السحر: القبر الفارغ
“وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا،
والظلام باقٍ،
فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر”. [1]
أورد القديس يوحنا مواقف كثيرة لنساء لهن دورهن القوي، ففي بدء الآيات تظهر القديسة مريم أم يسوع شفيعة عن الحاضرين في عرس قانا الجليل. وفي الأصحاح الثاني يلتقي السيد المسيح مع المرأة السامرية التي جذبت مدينة سوخار بأكملها لتتمتع بشخص السيد المسيح بعد أن أعلن السيد لها عن نفسه. وفي حادثة إقامة لعازر (ص11) كان حضور الشقيقتين مريم ومرثا بارزًا. والآن تظهر مريم المجدلية بأمانتها الداخلية العجيبة. جاءت إلى القبر والليل باق،ٍ مدفوعة بحبها الشديد لذاك الذي كان في ذلك الحين غائبًا عنها. السبب العميق لحضور مريم المجدلية هنا يبدو أنه حزنها الشخصي المفرط، وإحساسها بالغياب النهائي الذي يعينه القبر على الدوام. إنها أول من رأى الحجر مرفوعًا عن القبر. لقد أراد الرب أن تشهد بأن رافع خطية العالم (يو 29:1) قد قام، وإن الحجاب الأخير قد رُفع.
كلمة مجدلية هي مؤنث لكلمة مجدلة . فتعبير مجدلية يعني “مريم التي من مجدلة”. يذكر التلمود أنه كانت توجد مدينة باسم مجدلة حوالي 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من طبرية (بحر الجليل) من الجانب الغربي. كلمة “مجدلية” تعني “برجًا”. وبالفعل كان في المنطقة برج أعطى لها هذا الاسم، ربما كان برجًا للحراسة.
اكتفى الإنجيلي يوحنا بالقديسة مريم المجدلية ولم يشر إلى النسوة اللواتي ذهبن معها، ربما لأنها كانت متحمسة جدًا لزيارة القبر، فقد تمتعت بمحبة السيد. التصقت به في حياته وخدمته من مالها (لو 8: 2-3)، واستمعت إلى عظاته. كانت محبتها قوية كالموت، إذ وقفت بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، وجاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحبها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر. جاءت إلى القبر لتبكيه بمرارة، وتسكب طيبًا وحنوطًا على جسمه. مريم المجدلية التي التصقت بالسيد المسيح حتى آخر لحظات الدفن تمتعت بأول أخبار القيامة المفرحة المجيدة: القبر الفارغ!
جاءت مريم المجدلية إلى القبر في أول الأسبوع، أي ما أن عبر سبت العهد القديم حيث لا يجوز الذهاب إلى القبر، إن نُفذ الناموس حرفيًا حتى جاء السبت الجديد، أول سبت في العهد الجديد، حيث قام السيد المسيح. صارت مريم ممثلة للكنيسة التي تتمّم ناموس المسيح فتحتفل بالسبت الجديد خلال الانطلاق إلى قبر السيد لتتمتع بشركة قيامته. يبدأ الإنجيل هنا باليوم الأول من الأسبوع الجديد، فيفتح أمامنا زمنًا آخر كليًا، يُعلن فيه عن حياة جديدة مُقامة وعالم جديد. منذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأحد يوم راحة تذكارًا لقيامة السيد المسيح، وُسمي يوم الرب (رؤ 1: 10).
جاءت إلى القبر باكرًا، فالحب يدفع المؤمن للقاء مع القائم من الأموات في أول فرصة ممكنة، باكرًا دون تراخٍ أو تأجيل. جاءت والظلام باقٍ حيث أمكن لنور شمس البرّ أن يشرق في داخلها، وينير لها طريق القبر الفارغ الشاهد لمجد قيامة المسيح. كان الظلام لا يزال باقيًا، لكن الحب أضاء لها الطريق.
“فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر”، انشغالها بالسيد المسيح نزع عنها التفكير في رفع الحجر لتقديم الحنوط (مر 16: 1؛ لو 24: 1)، وفي نفس الوقت إذ جاءت ووجدت الحجر مرفوعًا والقبر فارغًا لم تُدرك في الحال أنه قام، بل ظنّت أن الجسد قد أُخذ من القبر [2]. لقد أراد الرب أن تتمتع بأخبار القيامة تدريجيًا.
* قام وكان الحجر موضوعًا والأختام عليه، ولكن لكي يتأكد الآخرون تمامًا كان من الضروري فتح القبر بعد القيامة، وهذا ما قد حدث. هذا ما دفع مريم للتحرك. فإذ كانت مملوءة حبًا نحو سيدها، إذ عبر السبت لم تحتمل أن تهدأ فجاءت باكرًا جدًا، مشتاقة أن تجد نوعًا من التعزية في المكان. وإذ رأت الموضع، والحجر مرفوعًا لم تدخل، ولا انحنت، بل رجعت نحو التلاميذ في شوقٍ عظيمٍ، فإن هذا هو ما كانت تبغيه بغيرة. لقد أرادت بسرعة فائقة أن تعلم ماذا حدث للجسد. هذا هو معنى ركوضها وكلماتها(1875).
القديس يوحنا الذهبي الفم
فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس،
وإلي التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه،
وقالت لهما:
اخذوا السيد من القبر،
ولسنا نعلم أين وضعوه”