التصرف الحكيم لإبراهيم

التصرف الحكيم لإبراهيم
فقال أبرام للوط: لا تكن مخاصمة بيني وبينك،
وبين رعاتي ورعاتك، لأننا نحن أخوان
( تك 13: 8 )

لقد رأى إبراهيم أنه لا يليق أن تستمر المخاصمة بين رعاة لوط ورعاته، خصوصًا وقد «كان الكنعانيون والفرِزّيونَ حينئِذٍ ساكنين في الأرضِ» (ع7)، لأنه لو بلغت إلى أسماعهم أخبار مُنازعات جيرانهم لهجموا عليهم. ففي الاتحاد القوة، وفى الانقسام الضعف.

وفضلاً عن ذلك فإن إبراهيم أدرك تأثير الانقسام والخصام على الشهادة، إنهما من الأعمال الذميمة التي تهين اسم الله، وتحقر شأن عبادته. ليت جميع أولاد الله يتجنبون كل عوامل المنازعات والانقسامات ويعلمون جميعًا أنهم أولاد أب واحد.

وهكذا دعا إبراهيم لوطًا وقال له: «لا تكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك، لأننا نحن أخوانِ. أ ليست كل الأرضِ أمامك؟ اعتزِل عني. إِن ذهبت شمالاً فأنا يمينًا، وإِن يمينًا فأنا شمالاً» ( تك 13: 8 ، 9).

لقد دلّ هذا الاقتراح على منتهى الحكمة. فإنه إذ وجد أن هناك مصدرًا مستمرًا للتعب والمشاكل، وأنه إن تكلم مع لوط بالشدة، فقد يرُّد عليه بنفس الروح، وقد يؤدى ذلك إلى عداوة مُستحكمة. لذلك رأى أنه من الحكمة أن يستأصل أصل الشر من جذوره واقترح أن ينفصل الواحد عن الآخر.

كذلك دلّ هذا الاقتراح على النُبل والشرف وإنكار النفس مع التواضع. فإنه بلا مَراء كان له حق الاختيار باعتباره أكبر سنًا وباعتباره رئيس الجماعة، ولكنه تنازل عن هذا الحق حبًا في الصُلح والسلام.

كما دلّ هذا الموقف أيضًا على الإيمان، فإن إيمانه كان قد بدأ يأخذ مركزه اللائق به. وبدأ يتزايد قوة وعظمة. إن كان الرب قد وعده أن يظلله بعنايته ويعطيه ميراثًا، فلم يكن هناك مُبرر للخوف من أن يسلبه لوط ما ضمنه له الرب الأمين. لهذا فضّل ألف مرة أن يختار له الرب من أن يختار هو لنفسه.

هل تبحث عن  من اقوال البابا شنوده الثالث

إن الإنسان الذي ركَّز كل ثقته في الله، لا يبالي كثيرًا بأمور هذا العالم، لأنه يرى الرب ميراثًا ثابتًا له. وإن كان له الرب، فإن له كل شيء. وواضح من التاريخ المقدس أن مَنْ يختار لنفسه ليس بأفضل ممن يسلِّم الأمر لله، وكأن المؤمن الروحي يقول: ليختَر الآخرون لأنفسهم إن أرادوا، أما أنا فقد تركت أمري بين يدي الرب ليختار لي نصيبي ( مز 47: 4 ).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي