admin
نشر منذ سنتين
2
المرأة السامرية – انجيل يوحنا الاصحاح الرابع
المرأة السامرية – انجيل يوحنا الاصحاح الرابع
باسم الآب و الابن و الروح القدس الاله الواحد آمين U
ܒܫܡ ܐܒܐ ܘܒܪܐ ܘ ܪܘܚܐ ܩܕܝܫܐ ܚܕ܏ܐܠܗܐ ܫܪܝܪܐ.ܐܡܝܢ
اخوتي الاحبة نرفع شكر قلوبنا و تسبيحاً كـ ‘عجول شفاه’ للرب القدوس الذي جمعنا اليوم حول مائدته المقدسة. أسأله بأن يغذينا منها و أن يعطينا أن نرتوي من كلمة الحياة التي يوحي بها الينا بروحه القدوس من انجيل الخلاص. أسأله بأن يبارك نفوسنا لنحمل من مذبح الرب زوّادة للطريق لنسلك بقوة الرب بارشاد روحه القدوس.
اخوتي الاحبة، اليوم تأملنا من انجيل يوحنا الحبيب من الاصحاح الرابع عن المرأة السامرية التي التقى بها الرب يسوع عند بئر السامرة بمدينة كان لها تأريخ بالاضافة الى لقاءات حدثت بالعهد القديم بين اشخاص قديسين و نساء كانوا يستقوا مياه من البئر. تذكرنا تلك المشاهد بأن الرب كان يوحي بمعانٍ عميقة منذ البدأ لمعنى لقاء المسيح بالانسان الخاطئ لكي يعطيه ماء الحياة و يعطيه الخلاص و يعلن له الحق. في هذا اللقاء بين يسوع و المرأة السامرية معانٍ جميلة جداً نستقيها من هذه الحادثة، اصلي بأن الرب يرشدني و يرشدنا و يهئ عقولنا لسماع كلمته و تمييز مشيئته بحياتنا، لنعرف اهمية الحدث بحياتنا و كيف نتغذى منه بنعمة الرب.
يخبرنا يوحنا الحبيب بأن يسوع اتى الى السامرة من بعدما مضى من اليهودية. بهذا الطريق كان يسوع متجهاً عكس عادة اليهود الذين عادة يتحاشون المرور بمدينة السامرة بسبب المواقف العدائية بين اليهود و السامريين سيما أن اليهود يعتبرون السامرة شعبا نجساً لأنهم مزيج من الأمم مع اليهود الذين اختلطوا ضمن السبي الآشوري في سنة 722 قبل الميلاد عندما اتى نبوخذ نصر و اخذ معظم اهل اسرائيل الشمالية – السامرة و قادهم الى ارض آشور و استبدلهم بشعوب اخرى اتت من اماكن عديدة و سكنت هناك و هناك من ذلك الوقت تزاوج و اختلط شعب السامرة – شمال اسرائيل بالامم، و امتزجت عبادة الله في ذلك الوقت بعبادات وثنية اخرى و عُرِف السامريين بعدائهم لليهود منذ ذلك الحين خاصة بسبب نبذ السامريين لأسفار الكتاب المقدس ماعدا الاسفار الخمسة الاولى فكان اهل السامرة يؤمنون بالاسفار الخمسة الاولى و يرفضون الايمان بالانبياء و الكتابات التاريخية التي هي اجزاء تكمل العهد القديم من الكتاب المقدس. بالاضافة الى ما سبق، كان هناك سبب اخر للعداوة وهو بأن السامريين جعلوا مركز العبادة في السامرة و اليهود جعلوا مركز العبادة باورشليم، لاسباب سنأتي اليها لاحقا.
يسوع اتى الى تلك المدينة كما يقول الكتاب المقدس لكي يستريح اذ كان تَعِباً من السفر و جلس على ذلك البئر و هناك كان في امرأة سامرية اتت لتستقي ماءاً من البئر. يقول الكتاب ان يسوع المسيح تعب و جلس على البئر. يسوع جلس تعبان، و في ذلك رمز لتعب الله من خطايا الانسان، و كانت طبعاً كل احداث اللقاء تشير الى اعماق لاهوتية تنطبق على حياتنا، على كل انسان في كل زمن و في كل مكان. جلوس يسوع على البئر يذكرنا برجال و نساء بالعهد القديم سبق و مروا عند بئر السامرة هذا ليستقوا مياهاً، منهم عبد ابراهيم على سبيل المثال الذي التقى برفقة و كان منذ ذلك الوقت طلبها زوجة لاسحق. و كذلك يعقوب التقى براحيل. و فيما بعد نرى موسى الذى اتى و التقى ببنات كاهن مديان في تلك المدينة و كان هذاك اللقاء دوماً لقاء له معانٍ خلاصية.
في هذا المكان نفسه اتت المرأة في الساعة السادسة (الثاني عشر بعد الظهر حسب توقيتنا الحالي). عند هذه الساعة لن يأتي احداً لاستقاء المياه عند حدة الشمس و الحرارة. لكن هذه المرأة لم يكن لها سمعة جيدة في المجتمع التي كانت تنتمي له في السامرة، اذ كانت مشهورة بقلة اخلاقها، فكانت تتحاشى أن تستقي المياه مبكراً لكي تتجنب نساء عديدات قد يذمونها او ينظرون لها بنظرات غير جميلة و يدينوها بسبب سمعتها الرديئة. لذلك كانت تتخفى عن المجتع: عندما يكون الناس ببيوتهم هي تطلع خارج البيت، و عندما يخرج الناس من بيوتهم كانت تخرج من بيتها. و عند ذلك الحين عندما اتت تستقي لم تكن تتوقع حضور أي انسان في ذلك المكان. لكن يسوع اعد لهذه الرحلة بشكل خاص حتي يلتقي بالمرأة السامرية و يكلمها بكلام الحياة و يقدم لها مياه افضل من تلك التي تستقيها.
و بدأ الحوار بين يسوع و بين المرأة السامرية. يسوع قال للمرأة اعطني لأشرب لان تلاميذه – يقول يوحنا – كانوا قد ذهبوا ليبتاعوا طعاماً. المرأة السامرية استغربت بوجود رجل يحدثها و بحسب عادات ذلك الزمان، ما كان من المألوف أن رجلاً غريباً يتكلم مع امراة غريبة سيما كونه يهودي و هي امراة سامرية. لذلك اجابته المرأة باستغراب: كيف تطلب مني لتشرب و انت يهودي و انا امرأة سامرية، لأن اليهود لا يعاملون السامريين. اشارت المرأة الى عداوة قائمة بين اليهود و السامريين، و دانت يسوع على تجرئه بالتكلم معها بسبب تلك العداوة. هذه العداوة كما ذكرنا سابقاً انها تعود لأحداث في القرن الثامن قبل الميلاد بالاضافة الى احداث في القرن الثاني سنة 128 قبل الميلاد: اليهود حاربوا السامريين و احرقوا معبدهم في جرزيم و كانت العداوة تتزايد يوم بعد يوم. في القرن الثالث قبل الميلاد لما أتى الملك اسكندر العظيم لتلك البلاد و اراد أن يحتل تلك المناطق، اخذ السامرة منطقة له لأن بسبب عداوة السامريين ممكن أن يجد اشخاص كثر لهم موقف ضد اليهود و لذلك يستخدم عداوتهم ضد اليهود حتى يقدر أن يستحل المنطقة بأكملها.
يسوع المسيح في حديثه مع المرأة، يقول لها: “لو كنت تعلمين عطية الله و من هو الذي يقول لكِ اعطيني لأشرب، لطلبتِ انتِ منه فأعطاكِ ماءاً حياً.” في هذه العبارة التي قالها يسوع المسيح، اراد بأن يقود المرأة بالحديث حتى يلتقي بشخصيتها و يعبّر لها عن احتياجها الحقيقي و عن عطشها الحقيقي. المرأة اتت لتستقي و هي عطشة لكنها لم تعلم ما هو الماء الحي و لم تعلم ما تحتاج نفسها لكي تستريح او تشبع. غاية يسوع هي أن يعبّر عن معنى العطش الموجود بالانسان فاستخدم استعارة الماء و العطش حتى يعبر عن حقيقة اخرى في حياة الانسان: هي عطشه لبر الله و لخلاص الله. في الكتاب المقدس، يقول لنا العهد الجديد في انجيل يوحنا بأن يسوع على الصليب، قال في العبارة الخامسة من ضمن العبارات السبعة التي قال:”انا عطشان”، و كان بذلك يعبر عن موقفه كنائب و ممثل عن البشر(كون يسوع على الصليب كان انساناً حاملاً خطايا البشر). كيف ان البشرية بعيدة عن الله. عبّر يسوع بعطشه عن احتياج الانسان لله لطالما ان الله تحول عن الانسان بسبب الخطايا التي صارت فاصلاً ما بين الله و بين الانسان. و الخطيئة التي حجبت وجه الله عن الانسان هي نفسها التي جعلت السماء و الشمس يصبحان مظلمتين عند وقت الصلب للتعبير عن ظلام الخطيئة و عن حال الانسان العائش في الخطيئة لذلك قال يسوع “انا عطشان”. المرأة كانت عطشانة لكن لم تكن عطشانة للمياه. و الانسان ايضاً يبقى في عطش دائم، و لن ترويه مياه الحياة بأكملها. العطش هو في الانسان الذي فقد السلام و يبحث عنه بالظروف. الذي فقد الفرح يبحث عن المتعة في الخطيئة. الذي فقد البر يلجأ لتغطية ذلك باعمال لا تستطيع ان تكفر عن ذنوبه. الانسان هو دوماً عطشان لبر الله و المرأة السامرية جاءت عطشانة و يسوع اراد بأن يعلن لها عن حقيقة عطشها لخلاص الله. قال لها “لو كنتِ تعلمين عطية الله و من هو الذي يقول لكِ اعطيني لأشرب لطلبتِ انتِ منه فاعطاكِ ماءاً حياً”. سبب عدم اتجاه الانسان للارتواء من ينابع المياه الحية هو جهله لعطية الله. و عطية الله هي يسوع المسيح الذي بذله الله الآب لكي لا يهلك كل من آمن به بل تكون له الحياة الابدية. هو و الماء الذي هو الروح القدس هم حقيقة واحدة لا يمكن ان تكون منفصلة عن بعضها البعض لأن يسوع لا بد أن يموت و يكفر عن خطايا الانسان حتى يمنح الروح القدس و بذلك نسترد سلطان البنوة و نسترد الشركة مع الله و ايضاً تشبع نفوسنا من خلاص الله و من بر الله و بذلك لا يعود الانسان محتاج الى اشياء دنيوية لكي يشبع ذاته من خلالها.
المرأة كان من الصعب عليها ان تفهم معنى كلام يسوع. قالت له: يا سيد، لا دلو لك و البئر عميقة. فمن اين لك الماء الحي؟ ألعلك اعظم من ابينا يعقوب الذي اعطانا البئر و شرب منها هو و بنوه و مواشيه؟ المرأة بدأت تتظاهر بأنها متدينة و يبدو انه كان عندها بعض المعلومات الدينية. لكن نرى بان التدين قد يكون دوماً قناعاً كاذباً تتخفى وراءه خطايا البشر الذين اضلتهم الخطيئة و اسقطتهم في الهاوية. يسوع المسيح يستخدم جهل تلك المرأة ليَعبِر فيه كجسر الى ذاتها ليكشف لها عن احتياجها الحقيقي و عن عطية الله الحقيقية الذي هو يسوع المسيح القادر لوحده أن يُشبع النفوس. أجاب يسوع قائلاً: ‘كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضاً، و لكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماءٍ ينبع الى حياة ابدية’. الانسان عادة في وسط الآمه و احتياجاته يبحث عن امور لا تُروي في الحياة. في سفر ارميا اصحاح 2 يقول لنا الوحي المقدس:‘شعبي صنعوا شرّين:تركوني انا ماء الحياة و نقروا لأنفسهم آبار مشققة لا تضبط مياه’. عوضاً عن يلجأ الانسان الى الله لكي يسترد سلامه و شبعه و فرحه يلجأ لامور خاطئة: للمال، للجنس، للخطيئة، للعالم، للمجد الباطل، لامور العالم و كل مشتَهيات العالم. لكن مهما نهل من تلك المياه، لا يستطيع ان يرى شبعاً في نفسه، لان العالم لن يُشبع. و لذلك يسوع يقول: الذي يشرب من هذه المياه يعطش ثانية لكن الذي ينهل من ينابيع الله الحية لن يعطش الى الابد. يسوع يعبّر من خلال المياه عن احتياج الانسان الى الله كأَمَسِّ حاجة بحياة الانسان. لكن الانسان دوماً مرتد عن الله، و الله يريد بأن يلفت انظاره الى الحق، حتى يتمتع بالحياة و يرى نفسه شبعانة عن أن تطلب امور اخرى.
قالت له المرأة:‘يا سيد، اعطنِ هذا الماء، لكي لا اعطش و لا آتي الى هنا لاستقي’. كانت هذه كلمات اصطياد المرأة حتى يكشف لها عن عطشها الحقيقي. قالت له بأنها حابة أن ترتوي من تلك المياه. بشكل من الاشكال اقتنعت بكلماته، و طلبت هذه المياه، و طلبت عطية يسوع. حتى أن يقدم يسوع هذه العطية التي هي ذاته، و حتى أن يقدم يسوع عطية الروح القدس لهذه المرأة، لابد أن تتواجه المرأة مع خطاياها، التي صارت الفاصل بينها و بين الرب. لذلك يسوع قادها بالحديث أن تدعو زوجها ايضاً لكي يشرب معها هذه المياه. المرأة حينذاك اعلنت عن حقيقة لم تكن ما سيأتي بعدها. قالت المرأة:‘ليس لي رجلاً’. يسوع المسيح الذي هو ‘فاحص القلوب مختبر الكلى’ و الذي ‘عيناه تخترقان الظلام’ كان عارفاً تأريخها، عارفاً ماضيها. قال للمرأة السامرية: “حسناً قلتِ أنه ليس لكِ زوج، لأن لك خمس ازواج سابقاً و الرجل الذي معك الآن ليس زوجكِ”. هذه المرأة كانت تتغطى بوشاح التدين و تحدث يسوع بأحداث من الكتاب المقدس، و كانت هاربة من وجه المجتمع، لا تريد بأن تكشف عن ذاتها، هاربة من خطاياها، لكن التقت بوجه الله لأن جميع الامور بيِّنة و مكشوفة، لأن يسوع هو الله و عارف كل الاسرار. يسوع كشف عن خطاياها لكن ليس كالنساء اللآتي يمكن أن يلتقين بها على البئر حتى يفضوحها و يذلوها او يسيئوا لسمعتها. لكن يسوع كشف لها عن حقيقتها حتى يعبّر لها و يصوّر لها عطشها الحقيقي و احتياجها الحقيقي الذي هو ليس الماء بل الغفران، السلام، و الفرح الداخلي، الذي لا يستطيع العالم أن يعطينا اياهم. المرأة لابد أن كانت جميلة حتى أن يرضى خمس رجال أن يتزوجها. لابد أن يكون عندها ميزات كأن تكون غنية جداً او جميلة جداً او كلاهما، و كانت تبحث عن علاقة حقيقية تحسسها بالأمان، تحسسها بالسلام. لكن الرجال عادةً استغلوها و بعض زواج ذلوها و تركوها و تخلوا عنها من بعدما ارضوا ذاتهم بحثوا عن مياه اخرى. و كذلك هي، المرأة، راحت تبحث من رجل الى رجل لعلها تجد الرجل الذي يستطيع أن يُشبع نفسها و أن يُرويها. كل هؤلاء الاشخاص ما كانوا الجواب الحقيقي القادر أن يسد هذا الاحتياج عند المرأة. و من هنا يسوع كشف لها عن الخطيئة، حتى تقدر أن تتمتع بعطية الله، التي هي الغفران و المصالحة مع الله.
في ذلك الوقت، بدأت المرأة تدخل معه في حوار ديني أعمق قليلاً، محاوِلة أن تغطي عن موضوع زواجها برجال كثيرين. بعد أن سمعت هذه الكلمات، قالت ليسوع ‘ارى أنك نبي’. لماذا؟ لأنه قال لها يسوع عن ذاتها: من هي و ما هو وضعها. في ذلك الوقت ردّت المرأة و قالت: ‘اباؤنا سجدوا في هذا الجبل و انتم تقولون أن في اورشليم الموضع، الذي ينبغي أن يسجد فيه’. حاولت المرأة أن تتهرب قائلة: انا عندي ايماني و انتَ عندك ايمانك. انا اصلي بطريقتي و انتَ تصلي بطريقتك. فكل واحد يصلي ببيته و تبقى على حالك و انا ابقى على حالي. نحن السامريين نصلي بجبل جرزيم و انتم تصلون باورشليم. كانت تحاول ادعاء التدين، حتى تخبي الفساد الذي كانت تعيشه. يسوع اعلن لها و قال: ‘يا امرأة، صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل و لا في اورشليم تسجدون للآب. انتم تسجدون لما لستم تعلمون، امّا نحن نسجد لما نعلم لأن الخلاص هو من اليهود’. يسوع قال لها ‘يا امرأة صدقيني’، و هي عبارة يقود بها المرأة نحو الايمان بشخصه، و يدعوها بمحبة، أن تقبل وحيه المقدس.
سبب عبادة السامريين في جبل جرزيم كان مبرراً ببعض الاحداث التاريخية: نوح قدم ذبيحة في جبل جرزيم. كذلك ايضاً ابراهيم قدم ذبيحة في جبل جرزيم. و يقول لنا الكتاب المقدس في سفر التثنية أن الله جعل أن البركة و سماع الكلمة تكون على ذلك الجبل. لذلك تمسّك اهل السامرة بذلك المكان حتى يبرروا نفسهم لماذا لا يُصلّون في جبل اورشليم. و لكونهم رفضوا الاسفار التي تلي الاسفار الخمسة الاولى، رفضوا كل الاحداث التاريخية التي وردت ما بعد هذه الاسفار الخمسة. ابن داوؤد، سليمان، بنى هيكل للرب في اورشليم. لكن الاحداث التي ورد فيها بناء الهيكل ليست واردة في الاسفار الخمسة. فكان لا بد ان يرفض السامريين هيكل اورشليم حتى يبرروا عبادتهم في جرزيم. أما اليهود الذين واصلوا الوحي لمدة اطول لغاية مجئ المسيح، كانوا عارفين بأن الله قد أمر ببناء الهيكل في اورشليم. يسوع قال لها عن اهل السامرة: أنتم لا تعلمون لماذا تسجدون. لماذا؟ لأن اهل السامرة رفضوا تواصلية الوحي الذي يقود للعبادة في اورشليم. أما نحن – يشير الى اليهود – نعلم المكان، لماذا؟ لأن الخلاص من اليهود. كانت الوعود تستمر و تتواصل من خلال اليهود الى أن تحققت بيسوع المسيح. و بعدها يعلن يسوع عن الحقيقة: تأتي ساعة لا في هذا الجبل و لا في اورشليم تسجدون لله الآب. هذه الآية اشارت بوجود زمن أتى تتوقف فيه العبادة في اماكن حجرية. هذه الساعة كانت ساعة صلب يسوع المسيح التي اعلن فيها: ‘أتت الساعة ايها الآب، مَجِّد ابنك’. كانت الساعة التي فيها مات يسوع على الصليب، و انشق الحجاب، حتى يدخل الانسان الى محضر الله و يعبد بالروح و بالحق. يسوع يُعلن عن انتهاء زمن العبادة في اماكن مصنوعة من حجر و ابتداء زمن جديد، العبادة فيه تبدأ بالروح و الحق، و الروح و الحق هما شيئان و حقيقتان غير منفصلتين. الحق هو يسوع المسيح الذي هو اعطانا الخلاص من خلال موته على الصليب. كفّر عن اثامنا و جعل لنا باباً مفتوحاً للعبور الى محضر الله الآب. بموت يسوع انشق الحجاب و انقدنا الى داخل محضر الله الى داخل قدس الاقداس. الحقيقة هي بيسوع اُعلِنَت لأن يسوع هو الذي حمل الخطيئة، كفّر عن الخطيئة، و صالح الانسان مع الله الآب. و بيسوع فقط يمكنّا أن نحصل على الروح القدس الذي به نستطيع أن نعبد الله بالحقيقة، و من غير الروح القدس لا توجد عبادة. يسوع يُعلن، اخوتي، أنه لا يمكن لانسان أن يعبد الله الا من خلال الثالوث المقدس. عبادة الله يجب بأن تكون من خلال موت و قيامة يسوع و بإسم يسوع. عبادة الله يجب أن تكون بفعل الروح القدس لأن لا احد يستطيع أن يقول يسوع هو رب، إلا بالروح القدس. و لذلك صلواتنا دائماً هي متجهة الى الله الآب بأسم يسوع و بقوة الروح القدس.
عندما أعلن يسوع هذه الحقيقة الى المرأة السامرية، يقول لها: الله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة: ‘أنا اعلم أن مسيّا، الذي يقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئٍ’. قال لها يسوع: ‘انا الذي اكلمك هــو’. هناك تدرج من مرحلة الى مرحلة قادها يسوع من مياه البئر الى احتياجها الشخصي، الى كشف خطاياها، الى الاعلان عن ذاته اكثر و اكثر بوضوح، من سيد الى نبي، و الآن تعلن المرأة بأن ‘انتَ المسيح’. يسوع يكشف عن ذاته بأنه ‘أنا هـو’. و بكلمة ‘أنا هـو’ التي وردت بالعهد الجديد ‘إيغو إيمي’ باللغة اليونانية التي هي تفسر كلمة ‘يهوه’ بالعهد القديم التي تعني ‘الكائن’ أو ‘أنا هو’. يسوع يعلن بأنه هو الله، و بأنه هو المُنتَظَر، و هو الرجاء. كان المرأة عندها علم بأن لابد أن يأتي المسيح، لأن هذا ورد بسفر التثنية بأن الرب يقيم نبي و يجب أن يسمعوا له. يسوع المسيح كان هو الاعلان الكامل و العطية الكاملة، و لدى اعلانه للمرأة السامرية عن حقيقته و عن هويته من بعدما اعلن لها ايضاً عن هويتها الخاطئة رأت فيه المخلص و آمنت المرأة به. يقول لنا الكتاب المقدس بأنها تركت الجرّة عند البئر و ذهبت الى المدينة حتى تعلن للجميع بأن يسـوع هو المسـيح و تدعوهم للايمان بيسوع المسيح. بترك المرأة للجرة أعلنت بأنها تخلّت عن طرقها القديمة. اعلنت عن توبتها و اعلنت عن رفضها بأن تستقي من مياه العالم، بأن تطلب رجال لكي تشبع نفسها. بل الآن تعلم بأن الخلاص، الشبع و الارتواء هو فقط بيسوع المسيح.
اخوتي الاحبة، أحب أن أقول بالنهاية أن المرأة هي صورة عن كل انسان محتاجة نفسه الى علاقة حيّة مع الله. قد نبحث عن طرق عديدة للراحة و لن نراها. لكن الحقيقة تبقى واحدة بأن الله يريدك أن تلتفت اليه لكي تَخلص. الخلاص بيسوع. الشبع به. السلام به. الفرح به. يقول الكتاب المقدس بأن ‘للنفس الجائعة كل مُرٍّ حلو أما النفس الشبعانة تدوس العسل’. للنفس التي لم تتمتع بالله ستظل تطلب العالم و شهوات الدنيا. لكن النفس التي شبعت من الله و من كلمته و من خلاصه هي وحدها قادرة أن تدوس على كل مغريات الدنيا لأنها شبعت بالحق. الله يدعونا أن ننظر الى المرأة و نعلم بأن كانت المرأة خاطئة و من مجتمع مرفوض كم بالحري انت، الله يريدك بان تكون في شركة معه. هذا اللقاء مع المرأة السامرية هو دعوة لنا جميعاً لكي نلتقي بيسوع و نطلبه و نرتوي منه حتى فيه يتم شبعنا و فيه يكون خلاصنا له المجد على الدوام و الى الابد. آمــين
هل تبحث عن  الشهر المريمي باقة حُبّ لمريم العذراء باقة اليوم الثاني عشر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي