ابتدأنا في درسنا السابق بدراستنا لموضوع الفادي يسوع المسيح وذكرنا أننا سنقوم ببحث مطول لموضوعنا هذا نظرا لكون الكتاب المقدس في قسمه الأكبر يبحث في المخلص الذي جاء إلى العالم لإنقاذ البشرية من الخطية. فالكتاب المقدس ليس عبارة عن شرائع وقوانين وتاريخ فقط بل أنه قبل كل شيء وحي الله الفدائي، ذلك الوحي المتمركز بيسوع المسيح وبما قام به لتتميم خلاص العالم. ولذلك نستطيع أن نقول أن قسما كبيرا من تعاليم كلمة الله يبحث في الخبر المفرح، أي في الإنجيل.
لاحظنا في درسنا السابق أن معنى اسم يسوع هو المخلص أو المنقذ أو المحرر. أما الآن فإننا سنبحث في معنى كلمة المسيح. وهذه الكلمة تُشير إلى كون ابن الله المتجسد قد مُسح من قبل الله أي أُعطي جميع نعم الروح القدس التي تجعله نبيا وكاهنا وملكا. وبعبارة أخرى تُشير كلمة مسيح إلى نبوة المخلص وكهنوته وملكوته.
أولا: يسوع المسيح هو نبينا ومعلمنا الأعظم. فعندما كان على الأرض كان السيد له المجد يكشف الله الآب وخاصة مشيئته المتعلقة بفدائنا من ربقة الخطية. وجميع تعاليم السيد المسيح كانت نهائية وتامة. فقد قال له المجد في إحدى المناسبات:
” تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني. إن شاء أحد أن يعمل مشيئة يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي، من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه، وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم” (الإنجيل حسب يوحنا 7: 16- 18).
“… لكن الذي أرسلني فهو حق وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم” (الإنجيل حسب يوحنا 8: 26).
“… متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون إني أنا هو ولست أفعل شيئا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي” (الإنجيل حسب يوحنا 8: 28).
” أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله” (الإنجيل حسب يوحنا 8: 40).
وقال الرسول يوحنا في الإنجيل مايلي عن السيد المسيح:
” لأن الشريعة أُعطيت على يد موسى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح جاءا. الله لم يره أحد قط، الإله، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو قد أخبر عنه” (الإنجيل حسب يوحنا 1: 17و 18).
وقبيل موته على الصليب قال الرب يسوع لتلاميذه:
” الكلام الذي أكلكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال… الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي للآب الذي أرسلني” (الإنجيل حسب يوحنا 14: 10و 24).
ونستنتج من كون المسيح يسوع نبيا ومعلما عظيما أرسله الله إلى عالمنا هذا ليقوم بمهمة رئيسية ألا وهي فداء العالم أن هناك إنجيلا واحدا أو تعليما واحدا عن المسيح لا عدة تعاليم. وبعبارة أخرى لا يمكننا أن نكون من المؤمنين بالسيد له المجد وأن ننكر في نفس الوقت تعاليمه الواردة على صفحات الكتاب. لا نكون مخلصين له إن كنا لا نقبل جميع تعاليم رسله المدونة في الكتاب. ومنذ القديم كان البعض ينحرفون عن الإيمان القويم ويبدؤون بقبول تعاليم لم يكن السيد له المجد ولا رسله القديسون قد علموها أو تكلموا عنها. وهذا ما حدى بالرسول بولس إلى القول في رسالته إلى أهل الإيمان في غلاطية:
” إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى انجيل آخر- ليس هو آخر- غير أنه يوجد قوم يُزعجكم ويريدون أن يُحولوا انجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما(أي ملعونا). كما سبق فقلنا أقول الآن أيضا إن كان أحد يُبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما” (1: 6- 9).
ثانيا: يسوع المسيح هو أيضا كاهننا الأعظم: كان للكاهن في أيام النظام القديم أي أيام العهد القديم الصلاحية بأن يتقدم أمام الله ليمثل الشعب ويُصلي من أجلهم وذلك بواسطة تقدمة الذبائح. أما يسوع المسيح فإنه قدم نفسه وجسده مرة واحدة وافتدانا بدمه الزكي ولا يزال يشفع فينا أمام الله الآب ولذلك فهو في أيام النظام الجديد أي منذ مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني الكاهن الأعظم والوحيد.
” من سيشتكي على مختارى الله؟ الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضا الذي هو أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا” (الرسالة إلى أهل رومية 8: 33و 34).
” ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مُصالحون نخلص بحياته” (رومية 5: 8- 10).
وكتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين عن كهنوت المسيح مقارنا إياه بكهنوت العهد المتلاشي:
” لأن أولئك بدون قَسم قد صاروا كهنة وأما هذا فبِقَسم من القائل له: أَقسم الرب ولن يندم: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة مَلكي صادق، على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنا لعهد أفضل. وأولئك قد صاروا كهنة كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوت لا يزول، فمن ثم يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل ليشفع فيهم” (7: 21- 25).
لنشكر الله الذي أعطانا مسيحه ليكون نبينا وكاهننا الأعظم ولأنه حي يشفع فينا في كل حين ويظهر لنا محبته الأزلية.