عندما بلغ نيرون خبر ثورة اليهود أرسل قائده الذائع الصيت فسبسيان Vespasian على رأس قوة كبيرة إلى فلسطين… بدأت الحملة سنة 67 من ميناء بتولمايس (عكا) وواجهت مقاومة مستميتة في الجليل قوامها ستون ألف مقاتل… لكن ما لبثت الأحداث في روما أن حالت بين فسبسيان واستكمال النصر، واضطرته إلي العودة إليها.
بعد أن انتحر نيرون وتعاقب على العرش الإمبراطوري ثلاثة أباطرة في فترة وجيزة، انتهى الأمر بأن أُعْلِن فسبسيان إمبراطورًا سنة 69، فعمل على إعادة الأمن والنظام في ربوع البلاد.
وحدث بعد هذه الأحداث بعشر سنوات أن كان جيش تيطس الذي كان قوامه نحو ثمانين ألف مقاتل مدرب، وأقام معسكره على جبل سكوبس وجبل الزيتون. وهي مواقع تمكنه من رؤية مدينة أورشليم والهيكل رؤية واضحة. وكان وادي قدرون يفصل بين الرومان واليهود المحاصرين. بدأ الحصار في أبريل سنة 70 م.
عقب عيد الفصح مباشرة. وكانت أورشليم غاصة بالغرباء الذين وفدوا إليها لحضور ذلك العيد العظيم، حاول تيطس في بادئ الأمر التفاهم مع اليهود بالحسنى، لكن جماعة الغيورين رفضوا بكل تحد مقترحات تيطس ومحاولاته المتكررة. وتوسلات يوسيفوس (المؤرخ) الذي صحبه كمترجم ووسيط.. وكانوا في ثورتهم الجنوبية يقتلون كل من يتحدث عن الاستسلام.
قام اليهود ببعض الهجمات أسفل وادي قدرون وفوق الجبل، كبدوا فيها الرومان خسائر كبيرة… كان هذا النجاح المبدئي سببا في ازدياد حماس الغيورين على الرغم مما حل بهم من مصائب ومتاعب..
كان تيطس يصلب يوميا من اليهود العصاة نحو خمسمائة يهودي… وما لبثت أن ظهرت المجاعة في أورشليم، نتيجة إحكام الحصار عليها. كانت المجاعة تحصد في كل يوم آلاف اليهود، الأمر الذي أضطر امرأة يهودية أن تشوي طفلها لتأكله..
وعلي الرغم من كل ذلك فان هذا البؤس كله لم يزحزح جماعة الغيورين المسيطرين على الموقف الجنوبي، والواقع أن التاريخ لم يسجل لنا صورا للبؤس أبشع مما شاهدته أورشليم خلال مدة حصارها علي يد تيطس كما أنه لا يسجل لنا مقاومة عنيدة، وشجاعة يائسة واستخفافًا بالموت علي نحو ما أظهره اليهود في تلك الحرب.