الباب الرابع: الذات سَبب الكبريَاء حياة التواضع والوداعة البابا شنودة الثالث

الباب الرابع: الذات سَبب الكبريَاء

الذات تريد أن تكبر.

الغرور.

تحقيق الذات!

السيطرة والطمع.

كلمة أنا، ولا أنا.

كيف تتخلص من الذات؟

الذات سَبب الكبريَاء

تريد أن تكبر:

يقع فى الكبرياء الإنسان الذى يهتم بذاته بطريقة خاطئة، أو أنه يحب ذاته بطريقة خاطئة. فهو يكبر فى عينى نفسه. ويحب أن يكبر فى أعين الناس. بل يحب أيضاً أن يكبر أكثر من غيره.

* مثال للذى يكبر فى عينى نفسه.

كالشخص الذى يطيل النظر فى المرآة، يتأمل محاسن نفسه..!

أو كالذين أرادوا فى القديم أن يبنوا برج بابل، وقالوا بعضهم لبعض: “هلمّ نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه فى السماء، نصنع لأنفسنا إسماً” (تك 1: 4).. صدقونى يا أخوتى ربما كان هؤلاء أقل كبرياء فى أعين أنفسهم من الذين قالوا: نصعد إلى القمر، نرفع عليه علم بلادنا. نصعد أيضاً إلى المريخ. نمهد إلى سكنى الكواكب، أو ننظم رحلات إليها.

كلها أمثلة للعقل البشرى، حينما يكبر فى عينىّ نفسه، ويتصور تصورات أو تخيلات تليق بهذا اللون من الكبر.

+ + +.

* أما الذى يريد أن يكبر فى أعين الناس، وأن يمجدوه:

فهو مثل هيرودس الملك، الذى وهو يخاطب الناس من على عرشه، سرّ أن يمجده الناس قائلين “هذا صوت إله، لا صوت إنسان” (أع 12: 22). ففى الحال ضربه ملاك الرب بسبب كبريائه، فمات وأكله الدود.

ومثال آخر هو هامان – فى عهد أحشويرش الملك – الذى اضطهد مردخاى لأنه لم يسجد له مثل سائر الناس الذين يمجدونه (إس 3: 3 – 6).

+ + +.

* على أن البعض لا يكفيه أن يكبر، بل يريد أن يكبر أكثر من غيره.

مثال ذلك أبشالوم بن داود الملك، الذى أراد أن يصير أكبر من أبيه، وأن يجلس على العرش بدلاً منه. ودخل فى حرب ضده (2 صم15 – 18).

* والذى يريد أن يكون أكبر من غيره، يقع فى حب الرئاسة.

وذلك ليكون أعلى من غيره قدراً. وقد حورب الآباء الرسل بهذا الأمر: من يكون الأول فيهم. فقال لهم السيد الرب “أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكن فيكم عظيماً، فليكن لكم خادماً ومن أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن لكم عبداً” (مت 20: 25 – 27).

+ + +.

* طبيعى أن الذى يحب أن يكون الأكبر، يكره أن يكون هناك من هو أفضل منه. ونتيجة لهذا تدب فيه رح الغيرة والحسد:

فلما رأى شاول الملك أن الفتى داود قد ناله مديح أكثر منه، بعد أن انتصر على جليات الجبار، تملكته الغيرة والحسد، فأراد قتل داود أكثر من مرة، وطارده من مكان إلى آخر، وتغير قلبه من جهته (1 صم 18: 7 – 15).

أيضاً قايين قام على أخيه هابيل وقتله. لأن الرب قبل ذبيحة هابيل ولم يقبل تقدمته هو، فتملكته الغيرة والحسد التى انتهت به إلى القتل.

كذلك أخوة يوسف الصديق: لما رأوه أنه قد صار أفضل منهم، بالأحلام التى حكاها لهم. وبالقميص الملون الذى منحه أبوه إياه. لذلك حسدوه، وازدادوا أيضاً بغضاً له. واحتالو عليه ليميتوه. وأخيراً باعوه كعبد (تك37).

نفس الغيرة أيضاً دبت بين أختين شقيقتين هما ليئة وراحيل، من أجل الأفضلية فى انجاب البنين، وفى كسب محبة الزوج (تك 29: 31 – 35). حتى “قالت راحيل: مصارعات الله قد صارعت أختى” (تك 30: 8).

+ + +.

* عجيب أن يشعر إنسان بكبره، لأسباب تحيط بذاته من الخارج.

مثال ذلك سليمان الملك، الذى شعر بذاته لأسباب كلها خارجة عنه، مثل قوله “بنيت لنفسى بيوتاً. غرست لنفسى كروماً. عملت لنفسى جنات وفراديس… عملت لنفسى برك مياه لتسقى بها المغارس المنبتة الشجر. قنيت لنفسى عبيداً وجوارى.. وكانت لى أيضاً قنية بقر وغنم أكثر من جميع الذين كانوا فى أورشليم قبلى..”. وعجيب أنه قال بعد كل تلك الأسباب الخارجية: “فعظمت وأزددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلى فى أورشليم” (جا 2: 4 – 9).

بينما المفروض أن تكون أسباب العظمة من الداخل، كقول المزمور:

“كل مجد ابنة الملك من داخل” (مز 45: 13).

على الرغم من أنها “مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة”. ومع ذلك ما أكثر الذين يكبرون فى أعين أنفسهم أو فى أعين الناس بأسباب خارج الذات مثل السلطة والغنى والمركز وما أشبه.

+ + +.

* على أن البعض قد يكبر بسبب ذاته: كأن يكون حكيماً فى عينى نفسه، أو باراً فى عينى نفسه.

الحكيم فى عينى نفسه، يعتد برأيه وبفكره. ويظن باستمرار أنه على صواب، وأن الحق فى جانبه. بينما يقول الكتاب: “على فهمك لا تعتمد” “ولا تكن حكيماً فى عينى نفسك” (أم 3: 7، 5).

والحكيم فى عينى نفسه، لا يرى أنه محتاج إلى مشورة أو أى نصح. لأنه مكتفِ بذاته من جهة الفكر، وواثق بمعرفته. بل قد يصل فى ذلك إلى مقاومة الرأى الآخر، فى عناد وتشبث برأيه.

أما البار فى عينى نفسه، فهو الذى يشعر أنه لا يخطئ أبداً. ولذلك فهو لا يقبل عتاباً. ولا يكون مستعداً لتغيير مسلكه.

الغرور:

والبار فى عينى نفسه، والحكيم فى عينى نفسه، كلاهما يصيبهما الغرور.

والمغرور له ثقة زائدة فى نفسه. يظن فى نفسه أكثر من حقيقتها بكثير. ويعتد بنفسه. وربما تكون له مواهب أو قدرات تتعبه، وتكون مصدراً لغروره. أو قد يظن أن له مثل هذه المواهب والقدرات.

المغرور بذاته يعتمد على نفسه. أما المتواضع فيعتمد على الله.

الواثق بنفسه يكون كثير العمل. أما المتواضع فيكون كثير الصلاة.

المغرور إذا نجح، يفتخر بعقليته وجهده عمله. أما المتواضع فإذا نجح، يشكر الله – لأنه لم ينجح إلا بمعونة منه.

+ + +.

وهذا المغرور قد لا يعمل شيئاً. ولكنه فى كثير من الأحيان يسبح فى أحلام اليقظة ويتخيل فيها أنه يقوم بعظائم الأمور!!

وهو قد يقحم نفسه فى أمور ربما تكون فوق مستواه، ظاناً أنه يستطيع أن يبدى فيها رأياً، أو يعمل فيها عملاً. وغالباً ما يفشل…

وإن فشل أو صدّه الناس، قد ينطوى. يتأمل فى وحدته محاسن نفسه ومواهبها، بعيداً عن مجتمع لا يقدّرها ولا ينتفع بها!!

تحقيق الذات:

* الذى يريد أن يكبر ذاته يعمل على تحقيق ذاته فى كل شئ.

ويقصد بعبارة (تحقيق ذاته) أنه يشعر بوجود هذه الذات وحفظ مكانتها فى كل عمل تعمله، حتى فى الكنيسة، فى الخدمة، يريد أن هذه الذات تظهر وتحقق وجودها. وما أكثر ما تتحطم الخدمة بظهور الذات ومحاولتها أن تبدو وأن تسيطر. ولا مانع من أن تصطدم بغيرها، ويسود الانقسام والصراع فى الخدمة بسبب الذات.

+ + +.

حتى فى التعليم، قد تحاول الذات أن تثبت وجودها.

وربما فى سبيل ذلك، يوجد المنهج الخاص والتعليم الخاص، والخروج عن المفهوم العام لتقديم مفهوم خاص تتميز به الذات وتظهر. وقد تحاول أن تحطم التعليم القديم الثابت فى الأذهان، لتقدم تعليماً جديداً.. وهكذا تظهر البدعة، وتدافع الذات عنها لتثبيتها.

وفى الخدمة، ما أسهل ان تسعى الذات وراء المتكآت الأولى، والمنافسة عليها. فلا تكون الذات باذلة فى مجال الخدمة، بل تكون الخدمة هى الوسيلة التى تظهر بها الذات، وتنال بها تقديراً واحتراماً.

+ + +.

* ومن أخطر ما تقع فيه الذات: الاستقلال عن الله.

وكأن الذات تبحث عن ملكوتها هى، وليس عن ملكوت الله. وتهتم بتفيذ مشيئتها الخاصة، ولا مشيئة الله، وتحقيق رغباتها هى، ولا وصايا الله. وبهذا تبعد كل البعد عن حياة الطاعة والتسليم.

ومن الأمثلة البارزة فى هذا المجال يونان النبى، الذى هرب من تنفيذ أمر الله فى الذهاب إلى نينوى والمناداة عليها بالهلاك. لأنه كان يدرك أنها إن تابت بمناداته، سيغفر الله لها ولا تهلك.. فتسقط كلمته فى المناداة عليها. وقد حسب ذلك ضد كرامته!!

لذلك عندما رحم الله أهل نينوى، غمّ ذلك يونان غماً شديداً فاغتاظ، وقال: الآن يا رب خذ نفسى، لأن موتى خير من حياتى (يون 4: 1 – 3).

هل تبحث عن  ترشيش

+ + +.

* ومن مظاهر استقلال النفس عن الله، رغبتها فى أن تحيا فى حرية مطلقة، ولو أدى الأمر أن تعصى فيها كل وصايا الله!!

وهذا ما وقع فيه الكثيرون، وقادتهم الحرية الخاطئة إلى التسيب الإنحلال، وإلى الإباحية والشذوذ، والمطالبة لأنفسهم بحقوق إباحيتهم وشذوذهم. ومن أمثلة ذلك أيضاً الوجوديون، الذين رأوا أن وجودهم لا يتحقق فى ظل وصايا الله. فنادوا بأنه من الخير أن لله لا يوجد، لكى يوجدوا هم، اى لكى تتحقق لهم الحرية الكاملة فى التمتع باللذة المنحرفة مستقلين عن الله..!

+ + +.

والذى من أجل تحقيق ذاته، يأخذ هذا الموقف من الله، طبيعى جداً أن يأخذ نفس الموقف من أب الاعتراف.

فهو لا يريد أن يكون أب الاعتراف عائقاً لحريته. لذلك لا يطيعه إلآ فيما يتفق مع غرضه هو. وإن نصحه أب الاعتراف بتدبير يراه ضد فكره واتجاهه، يجادله ولو إلى حد عدم الاستجابة لإرشاده. وقد يلجأ إلى عدم استشارته مطلقاً فى أى أمر يشعر بأنه سيرفضه.

وبهذا يريد أن يكون اب اعترافه مجرد جهاز تنفيذى لرغباته، يعطيها شرعية كنسية بالموافقة عليها، أن يسلك حسب هواه…

السيطرة:

* والإنسان الذى يحب ذاته بمثل هذه المحبة الخاطئة، تظهر هذه الذات مسيطرة فى معاملاته.

فهو يريد أن يكون أهم من غيره، ويريد احتراماً لذاته من كل من يتعامل معه. ويكون حساساً جداً لكرامته وسمعته ونفوذ كلمته!

وبسبب ذلك ما أسهل أن يصطدم بغيره. وتقوده الذات إلى خصومات وربما إلى معارك. ويقوده التنافس إلى الحسد.

وتظهر (الأنا) Ego واضحة فى تعامله، تقوده إلى الأنانية التى تسبب له كراهية الناس وتجنبهم للاختلاط به.

ويميل إلى العظمة وتشامخ الروح. ويود أن تكون هذه العظمة له وحده، وتزول من غيره لتستقر عنده. ويستاء من كل مديح يوجه إلى غيره. كما لو كان إعجاب الناس وقفاً عليه وحده!

الطمع:

والمهتم بذاته يقع أيضاً فى الطمع.

وينطبق عليه قول الكتاب “كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن” (جا 1: 7). ذاته لا تحاول أن تكتفى فى كل المجالات. لا تكتفى غنى ولا عظمة ولامديحاً.

أليس أن الشيطان لم يكتف بما كان فيه من مجد، فأراد أن يرتفع فوق كل كواكب الله، بل أن يصير مثلى العلىّ! (اش 14: 14، 13).

وفى طمع الإنسان المحب لذاته، قد لا يسمح بأن يعطى فرصة لغيره أن ينال شيئاً إلى جواره. كما قيل عن رعاة لوط أنهم اختصموا مع رعاة ابراهيم، لما كثر الخير فتنافسوا على المراعى. وقيلت تلك العبارة المؤلمة “ولم تحتملها الأرض أن يسكنا معاً” (تك 13: 6).

والذى تقوده الذات إلى الطمع، يصعب عليه العطاء.

فيحب الأخذ أكثر من العطاء، بعكس وصية الرب (أع 20: 35).

+ + +.

من أجل تمركزه حول ذاته، يصعب عليه دفع العشور والبكور، ويصبح العطاء كأنه اقتطاع من ذاته. وفى قصة الغنى ولعازر (لو16) كان لعازر يشتهى الفتات الساقط من مائدة الغنى، وذلك لا يعطيه.

وبالتالى فإن المحب لذاته – إذا أعطى – يصعب عليه أن يعطى فى الخفاء. لأن ذلك لا يمجد ذاته فى أعين الناس.

وإن أعطى، يكون عطاؤه كله خارج ذاته، بينما أعظم العطاء هو فى بذل الذات لأجل الغير حسب قول الرب (يو 15: 12).

+ + +.

والمحب لذاته يقع فى الافتخار وفى تبرير الذات.

فهو يكثر الحديث عن نفسه وفضائلها. وبلا شك يتحدث عن أنصاف الحقائق. لأن النصف الآخر من الحقيقة – وهو ضعفات ونقائص تلك النفس – لا يذكره فى حديثه.

كلمة أنا:

كلمة (انا) Ego والكبرياء يسيران معاً فى طريق منحرف، ويقعان معاً فى هاوية واحدة، بعيداً عن محبة الله والناس.

إنها كلمة (أنا) فى سعيها إلى الظهور، وفى طلبها للكرامة، ولمزيد من الحقوق، سواء على المستوى الدنيوى، أو المستوى الدينى.

+ + +.

ونقصد بكلمة (أنا) كل ما يتعلق بها أو ينتسب إليها..

كمن يقول: عائلتى، وقريتى، وفريقى، وأهلى، وعشيرتى،.. إلخ.

كلها تحمل معنى (الأنا) فى الانتماء إليها، وفى الافتخار بها، وفى التعصب لها. على مستوى الجماعة، كما على مستوى الفرد.

(الأنا) تريد كل شئ لها. وعلى الأقل تريد أفضل شئ لها..!

+ + +.

وللأسف تبدون كمرض ينشأ منذ الطفولة المبكرة!!

فعلى الرغم من وصف الأطفال بأنهم ملائكة، إلا أن (الأنا) تسود على غالبيتهم فالطفل من صغره يتمسك بمحبة الذات التى تقوده إلى الغيرة وإلى الأنانية. فهو قد يتضايق إن أحبت أمه أو دلّلت طفلاً غيره. لأنه يريد كل الحب وكل التدليل له وحده. وإن أنجب أبواه طفلاً بعده، قد يعتبره منافساً له فى اهتمام الوالدين به. فهو يريد كل الاهتمام له! وإن رأى طفلاً آخر يلعب بلعبة جميلة، ربما يحاول أن يأخذها منه، أو يبكى بسبب ذلك.. إنها الذات ومشاكلها…

+ + +.

وبسبب ذلك فإن أسرة الطفل تحاول أن تتملقه أو تجامله، لتخفف من ضغط الذات عليه.

وتقول له: أنت طفل جميل حلو! أنت أحلى ولد. ولا يوجد أبداً مثلك.. وتظل تعطيه من أصناف المديح، بل ومن الهدايا والعطايا، لكى تشبع فيه (تحقيق الذات)، وتخفف عنه حروبها ومشاكلها! أو تحاول أن تقنعه بالرضى على غيره من الأطفال. أو تعطيه ليعطيهم، فيكون العطاء عن طريقه، فتشبع ذاته وترضى..!

+ + +.

محبة الذات هذه تتبع الطفل فى نموه. وتكبر عنده حينما يكبر ويصير شاباً أو رجلاً وتصير مصدراً لألوان من الكبرياء عنده.

والأمر يحتاج إلى حكمة كبيرة فى أساليب التربية، لإنقاذ الطفل فى أطوار نموه من كبرياء الذات وأنانيتها. وتفهيمه بأنه يمكن أن يكبر فى الفضيلة، وفى النمو الروحى.. إلى أن توصله إلى تفضيل التواضع حينما يكبر فى السن.. وليس هذا بالأمر السهل، ولكنه يحتاج إلى خبرة فى التربية، ودراية بأساليب الإرشاد الروحى.

أما الذى فى نموه فى السن، يستمر فى اشباع الذات بالاستحواذ على كل شئ، فهو لا يزال يحتفظ ببعض أمراض الطفولة نفسياً.

+ + +.

وتبقى عنده مشكلة الذات: ماذا أكون؟ ومتى أكون؟ وكيف أكون؟ وكيف تكبر ذاتى؟ وكيف تفوق غيرها؟..

وتتحول ذاته إلى صنم يتعبد له!! بل قد تتبعه عبادة الذات فى المجال الدينى أيضاً!! فإن دخل فى خدمة الكنيسة أو فى خدمة المجتمع، ترى ذاته أيضاً أمامه: كيف يكبر فى مجال الخدمة؟ كيف يكون له الرأى الواجب التنفيذ؟ ويكون هو الأول أو يكون هو الوحيد والباقون أتباعاً!! كل ذلك فى مجال خدمة الرب!!

بل حتى فى الصلاة، تقف الذات أمامه! كيف يعجب الناس بصلاته؟! وكيف باستجابة صلاته، ينال إعجاب الناس!! إنها (الأنا) التى لا تصلى لأجل خير الناس ومنفعتهم، إنما تصير (الأنا) هدفاً، تكبر عن طريق الصلاة واستجابتها! وإن لم يستجب الله لمثل هذه الصلاة، يدخل فى عتاب الله: كيف تخلى عن اناه!!

+ + +.

وربما فى المعاملات، يريد أن يفرض صنم هذه الأنا على غيره!

فكما أنه يحب هذه الأنا، ويتعبد لها ويمدحها، يريد أيضاً ان الكل يتعبدون لها ويمدحونها ويوافقونها على كل ما تريد!! ومن يعارض رغبات ذاته، يتخذه له عدواً ويقاومه! لأنه لم يُشبع هذه (الأنا) ما تهواه من كرامة ومن كبرياء!

وغالباً ما تكون (الأنا) سبب كل عداوة وانقسام واختلاف.

ويبقى أن الله ينجى الإنسان من خطورة هذه (الأنا) عليه وعلى غيره. وأيضاً على الإنسان أن يبحث عن وسائل تخلصه من اناه…

+ + +.

وربما إنسان يستخدم هذه (الأنا) لاهوتياً أو عقائدياً، فيفتخر بما وصلت إليه من رفعة روحية.

فيقول: أنا تجددت. أنا تطهرت. أنا تقدست. أنا تبررت. أنا ضمنت الملكوت. أنا قد صار الشيطان تحت قدمىّ. أدوسه بكل قوة وأطرده.. وتكرر كلمة (أنا) فى مثل هذا الإفتخار! وفيه كله، لا يذكر إطلاقاً عمل النعمة فيه! ولا يُذكر الضعف البشرى المعرض للسقوط. ولا يُذكر قول الكتاب عن نبى عظيم مثل إيليا: “إيليا كان إنساناً تحت الآلام مثلنا”! (يع 5: 17) مع أنه “صلى صلاة أن لا تمطر السماء، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلىّ أيضاً، فأعطت السماء مطراً، وأخرجت الأرض ثمرها” (يع 5: 18، 17).

هل تبحث عن  بناياهو كثير الأفعال

للأسف يستخدم الإنسان ما تعمله نعمة الله معه، لتفتخر بها ذاته، وليس لكى يمجد عمل النعمة فيه، مع الاعتراف بضعفه.

+ + +.

أما الآباء الأنبياء والرسل والقديسون، فقد أستخدموا كلمة (أنا) فى مجال الاتضاع وانسحاق النفس…

ابراهيم أبو الآباء، الذى باركه الله، وجعله بركة، وقال له: “وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض” (تك 12: 3، 2)، نراه فى مجال كلمة (أنا) يقول “أنا تراب ورماد” (تك 18: 27). وداود النبى، الذى كانت له دالة كبيرة عند الله، وقد صنع الله به نصراً عظيماً على جليات (1 صم17)، نراه بعد ذلك كما عرضواعليه مصاهرة الملك شاول، يقول لهم “هل هو مستخف فى أعينكم مصاهرة الملك، وأنا رجل مسكين وحقير” (1 صم 18: 23).. وما أكثر اعترافه فى مزاميره بضعفه. كأن يقول “ارحمنى يا ربى فإنى ضعيف” (مز 6: 2).

ويوحنا المعمدان، مع أنه كان أعظم من ولدته النساء (مت 11: 11)، يقول للرب “أنا المحتاج أن أعتمد منك” (مت 3: 14). ويقول للناس “يأتى بعدى من هو أقوى منى، الذى لست أنا مستحقاً أن أحل سيور حذائه” (مت 3: 11) (لو 3: 16).

وبولس الرسول العظيم، الذى اختطف إلى السماء الثالثة (2 كو 12: 2)، قال عن ظهور السيد المسيح للرسل بعد القيامة “وآخر الكل، كأنه للسقط ظهر لى أنا، لأنى أصغر الرسل، أنا الذى لست أهلاً أن أدعى رسولاً، لأنى اضطهدت كنيسة الله” (1 كو 15: 9، 8).

+ + +.

هذا هو الاستخدام السليم لكلمة (أنا) بروح الانسحاق.

بنفس الروح، يرسل القديس العظيم بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس فقول “أنا الذى كنت قبلاً مجدفاً ومضطهداً ومفترياً. ولكنى رحُمت لأنى فعلت بجهل فى عدم الإيمان” (1 تى 1: 13). يقول ذلك عن نفسه فى رسالة إلى تلميذه، بينما العادة أن يفتخر المعلمون أمام تلاميذهم! ولكنه يستخدم كلمة (أنا) بالطريقة السليمة.

ونلاحظ أنه عندما تحدث عن اختطافه إلى السماء الثالثة، لم يقل أنا، إنما قال “أعرف إنساناً فى المسيح يسوع” (2 كو 12: 2) فلم يستخدم كلمة (أنا) فى مجال التمجيد بينما استخدمها فى الإعتراف بأخطائه.

+ + +.

فى تمجيد الذات، اهتم الآباء بتمجيدها فى السماء لا على الأرض.

فى مجد (الأنا) على الأرض، فى هذه الحياة الحاضرة القصيرة، كان يخيفهم قول الرب عن هؤلاء الذين ينالون مديحاً هنا من الناس: “الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم” (مت 6: 2). وتكررت نفس العبارة فى (مت 5: 6: 16). وبنفس المعنى قال أبونا ابراهيم لغنى لعازر: “يا ابنى، اذكر أنك استوفيت خيراتك فى حياتك” (لو 16: 25).

أما الذين “أجرهم عظيم فى السماء”، فهم أولئك الذين أخفوا كلمة (أنا)، وعملوا الفضيلة فى الخفاء، أمام أبيهم السماوى الذى يرى فى الخفاء، وسيجازيهم علانية (مت6). وأيضاً أولئك الذين استخدموا عبارة (لاأنا) وما يشابهها.

لا أنا:

مثال ذلك القديس بولس الرسول الذى قال عن خدمته الناجحة: “ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لى لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التى معى” (1 كو 15: 10). وهنا نركز على عبارة:

“لا أنا، بل نعمة الله التى معى”.

ويكرر بولس الرسول نفس المعنى، فيقول “مع المسيح صُلبت. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ” (غل 2: 20). لا أنا الذى يعمل، بل المسيح الذى فىّ يعمل كل شئ. أما فقد صُلبت معه. لقد صلبت كلمة (أنا) فما عادت تظهر.

+ + +.

وهكذا كل الخدام، لا تريد ان (الأنا) تنال مجداً، بل يقولون:

“ليس لنا يارب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعطِ مجداً” (مز 115: 1).

نعم، فى مجال التمجيد يقول كل منا: لا أنا، ليس لنا.

وهذا هو التدبير الذى سار عليه القديس يوحنا المعمدان. فكان يرفض كل تمجيد موجه إليه، إلى “الأنا” ويحوله إلى السيد المسيح قائلاً عبارته الخالدة:

“ينبغى أن ذاك يزيد، وأنى أنا أنقص” (يو 3: 30).

ما أكثر ترديد المعمدان لعبارة لا أنا، أو لست أنا…

أما انا فمجرد “صديق للعريس، يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذن فرحى هذا قد كمل” (يو 3: 29).

+ + +.

وعبارة (لا أنا) نقولها ليس فقط من جهة علاقتنا بالله، بل أيضاً من جهة علاقتنا ببعضنا البعض…

فمن جهة الكرامة، يقول كل منا: لا أنا، عملاً بوصية الرسول: “مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة” (رو 12: 10).

ومن جهة الرئاسة يقول أيضاً كل منا لا أنا، عملاً بوصية الرب الذى قال: “من أراد أن يكون فيكم عظيماً، فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن لكم عبداً” (مت 20: 27، 26).

+ + +.

وفى عبارة (لا أنا) نتبع وصية الرب فى المتكأ الأخير.

نترك المتكآت الأولى للكتبة والفريسيين الذين يشتهونها (مت 23: 6). وإن عرضت علينا يقول كل منا: لا أنا. بل أخى أفضل منى وأولى. وهكذا نحيا حياة الاتضاع…

كيف نتخلص من الذات (من الأنا)

يمكننا ان نتخلص من سيطرة الذات بالأمور الآتية:

قهر الذات:

الصوم والعفة يدخلان فى قهر الذات، من جهة ضبط طلبات الجسد وشهواته. وهناك قهر آخر للذات من جهة شهوات النفس.

فقد تشتهى النفس حب الظهور، وأن تعلن عن ذاتها وتسعى وراء العظمة. وفى هذا كله ينبغى أن نقاومها. وسعيد هو الإنسان الذى يراقب نفسه ويمنعها كلما تشرد وراء التنعمات العالمية. ويقنعها بأن التنعم بالله أفضل.

إن مالت نفسك أو مال جسدك إلى متع هذا العالم إمنعهما بشدة: لا قسوة عليهما، إنما ضماناً لأبديتك. لأن الذى يدلّل نفسه هنا يهلكها…

+ + +.

والذى يتراخى فى ضبط ذاته، تقوى ذاته عليه، وتتمرد على سلوكه الروحى. بعكس الذى يدرب ذاته ويروضها فى دروب الرب.

إن الوسيلة التى تبنى بها ذاتك، هى أن تقهر ذاتك وتغلبها. لأنك بقهر الذات وتغلبك عليها، تصل إلى المجد الحقيقى للذات، الذى هو غير المظاهر الخارجية من العظمة واللذة والشهرة.. كل هذه الأمور البرانية. بينما ينشد المرتل قائلاً فى المزمور “كل مجد ابنة الملك من داخل” (مز45).

+ + +.

ثق أن فى قهر الذات لذة روحية، لا تعادلها كل ملاذ الجسد.

لذلك إن أردت أن تبنى ذاتك، إقهرها من جهة تطلعاتها الخارجية، لكى تبنيها من الداخل. وحينئذ تجدها فى الله، وتجد الله فيها. وتبصرها صاعدة نحو الأبدية.

+ + +.

ومن هنا كان الزهد من وسائل علاج الأنا.

وفى الزهد تبنى ذاتك – لا فى هذا العالم الحاضر – إنما فى العالم الآتى. وكما كان يوسف الصديق يخزن قمحاً للسنوات المقبلة، كذلك أنت إخزن ما ينفعك يوم تقف أمام الديان العادل. وكما خزنت العذارى الحكيمات زيتاً لحين مجئ العريس (مت25). كذلك إخزن أنت زيتاً من عمل الروح القدس فيك…

اقهرك ذاتك فى أمور العالم، لأن العالم يبيد وشهواته معه (1 يو 2: 17).

+ + +.

إن أردت نفسك أن تنتصر على الغير، اقهرها. فالانتصار الحقيقى هو الانتصار على الذات.

أما الغير: فبدلا من أنت تنتصر عليهم، إكسبهم. لأن الكتاب يقول “رابح النفوس حكيم” (أم 11: 30)… إن الانتصار على الناس سهل. ولكن كسب الناس هو الذى يحتاج إلى مجهود، إن كنت فيه تقهر ذاتك…

* نقطة أخرى فى علاج الأنا. وهى محبة الاخرين وخدمتهم.

مَحبة الآخرين وخدمتهم:

اخرج من حبس ذاتك داخل نفسك، إلى نطاق الآخرين.

يقول المزمور “إخرج من الحبس نفسى” (مز 142: 7). وأىّ حبس هو أقوى من أن تحبس نفسك داخل هذه الأنا؟! اخرج منها إذن، واندمج فى العالم الخارجى، مع الآخرين تحبهم وتخدمهم وتتعاون معهم.

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة أنا بانتهي من قبل حتى ما ابتدي *

قطعاً، الشخص الذى يحب ذاته، لا تهمه محبة الآخرين.

حاول إذن أن تخرج من التركيز على الاهتمام بنفسك، إلى الاهتمام بالآخرين. وثق أنك ستجد فى هذا لذة. وسوف يبادلونك حباً بحب، وتجد فى محبتهم ما يشبع نفسك.

+ + +.

أنتقل من مجال الأخذ إلى مجال العطاء.

تدرب على أن تعطى الغير، تعطيهم خدمة، تعطيهم وقتاً، تعطيهم حباً وجهداً ومساعدة.. وإذا نما الإنسان فى تدريب العطاء، فإنه يعطى حتى نفسه. وهذا أسمى ما يصل إليه فى الإنطلاق خارج الذات…

وإن كان من أخطاء (الأنا): البخل. فالعلاج هو العطاء.

حيث يتدرب الإنسان على اليد المفتوحة باستمرار، الممدودة بالعطاء إلى الغير، فى سعة، وفى رفق وحنان.. شكرهم سوف يشبعه. ومساعدتهم ستغير قلبه وتملؤه بمشاعر نبيلة، فيعطى اكثر، ويزداد فى خدمة الآخرين وفى إسعادهم.

+ + +.

ويتعود أن يتعب لأجل الآخرين.

لا يهتم براحة نفسه، إنما براحة غيره. على عكس الأنانى الذى يجعل راحته على تعب الآخرين. وكلما ينمو الإنسان الروحى فى الاهتمام براحة الآخرين، قد يصل إلى حياة التكريس. لأن المكرس هو الذى يجعل حياته كلها لأجل الآخرين.

+ + +.

* نقطة أخرى فى معالجة (الأنا)، هى التواضع.

التواضع:

الإنسان الذى يعيش فى محبة (الأنا)، يهمه أن تكبر ذاته باستمرار، وفى المقارنة يريدها أن تكون أعلى من غيره. وعلاج ذلك أن يضع أمامه قول الرسول:

“مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة” (رو 12: 10).

وعن ذلك يقول الشيخ الروحانى “فى كل موضع تحلّ فيه، كن صغير اخوتك وخديمهم”. بل إن السيد الرب يقول “إن أراد أحد أن يكون أولاً، فليكن آخر الكل وخادماً للكل” (مر 9: 35). وهكذا يمارس فضيلة (المتكأ الأخير).

+ + +.

والمقصود بالمتكأ الأخير، أن يكون الأخير لا من حيث المكان، بل من حيث المكانة.

فلا تحسب نفسك أهم الموجودين فى المكان الذى تحلّ فيه. ولا أن رأيك هو أهم الآراء، وقرارك هو أهم القرارات، ومركزك هو الأهم!! ولا تفكر فى أنه ينبغى أن تكون أنت المطاع والمحترم بين الكل!

+ + +.

لا تعطِ لنفسك كرامة وتفرضها على الآخرين.

إنما اترك الناس يكرمونك من أجل ما يرونه من تواضعك ووداعتك.. لا ترغم الناس على احترامك. فالاحترام شعور ينبع من داخل القلب. ولا يُفرض بالإرغام، إنما بالتقدير الشخصى..

وقد ترغم إنساناً على طاعتك، لكن لا تستطيع أن ترغمه على احترامك.

+ + +.

وفى معاملاتك مع الناس، كن نسيماً لا عاصفة.

كثيرون يحبون صفة العاصفة، لأنها تحمل معنى القوة. أما النسيم فيمثل الوداعة واللطف، اللذين ينبغى أن يتصف بهما من ينكر ذاته.

وفى تواضعك لا تفضل نفسك على غيرك. على أن يكون ذلك بعمق الحب وعمق الاتضاع، وبغير رياء..

+ + +.

فى اتضاعك، قل أنا. من أنا؟ أنا مجرد تراب ورماد.

بل قبل أن أكون تراباً، كنت عدماً. خلق الله التراب قبلاً منى، ثم صنعنى من هذا التراب… وهنا يختفى منك الاعتداد بالذات.

وفى اتضاعك أيضاً، تصل إلى فضيلة (إدانة الذات).

إدانة الذات:

الإنسان المصاب بالأنا، يكون باستمرار باراً فى عينى نفسه.

إذا أخطأ لا يعتذر، لأنه يظن أنه على حق ولم يخطئ! وإذا حدث سوء تفاهم بينه وبين أحد من الناس، لا يذهب إليه ليصالحه. لأنه يأمل أن طلب الصلح لابد أن يأتى من الطرف الآخر، باعتبار أن الخطأ قد صدر من ذلك وليس منه!

بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته تقنعه أنه لم يخطئ!

+ + +.

العلاج إذن أن يحاسب الإنسان نفسه بغير تحيز، ويدينها.

يدين ذاته فى داخل نفسه. ويدينها أمام الله وأمام أب اعتراف. ويدينها أمام الغير حينما يلزم ذلك.

يدينها فى اتضاع. ولا يجلب اللوم على غيرها، كما فعل أبونا آدم وحواء (تك3). ولا يبرر ذاته من جهة أسباب الخطأ وظروفه. فكل دواعى التبرير سببها الذات وتمسكها ببرها الذاتى…

إن الإنسان الذى يعكف على تمجيد ذاته وتكبيرها، بل يهدف باستمرار إلى تنقية ذاته مما يشوبها من أخطاء ونقائص.. تراه يلوم نفسه ويدينها، لأنه بهذا يمكنه تقويمها وتصحيح مسارها.

+ + +.

فى إحدى المرات زار البابا ثاوفيلس القلالى، وسأل الأب المرشد فى ذلك الجبل عن الفضائل التى أتقنوها، فأجابه:

“صدقنى يا أبى، لا يوجد أفضل من أن يأتى الإنسان بالملامة على نفسه فى كل شئ”.

هذا هو الأسلوب الروحى الذى يسعى به الإنسان إلى تقويم ذاته: يأتى بالملامة على نفسه، وليس على غيره، وليس على الظروف المحيطة. وليس على الله!! ظاناً أن الله لم يقدم له المعونة اللازمة!

+ + +.

ليتنا ندين أنفسنا ههنا، حتى ننجو من الدينونة فى اليوم الأخير.

لأننا بإدانتنا لأنفسنا، نقترب إلى التوبة. وبالتوبة يغفر لنا الرب خطايانا. أما الذى لا يدين ذاته، بسبب اعتزازه بهذه الذات، فإنه يستمر فى خطاياه، ولا يتغير إلى أفضل. ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس الأنبا أنطونيوس حينما قال:

“إن دنِا أنفسنا، رضى الديان عنا”.

“إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله”.

“وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله”.

+ + +.

كذلك فإن إدانتنا لأنفسنا، تساعدنا على المصالحة بيننا وبين الناس، يكفى أن يعتذر الشخص ويقول لأخيه “لك حق. أنا قد أخطأت فى هذا الأمر”، لكى يضع بهذا حداً لغضب المُساء إليه، ويتم الصلح معه. أما إذا استمر المخطئ فى تبرير موقفه، فإن الخصم يشتد بالأكثر فى إدانته. وما أجمل قول القديس مكاريوس الكبير:

“أحكم يا أخى على نفسك، قبل أن يحكموا عليك”.

+ + +.

* نقطة أخرى تساعدك على علاج الذات وهى:

ضع أمامك مثال المسيح:

إن كان الإنسان الأول قد انهزم فى حرب الذات، واشتهى أن يصير مثل الله (تك 3: 5)، فإن السيد المسيح الذى بارك طبيعتنا فيه، صحح هذه النقطة. وكيف ذلك؟ يقول الرسول عنه إنه:

“أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد، صائراً فى شبه الناس: (فى 2: 7).

+ + +.

وعاش على الأرض فقيراً، ليس له أين يسند رأسه (لو 9: 58) بلا وظيفة رسمية فى المجتمع. وتنازل عن كرامته “ظُلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه” “وأحصى مع أثمة” (أش 53: 12، 7). ولم يدافع عن نفسه.

أنكر ذاته من أجلنا. ووضع ذاته لكى يرفعنا نحن. ووقف كمذنب لكى نتبرر نحن. ذاته لم يضعها أمامه، بل وضعنا نحن..

أليس هذا درساً لنا من هذا الذى عظمته لا تحد.. درساً لنا نحن المحاربين بالأنا، بينما نحن لا شئ.

+ + +.

السيد المسيح أخلى ذاته من المجد الحقيقى.

أما أنت، فتخلى ذاتك من كل مجد باطل.

إن إخلاء المسيح لذاته موضوع واسع، ليس الآن مجاله.. يمكنك أن تقرأ عنه مقالاً طويلاً فى كتابنا (تأملات فى الميلاد) من ص7 إلى ص28.

+ + +.

* نقطة أخرى فى علاج (الأنا) وهى:

تدريب الميل الثانى:

قال السيد الرب “من سخرك ميلاً، فاذهب معه إثنين. من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً” (مت 5: 41، 40).

بنفس الوضع تحدث الرب عن الخد الآخر، فقال “من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضاً” (مت 5: 39).

وكأنه أراد أن يقول: كن مظلوماً لا ظالماً. وكن مصلوباً لا صالباً. لاتنتقم لنفسك. إن الذات تريد أن تأخذ حقها، وتأخذه بنفسها، وهنا على الأرض، وبسرعة على قدر الإمكان. أما تعليم الرب لنا فى إنكار الذات فهو: “لا تقاوموا الشر” (مت 5: 39).

+ + +.

لا تجعل ذاتك تتدخل، لتنال حقوقك أو لتنتقم.

واذكر قول الكتاب “لى النقمة. أنا أجازى، يقول الرب” (رو 12: 19). ومع أن النقمة للرب، لكن لا تطلبها أنت منه لنفسك. بل الكتاب يقول:

“المحبة لا تطلب ما لنفسها” (1 كو 13: 5).

ولماذا لا تطلب ما لنفسها؟

لأنها بعيدة عن الذات، بعيدة عن الأنا التى تطلب..

تدريب آخر فى التخلص من الذات، وهو قول الرسول:

“لأحيا لا أنا..” (غل 2: 20).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي