القديس
اكليمنضس الإسكندري
حياته:
يعتبر
القديس إكليمنضس أب الفلسفة المسيحية الإسكندرانية،
وصفه
المؤرخ يوسابيوس أنه “كان متمرنًا في الكتب المقدسة”
ودعاه
القديس كيرلس أنه “كان شغوفًا في التعلم”، “خبيرًا في التاريخ
اليوناني”.
قال
عنه القديس جيروم:
“مجلداته
المعروفة مملوءة علمًا وفصاحة،
يستخدم
الكتب المقدسة والأدب الدنيوي،
في
رأيي أنه أكثر الجميع علمًا”.
كما
وصفه المؤرخ سقراط:
“كان
مملوءًا من كل حكمة”.
ومع
هذا فقد أهملت شخصية هذا القديس وذلك لسببين:
1.
الخلط بينه وبين القديس إكليمنضس الروماني.
2.
ارتباط شخصيته بأوريجينوس الذي نُظر إليه كهرطوقي وأبيدت أكثر كتاباته خاصة النسخ
التي كتبت باللغة الأصلية اليونانية .هذا مع غموض نظام القديس إكليمنضس.
مسيحيته
ولد
تيطس فلافيوس إكليمنضس Titus
Flavius Clemens حوالي عام 150م من
أبوين وثنيين.
اسمه
الروماني حمل بعض المؤرخين إلى القول بأن له صلة بالعائلة الإمبراطورية،
وأنه
من سلالة عبد أعتقه فاسيانوس أو ابنه.
أما
عن مولده،
فوجد
تقليدان في أيام أبيفانوس (القرن الرابع)، أحدهما يرجع مولده للإسكندرية والآخر
لأثينا.
اعتمد
التقليد الأول على طول بقائه في الإسكندرية، بينما يتفق التقليد الثاني بالأكثر
على ما ورد في كتابه: “المتفرقاتStromata
1: 11“.
لا
نعرف شيئًا عن تاريخ تحوله إلى المسيحية، ولا الظروف المحيطة أو الدوافع التي أدت
إلى ذلك،
لكن
المعروف عنه أنه قد اتسم بفكر متدين، فكان دائم البحث عن الله الذي يشبعه روحيًا
وفكريًا وأخلاقيًا، وقد وجد في المسيحية تحقيقًا لهدفه.
حتى
بعد اعتناقه المسيحية
قام
برحلات باهظة يبحث عن المعلم الحقيقي الذي يتتلمذ عليه، فذهب إلى جنوب إيطاليا
وسوريا وفلسطين، وأخيرًا استقر في الإسكندرية حيث جذبته محاضرات القديس بنتينوس
(الفيلسوف الذي قبِل المسيحية)، عاش فيها أكثر من عشرين عامًا (ربما من عام 175
إلى 202م) فصارت وطنه الثاني.
رئيس
المدرسة تتلمذ على يدي القديس بنتينوس رئيس مدرسة الإسكندرية، وصار مساعدًا له.
سيم
كاهنًا في الإسكندرية، وقام بعمله الوعظي بكل نجاح، وإذ سافر أستاذه بنتينوس إلى
الهند حوالي عام 190م تسلم رئاسة المدرسة إلى حين عودته. إذ تنيح بنتينوس تسلم
القديس إكليمنضس الرئاسة من جديد، وقد تتلمذ على يديه العلامة أوريجينوس والقديس
الكسندروس أسقف أورشليم.
هروبه
من الإسكندرية
في
أيام الاضطهاد القاسي الذي أثاره سبتيموس سويرس حوالي عام 202م، اضطر القديس إلى
مغادرة الإسكندرية والالتجاء ربما إلى فلسطين وسوريا.
على
أي الأحوال كان هروب القديس إكليمنضس من الإسكندرية نافعًا للكنيسة، كما يظهر من
الرسالة التي بعث بها القديس ألكسندروس أسقف أورشليم إلى كنيسة إنطاكية حوالي عام
211م، إذ جاء فيها: “هذه الرسالة أبعث بها إليكم يا أخوتي الأعزاء، على يد
إكليمنضس الكاهن الطوباوي، الرجل الفاضل المبارك، الذي سمعتم عنه وستعرفونه أيضًا،
والذي بحضوره إلى هنا بفضل عناية الله وتدبيره قد ثبت كنيسة الرب وأنماها”.
تنيح
حوالي عام 215م.
نظرة
الغرب إليه
كان
الغربيون يعتبرون إكليمنضس الإسكندري من قديسي الكنيسة، يحتفلون بعيده في الرابع
من شهر ديسمبر. وفي القرن السادس عشر حذف اسمه من تراجم الشهداء Martyrology بواسطة إكليمنضس الثامن (1592–1600م)، حسب تصحيحات بارونيوس Baronius.
وفي
عام 1748م كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر
فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته. لكن
لم يشر أحد المؤرخين الأول أمثال يوسابيوس وجيروم إلى هذه الأخطاء. لهذا فالأرجح
أن هذه الأخطاء دخيلة على كتبه، فمن دأب الهراطقة أن يفسدوا كتابات الآباء
المشهورين لتأييد مذهبهم ونشره.
كتاباته
لعل أهم كتاباته ثلاثة كتب دعيت
“ثالوث
إكليمنضس”
تمثل
منهج مدرسة إسكندرية، وهي:
1.
نصائح لليونانيين Protrepticus، دعوة لترك الوثنية وقبول الإيمان المسيحي بواسطة المسيح.
2.
المعلم Paedagogas، دعوة لتحويل الإيمان إلى عمل لنكون مشابهين لابن الله، وتحت
قيادته إذ هو المعلم.
3.
المتفرقاتStromata، غايته التمتع بالمعرفة الروحية الفائقة، وهو غاية المسيحي؛ وذلك
خلال اتحاده بالمسيح كعريس للنفس.
له
كتب أخرى مثل:
من
هو الغني الذي يخلص؟ والمجمل، ورسالة عيد الفصح.
أهم
ما اتسم به هذا القديس
هو
نظرته للفلسفة والمعرفة. فالفلسفة في ذهنه ليست شرًا لكنها هبة إلهية، يفسدها
البشر بخلط الحق بالباطل، لهذا فالفلاسفة أطفال صغار ينضجون خلال الإيمان.
بهذا
قدم تزاوجًا بين الفلسفة والإيمان عوض العداوة. أما المعرفة أو الغنوسية فهي ليست
هرطقة بل تمتع بإعلانات الله خلال السيد المسيح المعلم، بروحه القدوس، ينعم بها
المسيحي خلال الحياة المقدسة في الرب.
بهذا
فكلمة غنوسي لم تعد تعني هرطوقيًا، بل مسيحيًا مؤمنًا يسلك بروح الرب ينعم بمعرفة
الله.
القمص
تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة إسكندرية الأولى، ص 53 – 125.
تم نسخ الرابط