الملائكة والنبوات

الملائكة والنبوات

ابتدأ التاريخ البشري في عدن حيث غرس الله جنة وخلق الإنسان ليكون في شركة معه إلى الأبد. وكانت الملائكة هناك. لم تفتهم فرصة الاطلاع على حياة البشر ومتابعة الأحداث معهم، وسيظلون على مقربة من الإنسان في الأجيال القادمة حتى يتلاشى الزمن في الأبدية.
وللملائكة دور مهم في أحداث المستقبل أيضاً.
وكما اشترك ملايين الملائكة في العرض اللامع عند بدء الخليقة يوم تغنّت كواكب الصبح معاً، هكذا سيظل ملائكة الله الذين لا يحصيهم عدد يساعدون في إتمام إعلانات الله النبوية خلال الزمن وعبر الأبدية.
وعندما يحين وقت الله ليوطد البر في كل مكان يصدر أمره فيغادر الشيطان (لوسيفر) عالم الفوضى. عندئذ يسود الأرض السلام والنظام في المملكة الإلهية حيث الثيوقراطية الصحيحة، أو ملك الله الحق. ولن يعرف الجنس البشري السلام التام على الأرض إلا عندما يحين ذلك الوقت ويصبح الملك في يد الله. يقول بولس في رومية 8 إن الخليقة تئن وتتمخض وهي تتوقع يوم انتصار المسيح.
سبق الأنبياء فذكروا يوماً عجيباً يرفع الله فيه اللعنة عن الأرض “فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي” (أشعياء11: 6) و “لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب في ما بعد” (أشعياء2: 4). أما طغم الملائكة فستنفذ أوامر الله وتشرف على إتمام مقاصده في الكون. المسيح آت بقوة عظيمة ومعه جميع ملائكته القديسين.
في أعمال 1: 10 و 11 تكلّم الملاكاًن إلى التلاميذ بعد صعود يسوع إلى السماء فنصحاهم ووجهاهم. وهناك على جبل الزيتون، قال الملاكاًن: “أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا … سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء” (أعمال1: 11). لقد شجع الملاكاًن أولئك المؤمنين الحزانى الذين شاهدوا يسوع المسيح يختفي عن أبصارهم وسط غيمة. بعد هذا قام الملائكة بدور بارز في خطة الله النبوية، تلك الخطة التي استمرت بعد صعود يسوع وظهرت بين حين وآخر في أحداث المستقبل المتعلقة بنبوات الكتاب المقدس.
طالما كان المؤمنون الحقيقيون في كل عصر يسألون: “هل من نهاية لصراع الدهور هذا؟” إن لكل حقبة من حقب التاريخ تجاربها وتشنجاتها. ويبدو أن على جيل من أجيال البشر أن يأخذ نصيبه من التجارب. ويقع وراء كل هذا صراع الدهور غير المنظور. كنا نتوقع أن تساعد تقنية العصر الحديث على حل الكثير من مشكلات الجنس البشري. ولا ننكر أنها ساعدت من بعض النواحي إذ تغلبت، مثلاً، على أخطار بعض الأمراض كشلل الأطفال ومرض الجدري. لكن التقنية الحديثة أوجدت كذلك الأسلحة المدمرة. والفقر والجشع والشهوة، والحرب والإرهاب والموت والنزاع العنصري، ما زالت جميعها بيننا. هذه الحرب الروحية هي نفسها التي ابتدأت بشكل خفي في قلب لوسيفر. ويبدو أن عالمنا يسير في طريق الانتحار، لكن لله خططاً أخرى. فنحن كمن يسير في نفق طويل مظلم، ولكن عند نهاية النفق يلوح الضوء ويتزايد. سيجيء يوم يمنى فيه الشيطان بالهزيمة مع جميع أرواحه الشريرة. يقول الكتاب المقدس، ويعلن بصراحة، أن البر سينتصر في النهاية على الشر، وتتحول الأرض إلى “المدينة الفاضلة” النموذجية إذ يسود ملكوت الله العالم كله. ولكي يتم كل ها يستخدم الله الملائكة ليقوموا بدور بارز.
سمعت بنت صغيرة ساعة الحائط تدق ثلاث عشرة دقة، فارتعبت وركضت إلى أمها وهي تصيح: “الوقت متأخر أكثر من أي وقت مضى”. إن هذا شعور أكثر الناس في العالم اليوم. إنهم يشعرون أن الوقت قد انقضى من زمان، والجنس البشري يسير مسرعاً إلى الذروة، إلى نهاية ما. وينبئنا الكتاب المقدس بنهاية هذا العالم بالضبط: إنه سيزول، وسيخلق العالم عالماً جديداً. بعد الذي تحقق حتى الآن من انجازات في مجال التقنية والعلوم الحديثة صرنا نلمح شيئاً مما سيكون عليه العالم الجديد. ولولا الطبيعة الساقطة التي ابتلي بها البشر لكان ممكناً أن يحققوا العالم الجديد بأنفسهم. إلا أن تمرد الإنسان على الله كان دائماً العقبة الكؤود أمام الإنسان. وقصاص تمرد الإنسان هو الموت. هذا القصاص كان ولا يزال يقضي على أعظم القادة وأضخم الأدمغة. فقد جاء في الكتاب المقدس “… وضع للناس أن يموتوا مرة” (عبرانيين9: 27). وليس نادراً أن يبرز بين الحين والآخر نجم قائد عادل ورحيم تتعلق به القلوب ثم لا يلبث أن يخطفه الموت.
سيستخدم الله الملائكة عندما يدمج الزمن في الأبدية ويخلق نوعاً جديداً من الحياة لكل مخلوق. إن مفكري هذا الزمن أنفسهم يقولون بأنه سيأتي وقت ينتهي فيه الزمن. وأكثر العلماء يوافقون على أن ساعة الزمن ستبلغ نهايتها، بل إنه الآن في طور الاحتضار بالنسبة إلى علم البيئة والطب والعلوم والأخلاق. بل الشمس أيضاً تتناقص حرارتها تدريجياً. كيفما توجهنا ونظرنا نرى أن وقت الإنسان على الأرض يقترب من النهاية، ونحن البشر لا مناص لنا من الدمار القادم.
فهل سيدمر الإنسان نفسه؟ لا، بل لله خطة أخرى.
منذ بدء الزمن والإنسان يهتم بمعرفة ما يجري بعد حياته القصيرة. وفي هذا العصر يلجأ كثيرون إلى مناجاة الأرواح، والشعوذة، والفلسفات الشرقية الوهمية، وقراءة الكف، وكل ما يبدو لهم الاستعانة به لمعرفة المستقبل. والغريب أن الذين يرجعون إلى الكتاب المقدس أصبحوا قلة، مع أن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي ينبئنا عن المستقبل بدقة. يعلمنا الكتاب المقدس أن يسوع المسيح سيأتي ثانية إلى العالم مع ملائكته القديسين. ويصف الكتاب ذلك وما يتعلق به فيتحدث عن يوم الافتقاد (أشعياء10: 3)، وأيام الشر (الجامعة12: 1)، ويوم الغضب (رومية2: 5)، ودينونة اليوم العظيم (يهوذا 6)، ويتكلم الكتاب عن ذلك كثيراً بشكل مباشر وغير مباشر. ولكن عصر النعيم، العصر الذي فيه يسود السلام العالم، لا بد أن تسبقه أحداث مفجعة لم يسبق أن ابتلي البشر بمثلها – من دكتاتورية، وفقر، ومرض وزلازل، وانحلال خلقي، وحرب – حتى ليغشى على الناس من ول ما يحل بالعالم.
جاء في لوقا 21 أنه ستقع “حروب وقلاقل … تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء” (الآيات9 – 11).
أما الذين يؤمنون بالمسيح في تلك الفترة، من اليهود أو الأمم، فلسوف يضطهدون. فقد قال يسوع:
ويسلمونكم إلى مجامع وسجون، وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي … وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء، ويقتلون منكم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي … ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها … لأن هذه أيام انتقام، ليتم كل ما هو مكتوب … وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم. وعلى الأرض كرب أمم بحيرة، البحر والأمواج تضج، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة، لأن قوات السموات تتزعزع (الآيات12 – 26).
في الآية 27 نقرأ قول الرب: “وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابة بقوة ومجد كثير”.
وكما حدث في بدء الزمن من تمرد بعض القوات الملائكية وشنها الحرب في السماء (رؤيا12: 7 – 9)، هكذا سيشن الملائكة في الأيام الأخيرة حرباً أخرى، والشيطان سيقف وقفته التمردية الأخيرة. والآن كلما اقتربنا من تلك النهاية كثف الشيطان نشاطاته.
ولكن سيجيء وقت يطرح فيه الشيطان وملائكته في بحيرة النار، ولا يعودون إلى تجربة الإنسان وتدميره. ذاك سيكون يوم انتصار للكون كله. لقد عهد الله بذلك إلى الملائكة، ويؤكد لنا الكتاب المقدس أنهم سينجزن تلك المهمة بانتصار (متى13: 41 و 42).

هل تبحث عن  الله الحي الحقيقي وكلمة نعمته

الملائكة سيجمعون المختارين:

بالنسبة لمهمة الملائكة في الزمن الأخير يقول يسوع: “ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده” (متى25: 31). أي أن يسوع، عندما ينزل عائداً إلى الأرض، سيكون مصحوباً بجنود السماء. سيكون الملائكة القديسون معه. ويقول أيضاً: “يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان” (متى13: 41 و 42).
في بداية متى13 ذكر يسوع قصة صغيرة هامة اعتاد الناس على تسميتها “مثل الحنطة والزوان” (متى13: 24 – 30، 36 – 43). في هذا المثل ترك الزوان والحنطة ينميان معاً حتى وقت الحصاد. عند ذلك يجمع الحصادون الزوان في حزم ليحرق أما الحنطة فيجمعونها إلى المخزن. كثيراً ما نجب ونسأل: لماذا يسمح الله بانتشار الخطية في العالم، ولماذا يصمت ولا يعاقب الأشرار؟ لماذا لا يتدخل ويمنع الخطية الآن؟ يمكننا أن نجد الجواب في الآية التي يقول يسوع فيها: “دعوهما ينميان كلاهما معاً”، الشرير مع الصالح (الآية30). إن كنا نريد إزالة الشر من الأرض إزالة تامة فمن أين نجيء بالعدل؟ ليس في هذه الأرض عدل تام لأن كل إنسان مذنب، بما في ذلك القضاة الذين يجلسون في كراسي القضاء فيحكمون على الآخرين. القضاة أنفسهم خطاة. على الإنسان أن يجاهد لكي يكون عادلاً، ولكنه لن يستطيع أن يكون عادلاً تماماً. وسيبعث الله ملائكته يوماً ليقوموا بفرز الأشرار من بين الأبرار، وسيقدرون أن يميزوا الأعمال بل المواقف أيضاً. ودينونة الله ستكون عادلة، حتى لينحني المحكوم عليهم معترفين بعدله. لقد قال أحدهم: “عندما أموت لا أجسر أن أطلب العدل – إن ما أطلبه هو الرحمة”. هذه الرحمة مقدّمة إلينا الآن بالرب يسوع المسيح.
وهكذا لن يكتفي الملائكة بأن يجيئوا مع المسيح في مجيئه الثاني عندما ينزل إلى الأرض بل سيكلفون مهمة جمع كل من يشكل عثرة أو يسبب شراً في ملكوت المسيح لكي يدانوا قبل تأسيس المملكة الإلهية (متى13: 47 – 50).
تتحير عقولنا كلما حاولنا تصور ما ستكون عليه الأرض عندما يبعد الله عنها الشيطان والخطية. ونشعر بالروعة كلما فكرنا أن يسوع سيجلس أخيراً على كرسي مجده. حتى الصحراء الكبرى الإفريقية، هذه الصحراء التي لم تتوقف عن الزحف جنوباً، ستزهر وتزدهر. سيتمكن البشر من زرع الصحراء وإنتاج المزيد من الطعام، والأرض التي لا قيمة لها اليوم ستثمر اثنتي عشرة مرة في السنة. في ذلك الوقت سيتلاشى من قلب الإنسان كل ميل للفساد الخلقي. في ذلك الوقت سيشعر كل إنسان بالعطش إلى البر. في زمن اليأس هذا نحتاج إلى الكثير من الإيمان لنصدّق أن بالإمكان حدوث كل هذا التغيير في الأرض. إن هذا ما يعلم به الكتاب المقدس بوضوح. لولا هذا الرجاء بالمستقبل لا أعلم ماذا يظل على إنسان هذا الزمن أن يفعله غير أن يعاقر الخمر ويتعاطى المخدرات ويموت منتحراً.
لدينا اليوم حق الاختيار بين أن نقبل خدمة الملائكة لنا وأن نرفضها. إذ اخترنا أن نتبع يسوع المسيح فإن ذلك يتضمن قبول سهر ملائكة السماء علينا وعنايتهم بنا.بعد أن يجيء المسيح ثانية لا يبقى لنا حق الاختيار. إذ ترددنا ولم نقبل المسيح تضيع منا الفرصة نهائياً، فنخسر خدمة الملائكة لنا ووعد الخلاص للحياة الأبدية كليهما معاً.

الملائكة في مستقبلنا:

يقول الدكتور ميل:
ماذا يخبئ المستقبل لهذا العالم الهرم المتعب؟ … للكرة الأرضية؟ لن نجد أي جواب في علم التنجيم أو في السحر واستحضار الأرواح، بل في كلمة الله الموحى بها. ويمكننا أن نتأكد من انه، بينما يمر الوقت وتتم النبوات، يعمل الملائكة بكل جد على إنجاز المهمة.
سيجدد الله الأرض، ويأمر فتنزل أورشليم الجديدة من السماء، ويعطي المعذبين مراكز أعلى من الملائكة – يا له من مستقبل.
كان إيليا واحداً من أعظم الأنبياء، وقد ظهر فجأة على المسرح في ساعة تعد من أحلك الساعات في تاريخ بني إسرائيل (1 ملوك17) . كان رجلاً قوياً تربّى في البرية فلوّحته شمسها. وهو يبدو جريئاً كالأسد حيناً، ويجر أذيال القنوط والفشل حيناً آخر. وقد وقف أمام أنبياء البعل، الإله الوثني، يوماً فتحداهم طالباً أن يثبتوا أن البعل إلههم إله حقيقي (1ملوك 18: 19). وعندما صلى أنبياء البعل وصرخوا ولم يسمع لهم إلههم الزائف، دعا إيليا الله فاستجاب بإنزال نار على ذبيحته، فثار غضب الملكة إيزايبل ورفضت النتيجة التي وصل إليها إيليا والحكم الذي حكم به على أنبيائها، فقررت أن تقتله. وراحت تطارده بمركبتها فهرب إيليا مسافة بعيدة أمامها. وصل إيليا في أثناء هربه إلى مكان ناءٍ في الصحراء، وكان متعباً وجائعاً، فوجد شجرة رتم فاضطجع تحتها ليستريح. غلبه النعاس من الهم والحزن فنم. ثم جاءه ملاك فأيقظه ووضع أمامه طعاماً، وقال له أن يقوم فيأكل.
تطلّع وإذا كعكة رضف وكوز ماء عند رأسه فأكل وشرب ثم رجع فاضطجع. ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسّه وقال: قم وكل، لأن المسافة كثيرة عليك. فقام وأكل وشرب، وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً ليلة إلى جبل الله حوريب (1 ملوك19: 6 – 8).
لم يتخلّ الله عن نبيذه الأمين. بل إنه قدم له ما كان يحتاج إليه جسدياً ونفسياً وروحياً.وكثيرون منا يقطعون الأمل في إمكان العيش وسط ضغوط الحياة، لكن إذا كنا ممتلئين بالروح وننقاد بالروح فإننا نلجأ إلى الله فنطالبه بما وعدنا به من عون. إن نبوات الكتاب المقدس تزودنا بالرجاء. ولولا خطة الله المعلنة في الكتاب المقدس تزودنا بالرجاء. ولولا خطة الله المعلنة في الكتاب المقدس عن المستقبل وما تحمل إلينا من رجاء فماذا كان الإنسان العادي يفعل؟ طبعاً لن يجد الإنسان الحل في التذمر والتشكي، ولا بالانتحار، ولا باللجوء إلى تعاطي السحر والاتصال بالأرواح الشريرة. غير أننا نجد الحل من جهة أمور المستقبل في الكتاب المقدس الذي يتمحور حول الرب يسوع المسيح. ففيه ركز الله جميع آمالنا وأحلامنا، وهو القائد الأعلى لهذه الجيوش الملائكية التي ستصحبه عند مجيئه.

سلطة الملائكة:

أثبت كتاب العهد الجديد حقيقة السلطة التي أعطيت للملائكة ليتمموا أوامر الله النبوية. والرسول بطرس يشدد على أن المسيح هو صاحب الإمرة عليهم، عندما يتكلم عن المسيح فيقول أنه قم وهو في يمين الله إذ قضى إلى الماء “وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له” (1 بطرس3: 22). وسيأتي الوقت الذي فيه يخر الأربعة والعشرون شيخاً ويسجون أمام الخروف ويترنمون بترنيمة جديدة (رؤيا5: 9 و 10). بعد ذلك سيجمع الملائكة القديسون حول العرش ويشهدون للخروف بهتاف عظيم مسبحين بكلمات مثل: “مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة” (رؤيا5: 12). للملائكة سلطة عظيمة، لكنها منحصرة في عمل إرادة الله دون أي شيء آخر، فهم لا يتحولون عن رسالة الله ولا يخففونها ولا يغيرون خطته أبداً. ودأبهم الوحيد طوال العصور هو تمجيد اله وحده، فهم لم يمجدوا أنفسهم قط، ولن يمجدوها البتة.
يعلمنا الكتاب المقدس أن الأرواح الشريرة عاملة باستمرار على السيطرة على أرضنا هذه لمصلحة سيدها الشيطان. ويسوع أيضاً دعا الشيطان “رئيس هذا العالم” (يوحنا12: 31). فهو المنظم والمخطط. ويتحدث الكتاب المقدس في غير موضع منه عن نزاعات تنشب بين الملائكة والأرواح الشريرة. وعليه، فإن قسماً كبراً من حوادث أيامنا قد يكون متعلقاً بهذا الصراع غير المنظور وناتجاً منه.
ولسنا تحت رحمة الشك حول من الذي سينتصر نهائياً. فقد أكد لنا يسوع المرة بعد المرة، أنه وملائكته منتصرون: “ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده” (متى25: 31). كذلك فقد كتب الرسول بولس في 2 تسالونيكي 1: 7 و 8 عن “… استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته في نار لهيب … “
وقد علّم يسوع أيضاً فقال: “كلّ من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدّام ملائكة الله” (لوقا12: 8). لا أحد يستطيع أن يتصور هول الألم الذي سوف يشعر به أخيراً الإنسان الذي لن يعترف به المسيح أمام الملائكة، إذ ذاك سيبين أنه لم يكن صادقاً في إيمانه بالمسيح وأنه قد خسر الحياة إلى الأبد. ولكن ما أمجدها لحظة إذ يجتمع مؤمنو كل العصور، ومن كل قبيلة وأمة ولسان، ويكون استقبالهم في البلاط السماوي. إذ ذاك يجري احتفال عظيم يدعى “عشاء عرس الخروف” (رؤيا 19: 9). هذا هو الحدث الأعظم، يوم يتوّج يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب. وينضم ألوف الجنود الملائكية إلى المؤمنين من كل العصور، فيحنون الركب معترفين جميعاً أن يسوع هو الرب.
إن سفر الرؤيا من الأصحاح الرابع إلى الأصحاح التاسع عشر يصور لنا تنفيذ أحكام الدينونة التي يتحل بالأرض والتي لم يمر على العالم مثلها. وسيكون للملائكة دور في إجراء هذه الدينونات. بعد هذه الأحداث الرهيبة سيأتي المسيح مع ملائكته القديسين ليقيم ملكوته.
أما مجال الصراع بين قوات الشيطان وقوات الله فلا ندري هل يجاوز عالمنا إلى الكواكب والمجرّات الأخرى التي تنتشر بعيداً عنا في كل أرجاء الكون. لكننا نعلم يقيناً أن الأرض هي حلبة لهذا الصراع، وهو على أية حال صراع ضخم يؤثر في الكون كله. ومما يحير العقل أننا أنت وأنا – مع قصر مدة وجودنا على كوكب هذه الأرض – نؤدي دوراً في معركة الدهور هذه، ولا نكاد نصدّق أن الكائنات الملائكية الفائقة للطبيعة تجيء من الفضاء الخارجي لتشترك في الصراع من أجل هذا الكوكب الذي نعيش على سطحه.
ابتدأ الصراع في جنة عدن، الجنة التي كانت تقع في الشرق الأوسط في مكان ما بين نهري دجلة والفرات. ومما يلفت النظر أن البلدان التي كانت بارزة في التاريخ القديم عادت للبروز من جديد (مثلاً، إسرائيل ومصر وسوريا وإيران وغيرها). لما كان الإنسان ما يزال في الجنة وعده الله وعداً عظيماً، إذ قال مخاطباً الحية: “أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه” (تكوين3: 15). فبينما نقترب من نهاية الدهر يتلقى رأس الشيطان الضرب والترضيض والسحق إذ تتزايد قوة خدام الله السماويين. وكأنما الآن ميخائيل، رئيس الملائكة، يقوم تنفيذاً لأمر الله بتنظيم قواته الملائكية استعداداً لخوض المعركة الأخيرة – هرمجدون. ولكن آخر الصور في الكتاب المقدس صورة عن السماء.
اجتمعت منذ سنوات بعدد من الناس في قاعة الطعام في مبنى مجلس الشيوخ الأمريكي. وبينما كنت أتحدث إلى بعضهم دعاني واحد من الشيوخ إلى مائدته ثم سألني: “كنا نتحدث قبل قليل عن مسألة التفاؤل والتشاؤم. هل أنت متفائل أم متشائم؟” ضحكت لسؤاله وأجبت: “أنا متفائل”. قال: “لماذا؟” فقلت:”لأني قرأت الصفحة الأخيرة من الكتاب المقدس”.
فهناك يتكلم إلينا الكتاب المقدس عن مدينة بناها الله وصنعها، وللمفديين الذين سيقيمون فيها منزلة أعلى من الملائكة. ويذكر الكتاب “نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله والخروف” (رؤيا22: 1). وقول أيضاً: “وهم سينظرون وجهه، واسمه على جباههم، ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس، لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين” (العددان 4, 5).
والآية التي تلي (العدد 6) تفيدنا شيئاً رائعاً عن الملائكة: “هذه الأقوال أمينة وصادقة، والرب إله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون سريعاً”.
ما أحرى أن يتأمل الجميع، أمؤمنين كانوا أم غير مؤمنين، في رؤيا22: 7 حيث يقول الرب: “ها أنا آتي سريعاً. طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب”.
هل تبحث عن  القمص ميخائيل إبراهيم | لا يرد أحدًا

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي