المَنّ السَّمَاوي

المَنّ السَّمَاوي


«فَأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ.
وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ، وَبُرَّ السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ.

أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ»

( مز 78: 23 -25)




كان «المَنّ» رمزًا جميلاً للإنسان الكامل، ربنا يسوع المسيح، في اتضاعه العجيب في حياته على الأرض. وقد أشار الرب نفسه إلى هذه الحقيقة في كلامه مع اليهود الذين تفاخروا بالْمَنّ الذي أكلَهُ آباؤهم ( يو 6: 32 ، 33). والتغذي بالمَنّ معناه التأمل في المسيح كالإنسان الكامل المُتضع الذي أعلن الآب للعالم، والتفكُّر في نعمتهِ وصلاحه، وحنُّوه وعواطفه، ومحبته، ووداعته وتواضع قلبه، وصبره واحتماله، وطول أناته ومثاله الكامل.

والْمَنّ كلمة عبرية معناها «مَنْ هُوَ؟»، لأنه «لَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ، قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ؟ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ» ( خر 16: 15 ). وهكذا كان الحال مع ربنا يسوع المسيح عندما أتى إلى عالمنا هذا، مُخليًا نفسه من هالة المجد، مُستترًا في الناسوت الذي تهيأ له، وساترًا صورة الله تحت صورة العبد، فكُتِبَ عنه: «كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ» ( يو 1: 10 ) وأيضًا «لمَّا دخل أورشليم ارتَّجت المدينة كلها قائلة: مَنْ هُوَ؟» ( مت 21: 10 ).

والمَنّ ليس من نتاج الأرض ولم ينمو في البرية، بل نزل من السماء. وهكذا ربنا يسوع المسيح، الذي شهد عنه يوحنا المعمدان أنه «اَلذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ … اَلذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ … الذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ» ( يو 3: 31 ، 34)، فهو – تبارك اسمه – «الإِنْسَانُ الثَّانِي … مِنَ السَّمَاءِ» ( 1كو 15: 47 ). وفى يوحنا 6 نقرأ سبع مرات عن الرب يسوع أنه «النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ»، وفى ذلك نرى كمال الاتضاع لمَن قيل عنه: «مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ» ( عب 5: 8 ). فهو «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» ( في 2: 6 – 8).

هل تبحث عن  جبرائيل الملاك هل هو جبريل؟

وهو – تبارك اسمه – قَبِل أن ينزل من السماء ليُقدِّم نفسه للعالم كالْمَنّ الحقيقي، كان هو «خُبْزَ اللَّهِ» ( يو 6: 33 )؛ أي موضوع فرح ومسرّة قلب الآب. كان موضوع شبعه ولذَّته منذ الأزل ( أم 8: 30 ). وإننا نجد وصفًا جميلاً لهذه الحقيقة في مزمور 78 «فَأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ. وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ، وَبُرَّ السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ. أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ» ( مز 78: 23 -25). فقبل أن تُفتح أبواب السماء، وقبل أن يُمطر الله الْمَنّ على شعبه الأرضي، كان الْمَنّ عنده، ولكنه أمر السحاب من فوق، وفتح أبواب السماوات ليُمطر المَنّ على الأرض، لكي يُشبع الجياع خبزًا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي