المزمور السابع والسبعون
هنا يشكو المرنم من ألام محيطة به، قد تكون ألامه شخصياً أو ألام عامة لكل الشعب ولا يرى لها حلاً في المستقبل القريب، لذلك يصرخ للرب حتى لا يرفض إلى النهاية. وهو يعزي نفسه بأعمال الله السابقة مع شعبه، وأعمال الله السابقة دائماً مصدر عزاء.
هناك من يرى أن هذا المزمور كتب إبان فترة السبي، وهناك من يرى أنه كتب في فترة ما قبل يوشيا. والمرنم رأي الألام التي ستحدث للشعب بسبب خطاياهم فتوجع.
الأعداد 1-3
الآيات (1 – 3): –
“1صَوْتِي إِلَى اللهِ فَأَصْرُخُ. صَوْتِي إِلَى اللهِ فَأَصْغَى إِلَيَّ. 2فِي يَوْمِ ضِيقْيِ الْتَمَسْتُ الرَّبَّ. يَدِي فِي اللَّيْلِ انْبَسَطَتْ وَلَمْ تَخْدَرْ. أَبَتْ نَفْسِي التَّعْزِيَةَ. 3أَذْكُرُ اللهَ فَأَئِنُّ. أُنَاجِي نَفْسِي فَيُغْشَى عَلَى رُوحِي. سِلاَهْ.”.
المرنم يستخدم صوته ليصرخ إلى الله، فيشترك جسده (صوته) مع روحه في الصراخ لله، وهو شعر أن الله أصغى لصوته. ونموذج آخر لإشتراك الجسد مع الروح في الصلاة = يَدِي فِي اللَّيْلِ انْبَسَطَتْ فهو منع نفسه من النوم ليصلي رافعاً يديه. والليل أيضاً يشير لوقت التجربة التي يمر بها شعبه. وَلَمْ تَخْدَرْ = لم ترتخ. أَبَتْ نَفْسِي التَّعْزِيَةَ = رفض أن يعطي أذنه لمن يعزيه بأي كلام مطمئن، بل هو في ألامه إلتجأ للرب مباشرة، ورفض أي تعزية خارجية. أَذْكُرُ اللهَ فَأَئِنُّ = فهو وحده القادر أن يحول حزني إلى تعزية، ويحول الحالة المحزنة الراهنة إلى حالة مفرحة. فَيُغْشَى عَلَى رُوحِي = حينما أفكر في المصائب الحالية أو الآتية أكون كالسكران أو كمن يغرق تحت أحماله الثقيلة من الهموم.
العدد 4
آية (4): –
“4أَمْسَكْتَ أَجْفَانَ عَيْنَيَّ. انْزَعَجْتُ فَلَمْ أَتَكَلَّمْ.”.
من ألامه لم يعد قادراً على النوم، ومن إنزعاجه لم يعد قادراً حتى على الكلام.
الأعداد 5-7
الآيات (5 – 7): –
“5تَفَكَّرْتُ فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، السِّنِينَ الدَّهْرِيَّةِ. 6أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي اللَّيْلِ. مَعَ قَلْبِي أُنَاجِي، وَرُوحِي تَبْحَثُ: 7«هَلْ إِلَى الدُّهُورِ يَرْفُضُ الرَّبُّ، وَلاَ يَعُودُ لِلرِّضَا بَعْدُ؟”.
هو يقارن بين الحالة الحاضرة وعمل الله العجيب مع شعبه في القديم. أَذْكُرُ تَرَنُّمِي فِي اللَّيْلِ = لقد جعل معاملات الله مع شعبه السابقة محوراً لترنيمه في ضيقته ليلاً وظل يناجي نفسه ويعزي نفسه بأن الله قادر أن يخرج من الجافي حلاوة = أى يخرج الله من الوضع الحالى البائس نجاة. وَرُوحِي تَبْحَثُ. هو يتساءل مع نفسه.. حقاً فالله قادر أن يخرجني من ضيقتي ويخرج شعبنا من ضيقته ولكنه حتى الآن لم يفعل.. فماذا.. هَلْ إِلَى الدُّهُورِ يَرْفُضُ الرَّبُّ.
الأعداد 8-9
الآيات (8 – 9): –
“8هَلِ انْتَهَتْ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ؟ انْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟ 9هَلْ نَسِيَ اللهُ رَأْفَةً؟ أَوْ قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ؟ ». سِلاَهْ.”.
انْقَطَعَتْ كَلِمَتُهُ = هل لن يعود الله يرسل كلمته على فم أنبيائه ثانية. قَفَصَ بِرِجْزِهِ مَرَاحِمَهُ = هل الله بسبب غضبه قفص = أغلق باب مراحمه علينا.
العدد 10
آية (10): –
“10فَقُلْتُ: «هذَا مَا يُعِلُّنِي: تَغَيُّرُ يَمِينِ الْعَلِيِّ».”.
مَا يُعِلُّنِي = ما يتعبني ويؤلمني. تَغَيُّرُ يَمِينِ الْعَلِيِّ = ترك الله معاملته الحسنة وأتي بالألام وهنا تعنى كلمة اليمين معاملة الله الحسنة لشعبه وخيراته لهم. وقد تعنى اليمين قوة الله وتغيرها يعنى أن الله سمح بالقوة لأعداء شعبه بدلا من شعبه.
الأعداد 11-12
الآيات (11 – 12): –
“11أَذْكُرُ أَعْمَالَ الرَّبِّ. إِذْ أَتَذَكَّرُ عَجَائِبَكَ مُنْذُ الْقِدَمِ، 12 وَأَلْهَجُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِكَ، وَبِصَنَائِعِكَ أُنَاجِي.”.
يعود في حيرته وأحساسه بتخلي الله في الوقت الحاضر ليذكر أعماله القديمة.
العدد 13
آية (13): –
“13اَلَّلهُمَّ، فِي الْقُدْسِ طَرِيقُكَ. أَيُّ إِلهٍ عَظِيمٌ مِثْلُ اللهِ؟”.
اَلَّلهُمَّ فِي الْقُدْسِ طَرِيقُكَ = تفهم أن الله أعطاهم شريعته في جبل سيناء ومن عند تابوت العهد في قدس الأقداس. وتفهم أنه طالما كان الشعب ملتزماً بقداسته يلتزم الله برحمته.
الأعداد 14-20
الآيات (14 – 20): –
“14أَنْتَ الإِلهُ الصَّانِعُ الْعَجَائِبَ. عَرَّفْتَ بَيْنَ الشُّعُوبِ قُوَّتَكَ. 15فَكَكْتَ بِذِرَاعِكَ شَعْبَكَ، بَنِي يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ. سِلاَهْ. 16أَبْصَرَتْكَ الْمِيَاهُ يَا اَللهُ، أَبْصَرَتْكَ الْمِيَاهُ فَفَزِعَتْ، اِرْتَعَدَتْ أَيْضًا اللُّجَجُ. 17سَكَبَتِ الْغُيُومُ مِيَاهًا، أَعْطَتِ السُّحُبُ صَوْتًا. أَيْضًا سِهَامُكَ طَارَتْ. 18صَوْتُ رَعْدِكَ فِي الزَّوْبَعَةِ. الْبُرُوقُ أَضَاءَتِ الْمَسْكُونَةَ. ارْتَعَدَتْ وَرَجَفَتِ الأَرْضُ. 19فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ، وَسُبُلُكَ فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، وَآثارُكَ لَمْ تُعْرَفْ. 20هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَالْغَنَمِ بِيَدِ مُوسَى وَهارُونَ.”.
يذكر هنا أعمال مراحم الله السابقة. فهو حرر شعبه من عبودية فرعون (وهذا عمله المسيح ذراع الرب إذ حررنا من إبليس). بَنِي يَعْقُوبَ = الذين استعبدهم فرعون. وَيُوسُفَ = مع أنه كان له منصباً رفيعاً في مصر إلا أنه طلب من الشعب أنهم في صعودهم يأخذون جسده علامة إيمانه في وعد الله لهم بالرجوع إلى أرض الميعاد. وهذا يشير لإشتهائه لأرض الميعاد بالرغم مما وصل إليه من مركز في مصر. وربما أشار بقوله بنى يعقوب (لإسرائيل أي اليهود) وبقوله ويوسف (للأمم فيوسف تعنى أن الله يزيد).
ثم في (15) يذكر شق البحر أمام الشعب (إشارة للمعمودية). ثم سَكَبَتِ الْغُيُومُ مِيَاهًا = نرى هنا صورة لإزعاج ملاك الرب لمعسكر المصريين، فالمطر إنهال عليهم وصوت الرعد أرعبهم والبروق أصابتهم = وأَيْضًا سِهَامُكَ طَارَتْ لقد كان الله يستخدم أسلحة الطبيعة ليحارب مع شعبه (خر24: 14، 25). والسِهَامُ هي الصواعق التي إنقضت عليهم. وهذه الآيات تشير أيضاً لإنسكاب الروح القدس على الكنيسة (المطر) وكرازة الرسل (السهام) وكلمات الكرازة كانت كالبرق والرعد تنير وتهز القلوب فتؤمن. فِي الْبَحْرِ طَرِيقُكَ = لقد كنت أنت قائد الشعب في طريقهم في البحر. وَآثارُكَ لَمْ تُعْرَفْ = لم يراك أحد بعينيه ولكن أعمالك كانت ظاهرة في قيادة شعبك. هَدَيْتَ شَعْبَكَ كَالْغَنَمِ = فالمسيح هو الراعي الصالح. بِيَدِ مُوسَى = موسى يرمز للمسيح كملك. وَهارُونَ = رمز للمسيح كرئيس كهنة.