وكما ركز القديس يوحنا على لاهوت المسيح فقد ركز أنها على ناسوته وإنسانيته وسجل أقوال كثيرة للرب عن تعبه وآلامه وجوعه وعطشه وأكله وشربه وكماله الجسمانى كإنسان مكون من لحم ودم وعظام، وكماله الإنسانى كإنسان مكون من جسد ونفس وروح. فقد سجل القديس يوحنا أقوال السيد وأعماله التى تبرهن على أنه ابن الله وكلمة الله الذاتى الذى نزل من السماء وحل بين البشر فى صورة إنسان بعد أن إتخذ جسدًا “والكلمة صار جسدًا وحل بيننا”، ومن ثم فقد قدم المسيح الإله والإنسان، الإله المتجسد، الذى كان هو ابن الله وكلمة الله وابن الإنسان وآدم الثانى، كلمة الله الذى صار جسدًا وابن الإنسان الآتي على سحاب السماء وديان البشرية.
وقد دون القديس يوحنا الإنجيل الرابع وكتبه بالروح القدس، والقديس يوحنا هو الوحيد من الإنجيليين الأربعة الذى ذكر ودون أقوال السيد المسيح عن إرساله للروح القدس من الآب، ضمن خطابه الوداعى الطويل بعد العشاء الأخير وأوضح فيه عمل الروح القدس فى التلاميذ والرسل أثناء شهادتهم للمسيح ودوره معهم: “يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم”، “فهو يشهد لى”، “فهو يرشدكم إلى جميع الحق … ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدنى لأن يأخذ مما لى ويخبركم (244)”
. وهذا ما عمل الروح القدس تمامًا مع القديس يوحنا أثناء كرازته وعند تدوينه للإنجيل، فقد علمه ما لم يكن يعلمه وذكره بما قاله وعمله الرب وشهد للسيد المسيح ومجده. كان الروح القدس هو ضامن الحق للصورة الإلهية فى الإنجيل الرابع وفى كل العهد الجديد، هذه الصورة التى لا يمكن لفنان مهما كان إيداعه فى فنه أن يرسمها بدون وحى إلهى وعمل الروح القدس، وقد أصبح الإنجيل الرابع وكل العهد الجديد، كما يقول المؤرخ الكنسى فيليب شاف لغز فى تاريخ الأدب وغير قابل للحل العقلى.
وقد آمنت الكنيسة ولمدة ثمانية عشر قرنأ تقريبًا على امرأة كاتب الإنجيل الرابع هو القديس يوحنا الرسول، تلميذ المسيح الذى كان يحبه إلى امرأة جاء من يدعى إيفانسون Evanson الإنجليزى (1792م) وقال بناء على ما تصور إنه اختلاف بين أسلوب سفر الرؤيا وأسلوب الإنجيل الرابع وزعم امرأة هذا الإنجيل لم يكتبه القديس يوحنا بل كتبه فيلسوف أفلاطونى من القرن الثانى، وانقسمت أراء النقاد بعد ذلك ودار بينهم صراع ما تزال آثاره موجودة، وتلقف أراء النقاد هذه بعض المهتمين بدراسة مقارنة الأديان فى الشرق دون امرأة يهتموا بالمرة بالبراهين التى قدمها علماء الكنيسة أو بما تطورت إليه أراء هؤلاء النقاد بعد ذلك لأنها لا تحقق أهدافهم. وقد تراجع النقاد ومن تبعهم من العلماء عن هذه الآراء أمام البراهين الساطعة التى تأكدت تباعًا حتى وصلوا إلى حقيقة هامة ومجمع عليها، وهى أن هذا الإنجيل، الرابع وثيق الصلة بالقديس يوحنا ولا يبعد عنه بأى حال من الأحوال، فقد خرج من دائرته ومن تسليمه ومن تعليمه. وانقسمت أراء هؤلاء النقاد والعلماء إلى ثلاثة اتجاهات كلها تبدأ من القديس يوحنا وتنتهى إليه، وهى :
أن القديس يوحنا قد كتب هذا الإنجيل بمعونة أحد تلاميذه الذين كانوا معه، وهذا التلميذ لم يذكر اسمه وتحت ضغط القديس يوحنا لم يجعل أسمه، اسم القديس يوحنا، واضحًا فى طيات الكتاب.
أن واحدًا من تلاميذ القديس يوحنا قد جمع هذا الإنجيل واستخدم فى ذلك مذكرات أو مواعظ القديس يوحنا التى سمعها منه.
إنه كانت هناك مدرسة أسمها مدرسة يوحنا انتشرت فيها أفكار ومواعظ ومذكرات القديس يوحنا عن السيد المسيح، وهذه المدرسة هى المسئولة عن جمع هذا الإنجيل وكتابته.
ولكننا نؤمن إيمان راسخ مبنى على الحق والواقع ومؤيد بالدليل والبرهان على أن مدون هذا الإنجيل، الرابع، وكاتبه بالروح القدس هو القديس يوحنا، وبنفسه، سواء كان قد كتبه بقلمه أو أملاه على أحد تلاميذه.