الفصل
الثانى
الدفاع
عن المسيحيين لأثيناجوراس
مقدمة
عن كتاب الدفاع عن المسيحيين
ا
– جاء هذا العمل الرائع في مادته وشكله ثمر عمل روح الله في حياته وهو يدرس الكتاب
المقدس بقصد الهجوم عليه. أما عنوان العمل فهو: “شفاعة عن المسيحيين”.
يحوى 37 فصلا. يبدو أنه قام برحلة لتقديم هذا الالتماس للإمبراطورين الفيلسوفين
مرقس أوريليوس أنطونيوس (161 – 180 م) وابنه شريكه فى الحكم كومودوس.
2
– كان أثيناغوراس معاصراً للمدافع تاتيان تلميذ يوستين، لكنه اختلف في دفاعه عن
الاثنين من جهة:
(أ)
نظرته إلى الفلسفة اليونانية والثقافة الهيلينية أكثر حنواً من تاتيان، كما لم
يحمل مشاعر يوستين النابضة بالكراهية للفلسفة، بل استخدم عبارات تكشف عن حكمة
اليونانيين، ولو أنه في النهاية برهن على وجود تضارب فيما بينها، لأن الفلاسفة
يستنبطون حججهم بالبحث بذواتهم، أما الأنبياء إذ يدفعهم روح الله يستطيعون أن
يقدموا شهادة جماعية غير متضاربة للحق الإلهي (دفاع 7: 1).
لقد
تحدث عن المسيحية وكأنها على قدم المساواة مع الفلسفة. من هذه النقطة طالب الدولة
بالسماحة مع المسيحيين. لكن في رأيه أن المسيحية ليست عقلانية، كما أراد يوستين من
قارئيه أن يعتقدوا، إنما هي إعلان إلهي فريد في نوعه. حماس النشوة النبوية لم يكن
برهاناً بشرياً إنما هو إعلان للحق المطلق (دفاع 9).
(ب)
كان أقدر من يوستين في اللغة والأسلوب وترتيب المادة، بل أكثر المدافعين المسيحيين
بلاغة بلا جدال. قال عنه مانسيل سبنسر أنه أفضل المدافعين. بليغ ومتحرر من زخرف
اللغة، قوى في أسلوبه… معروف بوضوح الفكر وقدرته على الإفحام. كما وصف أنه أقدر
المدافعين على الاستمالة.
(ج)
امتاز عن يوستين باعتداله وتعقله، فلم يكتب بطريقة وعظية، بل كان يهدف بوضوح إلى
تقديم حكم في قضية المسيحيين بطريقة هادئة غير عاطفية. كتب باسم الفلسفة وباسم
العدالة التى اشتهر بها الإمبراطوران، مدللاً على بطلان الاتهامات الموجهة ضد
المسيحيين من الوشاة، ربما قصد بهم السوفسطائيين أمثال كريسكنس، وفرونتون، وكلسس.
ودون أن يتهم الإمبراطورين بالظلم إذ يعلم أن غلاظة القول إنما تزيد الحقد.
تظهر
رقته في الأسلوب واعتداله في قوله إن العالم كله – مدناً وأفراداً – يتمتعون بحسن
معاملتكم. المسيحيون وحدهم مضطهدون بسبب إشاعات وأقاويل… “إذا استطاع أحد،
حقا، أن يثبت علينا جريمة صغيرة كانت أو كبيرة، فإننا لا نطلب أن نعفى من العقوبة،
بل نحن على استعداد أن نحتمل أشد عقاب أو أقصاه” (دفاع 2).
3
– في هذا الاحتجاج فند أثيناغوراس الاتهامات الثلاثة التي وجهت ضد المسيحيين في
ذلك الحين ألا وهي: الإلحاد، وأكل لحوم البشر، وممارسة المعاشرات الأوديبية.
أما
علة اتهاماتها فغالباً ما ترجع إلى الأسباب التالية:
أ
– رفض المسيحيون الاشتراك فى الطقوس الشعبية التقليدية الخاصة بأعياد الآلهة. لهذا
اتهموا بكراهيتهم للآلهة والإلحاد، كما اتهموا باحتقارهم الشعوب الأخرى وعدم
ولائهم للإمبراطور.
ب
– أساء الوثنيون فهم ” سر الإفخارستيا “، فظنوا فيهم آكلي لحوم البشر.
ج
– الاجتماعات المغلقة الخاصة بممارسة الليتورجيات السرائرية مع وجود علاقات وطيدة
بين المسيحيين وبعضهم البعض، واشتراك الجنسين معا حتى في الدراسة في مدرسة
الإسكندرية، هذا كله أدى إلى تشكك الوثنيين في أمر هذه الاجتماعات، لهذا اتهموهم
بالمعاشرات الأوديبية حتى يحطموا هذه الاجتماعات المغلقة ويعرفوا أسرارها.
4
– من جهة الاتهام بالإلحاد أكد أثيناغوراس أن المسيحيين وإن كانوا لا يؤمنون بتعدد
الآلهة لكنهم يؤمنون بالله الواحد، هذه الوحدانية ليست غريبة عن الفكر اليوناني،
بل وجدت لدى بعض شعرائهم وفلاسفتهم، ومع ذلك لم يتهموا بالإلحاد (فصل 6)، مع أن
براهينهم التي قدموها ضعيفة، أما المسيحيون فقد تقبلوا إعلاناً إلهياً وتعليماً
خلال الأنبياء بواسطة الروح القدس. بجانب ذلك وجدت البراهين العقلية جنباً إلى جنب
مع إيمانهم، فالمسيحى يقبل الله بطريقة أكثر نقاوة وكمالاً مما لكل الفلاسفة.
المسيحيون
لا يعبدون آلهة كثيرة، ولا يقدمون ذبائح دموية، ولا يعبدون العالم، بل خالقه (فصل
8، 9، 16). يؤمنون بالله السرمدى الروح الذي هو: “الآب والابن والروح
القدس” (فصل 10).
5
– أما عن الاتهام بأنهم أكلة لحوم البشر فيقول إنه لو كان هذا حقاً لالتزم الأمر
ارتكاب جرائم قتل، لكن المسيحيين يفزعون حتى من رؤية من حكم عليهم بالإعدام، كأنهم
يشتركون في جريمة القتل مع منفذ الإعدام (فصل 35).
يقول
أيضاً كيف يفعلون هذا وهم لا يطيقون مشاهدة ألعاب المصارعة مع السباع والحيوانات
الضارية التي يتلذذ الوثنيون بمشاهدتها؟! ويدلل على كذب هذا الاتهام من أن
المسيحيين يعتبرون النسوة اللاتي يستعملن العقاقير لإسقاط جنين، يرتكبن قتلاً،
يسألن عنه أمام الله. أخيراً فإن المسيحيين وهم يؤمنون بقيامة الأجساد كيف يجعلون
من أنفسهم ضريحاً لأجساد لابد أن تقوم؟!
6
– أوضح الفيلسوف أن أخلاق المسيحيين العالية تدرأ عنهم الاتهام الظالم من جهة
المعاشرات الأوديبية، إذ يعتقدون أن الله ينظر أفكارهم وحركات قلوبهم ونظراتهم. إن
هذا الاتهام يصدق على الوثنيين الذين نظموا قصصاً من هذا النوع عن آلهتهم، فقالوا
أن زيوس أنجب أولاداً من أمه ريا وابنته كوربا واتخذ أخته زوجة (فصل 32).
أكد
أيضاً كذب الاتهامات من الاحترام المتبادل بين المسيحيين وبعضهم البعض، ونظرتهم
المقدسة للزواج، ورفضهم الطلاق، وحبهم للحياة البتولية.
7
– أوضح أيضاً إخلاص المسيحيين للحكام، فهم يصلون من أجل خير المملكة وثباتها ودوام
انتقال التاج الإمبراطوري في النسل الملكي.
8
– في دفاعه تخطى الدفاع إلى الكرازة، فوجد الفرصة سانحة لإعلان الحق أمام
الإمبراطورين وكل من يقرأ الاحتجاج. يعلن الحق مؤيداً ذلك بدلائل مقتبسة من أقوال
الشعراء والفلاسفة مع قليل من نصوص الكتاب المقدس، فهو يحدثهم بلغة العصر التي
يفهمونها. وفي دفاعه اهتم بإبراز سمو الحياة المسيحية. فإن المسيحية وحدها تستطيع
أن ترفع القطيع الصغير إلى الفضيلة العالية، الأمر الذي يعجز الفلاسفة عن البلوغ
إليه.
تم نسخ الرابط