وقصة هذا الجزاء ينبغى أن ننظر إليها بكل تأمل وعمق ، وذلك لأنها أثارت نزاعاً دينياً حول تفسير الأقوال : « ليعط الرب رحمة لبيت أنيسيفورس لأنه مراراً كثيرة أراحنى ولم يخجل بسلسلتى بل لما كان فى رومية طلبنى بأوفر اجتهاد فوجدنى . ليعطه الرب أن يجد رحمة فى ذلك اليوم . وكل ما كان يخدم فى أفسس أنت تعرفه جيداً » ( 2 تى 1 : 16 – 18 ) ويذهب الفكر التقليدى الكاثوليكى إلى أن هذه الآيات تنهض دليلاعلى الصلاة لأجل الموتى ، ويعتقدون بأن أنيسيفورس كان قد مات بدليل أن بولس يقول فى آخر الرسالة : « سلم على فرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس مما يشجع على الظن أنه مات بعد زيارته لبولس فى روما ، وأن بولس لهذا السبب يطلب له الرحمة ، … ويرفض الرأى البروتستانتى هذا التفسير رفضاً كاملا ، ويقولون إنه لا دليل على موت أنيسيفورس البتة ، وعلى الأخص لأن الفترة ما بين زيارته للرسول ، وعودته على الأغلب إلى أفسس ، وكتابة الرسالة الثانية لتيموثاوس كانت فترة قصيرة، إذ أن سجن بولس الأخير لم يطل كالأول، وهذه الفترة لا تحتمل عودة الرجل إلى أفسس وموته ، وبلوغ خبر الموت إلى بولس ، وليس هناك على الإطلاق دليل يقطع بموته ، … ومع ذلك فلنفرض جدلاً أنه كان قد مات وأن الرسول كان قد عرف بموته، فإن أقوال بولس أو صلاته لا تصلح أن تكون دليلا على الصلاة من أجل الموتى ، لأن بولس طلب أولا الرحمة لبيت أنيسيفورس وهم أحياء ، وهو طلب جائز مشروع من رجل خدمه البيت ورب البيت خدمات عظيمة لا يستطيع أن ينساها طوال حياته إلى النسمة الأخيرة ، وهو كإنسان مغلول اليدين وليس فى قدرته أن يصنع شيئاً يكافئ به البيت العظيم أو رب البيت ، فكل ما يطلبه للبيت هو أن يتمتع برحمة اللّه الغنية الواسعة التى نحتاج إليها جميعاً كأحياء لا نستطيع أن نحيا يوماً واحداً دون رحمته ، .. فإذا قيل إن هذه الرحمة تلحق أنيسيفورس بالذات : « ليعطه الرب أن يجد رحمة فى ذلك اليوم » … والمقصود بذلك اليوم هو اليوم الأبدى العظيم الذى سيقف فيه الجميع أمام كرسى المسيح ليعطى كل واحد حساباً عما فعل بالجسد خيراً كان أم شراً!! قلنا إنها رحمة ستتحقق فى اليوم الأخير ، ولا يمكن أن تنصرف بحال ما لأية منفعة قبل ذلك اليوم ، مما ينتفى معه فكرة المطهر بأية صورة من الصور ، أو فائدة تلحق به قبل القيامة فى اليوم الأخير !! .. فإذا جاء النص يحمل الرحمة للبيت أو للرجل ، فنحن إذاً أمام صورة عظيمة لرسول يذكر بيتاً ورجلا ، لا يملك أن يكافئهما ويجازيهما ، وهو يطلب لهم خير الجزاء فى الحياة الحاضرة والعتيدة ، ولا يزيد الأمر عن صورة الجزاء الذى تحدث عنه السيد الملك سواء فى العهد القديم أو الجديد : « كنت فتى وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً » ( مز 37 : 25 ) أو القول : « تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . لأنى جعت فأطعمتمونى . عطشت فسقيتمونى . كنت غريباً فآويتمونى . عرياناً فكسوتمونى . مريضاً فزرتمونى . محبوساً فأتيتم إلىّ» ( مت 25 : 34 – 36 ) .. والجزاء فى كل الحالات ، فى الحياة الحاضرة والعتيدة ، هو رحمة من اللّه وليس استحقاقاً البتة ، وهو رحمة نأخذها فى ظروفنا الحالية فى كل جانب من جوانب الحياة ، وهى الرحمة الكاملة فى المجد عندما تكمل السعادة الأبدية بخلاص الروح والجسد معاً فى يوم القيامة الأخير ، … ومن المستحيل لرجل مؤمن تمتع بالخلاص الأبدى فى المسيح يسوع ، ويمتدحه الرسول على هذه الصورة النادرة العجيبة ، فى المقارنة مع غيره من الناس ، ثم تعلق أبديته حتى اليوم الأخير ، دون أن تنال رحمة الخلاص المجانى فى الصليب،… إن فى هذا كل المجافاة، لا للتفسير الكتابى الصحيح، بل للمنطق السليم الواضح أيضاً !! ..
إن السؤال الحقيقى الذى تطرحه قصة هذا الرجل القديم ، … فى عصر فترت فيه محبة الكثيرين .. هل يمكن أن نجد نظيره الآن ، وهل يمكن أن نعثر على «أنيسيفورس» متكرراً فى عصرنا !! ؟