الإصحاح الثالث والثلاثون
الأعداد 1-6
الآيات (1 – 6): –
“1 من اتقى الرب لا يلقى ضرا بل عند التجربة يحفظه الرب وينجيه من الشرور. 2 الرجل الحكيم لا يبغض الشريعة أما الذي يراءي فيها فهو كسفينة في الزوبعة. 3 الإنسان العاقل يؤمن بالشريعة والشريعة أمينة له. 4 هيئ كلامك كما يفعل الصديقون في مسائلهم فتسمع انظم معاني علمك وجاوب. 5 أحشاء الأحمق كمحالة العجلة وفكره مثل المحور الخفيف الدوران. 6 الصديق المستهزئ كفحل الخيل الذي يصهل تحت كل راكب.”.
آية (1) هي نفس مفهوم الآية السابقة (28: 32) فمن يتقي الرب يحفظه من الشرور وينجيه. الرجل الحكيم لا يبغض الشريعة = فحفظ الشريعة هو طريق الحكمة. هنا يشير لطريق التقوى الذي هو كل الحكمة ليحفظنا الله من الشرور (1). أمّا الذي يُراءي = هو موجود بجسده في الكنيسة وبقلبه في أماكن الخطية يشتهي الذهاب إليها، أمّا الذي يتقي الرب، فهو الذي قرر بقلبه أن لا يغضب الرب ولا يذهب لأماكن الشر. والمرائي يصير كسفينة في الزوبعة = لا يعرف معنى السلام والإطمئنان. هيئ كلامك = قبل أن تتكلم فكر في كلماتك وأنها بحسب فكر الكتاب المقدس = كما يفعل الصديقون. فتسمع أنظم معاني علمك = من يفعل ويفكر ويتأمل فى كلام الكتاب قبل يتكلم هو يعطى أذنه للروح القدس الذى يعطيه أنظم أى أكمل الأفكار فهو الذى يعلم ويذكرنا بكلام الله (يو14: 26). أما الأحمق فأحشائه = الأفكار والعواطف التي تحركه من داخله كمحالة العجلة = “عجلة المركبة” فهي تدور ومثل المحور الخفيف الدوران = له كل يوم رأي بحسب أهوائه. الصديق المستهزئي = أي كل إنسان تعرفه وله هذه الصفة في أنه لا يحترم كلمة الله، وهو بلا مبدأ واحد، فهو كفحل الخيل الذي يصهل تحت كل راكب = هذا الصديق كحصان يركبه شخص مختلف كل يوم فيسير بحسب هوي الراكب. والصديق المستهزئ هو مثل هذا الحصان يقوده كل يوم فكراً أو فلسفة خاطئة يظل يثرثر بها.
الأعداد 7-18
الآيات (6 – 18): –
“7 لماذا يفضل يوم على يوم ونور كل يوم في السنة من الشمس. 8 علم الرب ميز بينها إذ صنعت الشمس التي تحفظ الرسم. 9 وخالف بين الأزمنة فعيدت الأعياد في الساعة المعينة. 10 فمنها ما أعلاه وقدسه ومنها ما جعله في عداد الأيام وكذا البشر كلهم من التراب وآدم صنع من الأرض. 11 لكن الرب ميز بينهم بسعة علمه وخالف بين طرقهم. 12 فمنهم من باركه وأعلاه ومنهم من قدسه وقربه إليه ومنهم من لعنه وخفضه ونكسه من مقامه. 13 كما يكون الطين في يد الخزاف وتجري جميع أحواله بحسب مرضاته. 14كذلك الناس في يد صانعهم وهو يجازيهم بحسب قضائه. 15 بازاء الشر الخير وبازاء الموت الحياة كذلك بازاء التقي الخاطئ وهكذا تأمل في جميع أعمال العلي تجدها اثنين اثنين الواحد بازاء الآخر. 16 أني أنا الأخير قد استيقظت وورثت هذه كما كانت منذ البدء. 17 كمن يلتقط وراء القطافين أقبلت ببركة الرب فملأت المعصرة كالذي قطف. 18فانظروا كيف لم يكن اجتهادي لي وحدي بل أيضا لجميع الذين يلتمسون التأديب.”.
ملخص هذه الآيات أن الله بسابق علمه، الذي يعرف قلب كل إنسان، ميز بين إنسان وآخر “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة إبنه” (رو29: 8). وأن الله كخزاف حكيم يعرف كيف يصنع كل إناء (رو21: 9).
ففي الآيات (7 – 10) يرى الحكيم أن الأيام كلها متشابهة، كلها تنيرها الشمس صباحاً. ولكن الله بسابق علمه جعل بعضها أيام أعياد مقدسة، وبعضها أيام عادية. إذ صنعت الشمس التي تحفظ الرسم أي الشمس التي بحسب بعدها وقربها من الأرض تتحدد الفصول وبالتالي الأعياد. وهكذا البشر كلهم من تراب، ولكن الرب ميز بينهم، فمنهم من رفعه ومنهم من خفضه، وذلك كخزاف حر أن يصنع ما يريده، لكن هذا الخزاف حكيم يريد أن يصنع كل الآنية جيدة، ولكن هو بسابق علمه يعرف كيف يكون كل إنسان، ولأن وضع كل إنسان سواء بالكرامة أو بالهوان هو في يد الإنسان، وليس الله هو الذي يصنعه كإنسان خاطئ لذلك فالله يجازيهم بحسب قضائه.
والطريق مفتوح بالتوبة لكل إنسان لكي يطهر نفسه فيتحول من آنية هوان لآنية كرامة (2تي2: 20، 21) ولأن الطريق مفتوح بالتوبة لكل واحد فالله له الحق أن يجازي. وفي (15) يقول هناك الشر وهناك الخير.. هناك الموت وهناك الحياة.. هناك إنسان تقي وهناك إنسان خاطئ.. فماذا تختار؟ هذه مثل قول موسى “قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر” (تث15: 30 – 20) ويرد يشوع على هذا الكلام ويقول “وأما أنا وبيتي فنعبد الرب” (يش15: 24) وكما قال يشوع بن نون، هنا يقول يشوع بن سيراخ في (16 – 18) إني أنا الأخير = أي يشوع بن سيراخ نفسه، قد إستيقظت وورثت هذه = كمن سهر ثم إستيقظ وتنبه على هذه الحقائق. كان هناك حكماء كثيرين قبله هو إلتقط منهم كمن يلتقط وراء الحصادين في حصاد الحقول، ولكن الحكمة التي إقتناها يشوع بن سيراخ كانت كثيرة حتى ملأت المعصرة. وهو إجتهد وإستفاد وإختار طريق الحكمة طريق الحياة، كما إختاره من قبله يشوع بن نون، وكان هذا لحياته وحياة كل من يسمعه = لجميع الذين يلتمسون التأديب.
تعليق على آنية الكرامة والهوان:
حين يقول الكتاب أن الله يخلق آنية للكرامة وآنية للهوان فقطعاً لايعنى أنه يخلق أناساً يحيون فى برْ وآخرون للهلاك ليحيوا فى الخطية وإلا فببساطة كيف يُحاسبهم الله بعد ذلك ويدينهم؟. ولكن يكون المعنى أنه يخلق أناساً لهم كرامة عالمية (مثل دانيال النبى) وآخرين ليس لهم هذه الكرامة الزمنية (مثل حزقيال النبى). ولكن كليهما لهما نفس الكرامة لدى الله. ولكن هذا لأن لكل منهم دوره فى الحياة وعمله الذى خُلِقَ لأجله. فالأول يشهد لله فى قصور الملوك والثانى يشهد لله فى وسط الشعب المسبى فى بابل.
أما حين يحيا الإنسان فى خطية فهذا قراره. وحين يُقال أن الله إختار أحد للخلاص الأبدى فهذا بسابق علمه (رو28: 8 – 30). ولاحظ أن الله يُريد أن الجميع يخلصون (1تى4: 2). والله يعطى كل إنسان فرصا عديدة وبأساليب متنوعة، ما بين التعليم والحنان والإرشاد والعطايا المادية، ثم التوبيخ والتبكيت من الداخل والخارج أى من الناس ثم بضربات تأديبية، وتتصاعد هذه الضربات مع إستمرار العناد. ولذلك نسمع فى المزمور الخمسين “لكى تتبرر فى أحكامك وتغلب إذا حوكمت”.
الأعداد 19-24
الآيات (19 – 24): –
“19 اسمعوني يا عظماء الشعب وأصغوا إلى يا رؤساء الجماعة. 20 لا تول على نفسك في حياتك ابنك أو امرأتك أو أخاك أو صديقك ولا تعط لآخر أموالك لئلا تندم فتتضرع إليه بها. 21 ما حييت وما دام فيك نفس لا تسلم نفسك إلى أحد من البشر. 22 لأنه خير أن يطلب بنوك منك من أن تنظر أنت إلى أيدي بنيك. 23 في جميع أمورك احفظ لنفسك مزيتها. 24 ولا تجعل عيبا في كرامتك قسم ميراثك عند انقضاء أيام حياتك حين يحضر الموت.”.
هي نصيحة للأب أن لا يقسم ثروته على أولاده في حياته بل عند مماته أو في وصية [1] لا ينحرف الأولاد في شبابهم بالمال الكثير [2] وإذ ينفقون المال ربما يحتاج له الأب في كبره فلا يجده ويصبح هو وأولاده محتاجين.
إحفظ لنفسك مزيتك = كن سيد الموقف.
الأعداد 25-33
الآيات (25 – 33): –
“25 العلف والعصا والحمل للحمار والخبز والتأديب والعمل للعبد. 26 اشغل الغلام بالعمل فتستريح أرخ يديك عنه فيلتمس العتق. 27 النير والسيور تحني الرقاب ومواظبة العمل تخضع العبد. 28 للعبد الشرير التنكيل والعذاب أقسره على العمل لئلا يتفرغ. 29 فان الفراغ يعلم ضروب الخبث. 30 الزمه الأعمال كما يليق به فان لم يطع فثقل عليه القيود لكن لا تفرط في عقاب ذي جسد ولا تصنع شيئا بغير تمييز. 31 أن كان لك عبد فليكن عندك كنفسك فانك اكتسبته بالدم أن كان لك عبد فعامله كنفسك فانك تحتاج إليه احتياجك إلى نفسك. 32 أن أذيته ابق. 33 وإذا فر ذاهبا ففي أي طريق تطلبه.”.
هذه عن معاملة العبيد، وكان نظام العبيد معروفاً في العهد القديم. والله سمح بهذا، أنه إذا إستدان أحد ولم يستطع أن يوف فليخدم المدين كعبد وفي السنة السابعة يتحرر (خر20: 21 + لا39: 25) وكان هذا ليشرح الله أن البشر صاروا غير قادرين على تسديد ما عليهم من ديون إذ إفتقروا (رؤ17: 3). وكان هذا العبد يظل عبداً للسنة السابعة أو إذا أتى قريب له يدفع ما عليه ويسمونه الفادي، وهذا بالضبط ما عمله المسيح.
وهنا يطلب الحكيم أن تجعل العبد يعمل بإستمرار وأن تجعله منشغل بالعمل وإلاّ يتراخى. وروحياً فالعبد يشير للجسد الذي يجب ألاّ نريحه ونجعله يأكل ويشرب ولا يعمل (فالمثل يقول اليد البطالة نجسة) أي سيفكر الإنسان مباشرة في النجاسة. على أن الحكيم يطلب أن لا يؤذي السيد عبده. وروحياً فهذا يعني أن لا يضغط الإنسان على جسده بشدة حتى لا يمل من الطريق الروحي. وفي (25) نرى لزوم تأديب العبد وإلزامه بالعمل لكن عدم حرمانه من الطعام، فإنك إن تركته بلا عمل سيطلب العتق، أي ترك الخدمة. أما العبد الشرير فليؤدبوه، ولكن لا تفرط في عقابه (30) ولا تصنع شيئاً بغير تمييز = فكان للسيد الروماني أن يقتل عبده أو يفقأ عينه. ولاحظ الفرق إن كان لك عبد فليكن عندك كنفسك = وهذا تعليم بولس الرسول (كو1: 4 + أف9: 6 + فل10، 12، 16، 17). فإنك إكتسبته بالدم = أي بنقودك التي تعبت وعرقت لتحصل عليها. إن أذيته أبَق = أي هرب منك، وإذا هرب فمن أين ترده ثانية.