الذبيحة المقبولة
قدّم السيد المسيح نفسه على الصليب ذبيحة مقبولة لله أبيه، نسيم رائحة طيبة “لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عِجلَةٍ مرشوشٌ على المنجسين يقدّس إلى طهارة الجسد. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب يطهّر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي” (عب9: 13، 14).
عن هذه الذبيحة المقبولة قال السيد المسيح لنيقوديموس قبل صلبه بمدة طويلة: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).
وقال السيد المسيح أيضًا عن نفسه مشيرًا إلى رسالته الخلاصية التي سوف يبذل فيها نفسه عن شعبه: “أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.. لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها منى، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبى” (يو10: 11، 17، 18).
والشيء العجيب أن إيلين هوايت نبية السبتيين الأدفنتست المزعومة تدّعى أن السيد المسيح لم يكن واثقًا من قبول الآب لذبيحته على الصليب، وحتى بعد القيامة، وعند صعوده ودخوله إلى السماوات.
ففي كتابها المشهور بعنوان “مشتهى الأجيال“وعلى صفحة 714، صفحة 715 في الطبعة الثالثة للترجمة العربية والتي طبعت في مصر، في الفصل الثامن والسبعين بعنوان “موت على قمة جبل” عن صلب السيد المسيح، كتبت تقول [اعتصر الشيطان بتجاربه القاسية قلب يسوع. ولم يستطع المخلّص أن يخترق ببصره أبواب القبر. ولم يصوّر له الرجاء أنه سيخرج من القبر ظافرًا، ولا أخبره عن قبول الآب لذبيحته. وكان يخشى أن تكون الخطية كريهة جدًا في نظر الله بحيث يكون انفصال أحدهما عن الآخر أبديًا.. ذُهل الملائكة وهم يرون عذابات المخلص ويأسه. وحجب الأجناد السماويون وجوههم حتى لا يروا ذلك المنظر المخيف].
وفى حديثها عن قيامة السيد المسيح صفحة 748 [رفض يسوع قبول الولاء من أتباعه حتى أيقن أن الآب قد قبل ذبيحته]. وفي حديثها عن صعود السيد المسيح واشتياق الملائكة للاحتفاء بنصرته وتمجيد مليكهم صفحة 788 [غير أنه يشير عليهم بالتنحي جانبًا. لم يأت الوقت بعد. إنه لا يستطيع أن يلبس إكليل المجد أو ثوب الملك].
إن القديس بولس الرسول يتحدث عن وعد الله بإتمام الفداء بأنه أمر لا يمكن تغييره. وأن الرب قد أقسم بنفسه. وأن الله لا يكذب. وأن الرجاء هو كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة. كتب إلى العبرانيين يقول: “فإنه لما وعد الله إبراهيم إذ لم يكن له أعظم يقسم به أقسم بنفسه.. فلذلك إذ أراد الله أن يظهر أكثر كثيرًا لورثة الموعد عدم تغيّر قضائه توسَّط بقسم. حتى بأمرين عديمي التغير لا يمكن أن الله يكذب فيهما تكون لنا تعزية قوية نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا؛ الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد” (عب6: 13، 17-20).
كيف تدّعى إيلين هوايت أن الرجاء لم يخبر يسوع عن قبول الآب لذبيحته وهو معلق على الصليب..؟!!
إذا كان الله قد أقسم بنفسه على إتمام الفداء فكيف يقال أن السيد المسيح لم يكن واثقًا من هذا الأمر..؟!!
وإذا كان الرجاء هو مرساة للنفس للمؤمن العادي فكيف يقال أن رب المجد يسوع المسيح لم يخبره الرجاء عن قبول الآب لذبيحته..؟!!
إن الهدف الواضح من وراء هذه العبارات البشعة هو تحطيم صورة السيد المسيح باعتبار أنه هو “الله الظاهر في الجسد“، وأنه هو “رجاء الأمم“.
ويستطرد معلمنا بولس الرسول مؤكدًا ارتباط الرجاء بالقَسَم الإلهي فيقول: “فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها،إذ الناموس لم يكمل شيئًا. ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله. وعلى قدر ما إنه ليس بدون قسم. لأن أولئك بدون قسم قد صاروا كهنة، وأما هذا فبقسم من القائل له أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل” (عب7: 18-22).
هيّأت لي جسدًا
إن النبوات التي ذكرت في ناموس موسى والأنبياء والمزامير، كانت تحمل كثير من البراهين على قبول الآب لذبيحة ابنه الوحيد. بل تكلم المزمور (مز 39) (حسب الترجمة القبطية) على لسان السيد المسيح مؤكدًا أن هذا هو مكتوب عنه في نفس نص النبوة وليس عند أو بعد إتمامها. فعبارة “مكتوب عنى” وردت في المزمور نفسه. وقد اقتبس القديس بولس الرسول نص المزمور من الترجمة السبعينية فقال عن السيد المسيح: “لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقربانًا لم ترد ولكن هيّأت لي جسدًا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هأنذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله.. ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة” (عب10: 5-7، 9، 10).
فإذا كان السيد المسيح قد أنبأ في المزمور أنه بذبيحة جسده سوف يبطل الذبائح الحيوانية التي للعهد القديم لأن الآب لم يسر بهذه الذبائح، بل هيأ له جسدًا، فكيف يقال أنه لم يكن واثقًا من قبول الآب لذبيحته..؟!!
ألم يقل إشعياء النبي “كشاة تساق إلى الذبح.. جعل نفسه ذبيحة إثم.. ومسرة الرب بيده تنجح.. من أجل أنه سكب للموت نفسه” (إش53: 7، 10، 12).