الأصحاح السادس تفسير رسالة كورونثوس الأولى القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

يناقش الرسول هنا قضيتين.

1) التقاضى أمام المحاكم الوثنية.

2) الهروب من الزنا المحيط بهم.

العدد 1

آية (1): –

“1أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ الظَّالِمِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ؟”.

إذا كان المؤمنين لهم حق أن يحكموا ويدينوا الإخوة الذين من داخل الكنيسة، لذلك فإنني أتساءل كيف يجرؤ أي شخص منكم يكون له شكاية على شخص آخر، أن يحاكمه أمام المحاكم الوثنية = عِنْدَ الظَّالِمِينَ = وهم القضاة الوثنيين عبدة الأوثان، وليس عندهم فكرة سليمة عن العدالة. أليس الأفضل أن تذهبوا لرجال الكنيسة = الْقِدِّيسِينَ = هؤلاء يسكن فيهم الروح القدس. وبولس لا يعنى بصفة مطلقة أن كل قانون مدني هو ظالم لأنه هو نفسه التجأ للقانون المدني ليحميه (أع 18: 12 وما يليه + أع 22: 25 + أع 25: 10 – 12) لكنه يرى أن إلتجاء أخوين مسيحيين لمحاكم وثنية هو فشل للكنيسة وهو عيب فبولس لجأ للقضاء حينما كانت المشاكل بينه وبين الرومان، ولكن حينما إضطهده إخوته اليهود لم يلجأ للقضاء.

العدد 2

آية (2): –

“2أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟ فَإِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُدَانُ بِكُمْ، أَفَأَنْتُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ لِلْمَحَاكِمِ الصُّغْرَى؟”.

قارن مع (مت 19: 28) سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ = لكن كيف ندين العالم؟

  1. في هذه الآية نرى قمة تحقيق الوحدة بين المسيح الديان كرأس لكنيسته وبين كنيسته المنتصرة.
  2. سلوكنا البار سيكون كنقطة بيضاء وسط سواد العالم الخاطئ فيفتضحون.
  1. سيدين القديسون بتعاليمهم التي ملأت الدنيا، ورَفَضَها الخطاة.

ء) وفى اليوم الأخير سيمتلئ المؤمنون من الروح القدس لإتحادهم الكامل بالمسيح، والروح سيعطيهم حكمة غير عادية وإستنارة فيدركوا حكمة أحكام المسيح على الأشرار ويوافقون عليها، ويعطونه المجد على كل أحكامه التي يظهر فيها العدالة الإلهية، وسيتطابق حكمهم مع حكم المسيح. وحتى على الأرض فالإنسان الروحي المملوء من الروح يحكم في كل شئ حكم صائب وأيضا لا إعتراض لديه على أحكام الله (1كو 2: 15).

وإذا كنتم تُستَعمَلون كمثال ومقياس يحاكم على أساسه البعيدون عن الله وإذا كنتم ستدينون العالم وتقاضون الآخرين، أفلستم مستحقون لأن تقيموا محاكمات تقضون فيها على هذه الأمور الصغيرة.

العدد 3

آية (3): –

“3أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هذِهِ الْحَيَاةِ!”.

سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً = المقصود الملائكة الساقطين (الشياطين) الذين سوف ندينهم بحياتنا الطاهرة بالرغم من محاولاتهم إسقاطنا في الخطية، هؤلاء لم يحفظوا رياستهم وهم دون حروب من الخارج، بينما نحن حفظنا طهارتنا ونحن في حرب مستمرة منهم.

العدد 4

آية (4): –

“4فَإِنْ كَانَ لَكُمْ مَحَاكِمُ فِي أُمُورِ هذِهِ الْحَيَاةِ، فَأَجْلِسُوا الْمُحْتَقَرِينَ فِي الْكَنِيسَةِ قُضَاةً!”.

الْمُحْتَقَرِينَ = أي من تنظرون إليهم في إحتقار، وهم من رجال الكنيسة والمعنى أن أحقر من في الكنيسة لهو أفضل من الظالمين فهو مرتشد بالروح القدس. إذاً إتخذوا قضاتكم من رجال الكنيسة فهذا أفضل من عُباد الأوثان.

فَإِنْ كَانَ لَكُمْ مَحَاكِمُ = أي إن كان بينكم قضايا تستحق الذهاب للمحاكم.

العدد 5

آية (5): –

“5لِتَخْجِيلِكُمْ أَقُولُ. أَهكَذَا لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ، وَلاَ وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ؟”.

لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ = إشارة لاذعة للكورنثيين الذين يدَّعون الحكمة (1كو4: 10). هم لكبريائهم فقدوا البصيرة فلم يعد بينهم حكماء يحكمون لإخوتهم، وهذا ما يخجل أنهم وصلوا إلى هذا الحال = لِتَخْجِيلِكُمْ.

العدد 6

آية (6): –

“6لكِنَّ الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ، وَذلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ!.”.

مما يخجل أن الأخ المسيحي يحاكم أخاه المسيحي عند قضاة غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.

العدد 7

آية (7): –

“7فَالآنَ فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا، لأَنَّ عِنْدَكُمْ مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ. لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ؟ لِمَاذَا لاَ تُسْلَبُونَ بِالْحَرِيِّ؟”.

فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا = عيب على الإطلاق أن يكون فيكم كذا وكذا.. أي لا إستثناءات فى هذا الموضوع. لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ = هذا مبدأ وضعه السيد المسيح نفسه (مت 5: 39، 40). فالمؤمن الحقيقي يقبل الظلم والضيق بفرح، فلماذا يلجأ إلى محاكمة أخيه حيث يمكن أن يُحكَمَ على أخيه ظلماً. هذه المحاكمات بينكم علامة أنكم بعيدين عن روح الحب = عَيْبٌ = بعيدين عن روح إحتمال بعضكم بعضاً، وإن كان المفروض أن نحب المسيئين إلينا فكم بالأولى إخوتنا، ومن يُظلَمْ ينصفه الله ويكافأه ومن يَظلِم يدينه الله، فإختاروا الأحسن أي أن تقبلوا الظلم = لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ = عموماً من يؤمن أن له ميراث سماوي لن يهتم بأن يُظْلَمْ. ومن يخاف من أن يلجأ لحكم الكنيسة في قضية ما، هو خائف أن يُظْلَمْ. وبولس يقول له ولماذا لا تقبل أن تُظْلَمْ، والله قادر أن يعوضك إذا إلتجأت إليه وإلى كنيسته. وأيهما أفضل أن تُظْلَمْ من ناس مملوئين من الروح القدس ويعوضك الله، أو يظلمك القاضي الوثني (وهذا جائز جداً فكل إنسان معرض للخطأ)، ولكن هنا لن يعوضني الله لأنني رفضت الكنيسة وحكمها.

العدد 8

آية (8): –

“8لكِنْ أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ وَتَسْلُبُونَ، وَذلِكَ لِلإِخْوَةِ!”.

بدلاً من أن نقبل الظلم نظلم نحن إخوتنا. فقد تحكم لنا المحاكم بأكثر من إستحقاقنا.

فكأننا سلبنا أخوتنا وبهذا نحرم من ميراث ملكوت الله. ومن (مت 18: 15 – 17) نفهم أنه علينا أن نتعاتب ونشتكى للكنيسة ولا نسكت على الظلم ولكن في إطار المحبة داخل الكنيسة ومن يرفض حكم الكنيسة نختصره ولا نكرهه بل نصلى لأجله.

الأعداد 9-10

الآيات (9 – 10): –

“9أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، 10 وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.”.

لاَ تَضِلُّوا = لا تنخدعوا، لا تخدعكم قلوبكم أو أفكاركم الخاصة. إن هذا الذي تفعلونه إنما تفعلونه عن جهل. ألا تعلمون أن الذين يسلبون غيرهم لا يرثون ملكوت الله فأحذروا من أن تنخدعوا لأن هناك أعمالاً شريرة تمنع الإنسان عن أن يكون له الحق في ميراث ملكوت السموات. ومن سلسلة الخطايا التي أوردها الرسول نفهم أن الظلم يتساوى بالزنا، وهنا تحذير من الخطايا المنتشرة في كورنثوس بين الوثنيين، ووضع عبادة الأوثان وسط خطايا الزنا، فعبادة الأوثان إرتبطت بالزنا في هياكل الأوثان، وأيضاً بالشذوذ الجنسي = مَأْبُونُونَ = مخنثون شواذ جنسياً يُسْتَعْمَلون كالأنثى، وهم موجودون في الهياكل الوثنية مع العاهرات. وكل هذه الخطايا المذكورة تمنع من ملكوت السموات، ومعها الظلم الذي هو عبادة أوثان (كو 3: 5). فالطماع يريد أن يزيد دخله ليؤمن مستقبله بينما أن تأمين المستقبل وتدبيره هو عمل الله، والطماع صار العالم هدفاً لهُ، إلهاً يسعى لإرضائه بدلاً من أن يكون وسيلة يعيش به.

العدد 11

آية (11): –

“11 وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا.”.

وأنتم أيها الكورنثيون كنتم تمارسون هذه الخطايا قبل إيمانكم وقبل معموديتكم = إغتسلتم وبها غُفرت خطاياكم السابقة، بموتكم مع المسيح، وإنقطعت علاقتكم بهذه الخطايا.

تَقَدَّسْتُمْ = صرتم مخصصين ومكرسين للرب.

تَبَرَّرْتُمْ = التبرير ليس فقط هو غفران الخطايا بل أن نحيا في أعمال بر يعطيها لنا المسيح الذي يحيا فينا (غل 2: 20) والمقصود هو أنه قد إنقطعت كل علاقة لكم بشروركم الماضية وصارت لكم حياة بارة، وصرتم مخصصين للرب يسوع.

بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا = (راجع المقدمة). وهذا تعبير عفوي عن الثالوث، فالمعمودية هي بإسم الثالوث (مت 28: 19).

والخلاص هو عمل الثالوث = (إِلهِنَا = الآب الرَّبِّ يَسُوعَ = الابن رُوحِ إِلهِنَا = الروح القدس).

العدد 12

آية (12): –

“12«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ.”.

يبدأ من هنا مناقشة قضية الزنا، ولاحظ أن الزنا كان منتشراً جداً في كورنثوس، وللأسف تسلل هذا الفكر الرديء للكنيسة فى كورنثوس، فتصوروا أن الحرية في المسيحية تسمح بالزنا. والرسول في رده قال هذه القوانين: -.

هل تبحث عن  الأب الكاهن قدسأبونا القمص إبراهيم إبراهيم حنا

كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ.

كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ.

وبالإضافة لما ورد في (1كو 10: 23) “كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء تبنى” نرى أمامنا قانون المسيحية. هو يبدأ بهذه الآية (1كو 6: 12) حديثاً عن تقديس الجسد أى تخصيص الجسد لله لا للخطية وارضاء شهوات الجسد، ويركز حديثه على الإمتناع عن الزنا. وربما يوجه الرسول هذه الآيات للأمم ليعلن لهم أنهم غير مرتبطين بالطقوس اليهودية ولا سيما ما يتعلق بالأطعمة. ولكن هذه الآيات هي القاعدة المسيحية للسلوك. ونحن نردد هذه القوانين بدلاً من قولنا “حرام وحلال” هذه هي مبادئ الأخلاق المسيحية، إذاً ليسأل كل واحد نفسه حسب هذه الكلمات: -.

  1. هل هذا التصرف يوافقني كإبن لله صارت له الحياة هي المسيح (فى 1: 21)؟ هل لو كان المسيح مكاني كان سيفعل هذا التصرف أم لا؟. وقد يقول أحد أنا لست المسيح. وهذا خطأ، فالمسيح أعطاني حياته. مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ (غل 2: 20) فالمسيح نور للعالم ونحن صرنا نور للعالم (يو 8: 12 + مت 5: 14). ولاحظ أننا أحرار لنبقى على صورة المسيح أو نرفضها. ولكن من يرفض المسيح ويعود لخطاياه يستلمه الشيطان ويستعبده.
  2. هل هذا الشيء أو هذا التصرف يبنى ويزداد به ثباتي فى المسيح وتزداد علاقتي بالله، ويزداد حبي له فأقترب إليه ويقربني له.
  3. هل مثل هذه التصرفات ستجعلني عبداً لعادة ما، أو هل هذا الشيء سيتسلط علىَّ ويستعبدني بعد أن حررني المسيح. إذاً فلأترك هذه العادة وأحذر لئلا يتسلط علىَّ عادة جديدة (مثال: – فنجان قهوة فى الصباح تعودت عليه قد يمنعني من الصيام).

ولاحظ أن الروح القدس يرشد لما يوافق ويبنى. حقاً لقد صرنا أحراراً، ولكن يجب أن تتقيد حريتي بقواعد روحية أخلاقية، ولا يكون شعاري هو الحرية لأجل الحرية، بل أن أختار من الأفعال ما هو خير وأرفض ما هو شرير. فإن بعض الناس يسيئون إستخدام معنى الحرية ويخضعون بإسم الحرية لما يستعبدهم (السجائر مثلاً). وطبعاً فالرسول يبدأ كلامه عن تقديس الجسد بهذه القوانين ليقول، هل الزنا يوافق ويبنى؟!

العدد 13

آية (13): –

“13الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ.”.

الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ = غالباً هذا مثل شعبي فى كورنثوس، والمقصود بالجوف هو شهوة التلذذ بالأطعمة. وأهل كورنثوس حاولوا تطبيق المثل الشعبي على الزنا بقولهم “الجسد للزنا والزنا للجسد والله سيبيد هذا وذاك”. والرسول يرد.. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا فهو يعترض على ما يقولونه شارحاً لماذا يرفض هذا الكلام. ويقول حقاً إن الأطعمة وضعت من أجل أن تؤكل، وكذلك الجوف هو من أجل الأطعمة، وفى حياتنا الأبدية لن يكون هناك حاجة لهذه أو تلك، أي الأطعمة وشهوتها أي شهوة الجوف، فسيكون لنا أجساد روحانية لا تحتاج الطعام. وقوله اللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ نلمح فيه أنه علينا عدم الإهتمام الشديد بالطعام، فالجسد كله سيباد. وفى الحياة الأبدية سنتحرر من شهوة الطعام حيث لا جوع ولا عطش (رؤ 7: 16). وعلينا من الآن أن نحيا هذه الحياة السمائية فلا نصير عبيداً للجوف والأطعمة كما تفعل كنيستنا بزيادة مدة الأصوام.

ولكن عموماً فشهوة الطعام شئ والزنا شئ آخر، فالطعام مهما كان لن يدنس الجسد أما الزنا فيدنس الجسد. والله لم يخلق الجسد للزنى ولكنه خلقه لأجله أي لأجل الرب، ليصبح ملكاً لهُ ويسكن فيه، وهدف خلقة الجسد أن نمجد الله بأجسادنا وحياتنا بأعمال صالحة خُلِقْنا لنعملها (أف2: 10). ومن عاش يمجد الرب فى جسده، هو تاجَرَ بوزناته وربح، فهذا سيقيم الله جسده ليتم إتحاد جسده بالمسيح. وسيعطيه الله جسداً ممجداً فى السماء.

وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا = لأن الجسد الآن فى المسيح ونحن أعضاء فى هذا الجسد، لذلك نحن هيكل الله. والأطعمة لن تفصلنى عن الله. أما من يترك جسده للزنى الآن فهو لا يحقق الغرض الذي خلق الله جسده لأجله، بل هو يفصل نفسه عن حياة المسيح الأبدية التى نالها فى المعمودية، وبهذا فهو يترك جسده ليحتله إبليس ويُعَرِّضَه للفساد، وهنا نطبق ما قاله الرسول من قبل “من يفسد هيكل الله يفسده الله” (1كو 3: 17). أما من كانت له حياة المسيح ثابتة فيه فجسده لن يباد ولكنه سيقوم فى غير فساد. ولذلك يجب أن نحرص على تقديس أجسادنا أى تكون مخصصة ومكرسة للمسيح، ولا نسمح بأن يلحق بها دنس حتى لا يُفسد الله أجسادنا، وتنفصل عنا حياة المسيح. وبالتالى لا يكون لنا نصيب فى أمجاد الحياة الأبدية إذ قد فقدنا حياة المسيح الأبدية، ونفقد حياة البركة والفرح على الأرض.

الْجَسَدَ لِلرَّبِّ = الرب إفتدى الإنسان بالصليب، فصار يملكه جسداً ونفساً وروحا، وهو إشتراه بدمه وإمتلكه ليسكن فيه (1كو3: 16). إذاً ليس من حق الإنسان أن يستخدم جسده فى الزنا. ويقصد الرسول من الآية ككل أنه ليس من حق الإنسان الذى صار إبناً لله أن يستخدم جسده فى الزنا. ولا وجه للمقارنة بين الطعام والزنا، فمن حقه أن يستخدم المعدة للأطعمة، ولكن إن أراد أن يستمر جسده للرب فليس من حقه أن يزنى.

وكلمة الجسد جاءت هنا “سوما” أي كياننا كله وشخصيتنا الظاهرة التي نتعامل بها مع الآخرين بكل ما فيها من عواطف ومشاعر وأفكار. أما كلمة جسد بمعنى لحم ودم فهي فى اليونانية “ساركس”. والمقصود أن الله يطلب الإنسان كله جسدا ونفسا وروحا وإرادة ومشاعر وأفكار وطاقات، وهذا معنى “يا إبنى إعطنى قلبك” (أم23: 26) فالقلب يعنى كل هذا فى الفكر الكتابى.

وبهذا نفهم أن الزنا لا يؤثر فقط فى لحم ودم الإنسان بل فى أخلاقياته وكيانه، وبالزنا سيتلوث جسداً ونفساً وروحاً. فبالزنا يخطئ الإنسان إلى نفسه. ومن يزني فهو يظن أنه يرتوي ولكنه يكون كمن يبحث عن ماء في أبار مشققة لا تضبط ماء (إر 2: 13). ولنسأل سليمان الحكيم… هل شبع من 900 إمرأة؟ لا بل جعلهم 1000!!. هذا هو الماء الذي من يشرب منه يعطش أى الملذات الجسدية. فمن يجري وراء شهوات العالم لا يشبع بل يمتلئ غماً ويظل يجري وراء نفس الشيء العمر كله دون أن يرتوى، بل كل يوم يزداد غماً نتيجة إستعباد الشياطين له. فمن يفسد هيكل الله يُفسده الله، وذلك بأن تنفصل عنه حياة المسيح الأبدية، فلا شركة للنور مع الظلمة، وتذهب عنه حماية الله له فقد إنفصل الله عنه. وهنا يتلذذ عدو الخير بأن يضرب هذا الإنسان بالأمراض الجسدية والنفسية، وينتقل من فساد لفساد، ونهايته فساد أبدي.

أما من يذهب لله ينبوع الماء الحي يشبعه الله ويرويه، فيفرح ويشتاق للمزيد، وطوبى للجياع والعطاش للبر لأنهم يُشبعون (مت 5: 6) ومثل هذا يزداد فرحاً يوماً بعد يوم. وينتقل من مجد إلي مجد حتى يحصل علي الجسد الممجد أبدياً.

الرَّبُّ لِلْجَسَدِ = الجسد يحتاج للرب ليحيا ويشبع نفسا وجسدا وروحا، والإنسان لا يستطيع حقيقة أن يشبع ويرتوي سوي بالله فهو مخلوق على صورة الله. ويحتاج الإنسان للرب ليتمم غرض الله الذي خلقه لأجله “بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا” (يو15: 5). والله يريد بل يفرح بأن يساعد الإنسان ويشبعه ويملأه فرحا، ويعينه ويقويه ليتمم ما خلقه لأجله.. والمسيح جاء ليرفع من شأن الجسد وليجعلنا خداماً له نكرمه في أجسادنا. والرب يعتني بأجسادنا حتى وإن متنا تكون أجسادنا وديعة عنده يقيمها ثانية ولكن في جسد ممجد (2تي 1: 12).

هل تبحث عن  الأصحاح الثاني تفسير الرسالة إلى غلاطية القمص تادرس يعقوب ملطي

العدد 14

آية (14): –

“14 وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ.”.

والله قد أقام الرب = لاهوت المسيح أقام جسده من الموت لأن لاهوته لم يفارق ناسوته وهو فى القبر، بل كان جسد المسيح فى القبر فيه حياة لإتحاد لاهوته به. وبنفس الأسلوب فإن كل من هو ثابت فى المسيح، هو له حياة أبدية. وليس معني أننا نموت الآن أن هذه هي النهاية بل الله سيقيمنا كما أقام المسيح، فحياة المسيح فينا لذلك نحن لا نموت بل ننتقل وسنقوم ثانية. أجسادنا لن تفني بل الله سيقيمها بقوته. فالمسيح بقيامته وهب أجسادنا قوة القيامة فسنحيا للأبد في غير فساد. وفي الحياة بعد القيامة سينتهي دور الطعام والمعدة (الجوف) ولكن الجسد سيقام في مجد إن عشنا به غير دنساً ثابتين فى المسيح. الجوف والأطعمة سيبطلان أما الجسد فلن يبطل ولن يفني. ومن يخضع لأهوائه الآن يُحَقِّر جسده الذي يريد الله أن يمجده، فيفقد من يُحَقِّر جسده هذا المجد.

ولماذا تنفصل حياة المسيح عن الزانى؟

العدد 15

آية (15): –

“15أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا!”.

لقد صرنا متحدين مع المسيح وصرنا أعضاء جسده، لحم من لحمه وعظم من عظامه (أف 5: 30) وهذا تم بالمعمودية والتناول. فأنظر إذن إلي أي حد عندما نهين ونحتقر أجسادنا عندما نُخضعها للشهوات… أنظر إلى أي حد نهين ونحتقر في الوقت نفسه أعضاء جسد المسيح، ومعني كل ذلك أننا لا يجب أن نتصرف في أجسادنا كما لو كانت في ملكيتنا أو حيازتنا. نحن لسنا نملك الجسد أي ليس من حقنا حرية التصرف في أجسادنا. أما من يقول أنا حر وسأفعل بجسدي ما أريد، فالله سيحاول معه في البداية منعه من طريق الإنحراف ولكن أمام إصراره ينفصل عنه الله. في البداية يضيق الله عليه الطريق كما فعل مع الإبن الضال حتى يعود تائباً، ولكن أمام إصرار الإنسان علي الخطية فالله لا يقيد حريته ويتركه يفعل ما يريد، ولكن الله لن يسمح بإهانة نفسه وينفصل عن هذا الزانى، فلا شركة للنور مع الظلمة وهذا معنى قول الرب “أنا مزمع أن أتقيأك من فمى” (رؤ3: 16). وحينما ينفصل الله عن هذا الزانى يصير عرضة لذل وإستعباد إبليس وهذا هو الخراب والفساد، فإبليس يتلذذ بعذاب البشر.

والجسد هنا ليس اللحم والدم بل كيان الإنسان كله، لأن أعضاء المسيح ليست فقط لحم ودم، بل أعضاء حية تلتصق بالرب، بالكيان كله روحاً ونفساً وجسداً. فحينما نتحد بالرب نتحد بكياننا كله نفسا وجسدا وروحا. والعكس فمع خطية الزنا ينفصل الله، ونصبح بلا حماية أمام إبليس. فإن تمكن إبليس من إنسان (إذ رفع الله حمايته عنه) يضرب الإنسان نفسا وجسدا، أما الروح فتموت إذ أن الله إنفصل عنها بسبب الزنا، فإنفصلت عنها حياة المسيح الأبدية. وهذا معنى قول الرب “لك إسم أنك حى وأنت ميت” (رؤ3: 1). فكيف نستخدم أجسادنا إستخدام سيئ يهين إنتسابنا وإنتمائنا لجسد المسيح السري وذلك بالزنا فنخسر حياتنا وأبديتنا وحماية الله لنا من ضربات إبليس.

أَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ = لاحظ أن كلمتي أعضاء وزانية جاءتا علي شكل مضاف ومضاف إليه. أي أجعل أعضاء المسيح (التي هي جسدي) أعضاء إمرأة زانية PROSTITUTE أوHARLOT.

العدد 16

آية (16): –

“16أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا».”.

ما الذي يجعل أعضاء المسيح أعضاء إمرأة زانية في حالة الزنا؟ يقول الرسول ألا تعلمون أن ذلك الذي يزني مع إمرأة زانية يكون هو وهي جسداً واحداً، وحيث إن المسيح لن يقبل علي نفسه هذا فلا شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14، 15) فيحدث أن المسيح لا يثبت في الزاني أو الزانية وهذا عكس “إثبتوا فيَّ وأنا فيكم” وهذا الإنفصال معناه عدم إتحاد وبالتالي موت، فالمسيح هو القيامة والحياة ومن لا يثبت في المسيح يموت: -.

1) يُحرم هنا من البركات الإلهية والحماية الإلهية.

2) يُحرم من الحياة الأبدية.

والمعني أن الله سيفسده. فإتحادنا بالمسيح لا يجيء إلاّ إذا كانت لنا الأجساد الطاهرة النقية، وكيف يستمر ثباتنا فى المسيح وتكون لنا حياته الأبدية، ونحن نهين أعضاءه ونجعلها واحدا مع زانية.

والرسول إعتمد على قول الله “ويكونان جسدا واحدا” (تك 2: 24 ت) فى فهم أن العلاقة الجسدية بين أى رجل وأى إمرأة تجعلهما جسدا واحدا، سواء هما زوجين أم لا.

العدد 17

آية (17): –

“17 وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ.”.

هذه الحالة عَبَّر عنها الرسول “أفي الجسد أم خارج الجسد لست أعلم”.

.

(قارن مع “سلم الدرجات الروحية” في المقدمة).

الإنسان حر أن يختار بين أن يصعد لمستويات روحية أو ينحدر للجسدانيات.

فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ = هذه عكس الحالة السابقة التي فيها صار الإنسان جسداً واحداً مع زانية (هذه كانت قاع الدرجات الروحية) أمّا من إختار الإلتصاق بالله فينطلق لمستويات الروح العالية، فهو يتحد بالله روحياً بمعني أن روحه تمتلئ بروح الله، وتسلك في طاعة كاملة لهُ، إذ تقتني بالروح فكر المسيح.

وهذا يتم بأن يوجه الإنسان المؤمن قلبه وإرادته لله. والزواج يجعل الزوجين جسداً واحداً، كذلك الروح بإقترانها بالمسيح بالإيمان والمحبة صارت معه روحاً واحداً. إن ذلك الإنسان الذي يخضع للرب يسوع ويتصل به والذي يملأه روح الرب ويوجهه، أي الذي يخضع خضوعاً تاماً لروح الرب وإرشاداته يصبح مع الرب روحاً واحداً، أي أن الاتحاد بين المؤمن وبين المسيح ينتهي إلي أن تمتلئ روح الإنسان بروح الرب، وإلي أن يوجه الإنسان كله بواسطة الرب يسوع، فإذا كان الإتحاد مع الشر هو إتحاد جسدي، فإن الإتحاد مع الرب يسوع علي عكس ذلك هو إتحاد روحي فبينما أن الإلتصاق بالزانية يؤدى إلي أن يكون الإثنان جسداً واحداً لأنه إلتصاق شهواني مادي، فإن الإلتصاق بالمسيح يؤدي إلي أن يكون الإنسان والمسيح روحاً واحداً لأن الإتحاد هنا إتحاد روحي فيكون لنا فكر المسيح (1 كو 2: 16).

درجات السلم الروحي: – (راجع في المقدمة “سلم الدرجات الروحية”).

الإنسان حر في أن ينحدر ويهبط لمستوي الجسدانيات أو يرتفع لمستوى روحي عالٍ.

1 – الهبوط لمستوى الجسدانيات = هذا الإنسان يسير وراء شهواته كأنه في غيبوبة لا تحركه سوي شهواته، فهو يزني وبهذا يتحد بزانية ويصير جسد شهواني. هو لا يتحرك سوى وراء شهواته. في البداية يسمع صوت الروح القدس يبكته علي ما يفعل، ولكنه يقاوم الصوت فينطفئ الروح فيه وينحدر ليصير كأنه جسد بلا روح.

2 – الإنطلاق لمستويات الروح العالية = هذا يسمع صوت الروح القدس ويتجاوب ويشعر بصراع بين الروح والجسد فيقمع جسده ويستعبده، صائماً مصلياً، يسبح الله دائماً، فيضمحل جسده وشهواته ويصير كأنه روح بلا جسد. ولأنه يسمع لصوت الروح ويتجاوب معه يمتلئ من الروح، وتموت شهواته الجسدية. وكلما إزداد قمعاً لجسده يفني الجسد يوماً فيوماً ويتجدد الروحاني يوماً فيوماً. وهذا ما جعل الكنيسة تزيد في الأصوام. والله يساعد مثل هذا ببعض الأمراض والتجارب ليضمحل الجسد فتنمو الروح، قارن مع (2كو 4: 16).

لماذا كان الزنا محرما؟

الزنا لا يعبر عن حب عفيف طاهر، ولكنه يعبر عن شهوة دنيئة يستغل فيها أحد الطرفين الطرف الآخر لإشباع لذاته بلا تقدير لإنسانيته. في الزنا ليس إلتصاق بين روح وروح ولا بين فكر وفكر بل بين شهوة وشهوة، بين جسد وجسد. فلا إتحاد روحي بين الإثنين. هذا الاتحاد لا يستمر إلا في الصلة الشرعية أي الزواج الذي هدفه تكوين أسرة فيها يبذل كل واحد نفسه لأجل الآخر في محبة وفي لقاء فكري وعواطف سامية لذلك فمضجع الزواج غير دنس (عب 13: 4).

هل تبحث عن  في بـدء عـام جـديد - قداسة البابا شنودة الثالث

الفرق بين الحب والزنا (الشهوة).

الحب هو ما شابه حب المسيح أي الحب المنطلق من الذات نحو الآخر.

أما الشهوة فهي انحصار وأنانية وتقوقع حول الذات.

الحب هو بذل كما بذل المسيح ذاته فمن يتشبه بالمسيح وينطلق من ذاته ويبحث عن الآخر تكون له حياة، أمّا من ينغلق علي ذاته في شهوانية فهو يتقوقع حول ذاته فيموت. فالتشبه بالله فيه حياة والعكس هو موت. وللأسف فلقد أنتشر في الغرب الآن تعبير TO MAKE LOVE عن ممارسة الجنس، وهذا خداع شيطاني فشتان الفرق بين الحب والشهوة الجنسية.

العدد 18

آية (18): –

“18اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ.”.

اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا = رأينا بشاعة خطية الزنا وهولها. فبسببها لا يمكن الإتحاد بالمسيح وبالتالي فساد الإنسان. لذلك وصية الرسول كانت إهربوا من الزنا، هي وصية أب يخاف علي أولاده. إن كان الله يعاقب من يخطئ إلي هيكل الله أو الكنيسة، فسيعاقب الزاني لأنه أخطأ في حق جسده الذي هو هيكل الله. وإن كنا نقدس ونحترم الكأس والصينية اللذان يوضع فيهما الجسد والدم، ألا نقدس جسدنا الذي هو هيكل الله، والذى إتحد بالجسد والدم.

وربما تفهم الآية علي أن من يزني يخطئ إلي جسده فيصيبه بالأمراض وهذا صحيح. لكن كلمة جسد هنا تعبر عن الشخصية والكيان وليس اللحم والدم فقط. فالزنا يجعل الإنسان في إتحاد مع من يلتصق به، وبذلك ينفصل عن المسيح ويُحرم من الإتحاد به سواء علي الأرض أو في الأبدية = يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ.

هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ = الجسد هنا بكونه عضو في جسد المسيح. فالزنا بالذات يلحق إهانة بجسد المسيح إذ يجعل أعضاؤه أعضاء إمرأة زانية. وذلك بسبب الوحدة التي تمت بيننا وبين المسيح في المعمودية والإفخارستيا، أما أي خطية أخري فهي خارج الجسد هذه الآية تعني ببساطة أن خطية الزنا كوم وبقية الخطايا كوم آخر.

العدد 19

آية (19): –

“19أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟”.

جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ.

أ) كيف نقدم أجسادنا للزنا ونحن نعرف أنه بواسطة المعمودية أصبحت أجسادنا هيكل للروح القدس يسكن فيها، وهذا أخذناه من الله. فبالزنا نهين هيكل الله.

ب) بهذا نتحول إلي سماء، فالسماء هي حيث يسكن الله، فهل بعد أن نتصور هذا العلو الذي وضعنا الله فيه، هل نخطيء لأجسادنا ونحزن قلب الله.

ج) يقول القديس أغسطينوس أن حياة الجسد هي الروح، وحياة الروح هو الله، فروح الله يحل في النفس وبها يحل في الجسد فيصير جسدنا هيكل للروح القدس المعطي لنا من الله.

د) جسدنا ليس ملكاً لنا لنهينه ونلوثه بخطية الزنا. ومن يزني يحزن الروح القدس لأنه.

يهين هيكله، ويحزن المسيح فهو بجسده عضو في المسيح، ويحزن الآب الذي فداه بإبنه وأسكن فيه روحه.

ه) في (1كو 3: 16) قال إننا هيكل لله، وهنا يقول أننا هيكل للروح القدس ومن هذا نفهم أن الروح القدس هو الله. ومن (2كو 6: 16) نفهم أننا هيكل الله الحي. فالروح القدس هو الإله الحي.

العدد 20

آية (20): –

“20لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ.”.

لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ = الكلمة اليونانية هي شراء من سوق العبيد فقد كنا عبيد للخطية والسيد هو إبليس. وحينما اشترانا الله صرنا لسنا ملكاً لأنفسنا. بِثَمَنٍ = دم المسيح. وعلي هذا ينبغي أن نطيع وصية هذا الذي صرنا ملكاً له إذ اشترانا. والمسيح سدد الدين للآب وليس لإبليس. فهو مات كمطلب للعدل الإلهي. نحن كنا عبيد مسروقون من بيت ملك عظيم سرقهم سيد قاس ليذلهم ويغيظ بهم أبيهم الملك، فنزل إبن الملك وحجب مجده في جسد كالعبيد، وجاهر بأنه سيموت عنهم ليدفع ثمن حريتهم ففرح السيد القاسي بأنه سيضم لسجنه هذا أيضاً ففاجأهُ المسيح بقوة لاهوته. لقد صارت أجسادنا ملكاً لله الذي خلقها ثم فداها.

فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ = بالبعد عن الخطية، وحفظ جسدنا طاهراً، منضبطاً، خادماً لله بكل طاقاته، بل خادماً للجميع ليشابه سيده الذي أتي ليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ. عابداً. محتملاً للآلام بشكر وغير مكتئب في ضيقة. صائماً غير ساعياً وراء ملذات الدنيا. الله أعطانا جسده طعاماً فلنعطه جسدنا هيكلاً لهُ.

حين يرانا الناس وقد قدمنا أجسادنا ذبيحة حب من أجل المسيح، فهذا يمجد المسيح. والذبيحة قد تكون ذبيحة حية بصلب الجسد مع الأهواء والشهوات.

وقد نقدم أجسادنا ذبيحة دموية فى إستشهاد، وهذا يمجد المسيح بالأكثر وراجع تاريخ الشهداء لترى كم الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح ومجدوه إذ رأوا مواكب الشهداء.

وَفِي أَرْوَاحِكُمُ = بالالتصاق بالله والسلوك بالروح، خاضعين للروح القدس، أي لا نقاوم صوته حتى لا ينطفئ، بل نتجاوب معهُ فنمتلئ بالروح، فتخضع أجسادنا لأرواحنا وأرواحنا للروح القدس. والروح القدس يقود أرواحنا، وأرواحنا تقود أجسادنا.

ومن يمتلئ بالروح يحمل صورة المسيح ويعكس صورة مجده فيمجد المسيح إذ يُظْهِر صورته للناس. ويفرح به الملائكة، ويمجدوا الله على نتيجة عمله الفدائى والخلاص الذى قدمه للبشر (رؤ5: 9 – 14). ويرى الشياطين هذا فيخزوا أمام ما حصل عليه البشر، ويخزوا إذ فشلت حروبهم ضد ها الإنسان.

والمقصود عموماً أن نبتعد عن كل سلوك رديء خصوصاً الزنا، ولنحرص علي الإتحاد به، وذلك بالبعد عن أي شيء يفقدنا نقاوتنا ويدنس أفكارنا وإيجابياً بعمل البر. وقد يعني مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ = أي البعد عن خطايا الجسد كالزنا. وَفِي أَرْوَاحِكُمُ = أي البعد عن خطايا الروح كالكبرياء.

ومن يمجد الله بجسده يمجد الله له جسده (رو 8: 30 + 2كو 3: 18). ونمجد الله بجسدنا حين لا نهتم بملذات الدنيا ونميت الجسد بأصوام كثيرة لتسمو الروح.

الفرح واللذة الجسدية.

الله خلق آدم فى جنة عَدْن = وهي كلمة عبرية تعنى فرح فهذه هى إرادة الله للانسان. وهذا الفرح كان نتيجة لتبادل الحب مع الله. وكان الله يحب آدم فالله محبة ولذاته مع بنى آدم (أم 8: 31). ولأن آدم مخلوق على صورة الله فقد تبادل هذا الحب مع الله. فعاش فى فرح والسبب أن كل طاقة الحب التي فى آدم كانت مقدسة أى متجهة لله.

وبعد الخطية إختبأ آدم من الله فما عاد له نفس الحب لله. وبدأ الحب يختفى من قلبه. وهنا نفهم معنى ترك آدم للجنة، أن آدم ترك الفرح. فوجه طاقة الحب التى فيه لجسد إمرأته، وهذا معنى أن أول آية بعد السقوط “فانفتحت اعينهما وعلما انهما عريانان”.

(تك 3: 7) وبدأ آدم يوجه طاقة الحب فيه لجسد إمرأته، وإنشغل بهذه اللذة الجسدية وترك الفرح الحقيقي.

وبعد الفداء جاء الروح القدس ليعيد لنا الحالة الفردوسية الاولى. وكان ذلك بأن سكب محبة الله فى قلوبنا (رو 5: 5). وكان من ثمار ذلك محبة فرح….. (غل 5: 22).

ولهذا نرى بولس الرسول فيما يأتى يفضل البتولية علي الزواج، وذلك حتى يمكن تكريس طاقة الحب في القلب لله. فنتذوق الفرح الذي لا يمكن لأحد أن ينزعه منا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي