المسيح ملك الملوك ورب الأرباب
من أهم ألقاب السيد المسيح التي وردت في العهد الجديد من الكتاب المقدس هو لقب “ملك الملوك ورب الأرباب” (رؤ19: 16) أو “رب الأرباب وملك الملوك” (رؤ17: 14).
فلم يطلق على السيد المسيح لقب “الرب” فقط كما ورد في كثير من المواضع في الكتاب المقدس بعهديه. ولكنه أخذ لقب “رب الأرباب“. ولا يمكن أن يأخذ هذا اللقب إلا الله وحده، هذا إلى جوار أن كلمة “الرب” مع استخدام أداة التعريف أيضًا لا تطلق إلا على الله.
وقد ذكر بولس الرسول أن استخدام كلمة “رب” واستخدام كلمة “إله” قد تنسب أحيانًا إلى الآلهة غير الحقيقية مثل آلهة الوثنيين.
ولكن هناك رب واحد حقيقي وإله واحد حقيقي هو الله، الإله الواحد المثلث الأقانيم.
لذلك قال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: “فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم، وأن ليس إله آخر إلا واحدًا. لأنه وإن وجد ما يسمى آلهة، سواء كان في السماء أو على الأرض، كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء، ونحن له ورب واحد يسوع المسيح، الذي به جميع الأشياء، ونحن به” (1كو8: 4-6).
إذن السيد المسيح ليس مجرد “رب” من ضمن الأرباب، بل هو الرب الواحد مع أبيه الصالح والروح القدس، الذي هو في الحقيقة رب جميع الأرباب سواء كان هؤلاء الأرباب من الملائكة الأبرار أم من الشياطين ومنهم الآلهة الوثنية “لأن كل آلهة الأمم شياطين” (مز95: 5)،كما قال معلمنا بولس الرسول عن ذبائح الأوثان: “إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله” (1كو10: 20).
وفى قول معلمنا بولس الرسول “لنا.. رب واحد يسوع المسيح” (1كو8: 6) ما يذكرنا بما ورد في سفر التثنية “اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد” (تث6: 4) فحينما يُقال: لنا رب واحد؛ فإن هذا يعنى مباشرة الإله الواحد الحقيقي الذي هو في الحقيقة “رب الأرباب“والسيد المسيح لم يأخذ فقط لقب “رب الأرباب”، بل قيل عنه أنه هو “رب الأرباب” أي أن الأمر ليس مجرد لقب بل حقيقة جوهرية في صميم كيانه وجوهره الإلهي.
لذلك نقرأ ما ورد في سفر الرؤيا عن الملوك العشرة الذين يعطون الوحش قدرتهم وسلطانهم “هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك. والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون” (رؤ17: 14).
الآب والابن
إن لقب “رب الأرباب” يؤكد حتمًا على وحدانية الجوهر الإلهي للآب والابن معًا بالرغم من التمايز الأقنومي بينهما إذ أن الآب “والد” والابن “مولود” فلكل منهما أقنومه الخاص وشخصيته المتمايزة. إلا أن هذا لا يتعارض مع وحدة الوجود والكينونة الإلهية، لأن اللاهوت غير منقسم على الإطلاق. وهذا ما يظهر جليًا مما كتبه القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس.
لقد نسب القديس بولس إلى الآب السماوي لقب “رب الأرباب” الذي هو نفس حقيقة ولقب السيد المسيح كما أوضحنا من قبل. بل قال عن الآب أنه هو الوحيد “ملك الملوك ورب الأرباب”، وهو يعنى بذلك الوحيد بين الأرباب الآخرين مثلما قال: “لنا إله واحد الآب” (1كو8: 6) في مجال مقارنة بين الإله الحقيقي والآلهة الأخرى غير الحقيقية كما ذكرنا.
ولننظر الآن إلى ما كتبه القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس: “أوصيك أمام الله الذي يحيى الكل والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البنطي بالاعتراف الحسن، أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح، الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد: ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنًا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين” (1تى6: 13-16).
فمن الواضح أن الذي سيبين ظهور ربنا يسوع المسيح هو الآب الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه. وهو نفسه المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب.
فإذا كان الآب هو ملك الملوك ورب الأرباب والابن يسوع المسيح أيضًا هو ملك الملوك ورب الأرباب فلابد أن يكون لهما ملك واحد، وربوبية واحدة، ومجد واحد، ولاهوت واحد. وهذا هو إيماننا الذي تسلّمناه من الآباء وعليه بنيت الكنيسة أن يسوع هو “المسيح ابن الله الحي” (مت16: 16).