اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ سفر الملوك الثاني القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ

حزقيا وإزالة الأصنام.

أعطى الكتاب المقدس مجالاً للحديث عن حزقيا ملك يهوذا أكثر من أي ملك آخر منذ موت سليمان، ذلك لأن حياته تُقدِّم لنا شهادة حية عن معاملات الله مع المؤمنين، خاصة الراغبين في الالتصاق به، كما تكشف عن جانب آخر، أنه مهما بلغت قداسة الإنسان واهتمامه بالسلوك بالروح، فإنه يتعرَّض لضعفات قد لا يسقط فيها الشخص الأقل منه في القداسة. وكأن حياة حزقيا الملك تُحسَب إنذارًا لكل مؤمنٍ ألا يظن في نفسه شيئًا، فيعتمد على نفسه متجاهلاً الاتكال على الله، ولو إلى لحظاتٍ قليلةٍ. فإن السقوط في لحظات نتيجة الإهمال أو الاتكال على قدراته أو طهارة حياته قد تُحَطِّم الكثير مما اقتناه، وقد تسبب خسائر لكثيرين.

وردت سيرة حزقيا الملك في (2 مل 18 – 20؛ 2 أي 29 – 32؛ إش36: 39).

عندما استلم حزقيا المُلك عمليًا، كانت يهوذا دولة خاضعة لأشور.

يُعتبَر حزقيا أحد الملوك الذي كان له دور كبير في الإصلاح، قاد حملة ضد كل أشكال العبادة الوثنية.

1. حزقيا الصالح وإزالة الوثنية 1 – 6.

2. عصيانه على أشور 7.

3. ضرب الفلسطينيين 8.

4. السبي الأشوري للسامرة 9 – 12.

5. الهجوم الأول لسنحاريب على يهوذا 13 – 16.

6. الهجوم الثاني لسنحاريب على يهوذا 17 – 37.

الأعداد 1-6

1. حزقيا الصالح وإزالة الوثنية

كان حزقيا الملك أول من حفظ وصايا الرب منذ أيام داود الملك [6]، وأراد أن يُعِيدَ العبادة الحقيقية المستقيمة للرب على مستوى الشعب، وأن يعبدوا الله الحقيقي. لكنه إذ كشف الكنوز لبعثة ملك بابل ربما في كبرياء، صدر الأمر الإلهي بالسبي ليهوذا.

وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ مَلَكَ حَزَقِيَّا بْنُ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا. [1].

السنة الثالثة لهوشع هي 729 ق. م. التسع وعشرون سنة لحزقيا تضم فترة حكمه كشريك مع أبيه آحاز قبل أن يحكم لوحده (716 – 699 ق. م).

حزقيا” معناها “الرب يُقوِّي”.

كَانَ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،.

وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.

وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِي ابْنَةُ زَكَرِيَّا. [2].

مَلَك حزقيا تسعًا وعشرين سنة في أورشليم، كما يُعتقَد أنه شارك أباه آحاز في الحكم من سنة 728 ق. م إلى سنة 716 ق. م، أي حوالي ثلاثة عشر عامًا.

وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. [3].

مع ما اتسم به أبوه من الشر والفساد والفشل، نجد حزقيا الملك سار في مخافة الرب، وللأسف خالف ابنه وصاياه حتى واجه تجربة الأسر. الحياة الروحية والمبادئ الأخلاقية المقدسة أو الفاسدة لا تُورَّث. كل شخص له الحرية الكاملة في تبعية وصايا الله أو عصيانها.

قيل هنا عن حزقيا الملك “حسب كل ما عمل داود أبوه”، كما قيل في الملك آسا (1 مل 15: 11)، والملك يوشيا (2 2: 2)، ولم يُقل هذا في غير هؤلاء الثلاثة من ملوك يهوذا، وكان كل من الثلاثة أبناء لآباءٍ أشرارٍ.

يبدو أن إشعياء النبي كان مُشِيرًا لحزقيا في أيام شبابه قبل أن يتولى العرش، فتأثر به.

هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ،.

وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى،.

لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعُوهَا نَحُشْتَانَ. [4].

أخطأ الملوك السابقون له إذ تركوا المرتفعات ولم يُحَطِّموا أصنامهم، فكانت مَرْكزًا لقبائح لا تليق بالمؤمنين. أما حزقيا الملك فلم يسحق الأصنام فقط وإنما إذ أساء المؤمنون تكريم الحية النحاسية التي احتفظوا بها منذ أيام موسى النبي وهو في البرية، قام بسحقها.

مع وجود ملوك ليهوذا صالحين، يعملون المستقيم في عينيّ الرب، لكن غالبًا ما كانوا يتساهلون في ترك المرتفعات. يرى القديس أغسطينوس أن حزقيا هو أول ملك يُحَطِّم المرتفعات.

في أعمال القديس أغسطينوس لتصحيح أفكار الدوناتست Donatists أوضح أن الملك أو الحاكم يعبد الرب بمخافة (مز 2: 1 – 2، 10 – 11) بطريقين: أولاً كإنسانٍ مؤمنٍ يعبد الرب بمخافة بحياته الإيمانية العملية. ومن جانبٍ آخر بكونه ملكًا يعبد الرب بإصداره شرائع تأمر بالسلوك بالبرّ، وتعاقب من يفعل ضد ذلك، هكذا سلك حزقيا كملكٍ تقيٍ، فأزال المرتفعات وأباد الأصنام:

  • خرَّب الملك حزقيا الخارج من نسل داود تلك المرتفعات، يصحب ذلك شهادة عن مدحه العظيم[512].
  • يخدم الملك الله بطريقة بكونه إنسانًا، وبطريقة أخرى بكونه ملكًا. يخدمه كإنسانٍ بأن يحيا بالإيمان، ويخدمه كملكٍ إذ يمارس السلطة الضرورية لإصدار قوانين تأمر بالصلاح وتمنع ما يضاد ذلك. هكذا حزقيا خدمه بإبادة أماكن الأصنام وهياكلها والمرتفعات التي أقيمت على خلاف وصايا الله (2 مل 18: 4). وهكذا خدمه يوشيا بممارسته ذات الأفعال (2 مل 23: 4، 20). هكذا خدم ملك نينوى بإلزام كل المدينة أن ترضي الرب[513].
  • حتى حزقيا خدم الرب بتحطيمه بساتين الأوثان ومعابدها، والمرتفعات التي أُقيمت بانتهاك وصايا الله (2 مل 18: 4). وأيضًا يوشيا خدمه بقيامه بنفس العمل بدوره (2 مل 23: 4 – 5). وأيضًا ملك نينوى خدمه بإلزام كل شعب مدينته أن يفعلوا ما يُسر الرب (يون 3: 6 – 9). وداريوس خدمه بأن سلَّم التمثال لدانيال ليُحَطِّمه (دانيال والتنِّين 42) ونبوخذناصر خدمه… بإصداره تشريع رهيب يمنع أي من الخاضعين له أن يُجَدِّف على الله (دا 3: 29).

بهذه الوسيلة يمكن للملوك أن يخدموا الرب بكونهم ملوكًا، عندما يمارسون في خدمتهم ما لا يمكنهم القيام به لو كانوا ليسوا ملوكًا[514].

القديس أغسطينوس.

أيضًا سحق حزقيا الملك الحيَّة النحاسية، فقد أمر الله موسى أن يعمل تمثالاً من النحاس لحيَّة محرقة (نارية) يضعها على عامودٍ في البرية، لتكون مصدر شفاء لكل من ينظر إليها (عد 21: 4 – 9). لقد حملت الحية النحاسية رمزًا لعمل السيد المسيح مُخَلِّص العالم المصلوب، كقول الرب نفسه: “وكما رفع موسى النبي الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 14، 15). لكن حين أساء الشعب استخدام تمثال الحية النحاسية وعبدوه كصنمٍ، مُقدِّمين له قرابين، فقدت الحية النحاسية مفهومها الروحي والرمزي بسبب فساد فكر الشعب وقلبه، لهذا قام حزقيا الملك بسحقها (2 مل 18: 4).

عمل حزقيا الملك بضمير حيّ في جدية، في غير مجاملة أو مداهنة أو خوف. لم يكن سهلاً عليه أن يسحق الحية النحاسية التي عملها موسى، لأن بني إسرائيل كانوا في تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان. “نحشتان” معناها الحرفي “شيء برنزي”. بلا شك كان لهذا العمل شعبيته على مستوى القيادات اليهودية والشعب، لكنه لم يبالِ أن يفقد هذه الشعبية، ويقاوم كل فكرٍ خاطئٍ.

أثناء تقديس سرّ الإفخارستيا، متى كان الأسقف حاضرًا، يمسك أحد الشمامسة عصا الأسقف يعلوها صليب ذهبي تحوطه به حيَّتان ذهبيتان. هذه العصا تغاير عصا الرعاية التي يمسك بها الأسقف دائمًا علامة رعايته الرسولية.

جاء في (2 أي 29) أنه في السنة الأولى من ملكه (حزقيا) فتح أبواب بيت الرب وطهَّر الكهنة بيت الرب، وأصعدوا ذبائح وأوقف حزقيا اللاويين للتسبيح، وعملوا فصحًا للرب، ودعا إسرائيل ويهوذا وأفرايم ومنسى وزبولون. ولما أكمل هذا (2 أي 31: 1) خرج كل إسرائيل إلى مدن يهوذا، وكسروا الأنصاب، وقطعوا السواري، وهدموا المرتفعات (1 مل 14: 23).

  • حُفظتْ هذه الحيّة سليمة لذكرى المعجزة، لكن بعد ذلك عُبِدَتْ كصنمٍ بواسطة أناس غير مُخلِصين، حتى جاء حزقيا الذي استخدم سلطانه الديني في خدمة الله، حطَّمها، وبهذا نال شهرة عظيمة لتقواه[515].

القديس أغسطينوس.

عَلَى الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ اتَّكَلَ،.

وَبَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مُلُوكِ يَهُوذَا،.

وَلاَ فِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. [5].

فاق حزقيا الملك كل ملوك يهوذا السابقين له واللاحقين (عدا داود النبي)، والعجيب أن أباه آحاز كان شريرًا، لكن شر أبيه لم يؤثر عليه، بل صار ذلك لتزكيته، إذ رفض طريق أبيه الشرير من أجل الرب.

إن كانت مملكة الشمال قد انهارت أمام أشور بسبب شرها وكسر الوصية الإلهية وخيانة العهد مع الله، فإن حزقيا استطاع أن يصد أشور في عنفوان قوته بتقواه واتكاله على الله. لقد واجه الحملة الأخيرة التي لسنحاريب عام 701 ق. م، ونال عونًا إلهيًا.

وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ، وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ،.

بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى. [6].

العدد 7

2. عصيانه على أشور

وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ،.

وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ.

وَعَصَى عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ، وَلَمْ يَخْضَعْ لَهُ. [7].

رفض حزقيا خدمة أشور في مذلة، كما انتصر على الفلسطينيين. هذا ساعد يهوذا كأُمة مستقلة أن تحمل قوة جديدة في المنطقة. ولم تعد يهوذا تعاني أو تخشى أي تهديد من الأمم المجاورة لها.

كانت يهوذا تقع بين القوتين العالميتين العظيمتين في ذلك الحين، وهما أشور ومصر. وكانت يهوذا تضم الطرق الرئيسية في الشرق الأوسط للتجارة العالمية، لهذا كانت كل من أشور ومصر تتنافسان على السيطرة على يهوذا.

هذا ومن جانب أخر، كلما حدثت معارك بين القوتين، تمر إحدى الدولتين بيهوذا لتعبر إلى الأخرى فتُخَرِّبها. كانت يهوذا تُحسَب كموقع يحمي كل دولة من الأخرى، بهذا فإن الدولة التي تُسيطر على يهوذا تكسب ميزات اقتصادية وعسكرية على منافسيها.

عندما صار حزقيا ملكًا كانت يهوذا تحت سيطرة أشور، لكنه بإيمانه وبقوة الله عصى تلك الإمبراطورية القوية، بالرغم من أنه بحسب الفكر البشري يستحيل عصيان أشور.

ربما عصى ملك أشور في بداية ملكه، ولم يحاربه ملك أشور لارتباكه في حروب مع السامرة وصور ومصر، وربما لأن حزقيا ضرب الفلسطينيين وانتصر عليهم.

العدد 8

3. ضرب الفلسطينيين

هُوَ ضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِلَى غَزَّةَ وَتُخُومِهَا،.

مِنْ بُرْجِ النَّوَاطِيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُحَصَّنَةِ. [8].

كان سنحاريب قد أعطى قسمًا من يهوذا إلى ملك غزة. وربما كانت حرب حزقيا لاسترجاعه. كان بعض الفلسطينيين مع ملك أشور، والبعض ضده، فحارب حزقيا الذين كانوا مع ملك أشور، وساعد الذين كانوا عليه.

الأعداد 9-12

4. السبي الأشوري للسامرة

وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا،.

وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ لِهُوشَعَ بْنِ أَيْلَةَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،.

صَعِدَ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا. [9].

وَأَخَذُوهَا فِي نِهَايَةِ ثَلاَثِ سِنِينَ.

فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِحَزَقِيَّا،.

وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ لِهُوشَعَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ،.

أُخِذَتِ السَّامِرَةُ. [10].

وَسَبَى مَلِكُ أَشُّورَ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ،.

وَوَضَعَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي [11].

لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلَهِهِمْ،.

بَلْ تَجَاوَزُوا عَهْدَهُ وَكُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ،.

فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا. [12].

“موسى عبد الرب” كان أتقياء العهد القديم يعتزون بهذا اللقب بكونهم “عبيد يهوه” (مز 27: 9؛ 31: 16؛ 89: 50)، والآن إذ صار الكل في المسيح يسوع يتمتعون ببرّه وتقواه، يتأهلون لهذا اللقب “عبيد ليسوع المسيح“، ويفخرون به دون سواه، الأمر الذي يشترك كل الأعضاء فيه. هذا وقد كان هذا اللقب يُنسَب بالأكثر لمن قاموا بدور في تاريخ الخلاص خلال خدمتهم ليهوه، مثل موسى (2 مل 18: 12)، ويشوع (قض 2: 8)، وإبراهيم (مز 105: 42). وكان بولس كرسول وهو مُفرَز لإنجيل الله يقوم بدور في تاريخ الخلاص، هو امتداد للدور الذي قام به آباء وأنبياء العهد القديم، لذا كثيرًا ما كان يدعو نفسه “عبد ليسوع المسيح” (رو 1: 1؛ راجع غل 1: 10؛ في 1: 1؛ كو 4: 12).

الأعداد 13-16

5. الهجوم الأول لسنحاريب على يهوذا

وَفِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا،.

صَعِدَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. [13].

حكم حزقيا مع أبيه آحاز مدة من ثلاث عشرة سنة (729 – 716 ق. م)، وحكم منفردًا ثماني عشرة سنة (716 – 796 ق. م)، ومع ابنه منسى إحدى عشر سنة (796 – 686 ق. م) فكانت كل مدة حكمه 43 سنة. أما مدة التسع والعشرين سنة المُدوَّنة في (2 مل 1: 18 – 2) فتشير إلى المدة التي كان لحزقيا فيها السيطرة الكاملة على المملكة. السنة الرابعة عشر لحزقيا الملك وهو منفرد بالحكم كانت تقابل 701 ق. م.

تفاصيل حالة التمرُّد العامة التي جعلت سنحاريب يهاجم الجزء الغربي من إمبراطوريته سُجِّلتْ في سجلاته، وفيها جاء عن حزقيا الذي انشغل بكل شئونه.

حدث ذلك في عام 701 ق. م بعد أربع سنوات من جلوس سنحاريب على عرش أشور، وكان سنحاريب ابنًا لسرجون الثاني، الملك الذي أخذ شعب إسرائيل إلى السبي، ولكي يمنع ملك يهوذا أشور من مهاجمة مملكته كان يدفع له جزية سنوية. وعندما أصبح سنحاريب ملكًا أوقف حزقيا دفع الجزية. وعندما انتقم سنحاريب وجيشه أدرك حزقيا خطأه ودفع الجزية [14]، لكن سنحاريب هاجمه [19 – 25]. ومع أن سنحاريب هاجم يهوذا إلا أنه لم يكن مولعًا بالحرب مثل ملوك أشور السابقين، إذ كان يُفَضِّل أن يصرف معظم وقته في بناء عاصمة نينوى وتجميلها مع القيام بغزوات أقل. هكذا استطاع حزقيا أن يقوم بإصلاحاته الكثيرة وتقوية مملكته.

ما ورد هنا حتى نهاية الأصحاح العشرين يُشبه مضمون ما ورد في إشعياء 36 إلى 39. ذكرها في سفر إشعياء، لعلاقتهما الضرورية بالنبوات السابقة بشأن أشور مع الحوادث التاريخية.

ما ورد في الملوك الثاني ولم يرد في إشعياء: الخبر بتسليم حزقيا وتأديته الجزية لمَلِك أشور (ع 14 – 16).

ما ورد في إشعياء دون الملوك: تسبيح حزقيا بعد شفائه (إش 38: 9 – 20).

  • كما سبق أن قيل إن سنحاريب هو رمز للشيطان، وقد أكد هذا الافتراض بالكلمات الواردة في هذه العبارة والتي تكلم بها ربشاقي في تشامخٍ ضد الله، عندما قدَّم وعودًا كاذبة للشعب، محاولاً أن ينزع عن الله مديح قوته السامية، وتقديم تأكيد بأرضٍ خصبة ومحاصيل بوفرة، حتى يحثهم على ترك المنطقة التي وهبهم الله إيّاها، وأن يرحلوا إلى مسكن جديد يعد به الأشوريون.
هل تبحث عن  انا ربى خروفك انا مستى تيجينى

بحيلة مشابهة يسعى رسل الشيطان وشركاؤه إلى خداع النفس البسيطة. ولهذا السبب فإنه في المركز الأول يحاولون أن يقتلعوا كل الأفكار التي توحي بها العناية[516].

القدِّيس أفرآم السرياني.

وَأَرْسَلَ حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى لَخِيشَ يَقُولُ:

قَدْ أَخْطَأْتُ. ارْجِعْ عَنِّي،.

وَمَهْمَا جَعَلْتَ عَلَيَّ حَمَلْتُهُ.

فَوَضَعَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا،.

ثَلاَثَ مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَثَلاَثِينَ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ. [14].

لخيش: تم العثور بين بقايا قصر نينوى للملك الأشوري سنحاريب على بقايا طولها 62 قَدَمًا تُصوِّر سقوط حصن لخيش عام 701 ق. م على مدى 100 عام قبل الهجوم على يهوذا وسقوطها.

تشهد حفريات قصر نينوى لهزيمة لخيش في السجل الإنجيلي الخاص بحصار مملكة يهوذا في أيام الملك حزقيا. يقول الكتاب في (2 مل 13: 18) “وفي السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك أشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها” لكن قبل أن يستطيع الأشوريون الاستيلاء على إسرائيل، دمرهم الرب بـ “ملاك الرب” وانسحب سنحاريب (2 مل 35: 20؛ 2 أي 32).

إذ رفض حزقيا الخنوع لأشور، الآن تهدده أشور بجيشها. جاءت سجلات سنحاريب تُصوِّر الهجوم الشامل على يهوذا. وإذ شعر حزقيا بالخطر المُحدِق به، وقد تم حصار لخيش، استسلم ووضعت أشور جزية ثقيلة. هذا الاستسلام جعل سنحاريب يطمع بالأكثر، فحاصر أورشليم (18: 13 – 19: 30).

عادوا بالكل إلى ذكريات أو إلى حالة عبر عليها قرابة قرن من الزمان. قدَّموا لهم حالة ميخا المورشتي (مي 3: 12) مثلاً، الذي نطق بكلمات مشابهة وقد سمع له الملك حزقيا (716 – 687 ق. م) والشعب، ولم يزدروا بكلماته، بل خافوا الرب وطلبوا وجهه، فتمتعوا بالمراحم الإلهية.

سمح الله بهذا الضيق في أيام حزقيا الذي قام بإصلاحات كثيرة وسط الشعب وإن كان كثيرون – خاصة من القادة الدينيين والمدنيين – اهتموا بالإصلاح الخارجي دون الداخلي، فاهتموا بالشكليات دون الحياة القدسية، وقد أراد الله أن يُزكِّي حزقيا، ويُحوِّل الضيق إلى تمجيده. هذا ومن جانب آخر أراد أن يكشف عن ضعف حزقيا أمام نفسه، فقد خانته شجاعته، ولم يكن اتكاله على الله كاملاً. بالتجربة اعترف بضعفه وزاد إيمانه بالله وثقته فيه.

فَدَفَعَ حَزَقِيَّا جَمِيعَ الْفِضَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ،.

وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ. [15].

النير الذي وضعه أشور هو الجزية التي فرضها سنحاريب على حزقيا (2 مل 18: 14). نقل كميات ضخمة من الفضة والذهب والأشياء الثمينة من الهيكل إلى أشور، تبعه ما فعله يهوآش ملك إسرائيل باقتحامه أورشليم وهدم جزء كبير من السور وسلب ما في خزائن الهيكل (14: 14).

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَشَّرَ حَزَقِيَّا الذَّهَبَ عَنْ أَبْوَابِ هَيْكَلِ الرَّب،.

وَالدَّعَائِمِ الَّتِي كَانَ قَدْ غَشَّاهَا حَزَقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا،.

وَدَفَعَهُ لِمَلِكِ أَشُّورَ. [16].

كانت الأولوية في ذهن حزقيا الملك ليس لذهب الهيكل، بل لحفظ بقية يهوذا (19: 4).

الأعداد 17-37

6. الهجوم الثاني لسنحاريب

وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ،.

فَصَعِدُوا وَأَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ.

وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. [17].

كان ترتان وربساريس وربشاقي في مراكز كبرى في جيش أشور العظيم. كان تعداد جيش أشور يُعتبَر أضخم جيش وُجِدَ في الشرق الأوسط قديمًا. عَسْكَرَ هذا الجيش في يهوذا.

كان حقل القصار في شمال غرب ركن المدينة، فكانت المنطقة قابلة للسقوط عند أي هجوم.

يرى البعض أن ربشاقي ليس اسمًا لشخصٍ، إنما هو لقب يعادل “رئيس سقاة”، يتذوق الخمر قبل أن يشرب منه الملك حتى لا يتعرَّض الملك للتسمم، كما كان يقوم بأدوار أخرى رئيسية في القصر الملكي.

نكث سنحاريب العهد، فقد دفع حزقيا مبلغًا كبيرًا ليترك الأرض ومع ذلك أرسل جيشه لاقتحامها (2 مل 18: 4، 17).

  • يدَّعي اليهود أن ربشاقي الذي تحدث باللغة العبرية هو ابن النبي إشعياء وهو نفسه كان خائنًا، وأن لإشعياء ابن آخر يُدعَى ياشوب (إش 7: 3) الذي تحدث أيضًا بلساننا.

يرى آخرون أن (ربشاقي) كان سامريًا، ولهذا كان يعرف اللغة العبرية، وجدَّف على الرب بوقاحةٍ وعقوقٍ هكذا. لهذا يليق بنا أن نتطلع إلى كلمات ربشاقي أنها باطلة[517].

القديس جيروم.

وَدَعُوا الْمَلِكَ،.

فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ،.

وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. [18].

أجرى حزقيا إصلاحات دينية ومدنية، وكانت له علاقة نامية مع الله. نما في حياة الصلاة القوية، وحسبه سفر الأمثال بطلاً (أم 1: 25). أما من نقاط ضعفه فهي عدم الحكمة في التخطيط للمستقبل لحفظ الميراث الروحي للأجيال التالية. كما تهور في استعراض كل ثروته لرسل ملك بابل.

كان الياقيم هو مُدبِّر شئون القصر الأول (15: 5).

يقول دميان ماكي إنه على ضوء ما ورد في يهوديت، أن ألياقيم كان كبير موظفي القصر Major – domo أو كبير التشريفات في البلاط الملكي، وكان يقوم بإدارة أمور القصر، فإن كلمة “بيت” (2 مل 18: 18) يُعنَى بها “القصر الملكي”، وإن كانت تُستخدَم أيضًا بالنسبة للهيكل كبيت الرب.

يرى دميان ماكي أن ألياقيم (كما جاء في نص Douay) قام بإثارة الشعب كملكٍ، وذلك كما فعل الملك حزقيا عندما حاول سنحاريب غزو أورشليم (2 أي 32: 2 – 8). وأنه هو ألياقيم بن حلقيا الذي على البيت (2 مل 18: 18؛ إش 36: 3). وقد ورد اسمه في السجلات الأشورية اليميتي Akhi عوض Elikim، وأنه كان حاكم أشدود أو لخيش. لذا يرى البعض أنه كان رئيس كهنة سابق وقد عُيِّن رئيسًا على لخيش، لكنه في ذاك الوقت كان في أورشليم التي لم تكن مسكنه الدائم. وكان يتولى الحكم على حصن لخيش الحصين سلسلة من رؤساء الكهنة السابقين كما على غيرها من المواقع كما يظهر من (1 مل 4: 2) في أيام الملك سليمان.

يشتاق القديس كيرلس الكبير أن يكون كل مؤمنٍ ألياقيم الجديد، إذ يرى في كل إنسان يتمتع بالحياة المقامة المجيدة في كنيسة المسيح هو ألياقيم.

  • عندما يقول: “أني أدعو عبدي ألياقيم” (إش 22: 20)، فإن اسم ألياقيم معناه “قيامة الله”، لهذا فإن كل من هو ممجد في بيت أبيه يثق فيه [ألياقيم]. ومن هم المُمجَّدون هناك؟ أولئك الذين وضعوا ثقتهم في المسيح، والذين ليسوا ممجدين حسب حكم هذا العالم. على العكس قد يكونون أصاغر حسب هذا الحكم. أما الله فعادل غير مجحفٍ. إنه يرد لكل واحدٍ حسب قياس قامته الروحية (نضوجه)، وبهذا فإن البعض هم آباء، بينما الآخرون لا يزالون يَحْبون (في المشي) ورضَّع ومراهقين[518].

القديس كيرلس الكبير.

  • ألياقيم بن حلقيا، الذي كان مديرًا للبيت، خرج إليه، وأيضًا شبنة الكاتب ويواخ بن آساف المُسجِّل. إنه نفس ألياقيم بن حلقيا الذي نقرأ عنه في رؤيا وادي صهيون: “أني أدعو عبدي ألياقيم بن حلقيا، وألبسه ثوبكَ، وأشده بمنطقتك، وأجعل سلطانك في يده، فيكون أبًا لسكان أورشليم ولبيت يهوذا” (إش 22: 20 – 21) [519].

القديس جيروم.

شبنة: اختلفت الآراء من جهة مركز شبنة في قصر حزقيا الملك، هنا يبدو أنه المسئول عن خزينة الملك. دُعي بالكاتب، ويرى البعض أنه مشير للملك أو كبير حجاب القصر أو وزير. على أي الأحوال كان ذا سلطان عظيم. ويبدو أنه كان غريب الجنس. أراد أن يُخَلِّد ذكراه، فنحت لنفسه قبرًا عظيمًا في ذات الصخرة التي دفن فيها ملوك يهوذا. كان رجلاً شريرًا، فوبَّخه إشعياء ودعاه “خزي بيت الملك”، كما تنبأ عن عزله وإقامة الياقيم عوضًا عنه، وقد تحقق ذلك حوالي سنة 701 ق. م.

يرى القديس جيروم أن شبنة المذكور هنا الكاتب والذي في صحبة ألياقيم بن حلقيا وبراخ بن آساف المُسجِّل، وهو غير شبنة المذكور في (إش 22: 15)، الذي وبَّخه إشعياء النبي ودعاه “خزي بيت الملك (سيدك)” (إِش 22: 18).

فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى:

قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ.

مَا الاِتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ [19].

كان لقب “الملك العظيم” يُستخدَم في الشرق الأوسط بأنه صاحب القوة العظمى في المنطقة. ما يقوله ربشاقي هو أن أمام ملك أشور لا يوجد الملك العظيم في الشرق الأوسط، لأنه هو الملك العظيم في كل مكانٍ.

يرى القديس جيروم[520] أن ربشاقي إنسان جسور ووقح بقوله هذه العبارة: “هكذا يقول الملك العظيم ملك أشور“؛ إذ يحسب نفسه قوة مضادة لله، فكما اعتاد الأنبياء أن يقولوا: “هكذا يقول الرب”، وهم يتكلمون بقوة وسلطان المتكلم الآن يفعل نفس الشيء، وكأن ملك أشور العظيم يبعث برسوله كما يبعث الله أنبياءه. كأن ربشاقي يحسب نفسه على مستوى الأنبياء وملك أشور على مستوى الله نفسه، بل ويحسب نفسه قادرًا على الدخول في تحدٍ لله.

قيل إنه (ناحوم) هرب إلى يهوذا أثناء الغزو الأشوري على إسرائيل؛ ربما أقام في أورشليم حيث شهد بعد 7 سنوات حصارها بواسطة سنحاريب ملك أشور، وقد هلك الأشوريون، فمات 185. 000 نسمة (2 مل 18: 19، نا 1: 11) في ليلة واحدة.

يؤكد الرب لحزقيا الملك ورجاله أن الله يكسر نير سنحاريب وجيشه ويقطع ربطه، حيث كان جيش الأشوريين يقتحم الكثير من مدن يهوذا وقراها، يعبث بها في حرية بعنفٍ، وأورشليم عاجزة عن الدفاع عن هذه المواضع، إذ كانت أشبه بمدينة مربوطة ومُقيَّدة. ستتمتع بالحرية، فلا يقوم جيش أشور بهجوم آخر حيث تخور قوته بقتل 185 ألفًا بواسطة ملاك الرب، ويصير الجيش كأنه قد انقرض، لا قوة له.

“ما الاتكال الذي اتكلت عليه؟” لقد وجَّه قائد أشور هذا السؤال لشعب بني إسرائيل. وثق آحاز في مصر وتحالف معها لتحميه من أشور وكانت النتيجة السقوط في الأسر، ووَضَع حزقيا ثقته في الله، فرُفِعَ عنه الحصار.

يليق بالمؤمن أن يسأل نفسه: هل أنا مثل آحاز أم مثل حزقيا؟ اليوم ما الاتكال الذي أتكل عليه؟ المال أم الثقافة أم المركز الاجتماعي أم القوة أم التقدُّم العلمي الخ؟ هذه كلها عطايا إلهية، تتقدَّس إن التصقنا بالله، واتكلنا عليه.

بعد أن استولى سنحاريب ملك أشور فعلاً على مدن كثيرة كان يُجدِّف بوابلٍ من التهديدات ضد إسرائيل خلال ربشاقي، وليس ما حوَّله عن هدفه وأرسله إلى الأثيوبيين سوى الصوم. بعد ذلك ما الذي أهلك مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا من جيشه بيد الملاك، إلا تواضع حزقيا الملك؟ [521].

العلامة ترتليان.

قُلْتَ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ.

وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ [20].

  • من يتجاسر ويقول بأنه ليس إله، هو عديم الفطنة وجاهل. هذه هي سمة ربساريس وربشاقي، لأنهما قالا هكذا: “هل أنقذ آلهة الأمم بلادهم والمتعبدين لهم، فكيف يحميكم إلهكم ويحمي مدينتكم؟!” أما بقلبيهما وضميرهما، فقالا إنه ليس إله. فالنبي بإلهام الروح القدس سبق وعلم ما في ضميرهما (2 مل 18).

وأيضًا نقول إن الذين ينكرون لاهوت المسيح هم جهال، لأن هدفهم أن ينقضوا عظائمه الظاهرة التي تثبت لاهوته.

وأيضًا الذين يقولون نعم الله موجود، خالق البداية، لكنه لا يهتم بها؛ هؤلاء يتكلون على القدرة البشرية، وهم جهال.

الأب أنسيمُس الأورشليمي.

فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هَذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ،.

عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا!

هَكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. [21].

إذ كانت أشور تتطلع إلى مصر بأنها القوة المنافسة لها، لذا توقع ربشاقي أن حزقيا سيلجأ إلى مصر لحمايته من أشور. وكما يقول ثيؤدورت أسقف كورش[522] أن ربشاقي في هذا المثل يتهم المصريين بالضعف والشر، فهم يشبهون قصبةً، بل وقصبة مرضوضة. هم ضعفاء كالقصبة التي تنبت على شاطئ النهر لا حول لها ولا قوة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، فكيف تحمي غيرها، ومرضوضة، أي شريرة فمن يتكئ عليها تؤذي كفه[523].

كانت مصر ليس فقط على النيل كمصدر خيرات لها، إنما أيضًا كانت أحيانًا تتعبد له كإله. في مناطق كثيرة كان على شاطئ النيل قصب. لهذا حذرت أشور حزقيا من الاتكال على مصر، فإن قصب النيل مرضوض، من يتكئ عليه بيده يسبب جراحات لليد بدلاً من تقديم عونٍ له. لقد استخدم إشعياء النبي ذات التحذير (إش 30: 3 – 5؛ 31: 1 – 3) بتشبيهات مختلفة.

خلال هذا الضيق ندرك بطلان سعيّنا وراء الآخرين، إذ نقترب من المحبين فلا ندركهم، ونفتش عليهم ولا نجدهم. من هم هؤلاء المُحبُّون؟ ربما قصد بهم ملك أشور وفرعون مصر ومن هم على أمثالهما، فالتحالف مع واحد منهم خوفًا من الغير هو تحالف باطل، فهؤلاء يعملون لمصلحتهم الخاصة، ويستغلون إسرائيل ويهوذا دون مساعدتهم في وقت الضيق. إنهم مثل “عكاز القصبة المرضوضة” (2 مل 18: 21). ولعله قصد بالمُحِبِّين أيضًا البعل والعشتاروت وما رافق العبادة الوثنية من سحر. هذه جميعها التي كرَّس إسرائيل حياته وطاقاته وكل مشاعره لها مع أنها لا تقدر أن تُنقِذَه أو تُخَلِّصه.

يرى القديس جيروم في تفسيره لسفر إشعياء أن ربشاقي في حديثه هذا المُوجَّه للملك حزقيا خلط الحقائق مع الأباطيل الكاذبة. مع قوله: “هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة” [21] لا نجد في التاريخ أن حزقيا أرسل إلى مصر ليجعل من فرعون مُعِينًا له. ربما ذكر هذا كنوع من الحدس أو التخمين، بأن الملجأ الرئيسي لمن يهاجمه أشور هو الالتجاء إلى القوة المضادة لهم وهي مصر[524].

وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلَهِنَا اتَّكَلْنَا،.

أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ،.

وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ:

هل تبحث عن  البولس من رسالة بولس الرسول الي عبرانيين ( 10 : 1 - 13 ) يوم السبت

أَمَامَ هَذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ [22].

جاءت كلمات ربشاقي بخصوص اتكال حزقيا على إلهه كرد فعل لشهرة حزقيا كإنسانٍ تقيٍ يعبد الرب ويثق فيه [5]. هكذا بدأ ربشاقي بحرب نفسية ضد حزقيا، حيث أوضح له أنه لا يوجد على الأرض ولا في السماء من يُخلِّصه من يد أشور.

قال أيضًا ربشاقي الحق: “وإذا قلتم على الرب إلهنا اتكلنا، أفليس هو الذي أزال مرتفعاته ومذابحه، وقال ليهوذا ولأورشليم: أمام هذا المذبح تسجدون في أورشليم” [22]. فإن هذا حدث فعلاً إذ أزال المرتفعات والمذابح حتى التي كانوا يعبدون فيها الرب الإله، لأنها تدنست بالخلط بين عبادة الله والأصنام، فأراد حزقيا أن يُحَطِّم كل ما هو مُعْثِر، وما يفتح الطريق للعبادة الوثنية. لكن ربشاقي صوَّر هذا كأنه ضد عبادة الرب وليس لحساب تنقية العبادة للرب.

يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقي هنا يتهم حزقيا الملك الذي يدَّعي بأنه يتكل على الله، هو نفسه يخطئ في حق الله، فقد أزال أماكن العبادة التي لله على المرتفعات مع أماكن العبادة الوثنية، وأنه حدَّد العبادة أن تتم في الهيكل في أورشليم وكأن ربشاقي يُخطِّئ حزقيا الذي لم يفعل مثل غيره من الملوك السابقين له، الذين عبدوا الرب وتركوا المرتفعات لأن بها أماكن مخصصة للرب[525].

وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ.

فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. [23].

في شيء من الاستخفاف والسخرية بحزقيا، قال ربشاقي إنه مستعد أن يُقدِّم له ألفين من الخيل، إن كان يجد عنده 2000 شخص قادرين على استخدام الخيل في المعارك. في سخرية يعني أن حزقيا ليس له هذا العدد من الرجال، أو أن جيشه غير مُدرَّب على قيادة الخيل في المعارك.

فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ،.

وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ [24].

يرى ثيؤدورت أسقف كورش عبارة أن الوالي الواحد من عبيد سيده – جاءت في السبعينية لتعني الأراميين، فإذ أرادات دمشق أن تهاجم حزقيا خاف منها ولجأ إلى أشور ودفع لها جزية لتحميه، وهي تُمَثِّل واليًا واحدًا من عبيد ملك أشور، فلماذا يلجأ إلى مصر لتحميه من ملك أشور نفسه؟! [526].

  • لكي يوضح ربشاقي عجز (حزقيا) على الدخول في رهينة، وعده بألفي فرسٍ إن وجد حزقيا راكبين لها. لم يقل هذا عن غباوة، إنما لإلتصاقه بالشعب اليهودي الذي ينقصه معرفة ركوب الخيل، وإنما من أجل إدراكه لوصايا الله التي أمر بها بواسطة موسى عن ملك إسرائيل: “لا يكثر له الخيل… ولا يكثر له نساء” (تث 17: 16 – 17). لكن ربشاقي قال: “إن كنت لا تقدر أن تقف أمامي، أنا خادم سنحاريب، بل أنا الأخير في خدامه، فكيف ستقف أمام قوة الملك العظيمة؟ الإجابة المتوقعة من حزقيا هي:” نحن نتكِّل على الرب إلهنا “. لذلك بمهارة جاءت إجابة ربشاقي أنه لم يأتٍ من نفسه، إنما جاء بناء على طلب الرب.” الرب قال لي: اصعد على هذه الأرض واخربها “(2 مل 18: 25). هذه باختصار حجته: إنني ما كنتُ أستطيع أن آتي لو لم تكن هذه هي إرادة الرب. ولكن إذ جئت واستوليت على مدن كثيرة، فإن كانت أورشليم لم تُمس بعد، فمن الواضح أن هذه إرادته أن أجيء[527].

القديس جيروم.

وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ لأَخْرِبَهُ؟

الرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا. [25].

يبدو أنه قد بلغ الأشوريين النبوات الخاصة بأحكام الله التأديبية لشعبه (إش 10: 5 – 11)، لذلك حسب ربشاقي أن هذه الحملة لمهاجمة يهوذا هي بسماح من الله. بهذا أراد أن يبث الرعب في قلوب سكان أورشليم (2 أي 32: 18)، بأنه حتى الله إلههم يقف ضدهم.

يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقي لم يكن أشوريًا، لأن حديثه هنا يكشف عن شخصه أنه ليس بغريب عن إسرائيل، إذ أدرك أن تسليم الأسباط العشرة للأسر الأشوري هو بأمر إلهي لتأديبهم مقاومتهم لله.

فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى:

كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأراميِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ،.

وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ. [26].

كانت الأرامية في ذلك الوقت تُستخدَم في المعاملات الدولية، وكان مندوبو الملك يتوقعون أن ربشاقي يتكلم بالأرامية لا باليهودية التي يتحدث بها عامة الشعب، لكن ما كان يهم الأشوريون أن يتحدثوا مع الشعب ليُحَطِّموا نفسية الملك ورجاله.

فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى:

هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لأَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلاَمِ؟

أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ،.

لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟ [27].

أراد ربشاقي أن يتحدث بلغة الشعب العامية حتى يثور على الملك ورجاله، وفي نفس الوقت تحدث بعبارات لا تليق بأناسٍ مسئولين، إنما إن صح التعبير تحدث بلغة الشارع: “ليأكلوا عذرتهم، ويشربوا بولهم معكم”.

لقد تشامخ ربشاقي وعيَّر الإله الحيّ، لذا يحتاج الأمر إلى تدخُّل هذا الإله لإعلان مجده وقدرته، ولأجل خلاص البقية الأمينة له. يقول المرتل: “حتى متى يا الله يُعيّر المقاوم؟!” (مز 74: 10).

جاءت عبارة ربشاقي عما سيحل بالمدينة بسبب حصار الأشوريين غير لائقة، إذ شبَّه الشعب بأنه من شدة الجوع والعطش يأكلون الروث ويشربون بولهم. وإذ كان القديس يوحنا الذهبي الفم يتحدث مع الذين يذهبون إلى المسارح الخليعة يقول لهم: [الذين يجعلونكم تصغون إلى أغاني الباغيات يضعون روثًا في آذانكم. إنهم يجعلونكم تعانون ليس فقط من الكلمات بل ومن الأفعال ما يهدد به البرابرة: “تأكلون روثكم” [528].].

  • الذي يقع في أعمال سمجة يقول في قلبه: “ليس إله”، ويخرج من الإيمان الحقيقي، ويسقط في الكفر، لأن بشنائعه يُفسِد ما قد زرعه الله في قلوب البشر من الاعتقاد القويم والرأي السليم. لأن الإيمان لا يكون قائمًا إلاَّ بالأعمال، كما كان كرنيليوس وغيره لطهارة سيرتهم، وحسن أعمالهم، استناروا بنور الإيمان المستقيم، أما من كان مضادًا لذلك فإنه فاسد.

الأب أنسيمُس الأورشليمي.

ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ:

اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. [28].

هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا،.

لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ. [29].

كان ربشاقي يحث الشعب أن يتخلوا عن اتكالهم على الرب، ويثقوا في سنحاريب عوضًا عنه، وألا يثقوا في الملك. لقد كرَّر عبارة: “لا يخدعكم حزقيا” وما يعادلها [22، 29، 30]. أراد أن يثور الشعب على الملك، ووعدهم بأن ملك أشور أعدّ لهم مكانًا أفضل مما يعيشون فيه.

وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلاً:

إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. [30].

إذ حاصر الأشوريون أورشليم لم يراعوا الله بل أهانوه، لذلك أرسل ملاكه يُرعبهم (2 مل 18).

الذي لا يدعو الله لأجل الله نفسه، وإنما لأجل أمورٍ زمنيةٍ، يفقد فرحه ببهجة الخلاص، وعوض السلام يحل الخوف بلا سبب حقيقي سوى حرمانه من الله مصدر السلام.

  • اتهام ربشاقي ضد حزقيا واضح أنه مع استيلاء أشور على مدن يهوذا (إش 36: 1) لا يزال يتكل على الرب كما قال للشعب: “لا تخافوا ولا ترتعبوا من ملك الأشوريين وكل الجمهور الذي معه. فإن معه ذراع بشر، أما نحن فمعنا الرب إلهنا عوننا الذي يحارب عنا”. وقد تشجع الشعب بكلمات حزقيا ملك يهوذا، ولهذا أراد ربشاقي أن يفسد ما فعله حزقيا، لذلك قال للشعب: “لا يخدعكم حزقيا… ولا يجعلكم حزقيا تتكلمون على الرب” [29 – 30] [529].

القديس جيروم.

لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا.

لأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ:

اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا وَاخْرُجُوا إِلَيَّ،.

وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ،.

وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ [31].

يُقدِّم لنا القديس جيروم تحليلاً لخطة ربشاقي الحربية، فقد بدأ بتهديد حزقيا الملك وقادته وشعبه، وألحق هذا التهديد بوعود يُقدِّمها للشعب، بهذا يفتح الباب للشعب أن يثور على الملك حزقيا ويَقْبَل الخضوع لملك أشور.

  • في الحال ألحق هذا التهديد بإغراءات لكي يخدع بالوعود المقابلة والتجاوب أولئك الذين لم يغلبهم بالرعب، قائلاً لهم نيابة عن ملك الأشوريين: اعقدوا صلحًا معي واخرجوا إليّ “(2 مل 18: 31؛ إش 36: 16) أو” اعقدوا معي ما هو نافع (لكم) وتعالوا إليّ “… يقول:” افعلوا ما هو لفائدتكم، فتزداد بركاتكم “. بمعنى آخر:” باركوا ملك أشور واحمدوه، واعترفوا أنه سيدكم، فتنالون مكافأة. وأيضًا لتحيوا في مدنكم وتتمتعون بمحاصيلكم حتى أرجع من مصر، أو حتى استرد “لبنة” المسلوبة. وعندما أجيء سأخذكم إلى أرض تشبه تمامًا أرضكم، بها قمح وخمر وزيت “. لم يذكر اسم هذه الأرض، لأنه لا توجد أرض تعادل أرض الموعد[530].

القديس جيروم.

الآبار المحفورة: لما كان المطر نادرًا في أغلب أيام السنة، لهذا كان لمعظم البيوت في أورشليم آبار خاصة (2 مل 18: 31، أم 5: 15) لتخزين المياه المتجمعة من الأمطار أو من الينابيع، وكانت في العادة على شكل كمثرى ذات فتحة صغيرة من أعلى حتى يمكن تغطيتها عند الضرورة لمنع الحوادث أو تلوث الماء. قديمًا كان أصحاب البيوت والحقول يعتزون بالبئر التي يشقونها، والجُب الذي يحفرونه، كأشياء خاصة وثمينة للغاية (إر 6: 38).

بحلول عام 1200 ق. م كانت الآبار تُقَوَّى بالأسمنت، مثل خزان قمران.

يرى القديس كيرلس الكبير أن مخاطبة شعب أورشليم بالإضافة إلى أشياء أخرى تشير إلى إبهاج الحواس والفرح في الكرمة والتينة. ولقد أشار أيضًا أنهم سيشربون الماء كل واحدٍ من بئره (2 مل 18: 31، إش 36: 16). إن قوة الشيطان تظهر فينا بطريقة مزدوجة، عن طريق الانغماس في الملذات إما في ملذات خارج عنا أو في ملذات ناتجة عن الأسباب الطبيعية الداخلية. والتينة تمثل إبهاج الحواس (الشهوانية) الناتجة عن الخارج.

حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ،.

أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ،.

أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ،.

أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ وَاحْيُوا وَلاَ تَمُوتُوا.

وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلاً: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. [32].

يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقي بقوله: “حتى أتي وآخذكم”، بأن لديه خطة واضحة وقائمة بأسماء أمم وشعوبٍ ومدنٍ يثير عليهم حربًا ويخضعهم ثم يعود ويأخذهم بسهولة[531].

هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ [33].

ركَّز ربشاقي على عجز كل آلهة الأمم التي حاربهم أشور عن أن ينقذوا شعوبهم من يده.

أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟

أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟

هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ [34].

يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [لقد أشار على وجه الخصوص إلى السامرة ليُظهر علانية أنه ليس أحد أظهر نفسه أقوى منهم (من الأشوريين)، ليس من ملكٍ ولا قائد ولا إله حامِ لهذه المدن. يقول: لقد هزمنا في نفس الوقت كل البشر وكل الآلهة، فلن يقف إلهكم أمام سيدي[532].].

مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي،.

حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟ [35].

في قصة يهوديت نرى عجرفة هولوفرنيس (أليفانا) واعتداده بذاته، إذ قال: “ولا ينجيهم إلههم”. بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: “من مِنْ كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي” (2 مل 18: 35). “لا يخدعك إلهك الذي أنت مُتَّكل عليه قائلاً: لا تُدفَع أورشليم إلى يد ملك أشور” (2 مل 19: 10).

  • ابغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا.

لأن آدم أكل منها في عدن، وأعطته الموت.

وبها سقط الشيطان من البدء.

بها سقط بيت آدم من الفردوس.

ليس عند الله شيء بخس ومكروه كمثل العظمة، ومن يتشامخ بالكبرياء.

القديس مار يعقوب السروجي.

فَسَكَتَ الشَّعْبُ وَلَمْ يُجِيبُوهُ بِكَلِمَةٍ،.

لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ. [36].

بينما رفض ربشاقي أن يصمت، تحدث باليهودية حتى يحث الشعب على التجديف على الله، أما رب المجد يسوع فصمت أمام المحاكمات الباطلة الموجهة ضده حتى يحمل أثقال الشعب ويدخل بهم إلى معرفة الحق الإلهي.

التزم الشعب كأمر الملك حزقيا ألا يجيبوا ربشاقي الذي استخف بالله (2 مل 18: 36). بنفس الروح إذ أراد سنبلط أن يدخل في حوارٍ مع نحميا إذ أراد تحطيم عمل البناء، قال له: “لا يكون مثل هذا الكلام الذي تقوله، بل إنما أنت مختلقه من قلبك” (نح 6: 8)، ورفض الدخول معه في حوارٍ كطلب سنبلط القائل: “هلم نتشاور معًا” (نح 6: 7).

كان من المتوقع أن يعلنوا عن ثورتهم وعصيانهم على الملك، لكنهم صمتوا علامة الطاعة والثقة منتظرين أمر الملك وتعليماته. أطاعوا الملك الذي سألهم ألا يجيبوه، أي لا يدخلوا معه في حوار لئلا يسقطوا في الضعف كما سقطت حواء بحوارها مع الحية القديمة. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان يجب عليها أن تصمت؛ كان يلزمها ألا تُبادلها الحديث، ولكن في غباءٍ كشفت قول الرب، وبذلك قدَّمتْ للشيطان فرصة عظيمة… انظروا أي شر هذا أن نُسَلِّم أنفسنا في أيدي أعدائنا والمتآمرين علينا[533].] كما يقول: [إذ لم يكن الشيطان قادرًا على تقديم شيء عمليًا، قدَّم بالأكثر وعودًا في كلماتٍ. هكذا هي شخصية المخادعين[534].] ويقول القديس أغسطينوس: [الله هو قائدنا، والشيطان هو مُهلِكُنا، القائد يُقدِّم وصيته، وأما المُهلِك فيقترح خدعة، فهل نصغي إلى الوصية أم إلى الخداع؟! [535]].

كمثالٍ، حينما يسأل إنسان عن وجود تناقضات في الكتاب المقدس، إن كان الشخص يطلب ذلك للسخرية، فالحوار معه يتحوَّل إلى مناقشات غبية، أما إذا كان جادًا في المعرفة، فالحوار لازم، وكما يقول الرسول بطرس: “قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوفٍ” (1 بط 3: 15). نفس الأمر إن كان الحوار مع ملحدٍ ينكر وجود الله، فإن القرار بالحوار أو عدمه يتوقف على إدراكنا لنيَّة السائل. فبرفض الإجابة نحرص ألا ننزلق إلى حماقته، وبردِّنا عليه نود أن نحفظه من الحماقة التي سيطرت عليه.

هل تبحث عن  عَبْدا ابن شموع | عوبديا

يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [إذ سمعوا تجديفه هذا الذي تحدَّى كل حديث، لم يجب ألياقيم ورفاقه هذا الشرير بكلمة، بل مزَّقوا ثيابهم قبل الانطلاق بسرعة إلى الملك التقي وإخباره بالكلام كما بمظهرهم عن مبالغته في التجديف. والملك بدوره تعجب وفعل نفس الأمر، إذ مزَّق ثوبه الملوكي واستبدله بالمسوح، وجرى ليقترب من الله خالق المسكونة الذي هاجموه كما هاجموا معه الملك[536].].

  • بقى كل الشعب صامتًا، ولم ينطق أحد بشيءٍ له، إذ قبلوا تعليمات الملك ألا يجيبوه. فإذ كان حزقيا بالحق إنسانًا بارًا يعمل بإخلاصٍ تامٍ وبكل حكمةٍ، سألهم ألا يجيبوا هذا الأشوري المُجدِّف، لئلا يُثار إلى ارتكاب تجديف أعظم. لذلك كُتب: “تلهب جمر الخاطي” (سي 8: 10). كما نقرأ في المزامير: “حينما وقف الخاطي قبالتي، حبست لساني، وأذللت نفسي، ولزمت الصمت بخصوص الصلاح” (راجع مز 39: 2 – 3 الترجمة السبعينية). وأيضًا: “ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتيّ، ولا تُمِل قلبي إلى كلام الشر” (مز 140: 3 – 4 الترجمة السبعينية) [537].

القديس جيروم.

  • يليق بنا أن نتعلم حسنًا في معرفة إيماننا، حتى متى سألنا أحد عنه نكون قادرين أن نُقَدِّم إجابة لائقة، وأن نفعل ذلك بوداعةٍ وفي مخافة الرب. فإن من يفعل هذا كأن الله نفسه حاضر يسمعه[538].

القديس ديديموس الضرير.

  • يخبرنا الرسول أن نكون مستعدين أن نجاوب كل من يسألنا لنشرح له إيماننا، فإن سألني غير مؤمنٍٍ عن سبب إيماني ورجائي، وأدرك أنه لا يستطيع قبول هذا ما لم يؤمن، أُقَدِّم له ذات السبب لكي يرى كيف أنه لأمرٍ سخيفٍ بالنسبة له أن يدركها دون أن يؤمن[539].

القديس أغسطينوس.

فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوَاخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ.

إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ،.

فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى. [37].

نعود إلى الملك لنراه عند سماعه كلمات ربشاقي “مزَّق ثيابه وتغطَّى بمسح ودخل بيت الرب”. كان ذلك علامة حزنه مع تواضعه أمام الله.

أرسل حزقيا الياقيم وشبنة وشيوخ الكهنة متغطين بمسوح إلى إشعياء النبي [2]. لقد تغيَّر الحال، فبعد أن كانت القيادات المدنية والدينية تسخر بإشعياء حين كان يسير حافيًا وعريانًا، منذرًا إياهم أن فرعون ورجاله لن يستطيعوا إنقاذهم (إش 21)، الآن ها هم يأتون إليه لابسين المسوح في مرارةٍ، يعلنون حاجتهم إلى صلواته ومشورته. أدركوا أنه “يوم شدة وتأديب وإهانة” [3]، فليكن يوم توبة وصلاة. شعروا “أن الأجِِنَّة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة” [3]، من يستطيع أن يُعِين إلاَّ الله خلال الصلاة؟! لا يقدر فرعون بكل إمكانياته أن يهب المرأة الحامل قدرة على الولادة حتى متى حان وقت الطلق… الصلاة هي “المولِِّدة” للرحمة التي تحقق الولادة.

كانت عادة تمزيق الثوب الخارجي التي تُعَبِّر عن الحزن الشديد، مثل موت أحد الأقرباء منتشرة في كثير من الأمم، وإلى وقت قريب كانت منتشرة في بعض قُرَى الصعيد بمصر. أما عند اليهود، فكانت هذه العادة تُمارَس بالأكثر عند سماع تجديف على الله، ليُعلِنَ المُستمِع أنه بريء من هذا التجديف ولا يطيق الاستماع إليه، وذلك كما فعل رئيس الكهنة في محاكمة السيد المسيح، وإعلانه بأنه مُجَدِّف.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يُعادِل الصلاة! إنها تجعل المستحيل ممكنًا، والصعب سهلاً. لا يمكن للإنسان الذي يُصلِّي أن يسقط في خطية[540]]. ويقول الأب ثيوفان الناسك: [الصلاة هي كل شيء؛ هي موجز كل شيء: الإيمان، الحياة حسب الإيمان، الخلاص الخ[541].] كما يقول إن الصلاة هي [نسمة الروح[542]]، هي [مقياس الحياة الروحية[543]]، الكنيسة كلها [تتنسم خلال الصلاة[544]].

  • بالتأكيد لم يفرح البار حزقيا في كارثة السبي التي ستحل على أولاده، لكنه لم يستطع أن يعترض على إرادة الرب، فتقبَّل أمر الرب بصبر، بكونه خادمًا متواضعًا[545].

القديس أمبروسيوس.

شخصية حزقيا الملك.

[2 مل 18 – 20]، [2 أي 29 – 33، إش 36 – 39].

من هو حزقيا؟

كلمة “حزقيا” معناها “الرب يقوي”.

ملك على يهوذا مدة 29 عامًا (715 – 686 ق. م)، ابن آحاز وأبو منسى الذي تولى الحكم بعده. تُعتبَر أيام حكمه من أفضل الفترات بعد داود الملك.

يوجد أكثر من شخص يُدعَى حزقيا، مثل ذاك الذي عاد من السبي البابلي مع عزرا (نح 17: 1، عز 16: 2)، وحزقيا من الأسرة المالكة في يهوذا (1 أي 23: 3)، الجد الأكبر لصفنيا (صف 11: 1).

إنجازاته.

وثق حزقيا (2 أي 27: 32) في عمل الله أكثر من أي ملك آخر في يهوذا (2 مل 5: 18) وقد ترجم إيمانه بعدة أعمال حيَّة. قاد حركة الإصلاح الديني والمدني والسياسي والدفاعي.

1. نادى بالتوبة وسط شعبه، ونزع عبادة الأوثان ومراكزها، وهدم طقوسها. أعلن إيمانه العملي بالله عن طريق هدم كل مذابح الأوثان التي بناها آحاز (2 أي 22: 28 – 25)، وجدَّد العهد مع الرب (2أي 10: 29). وقد وصلت أمانته إلى حد تحطيم الحية النحاسية التي هي رمز هام لشعب إسرائيل من أجل استخدامهم لها في العبادة الوثنية. قام بكل ذلك ليُعلنَ أن الله وحده له الحق في العبادة والسجود.

2. كان الشعب يسمع له. قيل: “ليعملوا أمر الملك” (2 أي 11: 30 – 12) جاءت كلمة “يعملوا” في أصلها “يسمعوا”، وسماع الكلمة هي طاعة الأمر، ليس بالضغط، وإنما بمحض اختيارهم برضا.

3. خلال فترة حكم حزقيا حدث إصلاح روحي، لأن الرب أعطى الشعب “قلبًا واحدًا” ليطيعوا وصاياه من خلال قادتهم الروحيين (2 أي 12: 30)، تلك الوحدة في طاعة الله وتجديد العهد نزعت لدى البعض روح التفكك والانقسام الذي حدث أيام رحبعام (2 أي 1: 10 – 9). لقد دعا حزقيا الملك البقية من مملكة الشمال للانضمام إلى إخوتهم في يهوذا (6: 30 – 9)، وقليلون قبلوا الدعوة (10: 30 – 11). سبَب قبولهم الشعب لأتباع طريق الرب بوحدة القلب هو أن حزقيا نفسه كان قدوة صالحة لهم. فالكتاب يشهد عنه أنه في كل عملٍ قام به لخدمة الرب “إنما عمله بكل قلبه” (2 أي 1: 31). التزم حزقيا الملك بخدمة الله والآخرين بقلب واحد.

4. جدَّد هيكل الرب وأقام العبادة فيه، وجدَّد قادة اللاويين، فتقدَّسوا للرب (2 أي 1: 29 – 36).

5. عمل الفصح للرب، وقاد بنفسه تقدمة الفصح، مُشجِّعًا الشعب لتقديم الذبائح والتقدمات. كما دعا مملكة الشمال المتبقية للمشاركة في الاحتفال به (2 أي 29؛ 30).

6. بالرغم من قوة أشور الحربية والتحطيم النفسي المُستمِر ليهوذا (2 أي 9: 32 – 19)، إلا أن حزقيا وثق في الله وحده، ولم يلجأ للتحالف مع البلاد المجاورة (2 مل 14: 19 – 19) عكس ما فعل آحاز والده. وقد كرَّم الله إيمان حزقيا بمعجزة فائقة حيث طرد من أمامه ملك أشور وجنوده (35: 19 – 36). في نفس الوقت قام حزقيا بخطوات عملية من خلال إيمانه وثقته في الله، فقوَّى حصون أورشليم الدفاعية، وحفر عيون ماء لإمداد المدينة بالمياه اللازمة إن حدث حصار (2 أي 30: 32).

7. نجا من حصار سنحاريب ملك أشور لأورشليم سنة 701 ق. م (2 أي 1: 32).

ضعفاته.

عرض كل كنوز خزائنه للمندوبين من بابل (2 مل 21: 20، 2 أي 31: 32). يكشف ذلك عن كبرياء داخلي وحماقة أثَّرتْ على الذين جاءوا بعده في الحكم.

من هو سنحاريب؟

الاسم: إله القمر، معناه الخطية زادت من الإخوة.

المدينة: نينوى في أشور حيث بني له قصرًا. تفاخر به أنه لا يُهدَم، وعمل إصلاحات عديدة.

العائلة: ابن سرجون الثاني ووالد آسرحدون الذي ملك بعده بعد أن قتل أخواه أباه (2 مل 37: 19).

المهنة: قائد جيوش أشور، ثم صار ملكًا لأشور بعد موت أبيه (705 – 681 ق. م).

الإنجازات: قاد حملته ضد يهوذا سنة 701 ق. م. فأخذ لخيش و45 مدينة أخرى من يهوذا، وأسر حوالي 200 ألف من يهوذا قبل حصاره لأورشليم. وكان دائمًا يسخر من ضعف حزقيا أمام قواته (2 مل 17: 18 – 36؛ 2أخ9: 32 – 22؛ إش1: 36 – 21).

من وحي 2 مل 19.

تعييرات معيريك وقعت عليَّ!

  • ترك حزقيا أباه الشرير والتصق بك.

لم يكره أباه، ولم ينطق بكلمة جارحة ضده.

لكن أبغض الشر الذي التصق به.

تحدَّى الفساد الذي حلَّ به،.

ولم يرث منه روح الفشل!

أزال المرتفعات التي فشل أبوه وجدُّه أن يزيلاها.

لم يترك مجالاً ليرتد إنسان إلى الوثنية.

بل وحطَّم حتى الحية النحاسية التي حوَّلها الشعب إلى صنمٍ يعبدونه!

  • لم يقف عدو الخير مكتوف الأيدي،.

بل بخبرته الطويلة وضع خطة لتحطيمه.

أثار ضده أرام غريبة الجنس لكي تبيده،.

وأثار إسرائيل التي من بني جنسه للخلاص منه.

تحالف الغرباء مع الأقرباء تحت قيادة عدو الخير.

في ضعفٍ التجأ إلى أشور لتحميه،.

عِوَض أن يلجأ إليك،.

فالحرب في حقيقتها مع إبليس نفسه!

  • من يسندني ضد إبليس عدوي الوحيد؟

إن أثار الغرباء والأقرباء عداوة،.

فالعدو الحقيقي هو إبليس بحيله الخفية.

لتكن أنت سندي وملجأي.

من يقدر أن يقف أمام إبليس سواك؟

وحاصر السامرة واستولى عليها.

أذلَّ إسرائيل وقاد الشعب أسرى.

استطاع أن يُفقِدَ إسرائيل هويتها كشعب الله.

وجعل منها مثالاً للدمار الكامل.

استولى أشور على أممٍ وشعوبٍ ومدنٍ كثيرة.

بل واستولى على مدن حصينة في يهوذا.

سبق فأذلها بالجزية،.

وجعل من السامرة عِبْرَةً لها.

وانهارت الأمم مع آلهتها قدامَه.

حسب ملك أشور أنه أعظم من إله أورشليم.

من يستطيع أن يحمي حزقيا وقادته وشعبه؟!

  • أرسل سنحاريب الأشوري ربشاقي ورفاقه.

وظن أنه في لحظات تستسلم يهوذا بملكها وشعبها.

ظن ربشاقي أنه سفير أعظم مَلِك في العالم.

فإن كان حزقيا ملك يهوذا ينصت لصوت إلهه خلال الأنبياء.

فالعالم كله ينصت لسنحاريب الأعظم من كل الآلهة خلاله.

  • كان ربشاقي آلة لا في يدي سنحاريب، بل في يديّ إبليس.

في كبرياء وعجرفة وقف أمام اليهود مستخدمًا تجاديف خطيرة.

إذ لم يستطيع الرعب والتهديدات أن تحكم مندوبي حزقيا،.

استخدم أسلوب الخداع والكلمات المعسولة.

وعد شعب يهوذا أن يخلصهم من خداعات حزقيا،.

يُقَدِّم لهم حياة آمنة سعيدة في بلدٍ لم يذكر اسمها.

صوَّر لهم أنه قادم بأمر الله إلههم ليؤدب حزقيا.

صوّر حزقيا كعدو لله أزال المرتفعات حيث كان الشعب يعبد الله فيها.

مزَّق مندوبو حزقيا ثيابهم،.

وفي مرارة مزَّق حزقيا الثوب الملكي.

  • إلهي، لن يكف عدو الخير عن أن يُعيِّرني.

تعييرات معيريك سقطت عليّ.

من يُخلِّصني من تهديدات إبليس،.

ومن يقودني فلا أسقط في شباكه المتنوعة.

إنه يُهَدِّد تارة، ويلاطف تارة لتحطيمي.

يبذل كل جهده ليبث فيَّ روح الخوف والقلق والفشل.

إنها حرب بينك وبينه، بين بِرّك وشره.

ليس من يُخَلِّصني من مكائده إلا أنت!

ليحمني روحك القدوس، ويرفعني فوق تجارب العدو.

ليفتح لي أبواب السماء، فتمتلئ نفسي رجاءً مُفرِحًا!

بك أنتصر ولا تقوي قوات الظلمة عليَّ،.

لأنك أنت النور واهب الحياة والنصرة والمجد!


[512] Eight Questions on Dulcitius, 5.

[513] Letter 185: 5: 19.

[514] Correction of the Donatists, ch. 5.

[515] City of , 10: 8.

[516] On the Second Book of Kings, 18: 19.

[517] Commentary on Isaiah 11: 36: 1 – 10.

[518] Commentary on Isaiah 22 – 10 – 14.

[519] Commentary on Isaiah 11: 36: 1 – 10. (ACCS).

[520] Cf. Commentary on Isaiah 11: 36: 1 – 5.

[521] On Fasting, 17.

[522] مُعلم نسطور، يُعتبر نسطوري أكثر من نسطور نفسه.

[523] Johanna Manley: Isaiah through the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 531.

[524] Of Commentary on Isaiah 1: 11: 36: 1 – 10.

[525] Johanna Manley: Isaiah through the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 532.

[526] Johanna Manley: Isaiah through the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 533.

[527] Commentary on Isaiah 11: 36: 1 – 10. (ACCS).

[528] Homilies on Matthew. 37: 7..

[529] Commentary on Isaiah 11: 36: 11 – 12.

[530] Commentary on Isaiah 11: 36: 11 – 12.

[531] Johanna Manley: Isaiah through the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 534.

[532] Johanna Manley: Isaiah through the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 534.

[533] للمؤلف: هل للشيطان سلطان عليك؟ للقديس يوحنا الذهبي الفم، مقال 3.

[534] In 2 Tim. Hom. 8.

[535] On Ps. 71.

[536] Johanna Manley: Isaiah througy the Ages, Monastery Books, CA 1926, P. 534.

[537] Commentary on Isaiah 11: 36: 11 – 12.

[538] Catena.

[539] Letter 120.

[540] De Anno Sermo 4; PG. 54: 666.

[541] Cf. Tomas’ Spidlik: The Spirituality of the Christian East, 1986, P. 307. Nacertanye christianskago nravoucenija (Christian Moral Teaching) , 1895, p. 122.

[542] Cf. Tomas’ Spidlik: The Spirituality of the Christian East, 1986, P. 307. Nacertanye christianskago nravoucenija (Christian Moral Teaching) , 1895, p. 406.

[543] Cf. Tomas’ Spidlik: The Spirituality of the Christian East, 1986, P. 307. Nacertanye christianskago nravoucenija (Christian Moral Teaching) , 1895, Theophane la Recluse, p. 240.

[544] Cf. Tomas’ Spidlik: The Spirituality of the Christian East, 1986, P. 307. Nacertanye christianskago nravoucenija (Christian Moral Teaching) , 1895, p. 241.

[545] Jacob and the Happy Life, 1: 8: 36.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي