمن التلاميذ يهوذا الذى خانه. لذلك على كل خادم أو راعى أن يحذر لئلا يسقط “من هو قائم ليحذر لئلا يسقط” ونلاحظ أن الكنيسة يستحيل أن تصل لدرجة الكمال على الأرض وسيبقى الزوان مع الحنطة. ونلاحظ فى هذا أيضاً أن سيامة كاهن لن تصلح إنحرافه لو كان هناك إنحراف. ونقول أن يهوذا غالباً كان فى حالة جيدة وقت أن إختاره المسيح ولكن لمحبته للمادة هلك.

أما ما هى نوعية صلاة المسيح فهذا لن نستطيع أن نقول عنه إلا أنها راحة الروح مع الروح، هى راحة إبن مع أبيه، هى صلة المحبة بالمحبة والنور بالنور.

بمقارنة أسماء التلاميذ فى الأناجيل الثلاثة نلاحظ الآتى:

الأول دائماً هو سمعان بطرس لأنه دُعى أولاً وهو أكبرهم سناً وكان يتكلم نيابة عنهم، وليس لرئاسته. ومتى ولوقا وضعا إسم أندراوس أخوه معه لكن مرقس وضع إسم أندراوس فى ترتيبه بحسب أهميته. ولكن بطرس كان مندفع في شخصيته، وهذا الإندفاع لا يعني بالضرورة أنها شجاعة فهو أنكر وشتم المسيح.

يعقوب ويوحنا هما إبنا زبدى والمسيح أسماهم بوانرجس، وهو إسم يدل على غيرتهما وحماسهما (لو54: 9). هذه الغيرة تحولت لحماس فى الكرازة. ونلاحظ أن المسيح لا يغير طبيعة الشخص ولا شخصيته، بل هو إستفاد بما فيهما من غيرة وقدسها أى صارت هذه الغيرة والحماسة لحساب مجد الله، وإلتهب كلاهما حباً في الله وغيرة في إتجاه صحيح. المسيح يعرف أن كل منهم به ضعف وبه نقطة إيجابية إستغلها المسيح وشفى الجميع من ضعفاتهم.

برثولماوس هو نثنائيل (يو45: 1).

متى تواضعاً يقول عن نفسه متى العشار ولم يقل متى الإنجيلى. (هذا كان كعشار متواطئاً مع الرومان).

لباوس هو تداوس وهو نفسه يهوذا أخا يعقوب.

سمعان القانوى هو سمعان الغيور. قانوى تعريب للكلمة العبرية قانا وتعنى الغيور. والغيورين هم حزب وطنى قاوم هيرودس وهم جماعة من اليهود متعصبون لقوميتهم إلى أبعد حد، ويطالبون بالتحرر من نير الحكم الرومانى مهما كلفهم هذا من ثمن. يرفضون قيام أى ملك غير الله نفسه، مستعدون أن يقوموا بأعمال تخريبية لأجل تحرير وطنهم من الرومان. وهذا حينما شفاه المسيح صار غيوراً على مجد الله وكنيسته.

يهوذا الإسخريوطى. وكلمة إسخريوطى تشير لعدة إحتمالات.

من سكان مدينة قريوت (يش 2: 15) وهذا هو أشهر تفسير.

الشخص الذى يحمل كيس الدراهم وهو بالأرامية سيكاريوتا.

الشخص الذى شنقَ من العبرانية أسكار وقد تعنى قاتل أو ذَبَّاحْ.

والكل تجاوبوا مع عمل المسيح الشافي، ما عدا يهوذا الذي رفض عمل المسيح وإستمر على محبته للمال ورغبته في منصب حينما يملك المسيح فيحصل على أموال أكثر.

هم خليط من الشخصيات فمنهم العشار وهذا باع نفسه للرومان لأجل الربح. وعلى النقيض منهم الغيور الوطنى المتحمس لدرجة الشراسة ومنهم المقدام مثل بطرس. ويوحنا المملوء حباً وعاطفة وتوما الشكاك. والأفضل والأدق أن نقول أنه عقلانى يريد أن يقتنع، والله فى معاملاته معنا لا يرفض مثل هؤلاء بل يقنعهم كما قال إرمياء “أقنعتنى يا رب فإقتنعت وألححت علىَّ فغلبت” (إر20: 7) هو تعود أن لا يترك تساؤلا داخله أو إستفسار دون أن يخرجه الى خارج، وهذا لا يضايق الله، بل الله يجيب على تساؤلاتنا وبطريقة مقنعة. لكن الله يحزن ممن يتساءل بسخرية أو يشكك الآخرين. وطبيعة توما تجدها فى (يو 14: 5). لكن كان لتوما محبة كبيرة للمسيح (يو 11: 16).

وكلهم جمعهم المسيح ليقدسهم ويغير طبيعتهم فيصيروا نوراً للعالم. إختارهم المسيح من الناس العاديين الخطاة ليترفقوا بإخوتهم. وظهر تغيير الطبيعة مثلاً فى يوحنا الذى كان مملوءاً غيرة وحماساً، يطلب نزول نار من السماء لتحرق رافضى المسيح، إلى يوحنا المملوء حباً عجيباً للمسيح، وفى المسيح أحب الجميع. هى غيرة وحماس ولكن من نوع آخر. المسيح غَيَّر منهم وأرسلهم ليُغَيِّروا الناس ويصبح الكل خليقة جديدة.

المسيح غيَّر أسماء البعض مثل سمعان جعله بطرس، وبطرس معناها صخرة لكونه أول من أعلن الإيمان بالمسيح أنه إبن الله، وعلى هذا الإيمان تبنى الكنيسة، فلا كنيسة إن لم يكن المسيح هو إبن الله. وهو غير الأسماء بسلطان فهو يهوه الذى غير إسم إبرام لإبراهيم……

بطرس بالأرامية تعنى كيفاس أو صفا بمعنى صخرة (1كو 22: 3).

بوانرجس (يعقوب ويوحنا إبنا زبدى) هذا الإسم يعنى إبنا الرعد.

أسماء فيلبس وأندراوس أسماء يونانية. وهؤلاء لهم مشكلة واضحة وهي التعامل مع الله من واقع الحسابات المادية.

قارن بين (35: 9) + (1: 10) نجد أن ما جاء المسيح ليعمله جعل التلاميذ يعملونه. لذلك غسل المسيح أرجل تلاميذه وطلب منهم أن يفعلوا نفس الشئ. ولذلك نصلي لقان غسل الأرجل مرتين، الأولى يوم خميس العهد والثانية يوم عيد الرسل.

الآيات (مت 5: 10 – 8): -.

“5هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. 7 وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. 8اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا.”.

إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا…. إذهبوا إلى خراف بيت إسرائيل = كان فى الجليل مدن يونانية تعيش معزولة عن اليهود وكان اليهود والسامريين فى بغضة شديدة لبعضهم البعض. فاليونانيون بوثنيتهم والسامرة بكراهيتها للتلاميذ فهم يهود، والتلاميذ بمحبتهم الناقصة (قبل حلول الروح القدس)، لن يمكن أن يشهدوا للمسيح وسط هذه المقاومة والإهانات والكراهية خصوصاً كما قلنا وهم لم يحل عليهم الروح بعد. وحلول الروح القدس عليهم سيعطيهم المحبة والإحتمال والصبر، والكلمة المناسبة. ولكن أرسلهم السيد أولاً إلى اليهود، حتى لا يكون لليهود عذر فى رفضهم للمسيح. ولكن بعد صلب اليهود للمسيح ورفضهم بعد ذلك لتلاميذه وبعد حلول الروح القدس على التلاميذ أرسلهم الرب للأمم وللسامريين “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم (مت 19: 28 + أع 8: 1).

قد إقترب ملكوت السموات = هذا نفس ما قاله المعمدان (مت 2: 3) وقاله السيد الرب بنفسه (مت17: 4). فالسيد قد جاء ليؤسس ملكوته الروحى وهذا يتأسس فى القلوب التائبة. فالقلب التائب يستطيع أن يملك الرب يسوع عليه، ولكن القلب غير التائب والمعاند لن يمكنه ذلك. لذلك كانت رسالة المعمدان ثم رسالة رب المجد نفسه هى توبوا (مت 2: 3 + 17: 4). وحينما يملك الله على القلب يعيش الإنسان في فرح، والعكس فحينما يملك إبليس يشيع الحزن والكآبة في القلب. ولأن ملكوت السموات فرح يقول المسيح لهم إكرزوا بأن الفرح الآن متاح لكم.

إشفوا مرضى.. إخرجوا شياطين = المسيح يعطى لتلاميذه إمكانيات جبارة للخدمة، تسندهم وتفتح الطريق أمامهم فالناس سوف تصدقهم حينما تصاحب المعجزات كرازتهم. وبهذا يعلنوا محبة الله للبشر التى تريد لهم الشفاء والحياة، وتريد لهم الحرية من سلطان الشيطان ليملك الرب بنفسه عليهم. ونلاحظ أنه فى بداية معرفة المسيح يكون الشفاء الجسدى هو علامة عند المبتدئ لمحبة المسيح لهُ، ومع نضج المؤمن يسمح له الله ببعض الأمراض ليَكمُل (بولس الرسول مثال).

مجاناً أخذتم مجاناً اعطوا = حتى لا يصبح جمع الأموال هدفاً لهم فيهتموا بالأغنياء ويتركوا الفقراء. وحتى لا يظنوا أنهم بقوتهم يفعلون هذا بل هم أخذوا المواهب مجانا. ثم طالبهم السيد فى الآية القادمة بأن لا يقتنوا ذهباً ولا فضة. ولكن نلاحظ أنه قبل أن يطلب هذا أعطاهم هذه الإمكانيات الجبارة فالسيد لم يحرمهم من تلك الزمنيات إلاّ بعد أن أعطاهم الكثير. ولاحظ أن هذه الإرسالية كانت كتدريب فى وجود المعلم.

بركات وويلات.

الأعداد 17-26

الآيات (لو17: 6 – 26):

– “17 وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ، 18 وَالْمُعَذَّبُونَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ. وَكَانُوا يَبْرَأُونَ. 19 وَكُلُّ الْجَمْعِ طَلَبُوا أَنْ يَلْمِسُوهُ، لأَنَّ قُوَّةً كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَشْفِي الْجَمِيعَ. 20 وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: «طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ. 21طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ. 22طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ. 23اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاءِ. لأَنَّ آبَاءَهُمْ هكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ. 24 وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ. 25 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. 26 وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ.”.

واضح أن هناك خلافات فى النص الوارد فى تطويبات إنجيل متى مع تطويبات إنجيل لوقا. فمثلاً يقول فى متى طوبى للمساكين بالروح وفى لوقا يقول طوباكم أيها المساكين.. وهكذا. وحل هذا الإشكال سهل جداً. فنحن نسمع فى إنجيل متى أن المسيح ألقى عظته على الجبل 1: 5 ولكننا نسمع فى لوقا أن المسيح قال عظته الثانية بعد أن نزل من على الجبل وذهب إلى سهل 17: 6. فعظة إنجيل متى من على الجبل وعظة إنجيل لوقا فى سهل. وسبب إختلاف المعانى أن الجمع الذى إحتشد حول المسيح بعد نزوله من على الجبل كان مكوناً من تلاميذه الذين تركوا كل شىء وتبعوه، وأيضاً من كثيرين من المتألمين والمرضى والمعذبين، فكان كلام المسيح لهؤلاء يختلف عن كلامه لمن كانوا على الجبل، كان كلام المسيح على الجبل (والجبل رمز للسماويات) موجهاً للنواحى الروحية مثل الإتضاع وهو المسكنة بالروح، والجوع والعطش للبر. أماً كلام المسيح فى السهل (والسهل رمز للمستوى الروحى الأدنى) فقد كان متأثراً بحالة الجموع المعذبة، هؤلاء الذين يحيون فى ذل وشقاء ونجد هنا المسيح يتحنن عليهم ويشفيهم، ويطوبهم على إحتمالهم ما هم فيه. لم يكلمهم المسيح عن المسكنة بالروح بل طوبهم على إحتمالهم المسكنة وأنهم تبعوه ويسمعونه، أى هم يبحثون عن الحق. وطوَّب هؤلاء الجياع لأنهم إحتملوا جوعهم بلا تذمر. وقطعاً فالمسيح لن يطوب إنساناً مسكيناً فقط لأنه مسكين وفقير، إن لم يكن له روحيات ترضى المسيح كتسليم حياته لله، والشكر على ما هو فيه، وعدم التذمر. المسيح فى عظة إنجيل لوقا يرفع من معنويات هؤلاء المساكين (راجع قصة الغنى والعازر). وبعد أن يرفع معنوياتهم، يرفع روحياتهم بأن يكلمهم عن المسكنة بالروح. المسيح كان يشفى أمراضهم ويحررهم من الأرواح النجسة أولاً وبعد ذلك يكلمهم عن الجوع والعطش إلى البر.

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة قلب الملوك جدول مياه*

ونلاحظ أن هناك من صار فقيراً وجائعاً فعلاً لأجل المسيح كالرهبان وعلى رأسهم الأنبا أنطونيوس الذى باع كل ما يملكه وصار فقيراً ليتشبه بسيده الذى إفتقر وهو غنى (2كو 9: 8).

عظة إنجيل لوقا فى السهل هى الدرجة الأولى فى السلم الروحى يليها الدرجة الأعلى على الجبل فى إنجيل متى. ونزل معهم = هو نزل معهم لكى يرفعهم. وهو تحنن عليهم إذ جاءوا ليسمعوه… وطلبوا أن يلمسوه.. لذلك إذ طلبوه بصدق طوَّب فقرهم وجوعهم وعَلَّمَهم (مر 34: 6) لأن قوة كانت تخرج منه وتشفى الجميع = فالسيد المسيح هو القوة الخالقة، هو الذى به كان كل شىء وبغيره لم يكن شىء مماّ كان، وهو القوة المصححة الشافية للخليقة، لهذا تجسد.

إذاً لا تعارض بين ما ذكره القديس متى وما قاله القديس لوقا. فالمسيح ظل يعلم الجموع أكثر من ثلاث سنوات. وكل إنجيلى يختار من تعاليم السيد ما يناسب هدفه من كتابة إنجيله. وكما رأينا فى المقدمة فإن لوقا يقدم المسيح صديق البشرية المعذبة، لذلك هو ينتقى هنا من تعاليم المسيح هذه الكلمات الموجهة للمقهورين. وهؤلاء حين تبدأ تعزياتهم يمكن أن يفهموا المستوى الروحى الأعلى عن المسكنة بالروح التى ذكرها متى.

طوباكم = طوبى بمعنى يسعد وينعم وتعنى الغبطة. وفى عظة الجبل كان السيد يقول طوبى، وهنا يوجه السيد كلامه لسامعيه من المساكين ليشجعهم.

أيها المساكين = العالم يفهم أن السعادة والغبطة هى للأغنياء، والسيد هنا يقول إن الطوبى للمساكين فلهم ملكوت الله، لهم السعادة فى السماء أما الأغنياء فقد إستوفوا أجرهم على الأرض ولنراجع (قصة لعازر والغنى) وهذه أيضا ذكرها لوقا فقط مما يوضح الفكرة التى يهتم لوقا بأن يقدمها عن المسيح صديق البسطاء والفقراء والمعذبين. هنا المسيح يرفع المساكين والمتألمين لشركة أمجاده. ومن آية 24 يقدم المسيح بعض الويلات، مثلاً للأغنياء ونلاحظ: -.

المسيح بدأ بالتطويبات قبل الويلات فهدفه تشجيع السامعين وبث الرجاء فيهم.

المسيح ليس ضد الأغنياء ولكن ضد الأغنياء قساة القلوب أو الذين يعتمدون ويتكلون على أموالهم (مر19: 4 + مر 24: 10).

المسكين مادياً ولكنه متكبر مثلاً لن يكون له نصيب فى الملكوت.

أيها الباكون = المقصود بهم المظلومين والمقهورين، ومن ظَلَمَهُم العالم سينصفهم الله.

أفرزوكم = هو حكم يصدر من المجمع، فلا يحق للمحكوم عليه دخوله 30 – 90 يوماً.

وعيروكم = الحكم الأول أفرزوكم هو حكم دينى، وهذا الحكم عيروكم هو حكم مدنى.

أخرجوا إسمكم كشرير = هذا حكم أدبى يُحرم فيه الإنسان من حقوقه الدينية والمدنية والشخصية.

من أجل إبن الإنسان = مبارك من يُحكم عليه بما سبق لكونه مسيحى.

كانوا يفعلون بالأنبياء = الصليب والإضطهاد واقع على كل أولاد الله.

الأغنياء = المتكلين على أموالهم، وقلوبهم بلا رحمة، الشباعى = من مسرات العالم.

الضاحكين = يلهيهم العالم بإغراءاته عن طلب التوبة بدموع.

قال فيكم جميع الناس حسناً = هؤلاء الذين يسعون وراء المجد الباطل.

محبة الأعداء.

الأعداد 27-36

الآيات (لو27: 6 – 36): –

“27«لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، 28بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. 29مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. 30 وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ. 31 وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا. 32 وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. 33 وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا. 34 وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. 35بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ. 36فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ.”.

الآيات (مت43: 5 – 48): -.

“43«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47 وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.”.

الله محبة، وفى العهد الجديد عهد النعمة يسكب الله روح المحبة فى قلوبنا، ومن ثماره المحبة (رو 5: 5 + غل 22: 5). وكمال الإنسان المسيحى أن يمتلئ محبة لله أولاً ولكل الناس حتى لمن هم يعادونه، فى العهد الجديد يتصور المسيح فينا (غل 19: 4) فلا نستطيع سوى أن نحب الجميع تحب قريبك وتبغض عدوك = الناموس لم يأمرهم أن يبغضوا أعداءهم، ولكن تحب قريبك هذه وصية الناموس، أماّ تبغض عدوك فهى تعليم الكتبة. فوصية الناموس الأولى والعظمى هى المحبة. فالقريب فى نظرهم هو اليهودى. أما تفسير المسيح فنرى فيه أن السامرى هو قريبى. ونلمس فى الناموس بعض الوصايا التى تشير لمحبة العدو (خر 23: 4، 5 + تث7: 23 – 8) وقد نجد بعض الآيات التى قد تفهم على أنها كراهية للأعداء مثل (تث 6: 23) وغيرها ولكن حتى نفهم هذه الآيات يجب أن نعلم أن الشعب اليهودى فى هذه المرحلة ما كان يميز بين الخطية والخاطئ، فحين يطلب منهم الله أن يكرهوا خاطئاً فكان هذا ليكرهوا الخطية التى يعملها فلا يعملونها هم أيضاً.

أحبوا أعداءكم = السيد يعطى أمرا بأن نحب أعدائنا. هذه ليست فى قدرة الإنسان العادى، بل المحبة هى هبة من الله يعطيها الله لنا بالنعمة. فكيف ننفذها؟

فى عهد النعمة، يعطينا الروح القدس هذه الإمكانية، وهى ليست بإمكانيات بشرية بل هى عطية إلهية. ولكن النعمة لا تُعطَى إلاّ لمن يجاهد فى سبيلها، وهذا تعليم أباء الكنيسة. والجهاد هو عمل فيه تغصب، وإن ألزمنا أنفسنا وجاهدنا تنسكب النعمة فينا بعمل الروح القدس. ومن يعمل فيه الروح القدس يجدد طبيعته فيخلص (غل6: 15) لذلك فمن ليست له محبة لكل إنسان حتى أعداءه فهو ميت روحيا (1يو3: 14) لسبب بسيط هو أن هذا دليل على أن الروح القدس لم يُغيِّر طبيعته ويجدده بعد. وأول ثمار الروح هى المحبة (غل5: 22). ولذلك فالسيد حدد شروط الجهاد حتى نحصل على هذه النعمة باركوا… أحسنوا… صلوا لأجل… وكلها تمارس بالتغصب فهذا أقصى ما نستطيعه، أما عطية المحبة فهى النعمة التى يعطيها الله مجاناً لمن يستحق. وهذا كما ملأ الخدام أجران الماء فهذا أقصى ما يمكن للبشر عمله (جهاد)، وحينئذٍ حول الرب الماء إلى خمر (نعمة).

باركوا لاعنيكم = تكلموا عنهم فى غيابهم وأمامهم بكل ما هو صالح (بالغصب طبعاً) أحسنوا إلى مبغضيكم = قدموا لهم ما أمكن خدمات وأعمال محبة بالتغصب، فهناك من يتصور أننا لا نقدم خدمات إلاّ لمن يستحق هذا، أى لمن يقدم لنا خدمات.

صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم = أطلبوا بركة الله لهم ولذويهم فى صلواتكم وربما يتساءل البعض.. هل أصلى وأقدم خدمة وأبارك شخص أساء لى، وقلبى مملوء غضباً عليه؟ نقول نعم فهذا هو الجهاد، فالجهاد هو أن تغصب نفسك على شئ حسن صالح، لا رغبة لك أن تعمله، وهذا تعليم السيد له المجد (مت11: 12) وفى مقابل جهادك تنسكب النعمة فيك. فتجد نفسك قادراً على محبة عدوك، بل ستجد نفسك غير قادر أن تكرهه. وهذه الآية تثبت صحة وجهة نظر الأرثوذكسية فى أنه لا نعمة بدون جهاد. فالمحبة هى عطية من الله أى نعمة، وهذه لا تنسكب فينا بدون الجهاد الذى ذكره السيد المسيح.

لكى تكونوا أبناء أبيكم = حتى تستطيعوا أن تستمروا وتظهروا هكذا أمام الناس والملائكة، وتكونوا مشابهين فى المحبة لله أبيكم. هذا هو الكمال المسيحى. فالله يعطى من بركاته للجميع حتى الأشرار = يشرق شمسه على الأشرار. والسيد يعطينا أن يكون المثل الذى نقيس عليه هو كمال الآب السماوى، ومن يفعل يفرح الله.

أحببتم الذين يحبونكم = فهذه يصنعها حتى الأشرار، هذه تنتمى للإنسان العتيق، إنسان العهد القديم، الذى هو بدون نعمة.

العشارون = كانوا يجمعون الجزية، ولكنهم إستغلوا وظيفتهم فى إبتزاز الناس لذلك صار إسم عشار يرادف أحط الأشياء وأحقرها.

راجع مقدمة رسالة يوحنا الاولى لشرح أهمية بل خطورة هذه الوصية.

إدانة الآخرين.

الأعداد 37-42

الآيات (لو37: 6 – 42): –

“37« وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. 38أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ». 39 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟ 40لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. 41لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ 42أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.”.

الآيات (مت1: 7 – 5): -.

“1«لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، 2لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. 3 وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ 4أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ 5يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!”.

لا تدينوا = السيد المسيح لا يمنع الإدانة منعاً مطلقاً وإلاّ سقط العدل وإمتنع الناس عن التعليم، ولا يوجد بهذا المفهوم سلطان للقضاة، ولا يصير هناك حق لأب يعلم إبنه ويوبخه حين يخطىء، ولا من مدرس يوبخ تلميذه، ولإنقضى سلطان الكنيسة فى توبيخ الخطاة وإدانتهم (1كو 3: 5 + 12). بل أن الرب أعطى للكنيسة هذا السلطان (مت 18: 18). بل أن الله يقول “ويلٌ للقائلين للشر خيراً وللخير شراً …” (إش 20: 5) فالمؤمن الحقيقى إذ هو مسكن للروح القدس يحمل روح التمييز، فيرى الأخطاء ولا يقدر أن ينكرها أو يتجاهلها. وبولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس “وبخ إنتهر عظ….” (2تى2: 4 + 1تى 20: 5) والمعمدان وَبَّخ الفريسيين (مت 7: 3) ولكن المعنى المطلوب: -.

أن نهتم بأن ندين أنفسنا أولاً وألا ندين كشهوة إنتقام أو ندين ظلماً.

عندما نهتم بإدانة الناس ننسى أن نهتم بأن نراقب أنفسنا وننسى أن نهتم بالسماء ونصيبنا المعد لنا.

نحن لن يمكننا معرفة قلوب الناس وحقيقتهم، فنحن إنما نحكم بالمظاهر التى نراها، لكن الله هو الديان العادل فهو فاحص القلوب والكلى.

دينونة الناس تفقدنا طبيعة المحبة تجاههم، ومن المحبة الستر على الآخر. عموماً من يلتمس العذر للآخرين ويرحمهم، يرحمه الله ويغفر خطاياه.

إعتاد الناس على أن يلجأوا لإدانة غيرهم وتبرير أنفسهم منذ القديم، فآدم ألقى اللوم على حواء بل على الله…. “المرأة التى خلقتها”. فالخاطىء لا يريد أن يكون خاطئاً وحده، لذلك ينظر لمن حوله يبحث فيهم عن الخطأ ويدينهم متعللاً بأنه يريد إصلاح المجتمع. وكان الفريسيين يتدخلون فى شئون الناس ويدينوا ويحكموا عليهم، وهذا عمل الله وحده.

عمل دينونة الناس هو محاولة منى أن أظهر كإنسان بار، أفضل من الجميع، وهذا عكس ما يريده الله، فالله يريد قلباً مثل قلب داود القائل “خطيتى أمامى فى كل حين” ومثل قلب بولس القائل “الخطاة الذين أولهم أنا” (1تى 15: 1). أما عكس هذا السلوك فيقود للكبرياء، ثم السقوط.

من يركز نظره على السماء وعلى المسيح مهتماً بأبديته، يرى المسيح فى نوره وبهائه ويقارن مع حاله فيكتشف بشاعة خطيته، أماّ من يركز على الناس فسيرى أخطاءهم وسيرى أنه أفضل منهم وهذا يقوده للكبرياء والضياع. أماّ من يرى خطيته وبشاعتها فسيصرخ لله طالباً الرحمة فيخلص. وهذا هو تفسير قول بولس الرسول “الخطاة الذين أولهم أنا” فهو عينه مفتوحة على السماء وعلى قلبه، فيرى جمال ونقاء المسيح، وفى نور المسيح الذى أضاء قلبه يرى خطايا لا نراها نحن بل يرى أن خطاياه هذه أنها كبيرة، وفى إنشغاله بنور المسيح وبخطيته لا يرى خطايا أحد.

أن يقيم الإنسان من نفسه دياناً للناس فهذا إغتصاب لحق الله الديان.

الإدانة هى وسيلة نفقد بها العين البسيطة (22: 6) إذ حين ننشغل بخطايا الناس سيكون هناك شىء آخر تنشغل به العين غير مجد الله.

إذا أخطأ إلىَّ شخص، يقول السيد المسيح إذهب وعاتبه (مت 15: 18 – 17). وفى هذا النص نفهم أنه يمكننا أن نحكم على المخطىء بأنه مخطىء، ولكن هناك موقفين 1) أن نشهر بالمخطىء ونفضحه وهذا لا يقبله المسيح. 2) أن نذهب إليه سراً (بينك وبينه) ونعاتبه وهذا ما يُعَلِّمْ به الرب.

نصيحة أخيرة أن لا نهتم بأن نحكم وأن ندين الآخرين، لكن إذا سألنا أحد عن موقف معين لشخص مخطىء، فعلينا أن نحكم بالحق، بأن هذا التصرف كان خطأ…. لكن لا ندين الشخص ونحاول أن نستر عليه أو نجد عذراً له.. نتصرف كمن يرحم الطبيعة البشرية لا كمن يدينها. بصيغة أخرى فلندن الخطية ولا ندين الخاطىء ونشوه سمعته ومن يتشبه بالله فى مراحمه يرحمه الله = لكى لا تدانوا. ولاحظ أن الناظر إلى السماء وعقله وقلبه مشغولين بفرح بالمسيح لن يرى أصلا ما يعمله الناس. هذا يكون كمن يقود سيارة فلو إنشغل بالطريق أمامه كما يجب لن يلحظ حال الراكبين معه، أماّ من ينشغل بما يلبسه الراكبون معه فستكون النتيجة حادثة صعبة.

هل تبحث عن  «إِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي»

تدريب: حين ترى شخصا يخطئ، فكر فى الأسباب التى جعلته يخطئ محاولا أن تجد عذرا له.. مثلا.. لعله مريض / لعله محتاج / لعله متضايق جدا / لعله لم يفهم الموقف / لعله يعانى من صغر النفس… إلخ.

من يركز على خطاياه سيراها كبيرة = الخشبة التى فى عينك فيهتم أن يخرجها. ولكن من ينسى نفسه ويركز على خطايا الآخرين، لن يرى سوى القذى الذى فى عيونهم فيدينهم وينسى أن يخرج الخشبة من عينه. والقذى هو الذرات المتطايرة من الخشب عند نشره بالمنشار، وهذه إشارة للخطية الصغيرة، فكيف ندين الناس على خطايا صغيرة ونحن ملوثون بخطايا كبيرة. وهذا لا يتعارض مع التعليم لمن له حق التعليم ولكن ليكن التعليم فى محبة وليس بإستهزاء وكبرياء. ولمن ليس لهم حق التعليم فليعاتبوا من أخطأ إليهم سراً. وللكل عليهم أن يهتموا بأنفسهم أولاً.

الكيل = هو وعاء لقياس حجم الحبوب. المقصود كما نقيس وندين خطايا الآخرين هكذا سيفعل الله بنا.

أما القديس لوقا فيورد نفس الآيات مع تفصيلات أكثر.

آية (لو37: 6): – “37« وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.”.

نرى هنا الإرتباط مع آية (لو6: 36) “فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم” وهذه تتكلم عن الرحمة، فعدم الإدانة مرتبط بالرحمة فمن قلبه رحيم سيجد عذرا للمخطئ. وقوله هنا لا تقضوا = فيها معنى تحول الدينونة لقضاء وعقوبة (ونلاحظ أن التشهير عقوبة).

آية (لو38: 6): -.

“38أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ».”.

إعطوا = للناس. تُعطَوْا = من الله (الله يعطيكم من بركاته).

وهنا لم يصف عطيتنا للآخرين، ولكن يصف عطية الله بالجودة. فالله يعطى بسخاء ولا يُعَيِّر (يع1: 5). كيلاً جيداً = بلا زوائد فى قاعه تُنْقِص الكمية كأن يكون محدباً مثلاً.

كيلاً ملبداً مهزوزاً فائضاً = هنا البائع يريد إكرام المشترى، فبعد أن يملأ الكيل يضع فوقه بعض القمح بزيادة…. ملبدة = كمية زائدة. ثم يهز الكيل فينكبس القمح = مهزوزاً فتنقص الكيلة….، فيملأها ثانية. فيعود ويضيف قمحاً آخر حتى يفيض القمح من الكيلة = فائضاً فيفتح الشارى حجره ويستقبل الكيلة الفائضة فى حضنه فرحاً. ومن يزرع بالبركات فبالبركات يحصد (2كو 6: 9 – 9). وإرتباط هذه الآية بالسابقة هى أنه لو غفرنا وما عدنا نهتم بإدانة الناس ونرحمهم، يرحمنا الله ويغفر لنا. ولكن الآية معناها المباشر ينصب على محبة العطاء، فبقدر ما نعطى للآخرين سيعطينا الله.

الشجرة وثمارها.

الأعداد 43-46

الآيات (لو43: 6 – 46): –

“43«لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. 44لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا. 45اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. 46« وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟”.

الآيات (مت15: 7 – 20): -.

“15«اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ 17هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، 18لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. 19كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 20فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.”.

هنا يحذرنا السيد من المؤمنين المرائين، وهم فئتين.

الأنبياء الكذبة = لهم إسم المسيحية ولكن إيمانهم غير إيمان الكنيسة.

ثياب حملان = يقولون أن طريقهم هو طريق المسيح. والمسيح هو الحمل.

من لهم إيمان صحيح ولكنهم يعملون أعمالاً شريرة.

والأنبياء الكذبة هؤلاء يحملون مسحة التقوى الخارجية بينما قلوبهم ذئاب خاطفة (2كو 13: 11 – 14). وهؤلاء يمكن تمييزهم من ثمارهم. فهناك نفوس لا تثمر سوى الشوك، هؤلاء من يعيشون على ثمار الأرض الملعونة التى تثمر شوكاً. هؤلاء أبناء آدم الأول الإنسان العتيق، أماّ أولاد الله فهم الكرمة والأغصان.

ولكن هناك توبة لمن يريد، ومن يفعل ويتوب يبدأ يحمل ثماراً عوضاً عن الشوك. فالتوبة تعيدنا لكى نصير فى المسيح طبيعة جديدة “إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة” (2كو 17: 5). وهذه الطبيعة الجديدة نلبسها أولاً فى المعمودية، وقد نخسرها بخطايانا، ولكننا بالتوبة نستعيدها، وهذا ما كان السيد المسيح يعنيه بقوله “إجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً” (مت12: 33).

تلقى فى النار = مصير المعلمون الكذبة.

الآيات (مت21: 7 – 23): -.

“21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!”.

المسيح هنا يعلن للإنسان الذى يريد التوبة، أنه لا يريد شكليات العبادة، أو مجرد ترديد ألفاظ، الله لا يريد من يكرمونه بالشفاه فقط والقلب مبتعد عنه بعيداً، لكن الله يطلب القلب الخاضع لإرادته.

بإسمك أخرجنا شياطين = هذه تفهم بطريقتين: -.

كثيرون وصلوا لعمل معجزات وأفسدهم الغرور لأنهم نسبوا هذه النعمة لأنفسهم ففقدوا هذه النعمة، ألم يخرج يهوذا شياطين ويشفى أمراض!!.

الشيطان خداع، إذ يعطى للبعض أن يخرجوا الأرواح الشريرة للخداع. ولكن هؤلاء يسهل جداً تمييزهم، من أسلوبهم الخالى من التواضع والمحبة. سمعت أحدهم يقول “أنا أسلوبى فى إخراج الشياطين كذا وكذا” ولنلاحظ أن يهوذا الخائن أخرج شياطين حينما كان مع التلاميذ (مت 8: 10).

لم أعرفكم = كخاصتى الذين يدخلون ملكوتى لأنكم لم تعرفونى حقيقة. ولاحظ أن كلمة يعرف تشير للإتحاد فهؤلاء لم يكن لهم ثبات فى المسيح. (راجع تفسير مت11: 27).

أليس بإسمك تنبأنا = كثيرون يعلمون بالحق ولكنهم لا يعملون به.

هناك فرق بين مواهب الروح القدس وثمار الروح، فالمواهب تعطى لبناء الكنيسة وتسمى الوزنات (1بط10: 4) والهدف منها بناء الكنيسة ووجودها ليس شرطاً للخلاص كما رأينا سابقاً. أما الثمار فوجودها علامة على الإمتلاء من الروح القدس (غلا22: 5 – 23) وبالتالى وجودها دليل على خلاص الانسان.

وفى إنجيل لوقا نجد هنا نفس تعليم السيد المسيح فى متى عن إستحالة أن تعطى الشجرة الجيدة ثمراً ردياً. وتسلسل الأيات فى إنجيل لوقا قبل مثل الشجرة كان عن محبة الآخرين والعطاء وعدم الإدانة (لو6: 27 – 37) وكأن هذه الأعمال هى الثمار الجيدة التى تعلن عن إنسان صالح.

ثم يتكلم الرب عن من يريد أن يخرج القذى من عين أخيه (لو6: 42). وهذه الآيات هى عن من يريد أن يعلم الآخرين.

وبهذا نرى علاقة مباشرة بين أعمال الإنسان وتعليمه، فمن يريد أن يخرج القذى من أعين الآخرين، فهو يريد أن يقوم بدور المعلم لهم. فماذا عن صفاته وماذا عن أعماله وماذا عن ثماره؟ إننا سنعرف قلبه من ثماره وهل هو صالح للتعليم أم لا.

والثمار هى أعمال المحبة وعدم إدانة الآخرين.

وأيضا سنعرف قلبه من كلامه = الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح.. من فضلة القلب يتكلم فمه. فالقلب المملوء محبة سيخرج كلمات محبة تجاه الآخرين والعكس فالقلب الشرير سيخرج كلمات إدانة.

وكلام السيد يعنى أن نفعل وننفذ أوامر الله، هذا أهم من قولنا يارب يارب ونحن لا نفعل إرادة الله. وهذا ليس ضد ترديد صلاة يسوع أو تكرار كيريي ليسون، فنحن نفعل هذا تنفيذاً لوصية بولس الرسول “صلوا بلا انقطاع” وطبعاً علينا أن نصلى ليس بالشفتين فقط، بل بالشفتين وبقلب منشغل بالله وبذهن منفتح يفكر فيما يردده لسانه. ومن يجدد قلبه بإستمرار ويملأه من كلام الله وبصلوات بلجاجة وبتوبة وندم سيصلح هذا القلب وستتغير كلمات الفم ويمجد الله.

البيت المبنى على الصخر.

الأعداد 47-49

الآيات (لو47: 6 – 49): –

“47كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلاَمِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيكُمْ مَنْ يُشْبِهُ. 48يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 49 وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلاَ يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالاً، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيمًا! ».”.

الآيات (مت24: 7 – 27): -.

“24«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 26 وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا! ».”.

من المهم أن ننفذ كلمات المسيح ونعمل بها ولا نكتفى بترديد “يا رب يا رب” فمن ينفذ وصايا المسيح ويعمل بكلامه سيعرف قوة هذا الكلام، بل سيعرف المسيح ويختبره فيحبه، فإذا هبت العواصف، عواصف التجارب والآلام، أو عواصف ورياح الخطية تجد أن إيمان هذا الشخص ثابتاً لأنه أسسه على الصخر أى على معرفة المسيح معرفة حقيقية، ومن يعرف المسيح حقاً لن يستطيع إبليس تشكيكه فيمن عرفه وأحبه. فتأسيس البيت على الصخر هو الإيمان بالمسيح ومعرفته وإختباره، ومحبته. ولنعلم أننا فى كل تجربة نتعرض لها يأتى إبليس ليشتكى الله قائلاً “الله لا يحبكم وإلاّ لماذا سمح بهذه التجربة” ومن إختبر محبة المسيح حقيقة سيرفض هذا الصوت إذ هو عرف المسيح وأدرك مقدار محبته هذه التى ظهرت على الصليب (رو8: 32).

وما يساعدنا على أن نعرف المسيح.

دراسة الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو كلمة الله. والمسيح هو كلمة الله. فكلما جلسنا لدراسة كلمة الله المكتوبة نكتشف شخص المسيح كلمة الله الحى فنعرفه فنحبه. ولماذا سوف نحبه؟ لأنه شخص حلو العشرة، من عرفه أحبه وتلذذ بعشرته.

بتنفيذ الوصية: فالوصية لا نعرف جمالها ولا قوتها إن لم ننفذها، وحين ننفذها سنكتشف شخص المسيح الذى يساعدنا على تنفيذها فهو القائل بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو 5: 15)، وهو الذى طلب مناّ أن نحمل نيره. والنير هو الخشبة التى تربط ثورين معاً، وحين نرتبط نحن الضعفاء بالمسيح القوى سيحمل هو كل الحمل أما من يسمع وصايا المسيح ولا ينفذها، فهو سيظل بعيداً يحكم بعدم إمكانية تنفيذها. وكذلك فى ضيقاتنا وأحزاننا إذا ذهبنا إليه وإرتبطنا به سنجده يَحْمِلنا حَملاً ويملأنا تعزية ورجاء. ونحن لن نعرف المسيح ونراه إن لم نكن أنقياء القلب، ننفذ الوصايا، فتنفتح عيوننا ونعرفه. وتنفيذ الوصية سيعطينا أن نعرف المسيح المحب الذي يبحث عن فرحنا. فمن ينفذ الوصايا يختبر حالة فرح وسلام لا يعرفها الخاطئ. فيفهم لماذا طلب المسيح تنفيذ هذه الوصايا ويدرك محبته.

وبهذا نفهم أنه لن يمكننا أن نصمد فى وجه تشكيك إبليس فى محبة الله إن لم تكن لنا هذه الخبرات العملية مع المسيح وهذا هو البناء على الصخر أماّ البناء على الرمل فهو كمن يدرس الكتاب دراسة نظرية ويعلم به دون أن يحاول تنفيذ هذه الوصايا.

الأنهار = النهر عادة يشير لعطايا الروح القدس. لكنه هنا هو نهر خادع من شهوات العالم (رؤ 15: 12) هدفه أن يبعدنا عن المسيح، أما من تذوق حلاوة المسيح، حين عاش معه ونفذ وصاياه، سيحتقر ملذات وأمجاد هذا العالم وسيعتبرها نفاية (فى 8: 3).

آية (لو48: 6): -.

“48يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ.”.

وَحَفَرَ وَعَمَّقَ هذه كناية عن السهر والاهتمام والمثابرة على فهم الإنجيل وتطبيق وتنفيذ ما نتعلمه بلا كلل. نحفر للأعماق حتى إلى الصخر، والصخرة كانت المسيح، أى لنكتشف ونعرف شخص المسيح ونتلذذ به.

الآيات (مت28: 7 – 29): -.

“28فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، 29لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ.”.

كمن له سلطان = هو ليس فقط له سلطان، بل هو يُعطى سلطانا لنا أن ننفذ الوصية، أى هو يُعطى قوة مع كل وصية يعطيها، وبدونه لن نقدر أن ننفذ أى وصية (يو 5: 15 + فى 13: 4). والمسيح له سلطان على القلوب فهو خالقها.

الرمل = يشير للإيمان غير الثابت إذ أن صاحبه لم يكتشف شخص المسيح (الصخر). ومثل هذا الإنسان سيتشكك فى المسيح حينما يشككه الشيطان، ويصدق خداعاته كما صدقته حواء. هذا له إيمان سطحى لم يتعمق صاحبه باحثاً عن شخص المسيح الحلو المشبع.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي