المزمور الخَامِسُ
بركات الأبرار ودينونة الأشرار.
لإمام المغنين على ذوات النفخ. مزمور لداود.
“لكلماتى أصغ يا رب..” (ع1).
مقدمة:
كاتبه: هو داود النبي كما يظهر من عنوان المزمور.
في هذا المزمور يتوسل داود إلى الله من أجل الخطاة، ويظهر سرور الله بأولاده الأبرار وبركاته لهم. ومن ناحية أخرى ضيقه من الأشرار ومعاقبته لهم.
يرى بعض الأباء أن داود كتب هذا المزمور ضيقًا من أخيتوفل، الذي كان مشيرًا لداود، ثم أصبح مشيرًا لأبشالوم ابنه، وأعطى مشورة لقتل داود، فهو خائن لسيده، الذي تمتع بخدمته سنوات كثيرة. وهو يرمز ليهوذا الأسخريوطى الذي خان المسيح، ويرمز أيضًا لضد المسيح، الذي يظهر في نهاية الأيام ويقاوم المسيح.
يبدأ هذا المزمور بالتكلم بصيغة الفرد وينتهى بالتكلم بصيغة الجماعة، وهذا يظهر أن كل إنسان يصلى، له علاقة فردية مع الله، وفى نفس الوقت هو عضو في الكنيسة الجامعة.
وفى عنوان هذا المزمور نجد أن “لإمام المغنيين”، أى كان ينشده قائد المغنيين ومعه جماعة كبيرة، وهذا يبين أهمية هذا المزمور.
يوضح عنوان هذا المزمور أنه كان يُنشد مصاحبًا بآلات النفخ الموسيقية.
يُعتبر هذا المزمور مرثاة لداود أمام خيانة أخيتوفل، وهي تناسب كل إنسان يعانى من خيانة أحبائه له. ولكن المزمور ينته بالرجاء والبركة لمن يحيا مع الله؛ لذا فمن المناسب أن يصلى الإنسان هذا المزمور في الصباح؛ حتى يتشجع ولا يتعطل بسبب إساءات الآخرين له.
هذا المزمور صلاة صباحية لأنه يقول “بالغداة تسمع صوتى..” (ع3) أي أبكر إليك واصلي؛ لذا وضعته الكنيسة في صلاة باكر؛ ليبدأ الإنسان به يومه.
وهو أيضًا يناسب المؤمن، الذي يذهب إلى الكنيسة في الصباح ويسجد أمام هيكل الله ويقول “أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك…” (ع7).
العدد 1
ع1:
لِكَلِمَاتِي أَصْغِ يَا رَبُّ. تَأَمَّلْ صُرَاخِي.
إذ يشعر داود بالضيق الشديد، يتكلم بدالة إلى الله، طالبًا أن يصغى لكلمات صلواته، بل وأيضًا يتأمل، أي يتفهم صراخه والإصغاء معناه أن يسمع باهتمام، ثم يطلب منه أن يشعر به ويفهم ما يعانيه، أما الصراخ فيعنى صلوات من القلب. وفى ترجمة أخرى يقال “فكرى” بدل صراخى، أي يطلب من الله أن يتفهم أفكاره الداخلية، فهو صراخ داخلي وليس خارجي، أي صلاة عميقة، مثل موسى، الذي كان يصلى عندما وصل إلى البحر الأحمر ورأى فرعون وجيشه يهجم عليه، فقال له الله لماذا تصرخ إلىَّ؛ لأن صلاة موسى كانت من قلبه كالصراخ (خر14: 15).
وداود يتكلم بدالة العروس مع عريسها، أو الابن مع أبيه، فلا يترجى الله أن يصغى إليه، بل يقول مباشرة إصغ وتأمل. وهو أيضًا يتكلم هكذا مباشرة؛ لأنه يتكلم كأب عن أولاده الخطاة، وكأم التي هي الكنيسة عن أولادها، فيتكلم بدالة، ليسمع الله صلوات كل الخطاة، الذين في ضيقة ويرحمهم.
العدد 2
ع2:
اسْتَمِعْ لِصَوْتِ دُعَائِي يَا مَلِكِي وَإِلهِي، لأَنِّي إِلَيْكَ أُصَلِّي.
يؤكد أيضًا داود على الله أن يستمع لدعائه عن نفسه وعن أولاده؛ وكل المجربين بخيانة، أو إساءة من الآخرين.
في هاتين الآيتين يلقب الله بثلاث صفات هى، الرب، وملكى، وإلهى، ولعل هذا يشير للثالوث القدوس. ويطلب أيضًا ثلاث مرات من الله أن يصغى ويتأمل ويستمع وهذا أيضًا رمز للثالوث، ويشير إلى اللجاجة والدالة في صلاة داود.
وقد طلب داود من الله في صلاته ثلاثة أمور؛ هي:
أ – إصغ، أي استمع باهتمام.
ب – تأمل؛ أي تفهم بعد أن تنصت باهتمام.
ج – استمع؛ أي لا تهمل كلمات الصلاة.
وذلك يدلل على مدى احتياج داود لتدخل الله حتى يسنده ويعزيه في ضيقته.
وعندما يقول داود لله “يا ملكى” فهذا إعلان من داود أن الله هو الملك الحقيقي على شعبه وداود نائب له، وهكذا ينبغى أن يفهم كل إنسان له مكان رئاسى أن الله هو الرئيس والملك، أما الإنسان فهو نائب له ينبغى أن يسلك بأمانة؛ ليقدم حسابه للملك الحقيقي.
العدد 3
ع3:
يَا رَبُّ، بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ.
بالغداة: الصباح الباكر بين الفجر وطلوع الشمس.
يعلن داود أنه يقدم صلاته هذه في الصباح الباكر، والصباح يعنى أنه يبدأ بالله قبل أي عمل آخر ويتكل عليه قبل أن يطلب مساعدة أي إنسان.
والصباح يعنى النشاط، أي أن الإنسان يقدم أفضل أوقاته لله، كما يقول الكتاب “الذين يبكرون إلىَّ يجدوننى” (أم8: 17).
والصباح يعنى أيضًا الاستنارة الروحية، إذ تشرق عليه شمس البر، أي المسيح، فهو يتنبأ عن المسيح الآتي بنوره العجيب بعد ظلمة الليل، التي ترمز إلى الخطية والضعف، فإن كان الإنسان قد سقط في خطايا أثناء ليل حياته ولكنه يستيقظ من غفلته ويقف للصلاة.
والصباح يعنى النصرة؛ لأن فيه تمت قيامة الرب، الذي قام منتصرًا ومقيدًا للشيطان. وفى الصباح نظر بنو إسرائيل، فوجدوا جثث المصريين على شاطئ البحر، فسبحوا الله (خر15). وفى الصباح رأى بنو إسرائيل – أيام حزقيا الملك – جثث الأشوريين من جيش سنحاريب، الذين قتلهم الملاك (2 مل19: 35).
وفى الصباح يقدم المسيحيون ذبيحتهم، أي ذبيحة الأفخارستيا، في القداسات وهي أعظم الصلوات.
ويظهر إيمان داود في انتظاره استجابة الله، عندما وجه صلاته نحوه، إذ لم يطلب من أحد؛ لأنه يثق أن الله يسمعه ويستجيب له. ولعله بروح النبوة يحدثنا عن المسيح، الذي ينتظره ليخلص البشرية.
يوضح هنا داود أن الصلاة ليست فقط حديث من طرف واحد وهو الإنسان نحو الله، بل أيضًا هي حوار، إذ يسمع الإنسان صوت الله واستجابته، سواء بمشاعر في داخل قلبه، أو آيات تأتى إلى ذهنه، أو بأية طريقة أخرى، فمن يصلى ينبغى أن ينتظر سماع صوت الله، ولا يصح أن يمضى دون انتظار إجابة الله. إن هذا يحتاج إلى إيمان حتى يختبر الإنسان الصلاة العميقة الحقيقية.
† إن الله يفرح بصلاتك عندما تقدمها من كل قلبك، فتفهم ما تنطق به، سواء في صلوات الأجبية، أو صلواتك الارتجالية، وثق أنه يسمعك ويستجيب لك ولكن في الوقت المناسب لخلاص نفسك.
العدد 4
ع4:
لأَنَّكَ أَنْتَ لَسْتَ إِلهًا يُسَرُّ بِالشَّرِّ، لاَ يُسَاكِنُكَ الشِّرِّيرُ.
إن الله لم يخلق الشر، بل الخير فقط والشر، هو عكس الخير، أي عندما ينفصل الإنسان عن الله؛ كما فعل الشيطان يصير شريرًا، فيصنع عكس وصايا الله، كما أن الليل هو عكس النور، فالليل ليس شيئًا في ذاته، بل مجرد عكس للنور، أي عندما لا يوجد نور يسمى ليل، هكذا أيضًا الشر عكس الخير، والله نور وليس فيه ظلمة، وبالتالي يرفض الشر. فلا أستطيع أن أقترب إلى الله وأنا أحتفظ بالشر في داخلي، بل لابد أن أسرع إلى التوبة؛ ليطهرنى الله.
لا يستطيع الشرير أن يقترب إلى الله، إذ لا يقبله الله، وهو أيضًا يخاف أن يقترب إليه، إذ هو في اتجاه آخر غير النور.
والشرير لا يسكن مع الله، أي ليس له مكان في كنيسته؛ لأنه مصر على الشر. ولذا أمر بولس بفرز خاطئ كورنثوس من الكنيسة وابعاده (1 كو5: 5).
ويفهم بالطبع أن الشرير ليس له مكان في الأبدية، فهو لا يساكن الله إلى الأبد.
وإن كان الله لا يساكنه الشرير، فبالطبع أولاده مثل داود لا يستطيعوا أن يساكنوا الأشرار، أو يختلطوا بهم الخلطة الشديدة، التي تمزجهم معًا وتؤثر عليهم.
إن كان الأشرار أعداء لله، فلا أنزعج إذا أساء إلىَّ أحد، فهو يعادى الله، فاطمئن إذن أن الله سيدافع عنى، وأظل أحبه، وأطلب منه أن يرفع عنى شره، وإن أراد أن يؤدبه؛ ليتوب، فلتكن إرادة الله.
† عندما تصنع الخطية اعلم أنك قد رفضت الله والله أيضًا رفضك؛ لذا أسرع إلى التوبة؛ حتى لا تخسر مكانك في أحضانه وتستطيع أيضًا أن تتمتع برعايته.
العدد 5
ع5:
لاَ يَقِفُ الْمُفْتَخِرُونَ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ. أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ.
يضيف في هذه الآية تركيزًا على خطية كبيرة، وهي أصل خطايا كثيرة، التي هي الكبرياء، فالمتكبر، أو المفتخر بذاته لا يستطيع الاقتراب، أو الوقوف أمام الله. ويؤكد أيضًا كراهية الله لمن يفعل الشر، وهو يقصد كراهية الله للشر، ولكنه يريد أن جميع الأشرار يرجعون إليه بالتوبة، فيقبلهم ويسامحهم.
إن الكبرياء تعمى عينى الإنسان عن الله وتظلم عقله، فيظن أن ما يفعله سليم وهذا يجعله ينزلق في خطايا كثيرة، والله يبغض كل هذه الخطايا، فالعشار نال رحمة الله باتضاعه وتوبته، أما الفريسى المتكبر، فزاد على خطاياه خطية الكبرياء (لو18: 10 – 14).
العدد 6
ع6:
تُهْلِكُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكَذِبِ. رَجُلُ الدِّمَاءِ وَالْغِشِّ يَكْرَهُهُ الرَّبُّ.
يركز في هذه الآية على خطايا أخرى بعد الكبرياء وهي:
الكذب والغش وهي تمثل الالتواء وخداع الآخرين، فمن يتجاسر ويخدع صورة الله، أي البشر، فإنه يخدع الله نفسه، وهو لابد أن يهلك.
الظالم والقاسى، أي رجل الدماء هو من يظلم الأبرياء، فهذا أيضًا لابد أن يهلك لأن القتل خطية فظيعة؛ لذا استحق اليهود الهلاك؛ لأنهم قتلوا الأنبياء الذين ينادون باسم الرب، ثم قتلوا المسيح نفسه الآتي لفدائهم.
وهذه الآية تنطبق على أخيتوفل، الذي تآمر لقتل سيده الملك، وتنطبق أيضًا على يهوذا الأسخريوطى الخائن، الذي سلم سيده ليقتله اليهود.
† إن من يسلك في الشر ضد الآخرين ليس فقط يعاديهم ويعادى الله، بل هو أيضًا عدو لنفسه؛ لأنه يحكم على نفسه بالهلاك. إنه العمى الروحي، الذي يجعل الإنسان لا يفهم خطورة الشر الذي يصنعه.
العدد 7
ع7:
أَمَّا أَنَا فَبِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ أَدْخُلُ بَيْتَكَ. أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ بِخَوْفِكَ.
إن كان الأشرار لا يساكنون الله ولكن داود المؤمن بالله يعلن مسلك الأبرار، وهو الاقتراب إلى بيت الله، أي الكنيسة التي يرمز إليها تابوت العهد قديمًا، ثم هيكل سليمان. وهناك يعلن داود وكل مؤمن خضوعه بالسجود أمام الله في خشوع ومخافة، رافضًا كل شر من قلبه، معلنًا توبته أمام الله القدوس.
إن داود يعلن أن الإنسان غير مستحق لدخول بيت الله، ولكن رحمة الله هي التي تسمح للإنسان بهذا الشرف العظيم؛ لأن بيت الله هو أيقونة السماء.
إن السجود يعنى ذل الإنسان بسبب خطاياه، إذ يصل برأسه إلى الأرض، ولكن في ثقة بمراحم الله يقوم من السجدة، أي الميطانيا، ويقف أمام الله في رجاء ودالة البنوة كما يقول القديس باسيليوس الكبير.
رغم أن داود مطرود من وجه ابنه أبشالوم خارج أورشليم، ولكنه في إيمان يثق أنه سيعود برحمة الله ويدخل بيته ويسجد أمامه، كما آمن بعده يونان النبي – وهو في بطن الحوت – أنه سيعود وينظر هيكل الله (يون2: 4).
لعظمة هذه الآية رتبت الكنيسة أن يقولها كل شماس وكل مصلى يدخل إلى الكنيسة، فيسجد أمام الهيكل ويقول هذه الآية، بل وكتبت كثير من الكنائس هذه الآية فوق هياكلها.
العدد 8
ع8:
يَا رَبُّ، اهْدِنِي إِلَى بِرِّكَ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. سَهِّلْ قُدَّامِي طَرِيقَكَ.
إذ يدخل داود إلى بيت الرب ويسجد يشعر باحتياجه إلى حياة البر، ولا سبيل له إليها إلا الله نفسه، بل هو يلصق البر بالله، فيقول برك، ويميزه عن بر العالم، أي كل ما يظنه العالم أخلاق حميدة وسلوك سليم، لأن بر الله أسمى من كل هذا؛ لأنه نابع من دخول الإنسان إلى أحضان الله، فيلبس الله ويتحد به، ويقوده الله بالتالى في سبيل البر.
وبر الله هو الوجود معه وبالتالي هو الملكوت على الأرض؛ لذا نقول في القداس الإلهي “إهدنا يا رب إلى ملكوتك”.
والأشرار يحاولون تعطيل داود وكل مؤمن عن حياة البر؛ لذا يطلب داود من الله أن يزيل العراقيل، التي وضعها الأشرار في طريق البر، فيسهل طريقه نحو الله. وأعداؤنا هم الشياطين، الذين يحاولون تعطيلنا بالشهوات الشريرة والمشاغل والمشاكل، ولكن لا سلطان لهم علينا؛ لأن الله قادر أن يسهل طريقنا إليه.
وهذه الآية تظهر أشواق داود إلى حياة الكمال وإتمام عبادته، فيطلب طريقًا نحو الله يهديه فيه؛ ليصل إلى بر الله ولا يتعطل بكل معطلات الشيطان.
† ضع هدفك أمامك وهو حياة البر وليكن لك نظام روحي واطلب معونة الله، ليقودك ويسندك، فتدخل كل يوم إلى أعماق جديدة في عشرة الله وتحيا الملكوت وأنت على الأرض.
العدد 9
ع9:
لأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهِمْ صِدْقٌ. جَوْفُهُمْ هُوَّةٌ. حَلْقُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. أَلْسِنَتُهُمْ صَقَلُوهَا.
صقلوها: تقال على السيف، أو السكين، أي بجعله حادًا وأملسًا، والمقصود هنا أن اللسان يكون مؤذيًا.
يوضح هنا داود النبي مدى خطورة الشر الذي يفعله أعداؤه، والأعداء – كما قلنا – هم الشياطين وكل من يتبعهم في مسلكهم وينزلق في شرورهم، فيعلن خطورتهم فيما يلي:
أ – “ليس في أفواههم صدق”: أي كلامهم كذب، فهم، مخادعون، غشاشون، يحاولون تضليل أولاد الله بالرياء، أو المشورة الخاطئة وبالأفكار التي تبدو حسنة وفيها سم الموت.
ب – جوفهم هوة، أي أنهم لا يشبعون من الشر والظلم والإساءة إلى الآخرين، فيقتلون الكثيرين بسهام خطاياهم ويبتلعونهم كهوة بلا قرار. وبالتالي لا يمكن مهادنة الشياطين، بل لابد من الانتصار عليهم بقوة الله.
ج – حلقهم قبر مفتوح: فكلامهم تظهر فيه نتانة الموت، مثل القبر المفتوح، الذي تفوح منها الرائحة الكريهة. ومعنى هذا أن كلامهم يسئ لأولاد الله ويضلهم، مثل أصحاب البدع، أو المتكبرين والأنانيين، الذين يسيئون لمن حولهم وأيضًا الظالمين، الذين يمصون دماء الأبرار، فيموتون؛ حتى يحققوا مصالحهم الشخصية.
د – ألسنتهم صقلوها، فكلامهم حاد موجع للآخرين، فيسيئون إلى أولاد الله بالشتائم والتعيير، وأيضًا بالرياء والنفاق، ويذبحونهم كما يجرح السيف ويذبح ويقتل. وألسنتهم مصقولة، أي مدربة على الشر.
إن داود يبين خطورة الأشرار؛ ليطلب معونة كبيرة من الله، فيحميه منهم، وأيضًا يكون حريصًا في الابتعاد عنهم؛ حتى لا يتأثر قلبه بشرورهم.
العدد 10
ع10:
دِنْهُمْ يَا اَللهُ! لِيَسْقُطُوا مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. بِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ طَوِّحْ بِهِمْ، لأَنَّهُمْ تَمَرَّدُوا عَلَيْكَ.
يقرر داود في هذه الآية النتيجة الطبيعية للشر وهي أن الله سيدين الأشرار ويحاسبهم على كل خطاياهم.
وعندما يقول داود دنهم يا الله لا يقصد انتقامًا شخصيًا لنفسه، بل يقرر حقيقة وهي عقاب الأشرار، لعل هذا ينبه الأشرار؛ حتى يتوبوا.
ويعلن أيضًا داود أن الأشرار سيسقطون في يد الله العادلة؛ بسبب كل مؤامراتهم، التي دبروها لأولاد الله. وتنقلب مؤامرات الأشرار على رؤوسهم، فتهلكهم، كما حدث في مؤامرة هامان لمردخاى، فبدلًا من أن يصلب مردخاى، صلبه الملك على نفس الخشبة، التي أعدها هامان لمردخاى (أس7: 10).
لأجل كثرة ذنوب الأشرار، سيعاقبهم الله بأن يطوح بهم إلى الهاوية، أي العذاب الأبدي، فكل كلمة بطالة سيعطى عنها الإنسان حسابًا يوم الدين، فكم بالأكثر كل أفعاله الشريرة.
يؤكد هنا داود أن شرور الأشرار هي تمرد على الله، وليست مجرد إساءة إلى إنسان ضعيف مثل داود، وبالتالي ينتظر الأشرار عدل الله وعقابه.
† تذكر عقاب الخطية؛ حتى تبتعد؛ ليس فقط عن الشر، بل كل ما يؤدى إليه. وما دمت تجاهد في طريق التوبة، ثق أن الله يسندك وينجيك، مهما كان ضعفك.
العدد 11
ع11:
وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ. إِلَى الأَبَدِ يَهْتِفُونَ، وَتُظَلِّلُهُمْ. وَيَبْتَهِجُ بِكَ مُحِبُّو اسْمِكَ.
في نهاية المزمور يعلن داود بركات الله لأولاده، وهي على عكس عقاب الأشرار السابق ذكره في الآية الماضية. فيفرح أولاد الله على الأرض برعايته لهم، وهذا عربونًا لفرحهم الدائم في ملكوت السموات. هذا الفرح يتمتع به فقط كل من اتكل على الله وليس على ذاته، أو قوى العالم.
من فرح أولاد الله يهتفون، أي يمجدون الله ويعلنون اسمه أمام من حولهم، بل إن فرحهم في حد ذاته هو تمجيد الله وسط العالم المكتئب بسبب الخطية.
والهتاف أيضًا هو تسابيح الشكر لله، التي ترفعها الكنيسة كل يوم وتستمر فيها إلى الأبد، إذ أن العمل الوحيد لأولاد الله في الملكوت هو التسبيح.
يتمتع أيضًا أولاد الله بأن الله يظللهم، أي يرعاهم بمحبته ويشبعهم بوجوده معهم. وهذا يبدأ أيضًا على الأرض، عندما يشعرون بأحضان الله ودفء محبته، ثم يكتشفون أعماقًا جديدة من حبه في السماء.
كل من أحب اسم الله واتكل عليه وسبحه وعاش له كهدف وحيد، هو بالطبع الذي سيبتهج ويفرح إلى الأبد معه.
من أجل هذه الأفراح والأمجاد تضع الترجمة السبعينية عنوانًا لهذا المزمور “إلى التمام للوراثة” أي يكمل عمل الله في أولاده إلى التمام، أي إلى الأبد في الملكوت وهناك يعطيهم ميراثهم الأبدي.
نلاحظ في هذه الآية أنه يتكلم عن المؤمنين كجماعة، أي كنيسة وليس كفرد، كما بدأ توسلاته في بداية المزمور عن نفسه وكشفيع عن شعبه، فيختم المزمور بفرح أولاد الله في الأرض وفى السماء.
العدد 12
ع12:
لأَنَّكَ أَنْتَ تُبَارِكُ الصِّدِّيقَ يَا رَبُّ. كَأَنَّهُ بِتُرْسٍ تُحِيطُهُ بِالرِّضَا.
ترس: قطعة خشبية لها عروة من الخلف يضع الجندى فيها يده ويحرك هذه الخشبة أمام رأسه وجسده؛ ليحمى نفسه من سهام العدو.
في الختام يعلن الله بركته لأولاده المتمسكين به وهذه البركة تشبع وتكفى أولاده، فلا يحتاجون إلى شيء من العالم ولا ينزعجون، أو يضطربون لأجل أي مكسب، أو خسارة.
والله يحوط أولاده ويحميهم، كما يحمى الجندى نفسه بالترس، بل أن الله يتميز في حمايته، بأنه ترس من جميع الجوانب، أي حماية كاملة. هذا الترس هو ناتج عن رضا الله عنهم. وهذا الترس هو أبوة الله ومحبته التي تحمى أولاده، فلا يستطيع أحد أن يؤذيهم. وحتى لو ساروا وسط الضيقات يحفظ لهم الله سلامهم الداخلي.
وهذا الترس أيضًا الذي يحوط به الله أولاده، هو مثل إكليل على رؤوسهم، فيفرح قلوبهم، كما تقول الترجمة السبعينية “كما بترس المسرة كللتنا”.
والترس كما يقول بولس الرسول هو “ترس الإيمان” (أف6: 16)، فكل من يؤمن بالله ويتكل عليه يحوطه الله برعايته.
† ليتك تنظر إلى المجازاة الأبدية، فلا يتعلق قلبك بمغريات العالم، بل وتحتمل الضيقات وتطلب معونة الله، الذي يحميك ويوصلك إلى ملكوته.