الفصل السابع الإنسان الجديد
«قلباً نقياً إخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد فى داخلى. لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منى رد لى بهجة خلاصك وبروح منتدبه أعضدنى. فأعلم الاثمة طرقك والخطاه اليك يرجعون…….. لأنك لا تسر بذبيحه وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هى روح منكسره. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره. أحسن برضاك إلى صهيون. ابن أسوار أورشليم».
مز 51: 10 – 13 و16 – 18.
أولاً – السكون الكامل:
إن معلمينا الممجدين ومرشدينا الذين يحيا فيهم الروح القدس بحكمة قد علمونا. خاصة أولئك الذين رغبوا فى حياة السكون الالهى وكرسوا حياتهم بالتمام لله. وقد تركوا العالم لكى يمارسوا السكون بحكمه، وقد فضلوا الصلاة للرب فوق كل عمل أو إهتمام آخر وتوسلوا إلى مراحم الله برجاء لا يخيب. فهؤلاء مارسوا الانشغال الدائم مع قداسة الله مع إسمه الحلو، حيث يحملونه دائماً فى عقولهم وفى قلوبهم وعلى شفاههم. وهم قد أجبروا ذواتهم بكل وسيله ممكنه أن يكونوا مع الله وأن يكون الله فى حياتهم وفى نفوسهم وفى نومهم وفى يقظتهم وفى مشيهم وأكلهم وشربهم. وبصفة عامه إستطاعوا أن يفعلوا كل ما هو واجب عليهم وهم فى حضرة الله. لان غياب الله عنا يجعل كل الأشياء الضاره تأتى الينا ولا تترك مكاناً لأى شئ يقيد النفس. ولكن فى حضور الله تهرب الشرور كلها وعندئذ لن ينقص أى صلاح من النفس ويصير كل شئ ممكناً كما يقول الرب نفسه «الذى يثبت فىّ وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير. لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً» يو 15: 5 وعلى رغم عدم إستحقاقنا فإننا ندعو بإيمان هذا الاسم اللائق بكل عباده وبمعونته نتجاسر أن نبدأ ونسير وفقاً لهذه الكتابات.
الراهبان كاليستوس وأغناطيوس.
قال أحد الأباء المتوحدين[40]:
إن العفه هى عمل روحى يمارس فى اليقظه وبمعونة الله إنها تخلص الانسان بالتمام من الشهوات والأفكار والكلمات والافعال الشريره. وعلى قدر ما يستطيع الانسان أن ينال من النعمه فإنه يدرك معرفة الله الحقيقيه. والعفه تعطى فى الخفاء إدراك الأسرار الخفيه. والعفه هى الفاعل فى كل وصيه فى العهدين القديم والجديد وهى التى تمنح كل بركة فى الحياة المقبله وهى تحمل فى ذاتها طهارة القلب حيث قال الرب يسوع المسيح «طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله» مت 5: 8 ونحن نشترى العفه بسعر غالٍ. وإذا وجدت العفه دائماً فى الانسان فإنها تصير مرشده له فى البر وسوف يجعل الله حياة ذلك الانسان سعيده. والعفه بمثابة سلم نحو التأمل، وهى تعلمنا كيف تضبط الحركات الثلاثه التى فى النفس، وهى تحرس الحواس بأمان. وهى تزيد بإستمرار كل يوم الفضائل الأربعة الكبرى التى هى الحكمه والشجاعه والتقشف والبر.
1 – عدم الشهوات:
قال القديس باسيليوس الكبير عن عدم الشهوات: [من صار محباً لله ويريد أن يشترك فى هذا الحب فإنه يجب أن يجاهد لكى يبعد أفكاره عن الشهوات الماديه التى تزعج النفس وأن يتأمل فى الأشياء الالهيه بعين واضحه غير متردده وعندئذ سوف يتمتع بالفرح الالهى بلا توقف.
وهذا الانسان الذى وضع فى نفسه عادة الجهاد هذه فإنه يصير قريباً من الله. وعلى قدر مشابهته لله الذى يحبه ويفرح به فإنه يجاهد فى كل عمل صعب ويصبح له نعمة الحديث مع الله بفكر طاهر ولا يختلط قط بأى شهوه جسديه].
ولقد كتب القديس مار اسحق السريانى عن الانسان عديم الشهوات فقال: [إن عدم الشهوات لا تعنى عدم الاحساس بالشهوه بل تعنى رفض تلك الشهوات. شكراً للفضائل العديده المتنوعه التى أحرزنها القديسون لأنها تجعل الشهوات تفقد قوتها فيها، ولا تستطيع الشهوات أن تقوم لتحارب النفس. ولم تعد الأفكار تحتاج إلى جهد وتركيز لاثارة الشهوات، لأن كل وقت القديسين مملوء بالتفكير والدراسه والبحث عن كمال التأمل].
وحيثما توجد الشهوات أو تتحرك فإن العقل يستطيع أن يبتعد عن تلك الشهوات بإدراك الأمور الالهيه التى دخلت اليها، وعندئذ تصير الشهوات بلا فاعليه كما قال القديس مرقس الناسك.
وحين يمارس العقل أعمال الفضيله بنعمة الله ويقترب من المعرفه فإنه لن يشعر بالشهوات الرديئه التى تعمل مع النفس. لأن هذه المعرفه ترفع العقل وتجعله غريباً عن كل شئ فى العالم عن طريق الطهاره والخشوع وإستنارة العقل والسلوك أيضاً. لأن عقل القديسين يمتلئ بالنور ويصير طاهراً لأن أجسادهم صارت بلا شهوات خلال عمل الصمت والسكون وطول إقامتهم فى الهدوء. وعندئذ يأتى التأمل بسهولة وبسرعه لكل منهم ويسكن فيهم ويقودهم للدهش فى عمق ما يتأملون فيه.
لأنه حين لا تتصادق النفس مع الشهوات ولا تفكر فيها وتكون مشغوله بتفكير آخر فإن هذه الشهوات تفقد قوتها وقدرتها على نزع الشعور الروحى.
الراهبان كاليستون وأغناطيوس.
ثانياً – صلاة يسوع:
حدثنا بعض الأباء عن ضرورة ترديد الصلاة بأكملها [يا رب يا يسوع المسيح ابن الله إرحمنى أنا الخاطئ] والبعض الآخر يعلمنا ان نردد نصفها فقط [يا يسوع ابن الله إرحمنى] أو [يا رب يا يسوع المسيح إرحمنى] أو نردد هذه الصلاة مرة كامله ومرة أخرى مختصره.
ويجب تخصيص وقت معين لتلك الصلاة كل يوم. والبعض ينصح بترديد هذه الصلاة بشفاهنا والبعض الآخر ينصح بترديدها فى العقل. ولكن فى رأيى أن كليهما واجب. لأنه كثيراً ما يكون العقل مرهق ولا يستطيع أن يردد تلك الصلاة وأحياناً تكون الشفتين مرهقه من العمل ولذلك يجب إستخدام كلا المنهجين عن طريق الشفتين وعن طريق العقل. لكن يجب على الانسان أن يتوسل إلى الله بهدوء ويدون إثاره حتى لا يزعج الصوت إنتباه العقل ويبدد صلاة العقل. وحتى يتعود العقل ويأخذ قوه من الروح ويثبت فى الصلاة بمعونة الروح وعندئذ لن يكون هناك إحتياج لترديد صلاة يسوع بشفاهنا. وفى الواقع إن من وصل لهذه الدرجه سيصير من الصعب عليه أن يرضى بأى عمل مادى فى الصلاة ولن يرغب قط فى ترك الصلاة.
القديس اغريغوريوس السينائى.
بعد إستعراض أقوال الأباء بخصوص الحياه الداخليه قال الأب نيسيفوروس من واقع خبرته [أنت تعلم يا أخى كيف تتنفس. نحن نتنفس الهواء داخلاً وخارجاً وعلى هذا التنفس تعتمد حياة الجسد ودفئه. وهكذا إجلس فى قلايتك وإجمع عقلك وقُده إلى طريق التنفس حيث يدخل الهواء وإغصبه ليدخل إلى القلب. وليبق العقل هناك مع القلب ولكن لا تدع العقل عاطلاً بل عمل ولكن ردد هذه الصلاة «أيها الرب يسوع المسيح ابن الله إرحمنى» وإجعل هذه الصلاة هى شغلك ولا تتركها قط. وهذا العمل يحفظ العقل من كل انحراف. وقُد العقل للشوق الالهى والحب. وجاهد يا أخى حتى لا يخرج عقلك بسرعة لأنه أولاً يشعر بالوحده الدااخليه ويحس أنه سجين ولكن حين يتعود على ذلك فإنه سيكره الانشغال بالأمور الخارجيه، لأن ملكوت الله هو فى داخلنا. وبالنسبه للانسان الذى قد إختبر ذلك فى الصلاة الطاهره سيكتشف أن كل شئ خارجى يفقد فائدته وإنتباهه].
هذه هى أقوال الأب الطوباوى نيسيفوروس Nicephorus التىنطق بها لأجل تعليم عقلنا حتى يترك الاهتمام العادى والأسر والتشتت وأن يرجع للتركيز فى ذاته. وخلال هذا الانتباه يتحد مع نفسه ويتحد مع الصلاة بالنزول إلى القلب ليبقى هناك للأبد.
الراهبان جاليستوس وأغناطيوس.
قال أيضاً العظيم يوحنا فم الذهب [أنا أحثكم أيها الاخوه أن لا تكسروا أو تحتقروا قانون الصلاة] وبعد ذلك إستمر قائلاً [إن الراهب حين يأكل أو يشرب أو يجلس أو يعمل أو يسافر أو يصغ إلى شئ فإنه يصرخ قائلاً «أيها الرب يسوع المسيح ابن الله إرحمنى» وهكذا يصل اسم الرب يسوع المسيح إلى أعماق القلب. وهكذا تسود فوق الحيه وتسود على المراعى الداخليه وتحصل على الخلاص والحياة للنفس. ويجب أن تحيا دائماً مع اسم الرب يسوع. وهكذا يتسلل اسم الرب إلى القلب ويدخل القلب إلى الرب ويصير الأثنان واحداً] وقال أيضاً القديس يوحنا فم الذهب [لا تجعل قلبك يتغرب عن الله ولكن أسكن فيه وأحرس قلبك. دائماً بتذكار الرب يسوع المسيح حتى يتغلغل اسم الرب فى القلب وتكف عن التفكير فى أى أمر آخر. ليت المسيح يتمجد فيك].
الراهبان جاليستوس وأغناطيوس.
قال أحد الأباء[41]:
إن صلاة يسوع ترددها هكذا [ايها الرب يسوع المسيح ابن الله إرحمنى أنا الخاطئ] ولم يكن أصلاً فى الصلاة كلمة [أنا الخاطئ] ولكنها أضيفت بعد ذلك وهى تتضمن إعتراف بالسقوط وهى تناسبنا جداً. وهى تسر الله الذى طالبنا بتقديم الصلوات التى تتضمن الاعتراف بخطايانا. إن الأباء قد سمحوا للمبتدئين وفقاً لضعفاتهم أن يقسموا صلواتهم إلى قسمين فأحياناً يقولون [أيها الرب يسوع المسيح إرحمنى أنا الخاطئ] وأحياناً أخرى يقولون [يا ابن الله إرحمنى أنا الخاطئ] ولكن هذه ليست قاعدة ملزمه والأفضل أن نقول الصلاة باستمرار. ردد كل صلواتك بدون أى تشتت بسبب تنوع الصلاة، لأن الأب اغريغوريوس السينائى يمنع التغيير ويقول [إن الاشجار التى تنقل من مكان لآخر لا يكون لها جذور].
من الجائز أن يصاب الانسان بالخبل حين يردد صلاة يسوع ولكنه لا يترك الخطيه والعادات الرديئه التى يدينها الضمير وهذا هو ما يسبب التعب الداخلى وحرمان القلب من السلام ثم ينمو العقل فى التخبط وتصير أفكار الانسان مشتته ومعرقله.
القديس ثيوفان الناسك.
لقد بدأت أبحث عن مكان فى قلبى لتعاليم القديس ثيوفان الناسك. وعيناى مغلقتان وأنا أنظر اليها فى أفكارى وأنا أحاول أن أبصر أفكارى كأنها فى جانبى الشمال من صدرى وأنا أنصت بانتباه إلى ضربات القلب. ولقد تعلمت ذلك مراراً كثيره لمدة نصف ساعة كل يوم وفشلت أن أرى سوى الظلام فقط. ثم نجحت فى تصوير قلبى وحركاته. وعرفت كيف أدخل فيه وأخرج صلاة يسوع وأضبط صلاة يسوع مع النفس الخارج منى. وفى ذلك تتبعت تعاليم الأباء. وأنا أرى عقلى متحداً مع قلبى ويقول يا رب يا يسوع المسيح ومع خروج النفس أقول إرحمنى. وهذا ما فعلته أولاً لمدة ساعة. ثم بعد ذلك لمدة ساعتين. ثم بعد ذلك حسب قدرتى. ثم أخيراً نجحت فى أن أفعل ذلك طول اليوم. وإذا فشلت فى عمل أى شئ ووقعت فريسه فى الكسل فإننى أسرع وأفتح كتاب الفيلوكاليا [من أقوال الأباء] وأقرأ فصلاً خاصاً عن عمل القلب وعندئذ أشعر بالحرارة والشوق للصلاة.
وبعد ثلاثة أسابيع لاحظت أن قلبى قد برد ولكن بعد ذلك تحول هذا الالم إلى دفء مشرق وتعزيه وسلام. وهذا ما جعلنى أردد صلاة يسوع بأكثر إهتمام. وتركزت أفكارى فيها بالتمام وشعرت بفرح عظيم. ومنذ ذلك الوقت وبدأت أحسّ بأحاسيس كثيره فى عقلى وفى قلبى. وفى أحيان كثيرة كان قلبى يحسّ بالسعاده التى تغمره وبالنور والحريه والتعزيه التى غمرتنى وملأتنى. وفى ذلك الوقت شعرت بالحب نحو الرب يسوع المسيح ونحو كل خليقة الله. وإمتلأت عيناى بدموع الشكر لله الذى سكب نعمته علىّ أنا الخاطئ جداً. وكما كان عقلى مظلماً وكئيباً من قبل إلا أنه بدأ يأخذ الاستناره فاستطعت أن أكون قادراً على الفهم بسهولة وأتأمل الأشياء التى كانت من قبل فوق إدراكى. وبدأت الحواس المشرقه تنتشر من القلب وتعم كل كيانى. وعندئذ أدركت حضور الله فى كل الأشياء. وبعد ذلك حين أدعو اسم الرب يسوع فإننى اشعر بالسعاده. وتفسير [ملكوت الله فى داخلكم] أصبح واضحاً لى تماماً.
ومن هذه الاختبارات وغيرها من الاختيارات المعزيه وصلت إلى النتيجه بأن الصلاة الداخليه هى ثلاثة أنواع وهى تعلن ذاتها فى الروح وفى الشعور وفى الاعلان الخارجى. والروح تمتلئ بالعذوبه والرقه التى تأتى من محبة الله والهدوء الداخلى وسمو العقل وطهارة الأفكار والتذكار الحلو لله. وعندئذ تحصل على إحساس الدفء المشرق للقلب والفرح الذى من فوق والاستنارة والنشاط والاستمتاع بالحياه وعدم الاحساس بالألم والأسى.
ثم منحت اعلان إستنارة العقل وفهم الكتاب المقدس وكل كلمات الخليقه والحريه من الباطل وإدراك حلاوة الحياه الداخليه وإدراك الاقتراب من الله ومبحته لكل جنس البشر. وبعد قضاء خمسة أشهر فى الوحده ملأتنى الصلاة بالتعزيه وحدث لى نمو فى إستخدامها حتى أننى أصبحت أمارسها بإستمرار وبدأت تتغلغل من ذاتها فى عقلى وفى قلبى، ليس فقط وقت يقظتى بل أيضاً وقت نومى ولم تتوقف حتى لحظة واحده فى أى عمل أقوم به. وشكرت الله وعاش قلبى فى فرح دائم.
السائح الروسى.
ألم تقرأ عن صلاة يسوع؟ إنك تعلم ما هى من خلال خبرتك وممارستك. انه بمساعدة هذه الصلاة فقط تستطيع أن تثبت النفس. وعن طريق هذه الصلاة فقط نستطيع أن نحتفظ بسلامنا الداخلى بلا إضطراب من أى إهتمام. وهذه الصلاة فقط هى التى تجعلنا نكمل الشركه مع الأباء القديسين. حيث تعمل اليدان فى العمل اليدوى بينما يكون العقل والقلب مع الله. وحينما نحفر هذه الصلاة فى قلوبنا فإنه لن يكون هناك أى إنزعاج داخلى وسوف نستمر دائماً فى كل طريق.
إن وسيلة الحصول على السلام الداخلى صعب جداً. ولكنه مستطاع حين نحفر فى القلب صلاة يسوع. ولكن كيف نحفر هذه الصلاة فى القلب؟ لن يعرف أحد كيف؟ ولكنها تحدث لمن يجاهد فى إزدياء هذه الصلاة دون أن يعلم كيف كملت. ولكن لكى نجاهد فى هذه الصلاة الداخليه يجب أن نحيا دائماً فى حضرة الله ونكرر صلاة يسوع على قدر ما نستطيع. وحيثما تجد وقتاً ردد صلاة يسوع وسوف يكمل حفرها فى القلب.
وأحد الاشياء الهامه لاستعادة صلاة يسوع والحياة فيها هو القراءة ولكن يجب أن تكون القراءة عن الصلاة.
القديس ثيوفان الناسك.
ثالثاً – الانسحاق [بكاء الغربه]:
1 – الدموع:
أولاً صل من أجل موهبة الدموع لأنه خلال الحزن تستطيع أن تروض الوحشيه التى فى نفسك وتعترف بخطاياك وتعدياتك على الرب وعندئذ سوف تحصل منه على الغفران. صل بدموع وعندئذ سوف يسمع الله كل طلباتك لأن الله يفرح جداً حينما تصلى بدموع. إذا سكبت دموعاً فى صلاتك فلا ترتفع فى نفسك وتظن أنك أفضل من الآخرين. لأن صلواتك قد أخذت معونه حتى تستعد للاعتراف بخطاياك وحتى تصنع سلاماً مع الرب خلال دموعك. ولذلك لا تحول الدواء من الشهوات إلى شهوة وعندئذ تتحول نعمة الدموع إلى سبب للغضب.
القديس أوغريس.
سأل أحد الأخوه أنبا بيمن قائلاً: ماذا أفعل يا أبى تجاه خطاياى؟ فأجابه الشيخ: من يريد أن يدفع خطاياه فإنه يستطيع ذلك عن طريق الدموع. ومن يستطيع أن يقتنى الأعمال الصالحه فإنه يستطيع ذلك عن طريق الدموع. لأن الدموع هى الطريق التى علمنا إياها الكتاب المقدس. والآباء كانوا دائماً يبكون. ولا يوجد طريق آخر غير الدموع.
أنبا بيمن.
إن نبع الدموع الذى يسكبه الانسان بعد المعموديه هو. أعظم من المعموديه ذاتها – ولو أن هذا القول فيه جرأه – لأن المعمودية تغسلنا من الخطيه التى كانت موجوده فينا قبلاً، أما الشرور التى إرتكبناها بعد المعمودية فانها تغسل بالدموع لأننا قد لوثنا المعمودية التى أخذناها ونحن أطفال ولكننا نغسلها ونجعلها جديدة عن طريق الدموع. ولكن ما أقل وأندر أولئك الذين سكنت فيهم نعمة الدموع.
يوحنا الدرجى.
فى حالة الدموع كما فى كل شئ صالح لا يجب أن نحكم على أنفسنا بأننا أقوياء. لاننى قد رأيت دموعاً قليله تنهدر مثل قطرات الدم ورأيت أيضاً ينابيع من الدموع تنهمر بدون صعوبة أو تغصب.
يوحنا الدرجى.
حينما تصل إلى مرحلة الدموع فاعلم أن عقلك قد ترك سجن هذا العالم وقد وضعت رجلك على طريق الحياة الجديدة وإبتدأت فى إستنشاق الهواء الجديد العجيب. وحيثما تنمو الدموع فهذه علامه على إقتراب الولاده الجديدة. إن نعمة الدموع هى أم جميع الفضائل لمن يرغب فى الداخل بالاحتفاظ بالصورة الالهية.
وهناك نوع من الدموع يأتى من وقت لآخر وأنا لا أتحدث عن هذا النوع من الدموع ولكن عن تلك الدموع التى لا تتوقف ليلاً أو نهاراً. إن عيون ذلك الانسان الذى وصل إلى هذه الدرجه يشبه نبع الماء لانه قد توقف عن الأفكار الشريره لسنين كتيره. وبعد أن يتوقف عن تلك الأفكار فإنه يصل إلى ما قاله الرسول عن الدخول إلى الراحة والهدوء «لأننا نحن المؤمنين ندخل الراحة» عب 4: 3 وفى هذه الراحة والهدوء السالم فإن العقل يبدأ فى تأمل الأسرار. وعندئذ يبدأ الروح القدس أن يكشف لذلك الانسان الاشياء السمائيه ويأتى الله ويسكن فيه ويقيم فيه ثمار الروح القدس. وحينما تدخل إلى مرحلة الهدوء فى الفكر فإن الدموع سوف تأتى اليك فى الوقت المناسب.
مار اسحق السريانى.
قال أحد الآباء[42]:
1 – يا الله نقِ قذارة نفسى وإمنحنى دموع التوبة.
إن محبة الدموع تأتى من الحب، إنها دموع الخلاص.
الدموع هى التى تنقى ظلمة العقل.
إجعلنى نوراً حتى أستطيع أن أراك.
يا نور العالم إمنحنى نوراً لعينىّ التائبتين.
2 – إذا إمتلك الانسان فى نفسه نور الروح القدس فإنه لن يقدر أن يحتمل شعاعه ولسوف يسجد على الأرض ويصرخ فى خوف عظيم ورعب كمن يرى ويختبر شيئاً فوق الطبيعة وفوق كل كلام وتعبير. وهو فى ذلك يشبه من وضع أحشائه فوق النار ولا يحتمل هذا اللهيب، فهو ينحل بالتمام عن طريقها ويتخلص من كل قوة ذاتيه فىنفسه. ولكن خلال الماء الدائم المنهمر من دموعه فإن شعاع الرغبة الألهيه الذى فى قلبه يشتعل فيه ويجلب ينابيع من الدموع تغسله ويشرق فيه هذا النور وعندئذ يتحد مع الله ويصير معروفاً لديه.
3 – بدون الدموع فإن قلوبنا القاسيه لن تصير لينه ولن تستطيع نفوسنا أن تقتنى الاتضاع الروحى ولا يكون لدينا القدره أن نصير متواضعين. لأن الذى ليس عنده تدبير فإنه لا يستطيع أن يتحد بالروح القدس. وبدون الاتحاد مع الروح القدس بعد التطهير فإن الانسان لا يتوقع المعرفة أو التأمل الالهى ولا يستطيع أن يكون متدبراً بالفضائل المخفيه التى للاتضاع.
2 – الرحمة:
ولكن ما هو القلب الرحوم؟ هو إشتعال القلب بالحنان على كل الخليقه وعلى الناس والطيور والحيوانات وحتى على الشياطين وعلى كل الخليقة الموجوده. وحين يذكرهم صاحب. هذا القلب الحنون فإن الاعين تمتلئ بالدموع. إن الرحمة العظيمة تجعل القلب يحن على كل شئ. لأن القلب الرحوم لا يستطيع أن يحتمل أو يسمع أو يرى أى أذيه أو أسى على أى خليقه فى العالم. وهؤلاء يحملون الحق نيابة عن الذين يؤذون الآخرين. وهم يقدمون صلوات دائمة مصحوبة بدموع من أجل حماية الخليقه وفدائها بل وحتى من أجل الثعابين التى تزحف على الأرض. وإنهم يصنعون كل هذا نتيجة للرحمة التى تملأ قلوبهم بلا حدود مثل الله.
مار اسحق السريانى.
حينما يصير القديسون كاملين فإنهم يتشبعون بحب الله وحب الخليقه الموجوده أيضاً. وحينما يكون القديسون مع الله فإنهم يمتلئون بالشفقه والرحمه على أخوتهم. وهكذا فعل أباؤنا الرهبان حينما صاروا فى كمال شبه الله فهم يأخذون فى أنفسهم كمال الحياة فى المسيح. دعنا نقول بأن من يحب هذا العالم فإنه لن يستطيع أن يدرك محبة الآخرين، لأنه حين يحصل أى أحد على الحب فإنه يستطيع أن يكون قريباً من الله.
مار اسحق السريانى.
قال أحد الأباء[43]:
لماذا يطلب الكاهن من المؤمنين فى القداس الالهى أن يصلوا من أجل أشياء كثيرة. ولكن المؤمنين يطلبون شيئاً واحداً فقط وهو الرحمة لانهم يصرخون قائلين [يا رب ارحم] ولماذا هم لا يرسلون لله سوى تلك الصرخه فقط. إن هذه الصلاة [يا رب إرحم] تحوى أولاً العرفان بالجميل والاعتراف به وثانياً لكى يستجدوا رحمة الله بأن يطلبوا ملكوته. وهذا الملكوت قد وعد الله بأن يعطيه للذين يطلبونه «أطلبوا أولاً ملكوت الله» ولكن يؤكد لهم بأن كل الأشياء الأخرى سوف تضاف لهم. من أجل هذا فإن هذه الصلاة [يا رب إرحم] كافيه للمؤمنين لأنها طلب عام. ولكن كيف نعلم أن ملكوت الله يمنح للرحومين؟ إن الاجابه أن المسيح يتحدث عن مكافأة الملكوت أنها مكافأة الرحمة. ورحمة الله وميراث الملكوت هما واحد لأنه قال [طوبى للرحماء لأنهم يرحمون] مت 5: 7 وهو سيقول لأولئك الرحماء الذين أطعموا الجياع وأسقوا العطاش وكسوا العرايا [تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم] مت 25: 34.
إن الله قد أعطانا إبنه الوحيد وهو لم يشفق عليه ولكنك أنت تحتقره. وهو الذى تألم من أجلك ووضع نفسه حتى الموت لأجلك. هو جاع من أجلك وأعطاك كل ماله من أجل منفعتك وأنت ترفض أن تعطيه أى شئ.
فأى قسوه أكثر من تلك القسوه حتى تصير قلوبنا بارده هكذا – إنه لم يرض أن يحتمل الموت على الصليب فقط ولكنه إختار أن يصير فقيراً وبلا مأوى ومعدماً وعرياناً ومحبوساً وهو يدعوك أن تشاركه.
وهو يدعونا أن نشفق على فقرائه والمرضى والمسجونين ويقول لنا: إن كنت لن أرجع ثانيه لكى أتألم من أجلك فعلى الأقل إشفق على هؤلاء. لأن هذا طلباً بسيطاً فأنا لا أطلب منك شيئاً مكلفاً، فقط كسرة خبز أو مأوى أو حتى كلمات قليله. برهن على طلبك للملكوت الذى وعدتك به. ألا قيمة لكل هذا فى عينيك؟ على الاقل بدافع الشفقه الطبيعيه [إن لم يكن بدافع طلب الملكوت] يجب أن تتأثر حين ترانى عريانا. وتذكر كم كنت عرياناً على الصليب حين تألمت من أجلك. فإذا رأيت العرايا والفقراء والمحتاجين فبرهن أن تحسّ بى. إننى صمت من أجلك وها أنا الآن جوعان [فى شخص الفقراء]. أنا عطشت على الصليب وها أنا اليوم عطشان فى شخص الفقراء. ولذلك أنا أجذبك إلى نفسى من أجلك حين تكون شفوقاً على المحتاجين.
هكذا يقول لنا الله: إنك تثبت فىّ حين تصنع الخير وأنا أعدك بالملكوت من أجل تلك الشفقه والرحمه. وأنا لا أقول لك أعط كل ثروتك للفقراء ولكن كل ما أطلبه هو كسرة خبز فقط أو رداء لسد عريىّ. وإذا كنت أنا فى السجن فأنا لا أطلب منك أن تخلصنى من القيود وتحررنى. ولكن كل ما أطلبه هو أن تزور مسجوناً فقط وعند عودتى سأعطيك السماء وسأخلصك من القيود التقيله. أنا أستطيع أن أكافئك بالملكوت بدون عمل الرحمه ولكننى أريد أن أكون مديوناً لك حتى أستطيع أن أكافئك بالملكوت وحتى يكون لك ثقة.
القديس يوحنا فم الذهب.
3 – التوبة:
التوبة هى تجديد المعمودية وهى علاقة مع الله للحياة الثانية. التائب يشترى الاتضاع. التوبه هى رفض دائم للتعزيه الجسديه. التوبه هى إدانة للنفس وتحرر من الذات. التوبه هى بنت الرجاء وهى إحتقار اليأس. التوبه هى دفع العار والخزى عن المذنب. التوبه هى تصالح مع الرب بممارسة الأعمال الصالحة التى هى عكس الخطايا. التوبه هى تطهير الضمير. التوبه هى تحمل التجارب بكل نشاط. التوبه هى إحتمال العقاب. التوبه هى إذلال البطن. التوبه هى جهاد النفس فى يقظه شديده.
يوحنا الدرجى.
لا تتعجب إذا سقطت كل يوم. لا تيأس ولكن قف بشجاعة وأكد للملاك الذى يحفظك أنك سوف تصبر. وتستطيع أن تشفى [من الخطيه] بينما الجرح مازال ينزف ولكن إذا أهملته وتركته فإنه سيصير من الصعب شفاؤه وستحتاج إلى علاج طويل وربما إستئصال وقطع. وبعض الجروح تصير عديمة الشفاء بسبب الأهمال ولكن بمعونة الله كل شئ يصير ممكناً.
يوحنا الدرجى.
لا شئ يضاهى مراحم الله. لأن من ييأس فإنه ينتحرز علامة التوبه الصحيحه هوالاحساس أننا نستحق كل المتاعب المرئيه وغير المرئيه التى تأتى علينا بل وحتى البشعه منها. إن موسى بعد أن رأى الله فى العليقه رجع ثانيه إلى مصر التى هى الظلام وصنع الطين ولكنه قاد الشعب ثانيه إلى العليقه [حيث يوجد الله] وإلى الجبل. والذى قد إختبر التأمل فى مراحم الله فإنه لن ييأس من خلاص نفسه قط. ومع أن أيوب أصبح معدماً إلا أنه صار غنياً أضعاف ما كان من قبل.
يوحنا الدرجى.
قال أحد الأباء[44]:
إنه شئ حسن أن تتوب لانه توجد فوائد كثيرة للتوبه. إن الرب يسوع المسيح الهنا الذى يعرف كل شئ وكل شئ مكشوف أمامه قال «توبوا لأنه قد إقترب ملكوت السموات» مت 4: 17 هل تريد أن تعرف لماذا يستحيل علينا أن نخلص بدون توبه؟ أنظر إلى قول الرسول بولس «لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً» 2كو 5: 10.
دعنا نتوب بكل قلوبنا، وأن نترك ليس فقط أفعالنا الشريره بل وأيضاً أفكارنا الدنسه وأن نجعل أفكارنا وفقاً لقول الكتاب «مزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب الهكم لأنه رءوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفه. ويندم على الشر» يوئيل 2: 13.
إخبرنى ماذا نستفيد إذا وزعنا كل أموالنا على الفقراء ولم نترك الخطيه ونبغض الشر؟ وماذا ننتفع إذا لم نرتكب الخطايا الجسديه ولكننا سقطنا فى الأفكار الشريره وسيطرت علينا شهوات النفس الشريره؟ أنا أتوسل اليك دعنا نترك مع ثرواتنا التى نعطيها للفقراء العادات الشريره التى أشرنا اليها فيجب أن نترك تلك الخطايا الدنسه بدموع التوبه.
رابعاً – اليقظة الداخلية:
يجب أن نعلم أن اليقظه هى إنتباه القلب وعدم تركه. وأن نعلم أن المهم ليس وضع الجسد بل الحاله الداخليه. وهدفنا الرئيسى هو أن نقف بيقظه فى القلب وأن ننظر إلى الله ونصرخ اليه.
القديس ثيوفان الناسك.
كتب القديس بولس الرسول عن الانتباه فقال «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريره» أفسس 5: 15 – 16. وقال القديس مار اسحق: أيتها الحكمه كم أنت عجيبه. طوبى لمن حصل عليك لأنه قد تخلص من إهمال الشباب. إن محبة الحكمة تعنى دائماً أنك تصير يقظاً فى الأمور الصغيره بل وحتى التافهه. مثل هذا الانسان يحصل على كنوز السلام العظيمة وهو لا ينام. ولذلك لا يستطيع أى عدو أن يسقطه ويستطيع أن ينزع كل ما يسبب السقوط. وهو يحتمل الأمور الصغيره حتى يصل إلى إحتمال الأمور الكبيره. والانسان الحكيم يقول: كن عاقلاً وأحرس نفسك لأن كسل العقل يقود إلى الموتز.
ويقول القديس باسيليوس: الذى هومهمل فى الأمور الصغيره فإنه لا يستطيع أن يكون غيوراً فى الأمور الكبيره.
الراهبان جاليستوس وأغناطيوس.
إجمع أفكارك وركز عقلك حتى تستطيع أن تصلى بلا توقف بطهاره وبلا تشتت وكما يقول الأب نيللوس: الانتباه لطلب الصلاه يجعلنا نجد الصلاه. لان الذى يقود للانتباه هو الصلاة. ويجب أن نوجه جهادنا للصلاه.
الراهبان جاليستوس وأغناطيوس.
قال أحد الأباء[45]:
إن الانتباه هو علامة التوبه الخالصه. واليقظه هى جمع النفس إلى ذاتها. وكراهية العالم والصعود إلى الله. واليقظة هى ترك الخطيه وإقتناء الفضيله. اليقظه هى عدم الشك فى غفران الخطايا. اليقظه هى بداية التأمل أو هى حالتها الضروريه. لأن الله يقترب الينا عن طريق اليقظه ويعلن نفسه للعقل. اليقظه هى سلام العقل أو هى الوقوف بثبات أمام الله بدون أى إنحراف او تشتت خلال مواهب الله ورحمته. اليقظه هى قطع الأفكار، هى تذكار الله الدائم وهى كنز قوة التحمل لكل ما يأتى علينا. اليقظه هى أصل الايمان والرجاء والمحبه، لأن الذى ليس عنده ايمان لا يستطيع أن يحتمل التجارب التى تأتى اليه. والذى لا يحتمل التجارب بإرادته فإن الرب لن يكون حصنه وملجأه. والذى لا يكون الله حصنه وملجأه لا يمكن أن يكون مخلصاً فى حبه لله.
[40] – الأب هسكيوس.
[41] – الأب أغناطيوس Ignatius Brianchaninvoy.
[42] – الأب سمعان اللاهوتى.
[43] – الأب نيقولاوس.
[44] – الأب سمعان اللاهوتى.
[45] – الأب نيسفوروس المتوحد Nicephorus the Solitnr.