اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ
الرب يصنع كوى في السماء!
إذ اشتدت الضيقة جدًا حتى تحوَّلتْ النساء إلى آكلات لحوم البشر، بل الأمهات إلى آكلات لحوم أطفالهن، جاءت ردود الفعل متباينة. فمن جهة الملك لم يحتمل ما بلغه الشعب من مرارة، فمزَّق ثيابه وظهرت المسوح التي كان يرتديها، لكن عِوَض الرجوع إلى الله، قرَّر قتل أليشع، ملقيًا باللوم عليه.
اتهم الملك أليشع النبي بكونه السبب فيما حلَّ بالبلاد، لكن النبي وعد بالخلاص. تحقق ذلك في وقت لم يتوقعه أحد.
الآن في هذا الأصحاح نتلمس ما يفعله البعض في أثناء الضيقة.
1. أليشع يعلن عن الفرح الإلهي 1.
2. جندي الملك يتشكَّك فيموت 2.
3. أربعة رجال بُرْصٍ يسلكون بحكمةٍ 3 – 8.
4. مشاركة إخوتهم معهم 9 – 11.
5. تشكُّك الملك في الأمر 12 – 15.
6. فتح كوى السماء 16.
7. موت الجندي المُتشكِّك 17 – 20.
العدد 1
1. أليشع يعلن عن الفرح الإلهي
وَقَالَ أليشع: اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ.
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَدًا،.
تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ،.
وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ فِي بَابِ السَّامِرَةِ. [1].
“في باب السامرة“، كانت الأسواق تُقام بجوار باب المدينة حتى يمكن للداخلين والخارجين أن يقوموا بشراء ما يحتاجون إليه.
في نهاية الأصحاح السابق، إذ نزل رسول الملك إلى أليشع، وغالبًا ما طالب النبي الملك وكل القيادات والشعب بالتوبة والرجوع إلى الله، فكانت إجابة الرسول: “هوذا هذا الشر من قبل الرب؛ ماذا انتظر من الرب بعد؟” لم تكن هذه الإجابة تحمل عتابًا بل يأسًا.
يشتاق الله أن يدخل معنا في حوار، ويَقْبَل من مؤمنيه العتاب، كما حدث مع أبينا إبراهيم حين أخبره الرب عن حرق سدوم وعمورة، وأيضًا ما حدث مع أيوب ومع المُرَتِّل. لكن هؤلاء حاوروه بروح التواضع، أما الملك ورسوله وقادته فكانوا يتحدثون بروح التشامخ مع اليأس. ومع هذا جاءت إجابة الرب على لسان أليشع تحمل رجاءً مُفرِحًا. وفي نفس الوقت أكَّدت أن سبب الكارثة ليس الله بل شرورهم.
أولاً: كل ما كان يطلبه الملك، هو زوال الحصار ليتمكن مع السلطات في تدبير الأمر الذي يتطلب زمنًا طويلاً نسبيًا بعد حدوث هذا الخراب الشامل. وجاءت الإجابة بتحديد الزمن لا باليوم فقط بل وبالساعة: “في مثل هذا الوقت”.
ثانيًا: سيأتي الحلّ كاملاً من قِبَل الرب وسريعًا، فسيحدث فيض من الدقيق الفاخر كما من الشعير، فيَشْبع الناس والحيوانات، ويحدث فائض يُقدَّم للبيع بأسعار زهيدة.
بإعلانٍ إلهي أدرك النبي الرخاء الذي يحلُّ على السامرة، أما حاشية الملك فلم تُصَدِّق نبوته وإعلان الله له.
- أولاً لتدركوا تنازل الله. لتتنازلوا فتكونوا متواضعين لأجل أنفسكم، متطلعين إلى الله الذي تنازل متواضعًا لأجلكم أيضًا وليس لأجل نفسه…
اعترفوا بضعفكم؛ ولترقدوا أمام الطبيب في صبرٍ.
عندما تدركون تنازله ترتفعون معه، ليس بأن يرفع نفسه بكونه الكلمة، بل بالأحرى يُدرَكْ منكم أكثر فأكثر…
هو لا يزيد، لكنكم أنتم تتقدمون، فيكون كمن ارتفع معكم…
تطلعوا إلى الشجرة، فإنها أولاً ضربت جذورها إلى أسفل حتى تنمو إلى فوق. تُثَبِّت جذرها السفلي في الأرض لكي ما تمتد بقمتها إلى السماء. هل تبذل جهدًا للنمو إلاَّ من خلال التواضع؟ إذن “ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم، وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة… لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله” (أف ٣: ١٧–١٩) [323].
- احتمل هذا الرجل المملوء بروح الله التعيير، ولم يغضب على المتجاسرين.
لم يقلقوه حين هددوه بالموت، لكنه احتمل، واستجاب لهم وأراحهم.
تحركت نفسه الجبارة ليصنع الأعجوبة، فرفع صوته بالنبوة بعجبٍ عظيمٍ.
غدًا سيحل الأمان والشبع والعجب العظيم، غدًا ستَفتح المدينة أبوابها بشكلٍ علنيٍ.
غدًا سيخرج المحاصرون في المدينة من الضيق، وسيشبع الجياع، وينسون المجاعة التي عذَّبتهم.
غدًا سيجد كل الشعب على أبواب السامرة كيلاً عظيمًا يُباع بأثمان زهيدة.
تكلم النبي كلامًا إلهيًا بحسب الإعلان، واحتقرت حاشية الملك عظَمة كلمته.
هدَّدوه بقطع رأسه بسبب المجاعة، ولما وعدهم بالرخاء لم يُصدِّقوه[324].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
شتان ما بين الموقف أثناء المجاعة وعند الفرج. ففي أثناء المجاعة اشتهوا أن يأكلوا رأس الحمار الدنس حسب الشريعة، لكن ثمنه كان مُرتَفِع للغاية (ثمانون من الفضة)، أما عند الفرج فصارت كيلة الدقيق الفاخر بشاقل، إذ لم يوجد من يشتريها، ليس عن عجز في دفع الثمن، وإنما بسبب الفيض، فالكل سلبوا العدو وأكلوا وملأوا مخازنهم، ولم يعد يوجد مجال للشراء! الله سخي في عطائه!
العدد 2
2. جندي الملك يتشكك فيموت
من يؤمن بإله المستحيلات يَنْتَزِع من قاموسه كلمة “كيف”. فلا يتساءل: “من أين يستطيع أحد أن يُشبع هؤلاء خبزًا هنا في البرية؟” (مر 8: 4).
وَإِنَّ جُنْدِيّاً لِلْمَلِكِ كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَى يَدِهِ قَالَ لِرَجُلِ الله:
هُوَذَا الرَّبُّ يَصْنَعُ كُوًى فِي السَّمَاءِ!
هَلْ يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ؟
فَقَالَ: إِنَّكَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ، وَلَكِنْ لاَ تَأْكُلُ مِنْهُ. [2].
جاءت كلمة “جندي” في الأصل تعني الرجل الثالث (شالش) shaliysh في مركبة عسكرية يحمل درعًا ضخمًا. أما هنا فتعني نائب قائد عسكري (9: 25؛ 10: 25).
قدَّم الرب الوعد بالخلاص للإنسان غير المؤمن، لكنه لم يتمتع بخبرة هذا الوعد، أي لم يشترك في بركاته.
تعبير “كان يستند على يده” يشير إلى أنه كان جليس الملك أو مشيره، كنعمان عند ملك أرام (5: 18).
كانت المدينة مُحاصَرة، ولا يمكن لسكانها أن ينالوا شيئًا من الخارج، فمن أين يأتيهم الدقيق والشعير؟ أيصنع الرب كوى في السماء؟ السؤال هنا استنكاري. مجازاة الجندي الذي لم يؤمن بما قاله الرب على لسان النبي وحسبه أمرًا مستحيلاً، أن يحقق الله ما يبدو مستحيلاً، إذ يأكل عامة الشعب بينما يرى جليس الملك ذلك ولا يأكل معهم.
في ألمٍ شديد يكتب القدِّيس مار أفرآم السرياني عن جندي الملك هذا، قائلاً: لأنه يرمز لسقوط شعب إبراهيم الذين رأوا الخبز النازل من السماء، أي السيد المسيح، لكنهم لم يتأهلوا أن يتمتعوا بنعمة مخلصنا يسوع المسيح التي وُهِبَتْ لكل الذين طلبوها[325].
- بدأ رئيس الجبابرة يتكلم بروح متشامخة وبعيدة عن الإيمان.
إن لم تنفتح كوى السماء فوقُ في العُلَى لا يمكن أن يحدث ما تتكلم عنه.
قال المختار: سترى وترى كما قُلتَ، لكنك لن تأكل من الخير الذي تراه.
استطاع النبي أن يفعل كما قال: فالكلمة مِلكه، والتنفيذ العظيم مِلك الله.
تكلم روح الرب فيه حسب الوحي، وأتمَّ الله الكلمات، أتمَّ كل ما قاله له.
الأمان والحرب وُضعا على رأس شفتيه، بحيث يقول كلمة، ويتم تنفيذ العمل بسرعة.
وعد أن يصير الأمان، ويكون شبع، ويصير عيد مملوء بالخيرات والرخاء[326].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
تبدو إجابة القائد منطقية، فإن الأمر يتطلب أن يفتح الله كُوى السماء كما فعل في أيام نوح، لا ليفيض بالمياه فيحدث طوفان، بل يفيض بالقمح والشعير ليحدث هذا الرجاء. أما ما هو غير منطقي بالنسبة للجندي فهو أن الله الذي فتح كُوى السماء أيام نوح قادر أيضًا أن يفتحها ليفيض علينا بالخيرات.
للأسف كثيرًا ما نأخذ موقف هذا القائد حين تأسرنا خطايا لسنوات طويلة، فنظن استحالة خلاصنا منها وتقديسنا. الله الذي فتح أبواب محبته لينقذ هذا الشعب من المجاعة، ألا يفتحها لينقذ نفوسنا من الفساد ويهبنا من فيض نعمته؟! لا يهبنا الخيرات فحسب، بل يُقدِّم نفسه لنا فرحًا ونعيمًا وطعامًا سماويًا وشرابًا روحيًا وسلامًا وخيرات إلهية.
- فلنتأمل ما تقوله الأناجيل في ضوء الوعود بالخيرات. ولابد لنا من القول: إن الخيرات التي يعلن عنها الرسل في هذه الأناجيل هي ببساطة “يسوع“.
أحد الخيرات التي يعلنون عنها هي القيامة. ولكن القيامة، على وجه ما، هي يسوع، فهو القائل: “أنا هو القيامة“…
كما يقول إشعياء: “ما أجمل على الجبال أقدام المبشرين بالخير” (إش 7: 52). إنه يرى كم هو جميل وملائم إعلان الرسل الذين ساروا (في المسيح)، القائل: “أنا هو الطريق”. يمتدح أقدام السائرين في الطريق المُفَكِّرين في يسوع المسيح، ويذهبون من خلال هذا الباب إلى الله (الآب).
إنهم يعلنون عن الخيرات، عن الأقدام الجميلة، أي يسوع[327].
العلامة أوريجينوس.
الأعداد 3-8
3. أربعة رجال بُرْصٍ يسلكون بحكمة
وَكَانَ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ:
لِمَاذَا نَحْنُ جَالِسُونَ هُنَا حَتَّى نَمُوتَ؟ [3].
كان البرص يُستبعَدون من المدينة، يعيشون خارجًا عند مدخل الباب (لا 13: 4 – 6؛ عد 5: 2، 3)، غالبًا في أشبه بالحَجْرِ الصحي، مع الالتزام ألا يلمسهم أحد فيتنجس. وكان أهل المدينة يضعون لهم الطعام بعيدًا عنهم دون أن يلمسوهم، ولكن انقطعت المئونة بسبب المجاعة التي حلَّتْ بالمدينة المُحاصَرة. أما موقف الغزاة فغالبًا ما كان تجاهلهم تمامًا لأنهم حتى في نظر شعبهم لا وزن لهم. لقد تركوا الأربعة لمصيرهم الطبيعي وهو الحرمان من دخول مدينتهم وتحاشي الكل من لمسهم. في نظر الغزاة الذين في داخل المدينة كانوا يعانون من المجاعة، كم بالأكثر هؤلاء المطرودون والمحرومون!
جاء في الجمارا[328] Gemara أن هؤلاء البرص هم جيحزي تلميذ أليشع وأولاده الثلاثة[329].
الله في محبته يستخدم كل الأمور لبنياننا، فأولئك الذين كانوا يمثلون ثقلاً على الشعب، يقدمون لهم الطعام دون أي نفع من جهتهم، صاروا هم وسيلة الخلاص المُفرِح. الله في صلاحه العجيب يستخدم حتى ما يبدو غير صالحٍ لبنياننا. يستخدم حتى الأمراض والضيقات والشيطان نفسه لإكليلنا.
- فإنك وإن انحدرت إلى الموت وحلت بك أقصى أنواع المخاطر لا تيأس، فإنه يمكن لله أن يوجد طريقًا حين يبدو أنه ليس من وسيلة[330].
- يلزمنا أن نخضع لخالق طبيعتنا، ونقبل بفرحٍ ولذةٍ عظيمةٍ ما يقرره، غير متطلعين إلى مظاهر الأحداث بل إلى قرارات الرب. فوق هذا كله، يعرف الرب أفضل منا ما هو لنفعنا، وما هي الخطوات اللازمة لخلاصنا[331].
القديس يوحنا الذهبي الفم.
- يسألون: “هل الشيطان صالح لأنه نافع؟” على العكس هو شرير، بكونه الشيطان، أما الله الصالح والقدير، فيستخرج أمورًا بارة وصالحة من خبث الشيطان. فما للشيطان هو إرادته التي بها يحاول أن يصنع شرورًا، وليس عناية الله التي تستخرج منه صلاحًا[332].
إِذَا قُلْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ،.
فَالْجُوعُ فِي الْمَدِينَةِ، فَنَمُوتُ فِيهَا.
وَإِذَا جَلَسْنَا هُنَا نَمُوتُ.
فَالآنَ هَلُمَّ نَسْقُطْ إِلَى مَحَلَّةِ الأراميِّينَ،.
فَإِنِ اسْتَحْيُونَا حَيِينَا، وَإِنْ قَتَلُونَا مُتْنَا. [4].
فَقَامُوا فِي الْعِشَاءِ لِيَذْهَبُوا إِلَى مَحَلَّةِ الأراميِّينَ.
فَجَاءُوا إِلَى آخِرِ مَحَلَّةِ الأراميِّينَ،.
فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ. [5].
آخر المحلة: أي طرف المحلة إلى جهة السامرة، وليس إلى مسافةٍ طويلة في المعسكر.
فَإِنَّ الرَّبَّ أَسْمَعَ جَيْشَ الأراميِّينَ صَوْتَ مَرْكَبَاتٍ وَصَوْتَ خَيْلٍ،.
صَوْتَ جَيْشٍ عَظِيمٍ.
فَقَالُوا الْوَاحِدُ لأَخِيهِ:
هُوَذَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَأْجَرَ ضِدَّنَا مُلُوكَ الْحِثِّيِّينَ وَمُلُوكَ الْمِصْرِيِّينَ لِيَأْتُوا عَلَيْنَا. [6].
