الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ
خطة الله.
(1) لكل شيء وقت (ع 1 – 8).
(2) الله مدبر الكل (ع 9 – 15).
(3) نهاية الظلم (ع 16 – 22).
(1) لكل شيء وقت (ع 1 – 8):
1 – لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ: 2 – لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ. 3 – لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. 4 – لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضَّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. 5 – لِتَفْرِيقِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلانْفِصَالِ عَنِ الْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ. 6 – لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. 7 – لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. 8 – لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ.
العدد 1
ع1:
العالم الذي نحيا فيه متقلب، والإنسان يتعجل الوصول إلى أغراضه، فتعوقه الظروف، ويحزن، ويتضايق، وينسى أن الله قد دبر كل شيء في وقته، ولا يمكن تغيير هذا الوقت، بل والله أيضا له غرض من وجود هذا الشئ في وقته المحدد. والإنسان الروحي الذي يحيا مع الله هو وحده القادر أن يفهم كثير من هذه الأغراض.
ليس معنى هذا ان يتكاسل الإنسان مدعيًا الاتكال على الله، فلا يعمل بامانه وجدية، بل عليه أن يسعى بكل جهده في أمانة، ولكن يقبل مايصل إليه من نتائج، حتى لو كانت قليلة، أو معاكسة، وسيفهم فيما بعد.
وسيسرد في الآيات التالية ثمانى وعشرين مثالا من الأشياء المتخالفة، ليعلن أنه لكل منها وقته المحدد، الذي دبره الله لخيرنا.
العدد 2
ع2:
للولادة وقت يعلمه الله، ولذا لا تنزعج أية إمرأة إذا تأخرت في الإنجاب، فالله يعرف الوقت المناسب للولادة، كما في حالة يوحنا المعمدان الذي تأخرت امه في إنجابه، حتى صارت متقدمة في أيامها (لو 1: 7) وكما حدث أيضا مع سارة في ولادة اسحق (تك18: 11 – 13).
وللموت أيضا وقت يعلمه الله وحده، ولذا ينبغى على كل إنسان أن يستعد طوال حياته، لأنه لا يعرف ميعاد انتقاله من هذه الحياة: فالغنى الغبى لم ينتبه إلى نهاية حياته (لو12: 19، 20).
للغرس أيضا وقت، والمقصود بالغرس هو زراعة النباتات والأشجار المختلفة. فكل نوع من النباتات له ميعاده، إما في الربيع، أو الصيف، أو الخريف. والغرس ينطبق أيضا على إقامة الدول، أو نقلها من أماكنها لتنشأ في مكان جديد، كما حدث مع بني إسرائيل عند نقلهم إلى أرض كنعان، بعد تنقيتهم من عبادة الأوثان، وتعليمهم عبادة الله في برية سيناء.
ولقلع المغروس وقت، كما حدث مع السبعة أمم التي سكنت في أرض كنعان، فقد أطال الله أناته عليهم، ليتوبوا ويرجعوا إليه، فلم يتوبوا، وعندما كمل غضب الله عليهم قلعهم، وأسكن بدلا منهم شعبه.
العدد 3
ع3:
الحاكم هو الذي يحاسب، فمن يذنب يستحق القتل عقابا له، هذا له وقت بعد التأكد من جريمته.
وللشفاء وقت، والمقصود التشجيع، والمساندة للضعفاء، حتى لو كانت لهم أخطاء، لكنهم يقدمون توبة، ويطلبون أن يبدأوا من جديد، فلابد أن نقدم لهم ما يساعدهم على الشفاء من أخطائهم. وقد يلجأ الحاكم للعفو عن المذنب إذا كانت له ظروف تستدعى العفو عنه.
أيضا للهدم وقت، فإذا كان هناك مبنى معرض للسقوط، فلابد أن يهدم حتى لا يسقط ولا يصيب أحد سكانه. وللبناء وقت بحسب الظروف الجوية، وتوفر العمال، ومواد البناء.
الهدم أيضا ينطبق على التخلص من الخطايا، والطباع السلبية في الإنسان، والبناء له معنى الاهتمام بالأعمال الإيجابية واستثمار الطاقات للخير.
العدد 4
ع4:
للبكاء على الخطية، والندم عليها بالتوبة وقت، مع أن التوبة مستمرة طوال الحياة، ولكن يكون ذلك البكاء بعد السقوط مباشرة في خطية ما، كما فعل داود واستمر في البكاء مدة طويلة بعد ذلك، إذ كان يعوم كل ليلة سريره (مز 6: 6).
وللضحك وقت، فإن كان للبكاء على الخطية وقت لا يناسب أبدا الضحك فيه؛ ولكن الضحك له وقت، والمقصود بالضحك الفرح في تهنئة الأحباء، والفرح معهم، ثم بالأكثر عندما يفرح الإنسان روحيا بتسبيح الله وشكره.
وللنوح أيضا وقت في مشاركة الناس أحزانهم بانتقال أحبائهم، وعند دفن الموتى، أو مشاركة إنسان في تجربة صعبة يمر بها.
وللرقص وقت، والمقصود بالرقص الفرح في مناسبات سعيدة والأكثر منها الفرح الروحي بتمجيد الله عند رجوع إنسان بعيد إليه، أو إنقاذ إنسان من مشكلة صعبة.
العدد 5
ع5:
تفريق الحجارة يعنى هدم ينتج عنه سقوط الحجارة، وتفريقها، هذا له وقت، كما تهدم الحصون في وقت السلم، وكما هدمت عبادة العهد القديم، بهدم هيكل اليهود سنة 70 م,.
ولجمع الحجارة وقت، أي أنه في ساعة الحرب تبنى الحصون، والمتاريس، والأسوار، وكما بنيت كنيسة العهد الجديد بعد اتمام الخلاص على الصليب، وكذلك نقض بيت خيمتنا الأرضى بموتنا، لكي ننال بناء أعظم في السماء، أي الجسد النورانى بدلا من الجسم المادي الذي عشنا به على الأرض (2 كو 5: 1).
وللمعانقة وقت، والمقصود بها الحب والزواج، وأيضا تقابل الأحباء والأخوة، ليجلسوا معًا في فرح.
وللإنفصال عن المعانقة وقت، والمقصود به ترك الزواج من أجل البتولية، أو الإنفصال عن الزواج بموت أحد الزوجين. بالإضافة إلى ترك المعانقة من أجل القيام بالأعمال والمسئوليات.
يلاحظ أنه يبدأ في هذا الجزء بالتطبيق الإيجابى وهو المعانقة، لأن الإنفصال عن المعانقة (البتولية) أسمى من المعانقة (1 كو 7: 8).
العدد 6
ع6:
أي مشروع، أو عمل، ينتهى بالمكسب أحيانًا، أو بالخسارة، ففى البداية مثلا تكون خسارة، ومع تقدم المشروع يكون المكسب.
والولادة تعتبر مكسب بدخول إنسان إلى الأرض، والخسارة تكون بموته، ولكن في نفس الوقت عندما نخسر إنسانا بموته على الأرض يكون مكسبًا في السماء بارتفاعه إلى مكان أفضل.
المكاسب في العهد القديم كانت البركات المادية، أما في العهد الجديد فالخسارة المادية تكون مكسبًا، عندما يترك الإنسان أموال العالم، ويحيا مع الله في مكاسب روحية، كما فعل الأنبا أنطونيوس وكل الرهبان.
الأشياء، والممتلكات الثمينة إذا تلف منها شيء نعمل لها صيانة، لتواصل عملها، ولكن عندما تصبح قديمة، وغير نافعة للعمل بها نطرحها.
وجسدنا نهتم به ونصونه، لأنه هيكل الروح القدس (أف 5: 29)، وفى وقت أخر نطرحه من أجل الله، سواء في الاستشهاد، أو الجهاد الروحي من أجل الوجود مع الله.
والصيانة أيضا في الاهتمام بالأهل والأقارب من خلال العلاقات الودية، والاهتمام باحتياجاتهم هذه صيانة، ثم يأتي وقت نطرحهم عنا إذا حاولوا تعطيلنا عن الله (مت 19: 29).
العدد 7
ع7:
للتمزيق وقت هو وقت الحزن، إذ كانت عادة شرقية قديمة أن يمزق الإنسان ثيابه في الحزن الشديد (أى 1: 20). وهناك وقت آخر لتخييط الثياب، وهو إعداد الثياب الجديدة للأفراح، والمناسبات السعيدة. وأيضا تمزيق الحياة البعيدة عن الله، والطباع الشريرة بالتوبة له وقت، ثم يأتي وقت لتخييط ثياب البر والحياة الجديدة مع الله.
للسكوت وقت حتى يفكر الإنسان، ويتكلم مع الله، فيتوب عن خطاياه، ويفكر كيف يبدأ حياة جديدة. ومن ناحية أخرى للكلام وقت، لإعلان صوت الله، ولمساندة الآخرين وتشجيعهم، والتعبير عن المحبة بالكلام الطيب.
والصمت قبل الكلام جيد لنصلى ونطلب معونة الله، ونفكر جيدًا. والكلام أيضا جيد عند الاحتياج إليه، سواء في التعليم، أو الوعظ، أو مقاومة البدع، أو إقناع الآخرين بالحق.
العدد 8
ع8:
لمحبة الأصدقاء وقت عندما نجتمع من أجل الله، ونعبر عن محبتنا بعضنا لبعض. ولكن عندما يخطئ البعض ويتمادون في شرهم، فنحن نبغض أخطاءهم، وننفصل عنهم، حتى لا نشترك في خطاياهم، كما في حالة المبتدعين، أو من يتمادون في الشرور المختلفة.
ولمحبة الأهل والأقارب وقت، وهذا هو الوقت الطبيعي في الأحوال العادية، ولكن عندما يخطئ أحدهم، وينكر المسيح، كما فعل والد الشهيدة دميانة، فيحتاج الموقف إلى إعلان بغضه للشر، وتوبيخه، ومقاطعته، لينتبه ويرجع إلى الله، كما فعلت القديسة دميانة معه. وهذا التصرف كان محبة من دميانة لأبيها، حتى يعود للإيمان، وهذا ما حدث فعلا. وكما وقف كيرلس الكبير أمام نسطور، وأظهر بطلان هرطقته، وفى نفس الوقت أعلن أنه لا أحد يحبه مثل كيرلس نفسه.
للحرب وقت كما استمرت حرب بين سبط يهوذا الذي يملك عليه داود، والعشرة أسباط التي ملك عليها ابن شاول، ويساعده أبنير رئيس جيشه، واستمرت هذه الحرب سبع سنوات (2 صم 3: 6). ثم أتى وقت للصلح عندما اختلف أبنير مع إيشبوشث ابن شاول، وأتى إلى داود، فقبله وتصالح معه (2 صم 3: 20، 21).
يفهم من الآيات السابقة ما يلي:
1 – لكل شيء تحت السموات وقت لكي نتعلم أن نتقبل من يد الله كل شيء في الوقت الذي يحدده الله؛ لأن ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء (رو11: 33).
2 – طبيعة الحياة متغيرة، فالحدث يحدث عكسه بعده بقليل، حتى لا نتعلق بالعالم الفانى، ولكن نركز على التفكير في الحياة الأبدية.
3 – لأن الأحداث المضادة يأتي الواحد تلو الآخر، فلنستخدم كل منها بمقدار، ولا نحزن إذا تغيرت الظروف، ولكن كل شيء مفيد عندما نستخدمه بالمقدار المناسب، وفى الوقت المناسب، واضعين مخافة الله أمام عيوننا.
† لا تحزن عندما تمر بك أمور معاكسة، ولكن اقبلها باتضاع، واطلب الله، وتمسك به، فتخرج بفائدة روحية كبيرة، أكثر من وقت الراحة، واثقا أن كل الظروف المتغيرة هي لخيرك بتدبير الله الذي يحبك.
(2) الله مدبر الكل (ع 9 – 15):
9 – فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِمَنْ يَتْعَبُ مِمَّا يَتْعَبُ بِهِ؟ 10 – قَدْ رَأَيْتُ الشُّغْلَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ بَنِي الْبَشَرِ لِيَشْتَغِلُوا بِهِ. 11 – صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ. 12 – عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ خَيْرٌ، إِلاَّ أَنْ يَفْرَحُوا وَيَفْعَلُوا خَيْرًا فِي حَيَاتِهِمْ. 13 – وَأَيْضًا أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْرًا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، فَهُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 14 – قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ اللهُ أَنَّهُ يَكُونُ إِلَى الأَبَدِ. لاَ شَيْءَ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ يُنْقَصُ مِنْهُ، وَأَنَّ اللهَ عَمِلَهُ حَتَّى يَخَافُوا أَمَامَهُ. 15 – مَا كَانَ فَمِنَ الْقِدَمِ هُوَ، وَمَا يَكُونُ فَمِنَ الْقِدَمِ قَدْ كَانَ. وَاللهُ يَطْلُبُ مَا قَدْ مَضَى.
العدد 9
ع9:
من يتعب في أعمال العالم لاقتناء الماديات لا يستفيد شيئا، لأنها زائلة، بل تؤدى أيضا إلى هموم ومشاكل، أما من يتعب في الماديات لأجل الله، فهذا شيء عظيم، كمن يطعم جائعًا، أو يساعد محتاجا، فالله يفرح به، ويباركه.
الأعداد 10-11
ع10 – 11:
:
“ليشتغلوا به”: الله دبر أعمالا للإنسان ليعملها أو يشتغل بها، حتى يستخدم إمكانياته، وقدراته المتنوعة، فيفرح بقيمة ما يعمله، ولا يستسلم للكسل الذي يؤدى إلى اكتئاب الإنسان.
“الكل حسنا في وقته”: الله دبر هذه الأعمال في وقتها المناسب، فقد دبر بعض الأعمال حسنة مثل النهار ليتحرك فيه الإنسان، ويعمل، ولكن الظلام أيضا دبره الله في وقته ليستريح الإنسان، وينام بالليل، فيتجدد نشاطه. وهناك أعمالا تناسب الشتاء، وأعمالا أخرى تناسب الصيف، ففى كل وقت يقبل الإنسان الأعمال المتاحة له، لأنها من يد الله، فتكون حسنة في عينيه، ويشكر الله.
“جعل الأبدية في قلبهم”: الله وضع في الإنسان الميل إلى اللا محدود، رغم أن الإنسان محدود؛ لأن الله خلق الإنسان على صورته، ومثاله؛ وميل الإنسان للأبدية يجعله يستعد لها، فيعمل الخير، لينال مكافأته في السماء، حتى لو لم ينل مكافأة كافية على الأرض.
إذن فالأبدية تعطى معنى لكل تعب، واحتمال على الأرض، فيستهين الإنسان بآلام هذا الزمان الحاضر (رو 8: 18) لأنه سينال عوضا عنها بركات، وأمجاد في الأبدية، بل وتنشئ له ثقل مجد أبدي (2 كو 4: 17).
الأعداد 12-13
ع12 – 13:
:
يعلن سليمان أن الخير ليس في الأكل والشرب وتمتعات الحياة المختلفة، لأنها في حد ذاتها زائلة، ولكن الخير الحقيقي هو فيما يلى:
الفرح بعطية الله من خلال كل الماديات التي يهبها لنا. فنتمتع بها لأنها هبة منه، وتصبح كل الماديات هدية ثمينة، لأنها من الله.
استخدام الإنسان للماديات التي يمتلكها، وكل قدراته، ليعمل بها خيرا، أي يساعد الآخرين المحتاجين بكل نوع. فيفرح قلوبهم، ويفرح أيضا قلب الله، فيصير هو بالتالى في فرح.
هذا التفكير يبين أن سليمان كان يشعر بأن الله هو مصدر كل الخير الذي يتمتع به، فيشكره. وأيضا كان يهتم بعمل الخير مع الآخرين، فهو بهذا قد رأى بعين العهد الجديد ما قاله المسيح عن أهمية عمل الخير، فهو عطية حب له هو شخصيا، إذ قال؛ بما أنكم فعلتموه “بأحد هؤلاء الأصاغر فبى فعلتم” (مت 25: 40).
الأعداد 14-15
ع14 – 15:
:
“أنه يكون إلى الأبد لا شيء يزاد عليه، ولا شيء ينقص منه”: تدبير الله كامل لكل البشر، فقد رتب كل ما يساعدهم للوصول إلى الحياة الأبدية السعيدة، وهذا التدبير لا ينقصه شيء، ولا يمكن أن يزاد عليه شيء، لأنه كامل، المهم أن يستخدمه الإنسان، ليصل به إلى ملكوت السموات.
“حتى يخافوا أمامه”: ضمن هذا التدبير تأديب الخطاة ليتوبوا، ويتعلم منهم الكل، ليبتعدوا عن الخطية، ويخافوا أمامه. كما رفض الله شاول الملك لأنه تمرد عليه (1 صم16: 1) ويكافئ أيضا أولاده الأبرار، كما كافأ أيوب على احتماله وتوبته، وأعطاه ضعف ما كان عنده من الخيرات (أى42: 12، 13).
“ما كان فمن القدم“: ونلاحظ أن تدابير الله السابقة كانت منذ القدم، أي منذ الأزل، وأظهرها الله بعد خلقة الإنسان.
“وما يكون فمن القدم قد كان” وكذلك تدابير الله في المستقبل كانت موجودة في فكر الله منذ الأزل، وسيعلنها لأولاده، ليشجعهم في طريق الأبدية.
“والله يطلب ما قد مضى”: فالله يحاسب كل إنسان على خطاياه السابقة، وبالتالي لابد أن نسرع إلى التوبة لنتنقى من خطايانا. ومن ناحية أخرى، الله قد يطلب ما قد مضى من حياتنا، أي يكافئنا عن الأعمال الصالحة التي فعلناها.
والله سيطلب ما قد مضى، وهم شعبه بني إسرائيل، فإن كانوا قد رفضوا الإيمان بالمسيح عندما تجسد، ولكنه لا ينسى وعوده للآباء وكيف آمن به شعبه، وعاشوا معه، فهو يساعدهم في نهاية الأيام، ليعودوا إليه، ويؤمنوا بتجسده وفدائه، ويخلص أيضا اسرائيل عندما يؤمن به.
† اقبل كل الظروف التي تمر بك، فالله سمح بها لتقودك إلى التوبة، والصلاة، والتمسك بالله، فتجد حياتك فيه، ويكون لك في النهاية مكان في ملكوت السموات. وإن كانت التجارب ثقيلة اطلب معونته، ليسندك، وتختبر محبته، ويزداد اقترابك إليه.
(3) نهاية الظلم (ع 16 – 22):
16 – وَأَيْضًا رَأَيْتُ تَحْتَ الشَّمْسِ: مَوْضِعَ الْحَقِّ هُنَاكَ الظُّلْمُ، وَمَوْضِعَ الْعَدْلِ هُنَاكَ الْجَوْرُ! 17 – فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «اللهُ يَدِينُ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ، لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَلِكُلِّ عَمَل وَقْتًا هُنَاكَ». 18 – قُلْتُ فِي قَلْبِي: «مِنْ جِهَةِ أُمُورِ بَنِي الْبَشَرِ، إِنَّ اللهَ يَمْتَحِنُهُمْ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ كَمَا الْبَهِيمَةِ هكَذَا هُمْ». 19 – لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي الْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ، وَحَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمْ. مَوْتُ هذَا كَمَوْتِ ذَاكَ، وَنَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ. فَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، لأَنَّ كِلَيْهِمَا بَاطِلٌ. 20 – يَذْهَبُ كِلاَهُمَا إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. كَانَ كِلاَهُمَا مِنَ التُّرَابِ، وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُ كِلاَهُمَا. 21 – مَنْ يَعْلَمُ رُوحَ بَنِي الْبَشَرِ هَلْ هِيَ تَصْعَدُ إِلَى فَوْق؟ وَرُوحَ الْبَهِيمَةِ هَلْ هِيَ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلَ، إِلَى الأَرْضِ؟ 22 – فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَفْرَحَ الإِنْسَانُ بِأَعْمَالِهِ، لأَنَّ ذلِكَ نَصِيبَهُ. لأَنَّهُ مَنْ يَأْتِي بِهِ لِيَرَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ؟
الأعداد 16-17
ع16 – 17:
:
جور: ظلم.
يتعجب سليمان من أجل انتشار الظلم في العالم، فبدلا من أن يحكم القاضى والرئيس وكل إنسان بالحق والعدل، وجدهم يحكمون بالظلم. وإذ فحص البشر وجد الكل يظلمون بعضهم البعض ولو قليلا، فالصديق يظلم غيره ولو بدون قصد، أما الشرير فيظلم كثيرا. وبالتالي لم يجد شخصًا عادلا، وعاملًا بالحق دائما إلا الله وحده.
“لأن لكل أمر، ولكل عمل وقتًا هناك”: فالله يطيل أناته على الظالمين ليتوبوا، ولكن سيأتى وقت ويحاسبهم، ويعاقبهم إن لم يتوبوا. فالله يرى كل عمل ويحاسب عليه. ويرد الحق إلى الصديق المظلوم في الوقت المناسب.
الأعداد 18-21
ع18 – 21:
:
مزية: ميزة.
قال سليمان في قلبه، أي فكر بينه وبين نفسه، أن الله يمتحن البشر بأن يضع الموت نهاية لحياتهم. وهذا ما يحدث أيضا للبهيمة، أي أن جسد الإنسان يوضع في التراب مثل جسد البهيمة، ويتعفن مثله، وذلك حتى ينتبه الإنسان، ولا يتفاخر بجسده وإمكانياته، وتميزه عن غيره من البشر، بل يهتم بأن يستعد بالتوبة، والسلوك المستقيم ليكون له مكان في السماء، ولا يتكبر على غيره، بل يتضع، ويكون أمام الله مثل البهيمة، كما يقول المزمور (مز73: 22). أما المميزات التي في الإنسان فهي نعمة من الله ليس للإنسان فضل فيها.
ونسمة واحدة للإنسان والحيوان، المقصود بها النفس، أي الحيوية والغرائز التي تحرك الجسد تخرج من جسد الإنسان، أو الحيوان، فيموت ويوضع في التراب. وذلك بالطبع غير الروح التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان، التي هي صورة الله ومثاله.
كل ما سبق، هو نظرة للإنسان كجسد، هو يشبه البهيمة في جسدها، وليس المقصود بالإنسان كجسد وروح.
ثم يقول أن روح بنى البشر هل تصعد إلى السماء، وروح البهيمة تنزل إلى الارض؟ أي أن الله الذي يعلم كل هذا، ولا ترى عيون البشر أين يذهب كل منهما، كل هذا كان يقوله سليمان في بداية حياته، وهو منشغل في أمور العالم، ولكن عندما تاب، كتب في نهاية هذا السفر الحقيقة كاملة، أن روح الإنسان تصعد لخالقها (جا 12: 7).
العدد 22
ع22:
الخلاصة يقررها سليمان، وهي أن هدف حياة الإنسان هو أن يعمل أعمالًا حسنة، ويفرح بها؛ لأنها تقربه إلى الله، وترضى ضميره. لأن الإنسان لا يرى ماذا يكون بعد الموت، ولكنه يؤمن بالحياة الأبدية، فلذا يستعد لها بالقلب النقى والحياة المستقيمة، ولا ينغمس في شهوات العالم الباطلة، ويبتعد عن الخطية.
† يدعونا الآباء القديسون إلى تذكر الموت، ويوضحون هذا المعنى في صلوات الأجبية، حتى نتوب عن خطايانا، ونضبط شهواتنا، ونتضع، وننظر إلى أمجاد الأبدية، فنميل إلى عمل الخير، والانشغال بمحبة الله.