ارتعب الأراميون من مُجَرَّد سماعهم صوت جيش الرب، وكانوا يظنون أنه مجموعة من الجيوش استأجرها ملك إسرائيل، خاصة جيش الحثيين. جاء في وثائق أشور متى أشارت إلى فلسطين، أنها “أرض الحثيين“.
هرب الجيش الأرامي في ليلة ما حيث سمعوا أصواتًا لجيش قادم غالبًا من muzrim (كبادوكيا) وليس من مصر (بالعبرية مصرايم Mizraim).
هذا الصوت سواء بعثه بالفعل بعض القوات السمائية، أو هو صوت غير حقيقي سمعه الجنود الأراميون، فإنه تم بخطة إلهية.
ملوك الحثيين: كان الحثيون في ذلك الوقت في منطقة حمص وحماه وحلب وإلى جهة الشرق منها وبين حمص والشام. وكانت قاعدتهم العظمى مدينة كركميش على نهر الفرات وهي طرابلس الحالية.
ملوك المصريين: بسبب اضطراب الأراميين لسماع أصوات مرعبة لم يفكروا بتدقيق، فمن جهة قالوا “ملوك المصريين” لمجرد أنه في أوقات معينة كانت مصر منقسمة يحكمها ملكان أو ثلاثة ملوك. ومن جهة أخرى لم يدركوا أن الحثيين بعيدون من جهة والمصريين بعيدون من جهة أخرى والإسرائيليين محاصرون وفي ضيقة، فكيف تحالف الثلاثة معًا للهجوم على جيش موآب المُحاصر للسامرة.
ترك الأراميون خيامهم، ربما لأن الأصوات التي سمعوها كانت تبدو قوية وقريبة جدًا، فحسبوا أنه لا يوجد وقت لجمع ما لديهم وأخذ الخيام معهم، ومن جانب آخر فإن ترك الخيام وبجوارها البهائم يوحي للإسرائيليين أن الأراميين باقون في محلهم، فلا يلحقوهم وهم هاربون.
يربط القديس مار يعقوب السروجي بين ما حدث قبلاً، حين أحاط الجيش بالجبل لاصطياد أليشع النبي، فأصيب الجيش بالعمى، وسقط أسيرًا في السامرة، وبين حصارهم للسامرة، فأزعجتهم القوات السماوية بأصوات في آذانهم لا وجود لها! يحسب كأن معسكرًا سماويًا مهوبًا غير منظور يرافق رجل الله أليشع.
- أراد الله أن يؤكد كلمته كما وعد، فهزم الأراميين بأعجوبة.
أشار الرب إلى القوات المعزّزة، فركضت وسمعت أصواتًا مخيفة جعلتهم يهربون.
الحصان يصهل، والسلاح يرنّ، والشعب يضج، والجيش العظيم يهدد ويسرع إلى المعركة.
سُمعتْ أصوات مُخِيفة من العاصفة: الخيول والناس يتحركون كثيرًا للمعركة.
ضجة مُرعِبة، وصوت الجبابرة ووعيدهم وتهديدهم ليبيدوا الأراميين.
كانت الأصوات ترنّ في آذانهم من ورائهم، وصدرت كمائن من كل جهة على المُخَيَّم.
صفوف تركض لاصطياد الأراميين، وضجة القوات العُظمَى كصوت البحر.
أسمَعَ الربُ آذانهم أصواتًا مخيفة، وألقى الرعبَ والفزع في أفكارهم.
صوت السلاح وصوت الفرسان القوية، وصرير الأسنان، ولعنات المحاربين.
بالأصوات التي سمعوها من الأفواج القوية أرعبهم واحتقرهم وهزمهم.
رفعت قوات بيت الله الأصوات بكل أشكالها، كأصوات الحرب بفزعٍ عظيمٍ.
هذا كان المعسكر الموجود عادة عند أليشع، وحيثما ذهب كان يحرسه من السوء.
هذه هي الخيول والفرسان التي رافقته، عندما كان يريد الأراميون أن يصطادوه…
مَرة أعمى النبي عيونَ الأراميين، ومرة أخرى جعل في آذانهم ترن أصوات مُقْلِقَة.
خرج معسكر بيت الله الموجود معه، وصنع الأصوات وطردهم.
سمع الأراميون وخافوا وارتعبوا من صوت القوة المُخِيف الذي أفزعهم.
قالوا: أرسل ملك السامرة واستأجر قوات وملوك الشعوب وجلبهم معه،.
وعبيدًا صناديد ومحاربين يخربون أرضنا…
هوذا المصريون وهوذا الحثيون مع العبرانيين أتوا راكبين، فمن يقدر أن يلاقيهم؟
أناس مرعبون وشجعان مُدرَّبون على القتال، رهيبون في الخصام، ولا يتنازلون عن أخذ السبي.
أناس يأكلون وهم متعطشين إلى دم الأراميين، هلموا ننجو، لأنهم غير بعيدين عن المعسكر[333].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
فَقَامُوا وَهَرَبُوا فِي الْعِشَاءِ.
وَتَرَكُوا خِيَامَهُمْ وَخَيْلَهُمْ وَحَمِيرَهُمُ،.
وَالْمَحَلَّةَ كَمَا هِيَ،.
وَهَرَبُوا لِنَجَاةِ أَنْفُسِهِمْ. [7].
جمع جيش الأراميين الكثير، وكانوا في رفاهية ينعمون بخيرات كثيرة، بينما كانت الأمهات تأكلن أطفالهن في السامرة. لكن إذ تدخَّل الله صار كل ما لجيش الأراميين وليمة لمن كانوا محاصرين.
- طرد الخوف من الموت الأراميين، فارتعبوا وقلقوا وتركوا كل مقتنياتهم.
ترك الأشقياء الخيام المنصوبة وكل الغِنَى، لأن الحياة محبوبة في العالم كله أكثر من الغنى…
المُقتنَى محبوب إلى حين ظهور الموت قربه، ما أن يُظهر الموت نفسه حتى تخزى المقتنيات.
تُحب ساعة حياة أكثر من الكنوز، ولا يُبدِّل أحد الحياة بذهب الأرض كلها.
كل ما اقتناه الأراميون تركوه وهربوا، لأنهم ظنوا بأن الموت بلغ إليهم.
نجوا بحياتهم، وتركوا أموالهم، لأنه لا توجد وسيلة ليحل الغِنَى محلّ الحياة.
كل من أخذ معه شيئًا كانت الأصوات المُرعِبة تخيفه، فيلقيه بعيدًا عنه.
أسرع لينقذ نفسه، ولم يأسف على إلقاء الذهب، إن كان يمكنه أن ينجو بنفسه.
أثناء هروبهم ألقوا الأوعية وهم مرتجفون، لأن الأصوات التي كانت تُسمَع لم تسكت.
طردهم رعد أصوات القوات المخيفة السريع، وجعلهم يهربون من المعسكر.
لم تكن لهذه الأصوات أن تصمت نهائيًا، ليأخذوا شيئًا من المعسكر الذي كانوا يحرسونه[334].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
وَجَاءَ هَؤُلاَءِ الْبُرْصُ إِلَى آخِرِ الْمَحَلَّةِ.
وَدَخَلُوا خَيْمَةً وَاحِدَةً،.
فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، وَحَمَلُوا مِنْهَا فِضَّةً وَذَهَباً وَثِيَاباً وَمَضُوا وَطَمَرُوهَا.
ثُمَّ رَجَعُوا وَدَخَلُوا خَيْمَةً أُخْرَى،.
وَحَمَلُوا مِنْهَا وَمَضُوا وَطَمَرُوا. [8].
نسمع أحيانا عن بعض المصابين بمرض الإيدز أنهم يحملون نوعًا من الحسد نحو الآخرين، أذكر ما فعلته إحدى المصابات به أنها كانت تجتذب الكثيرين إلى ارتكاب الخطية معها وكانت تُرسِل لكل واحدٍ منهم كارت تهنئة تقول فيه: “أهنئك بأنك قد صرت عضوًا في نادي الإيدز”. وأذكر شابًا في لوس أنجيلوس روى لي عن مريض بالإيدز أمسك بالحقنة التي بيد الممرضة وضربها بها في غضبٍ شديدٍ لكي تنتقل العدوى إليها. لست أقول هذا عن الجميع، فحتما يوجد من بينهم كثيرون محبون لإخوتهم في البشرية.
ونحن هنا أمام أربعة أشخاص مصابين بأخطر مرض في ذلك الزمان وهو البرَص، حيث يُحرم الإنسان من حق وجوده وسط أسرته أو حتى عزله داخل المدينة، وإنما يلتزم أن يكون خارج المدينة. إن اقترب إليه شخص يصرخ: “نجس! نجس!” لم يحمل هؤلاء الرجال أية مشاعر من البغضة نحو المجتمع، وإنما كانت لهم قلوب متسعة مشتاقة أن تشبع وتستريح وتفرح.
الأعداد 9-11
4. مشاركة إخوتهم معهم
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَناً.
هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ، وَنَحْنُ سَاكِتُونَ!
فَإِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ، يُصَادِفُنَا شَرٌّ.
فَهَلُمَّ الآنَ نَدْخُلْ وَنُخْبِرْ بَيْتَ الْمَلِكِ. [9].
لم يكن ممكنَا لأربعة من عامة البرص معزولين عن المجتمع أن يتمتعوا بغنائم العدو دون أن يخبروا بهذا العمل الإلهي. إنهم يقدمون دعوة لكل مؤمنٍ – سواء كان كاهنًا أو من الشعب – أن يشهد للآخرين عن عمل الله وعطاياه، لكي يختبر الكل ويتذوقوا ما يتمتع هو به.
يليق بنا أن نترنم قائلين: “فاليوم يوم بشارة، ونحن ساكتون!” [9]. يجب علينا ألا ننتظر حتى طلوع الفجر، بل نسرع وسط الظلام، لنكرز بالخبر.
اعتبر الرجال البرص أن صمتهم عن تقديم أخبار مُفرِحة لبيت ملك إسرائيل شر يعاقبهم عليه الرب.
صوت هؤلاء البرص يوبخنا إنْ تراخينا عن نشر كلمة الخلاص، إذ قالوا: “هذا هو يوم بشارة ونحن ساكتون! فإن انتظرنا إلى ضوء الصباح يصادفنا شر. فهلمَّ الآن ندخل ونخبر بيت الملك!”.
اتَّسم هؤلاء الرجال البرص بالحكمة، إذ لم يستسلموا لحالة الإحباط، بل بروح الرجاء انطلقوا إلى معسكر الأعداء بقوة، وعندما وجدوا فيضًا من الخيرات، انطلقوا بروح المحبة إلى المشاركة، ففتحوا الباب لكل الشعب!
عندما قرروا التسلُّل إلى محلة الأراميين بسبب الجوع الشديد، ووجدوا المحلة فارغة من الجند، وقد تركوا الطعام والشراب وكل ما لديهم حتى الحيوانات، أكلوا وشربوا، ثم قالوا: “اليوم هو يوم بشارة ونحن ساكتون، ليس حسنًا أن نبقى هكذا حتى الصباح”. بحبهم لإخوتهم لم يقبلوا ان ينتظروا حتى الصباح، بل التقوا مع بواب المدينة ليخبر الملك عما حدث، فيتمتع الكل بما تمتعوا به.
النفس التي تختبر عذوبة الحياة مع المسيح فتشبع وترتوي بعد الجوع والعطش، لا تستريح حتى تُبَشِّر الكل بالفرح الحقيقي، ليختبروا ويذوقوا عذوبة الحياة الأبدية في الرب.
- وإن كان (منظر) الأربعة البرص مكروهًا، إلا إذا عرفنا أنهم خلال الرمز يُعلنون عن الأخبار المُفرِحة لسكان مدينتهم. إنهم لا يسيئون إلى الرمز، بل بالصدق يشيرون إلى الأربعة إنجيليين القديسين.
بالحقيقة يلزمنا أن نضع في أذهاننا أنه خلال أسفارهم عُرفتْ نعمة مخلصنا ومصدر الحياة يسوع المسيح، ووُهبت الحرية لكل البشر حسب الخطة الإلهية.
هكذا كان هؤلاء الذين كانت أجسادهم برص، مشرقين في الداخل ببهاء برِّهم.
بالإضافة إلى ذلك يمثلون رمزيًا لموقف الرسل في البداية، إذ كان البرَص قد أفسد جلدهم. وإنما هم أيضًا يمثلون في الحقيقة أن داخلهم كان مُزَيَّنًا بالسلوك البار، لأن الإنسان القديم تغيَّر بحلول الروح القدس وتجدَّد. لقد ارتدوا الثوب المُشرِق بألوان السماء، وقد أُرسلوا لكي يُظهِروا أعمال يديّ الله[335].
القدِّيس مار أفرآم السرياني.
فَجَاءُوا وَدَعُوا بَوَّابَ الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوهُ:
إِنَّنَا دَخَلْنَا مَحَلَّةَ الأراميِّينَ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ،.
وَلاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ،.
وَلَكِنْ خَيْلٌ مَرْبُوطَةٌ وَحَمِيرٌ مَرْبُوطَةٌ وَخِيَامٌ كَمَا هِيَ. [10].
غالبًا ما نادى البرص بجوار الباب، فاستيقظ حارس باب المدينة أو تنبَّه إليهم يسألهم ما الخبر.
فَدَعَا الْبَوَّابِينَ،.
فَأَخْبَرُوا بَيْتَ الْمَلِكِ دَاخِلاً. [11].
يُقدِّم لنا القديس مار يعقوب السروجي صورة رائعة للوليمة التي قدَّمها الله لشعبه خلال البُرْص المطرودين خارج الأسوار!
- تدبير بيت الله صنع عجبًا، فأتت البشارة للشعب بواسطة أناس بُرصٍ.
ذهبوا وأتوا بالرجاء الصالح للشعب المُحاصَر، فسُمعتْ الأخبار السارة من كل الأفواه.
فتحت المدينة المحاصرة أبوابها وأنارت ساحاتها، ورقصت حين رأت أمانًا وشبعًا وفرح القلب.
اغتنى الأغنياء، ونهب الفقراء، وشبع الجياع، واستنار وجه الشعب كله الذي كان مظلمًا.
انفرج قلب النساء اللواتي أكلن أحباءهن، ونسين الجوعَ حين خرجن، فوجدن الشَبَعَ العظيم.
تَنَعَّمَ الشعب المُحاصَر بالسلب الذي وجده، وتمتَّع بأطعمة الأراميين.
تَنَعَّم المُعَذَّبون الذين خرجوا من ضيق الجوع العظيم بالخبز والخمر والزيت والعسل.
صار معسكر الأراميين مثل وليمة، وتَنَعَّم عليها صغار النفوس بالشَبَعِ الذي وجدوه.
كل المؤونة التي جمعها الأراميون، أدخلها محتاجو السامرة، وحملوها باجتهادٍ.
أكلوا وشبعوا، وما فضل منهم بدأوا يبيعونه، وأقاموا عيدًا دعا إليه أليشع[336].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
الأعداد 12-15
5. تشكُّك الملك في الأمر
فَقَامَ الْمَلِكُ لَيْلاً وَقَالَ لِعَبِيدِهِ:
لأُخْبِرَنَّكُمْ مَا فَعَلَ لَنَا الأراميُّونَ.
عَلِمُوا أَنَّنَا جِيَاعٌ،.
فَخَرَجُوا مِنَ الْمَحَلَّةِ لِيَخْتَبِئُوا فِي حَقْلٍ قَائِلِينَ:
إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ قَبَضْنَا عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً وَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. [12].
لا يقصد بكلمة “عبيده” هنا الخدم، وإنما القادة العسكريين، والمشيرين له.
الأمر الشائع في الكتاب المقدس أنه إن تحدث عن رجل شرير لا يتجاهل الجوانب الطيبة، وإن تحدث عن إنسانٍ بار لا يتجاهل ضعفاته. فالملك بالرغم من شرِّه لكن قلبه كان مشغولاً بشعبه. فقام ليلاً يشارك شعبه آلامهم ومرارتهم، ويلتزم بمسئولياته من نحوهم.
ربط الملك يربعام ما سمعه بما قاله البُرص، وما حدث في موقعة عاي (يش 8: 3 – 19)، فظن أن عدم وجود الأراميين في المعسكر يوحي بأنهم مختبئون لتدبير مؤامرة ضدهم. تفكيره يبدو أنه كان منطقيًا، ولم يكن بالأمر الغريب، لأنه ليس من سبب يدعو الأراميين إلى فك الحصار فجأة. لكن كان يليق بالملك أن يطابق كلمات هؤلاء البُرص بنبوة أليشع عن الأخبار المُفرِحة. عِوَض ذلك ظن أن الأراميين وضعوا خطة جديدة باختفائهم في موضع حتى متى خرجت المدينة ينقضُّون عليهم.
مثل هذه الحيل كانت كثيرة في الحروب القديمة.
فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ:
فَلْيَأْخُذُوا خَمْسَةً مِنَ الْخَيْلِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِيهَا.
هِيَ نَظِيرُ كُلِّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ بَقُوا بِهَا،.
أَوْ هِيَ نَظِيرُ كُلِّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ فَنُوا.
فَنُرْسِلُ وَنَرَى. [13].
“نظير كل جمهور إسرائيل“: فإن الكثير من الخيل مات من الجوع، والبقية ضعيفة وهزيلة بسبب المجاعة، فلا مانع أن يكونوا فدية للشعب جميعه، إن خرجوا ولم يرجعوا.
إرسال خمسة من الخيول لم يكن بنوعٍ من المخاطرة، فإنها إن بقيت في السامرة ستهلك بسبب المجاعة، وإن انطلقت إلى المعسكر المخيَّم حول السامرة قد تتعرض للموت، وكأن الموت قادم عليهم لا محالة!
حسب النص الذي بين أيدينا (عن العبرية) يشير الحديث هنا إلى نوعٍ من التضحية بخمسة خيول لاكتشاف حقيقة، فإن هلكوا سيكون مصيرهم ليس بأفضل من مصير بقية الخيول الباقية في السامرة. أما في الترجمة السبعينية فالحديث هنا عن هذه الخيول الخمسة بكونها كل ما تبقَّى في السامرة، إذ ماتت بقية الخيول بسبب الجوع أو ذُبحتْ ليأكلها أهل السامرة.
فَأَخَذُوا مَرْكَبَتَيْ خَيْلٍ.
وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ وَرَاءَ جَيْشِ الأراميِّينَ،.
قَائِلاً: اذْهَبُوا وَانْظُرُوا. [14].
لقد تحققتْ الخطة إذ انطلقت مركبتان بكل مركبةٍ فرسان، والفرس الخامس كان يركبه فارس يتقدم المركبتين ليكتشف الطريق، أو خلفها يمكنه أن يرجع بسرعة ليُقدِّم تقريرًا بما حدث للمركبتين.
فَانْطَلَقُوا وَرَاءَهُمْ إِلَى الأُرْدُنِّ،.
وَإِذَا كُلُّ الطَّرِيقِ مَلآنٌ ثِيَاباً وَآنِيَةً قَدْ طَرَحَهَا الأراميُّونَ مِنْ عَجَلَتِهِمْ.
فَرَجَعَ الرُّسُلُ وَأَخْبَرُوا الْمَلِكَ. [15].
هرب الأراميون إلى بلادهم في الشرق، وهم مُتوَهِّمون أن المصريين والحثيين قد اقتربوا بجيوشهم للهجوم عليهم.
ربما هرب الأراميون خلال الطريق الكبير الذي بين السامرة ودمشق خلال جبع وعين جانيم En – gannim وبيت شأن Bet – shean وأفيق. إنه يعبر الأردن عند ميجاميا Mejamia حوالي 35 ميلاً شمال شرقي السامرة[337].
أما الثياب والأواني المُلقاة على الأرض، فتشير إلى أن حتى الذين حملوا القليل الضروري من الثياب والأواني بعد أن ساروا قليلاً ألقوه بسبب الرُعْب الذي حلَّ بهم، والرغبة في الإسراع. وكأن الرُعْب كان يتزايد بالنسبة للأراميين حتى بعد تَرْكهم المعسكر، حتى لا يُفكِّروا في العودة إليه.
العدد 16
6. فتح كوى السماء
فَخَرَجَ الشَّعْبُ، وَنَهَبُوا مَحَلَّةَ الأراميِّينَ.
فَكَانَتْ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ، وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ. [16].
تَبْقَى كلمة الرب أمينة وصادقة، أما مملكة هذا العالم الساقط فتزول (مت 24: 35؛ 1 كو 1: 9؛ 1 تس 5: 24؛ 1 بط 1: 25).
الأعداد 17-20
7. موت الجندي المُتَشَكِّك
وَأَقَامَ الْمَلِكُ عَلَى الْبَابِ الْجُنْدِيَّ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَى يَدِهِ،.
فَدَاسَهُ الشَّعْبُ فِي الْبَابِ.
فَمَاتَ كَمَا قَالَ رَجُلُ الله الَّذِي تَكَلَّمَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَلِكِ إِلَيْهِ. [17].
فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ رَجُلُ الله لِلْمَلِكِ:
كَيْلَتَا شَعِيرٍ بِشَاقِلٍ، وَكَيْلَةُ دَقِيقٍ بِشَاقِلٍ، تَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَداً فِي بَابِ السَّامِرَةِ [18].
تكرار الحديث عن موت الجندي بيان تحقيق نبوة أليشع. لم يمت لأن الشعب داسه عمدًا، وإنما بسبب الازدحام وهم يطلبون الحصول على الطعام.
أَجَابَ الْجُنْدِيُّ رَجُلَ الله:
هُوَذَا الرَّبُّ يَصْنَعُ كُوًى فِي السَّمَاءِ!
هَلْ يَكُونُ مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ؟
قَالَ: إِنَّكَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ،.
وَلَكِنَّكَ لاَ تَأْكُلُ مِنْهُ. [19].
حُرِمَ الجبار من التَمَتُّع بالخيرات بسبب شكِّه في كلمة الرب على لسان أليشع النبي، بينما تَمَتَّع عامة الشعب بالخيرات! عديم الإيمان وحده حَرَمَ نفسه من العطايا الإلهية التي فاضت، كما من كوى السماء على كل المدينة!
- انفتح السوق، وحُدِّدَتْ الأسعار التي ثبتها النبي في اليوم السابق لجميع المشترين بلا خصام.
كان يباع مدُّ القمح النقي بدرهم، كما حدَّد النبي سعر بيعه.
تحققت كلمة ذلك الجبار المملوء انتصارات، وصار الأمان والشَبَع العظيم كما وعد.
أشبع الجياع، وهزم الذين في الخارج بالخوف، لأن جبروته كان يشرق إلهيًا.
استنارت كلمته، واستعادت النبوَّة الاحترام، لأن الرب تمم كل ما قاله بغِنَى.
الجبار الذي تشكَّك في القديس ولم يُصَدِّق أن يكون شبع كما وعد،.
رأى بعينيه كما قال له النبي العظيم، ولم يذق من الشبع الذي رآه كما قال له.
ضايقته الجموع وداسته، وسقط وصار عارًا، رأى ولم يأكل كما أمر هذا القديس.
كم من ضعيف، وكم من شيخ ومن عجوز خرجوا إلى هناك، ليأتوا بالسلب من المُعَسْكَر.
لم يمت أحد بذلك القصاص الذي أعطاه النبي، إلا ذاك الجبار وحده الذي تشكَّك.
ظفر النبي العجيب بكل الانتصارات، مبارك ذاك الذي أعطاه كنوز النبوة وغناها[338].
القدِّيس مار يعقوب السروجي.
فَكَانَ لَهُ كَذَلِكَ.
دَاسَهُ الشَّعْبُ فِي الْبَابِ فَمَاتَ. [20].
لقد تحققت نبوة أليشع حرفيًا، بطريقةٍ لم يتوقعها أحد.
من وحي 2 مل 7.
لتفتح كُوى السماء!
- من يستطيع أن يسدَّ كل احتياجاتنا سواك!
إن أَغلقتْ الأرض مصادرها،.
وحاصرتنا الضيقة من كل جانبٍ،.
تفتح كُوى السماء، فتفيض علينا ببركاتك.
تعطينا أكثر مما نسأل، وفوق ما نطلب!
تعطينا ما يبدو لنا مستحيلاً، وتهبنا فوق ما نتخيَّل.
- لم يُصدِّق قائد الملك وعودك السخية.
تحدَّى نبيَّك، وحسب كلماته لغوًا لا قيمة لها.
تحققت وعودك التي رآها القائد ولم يتمتع بها.
انفتحت كُوى السماء، لكن لم ينتفع بها صاحب الكُوى المُغلَقة!
بقلبه الجاحد حرم جسده من البركات،.
وفقدت نفسه سلام الله وفرح الروح.
- أُغلقتْ أبواب المدينة أمام البرص المرذولين.
رذل الجميع هؤلاء المطرودين،.
ولم يكن لديهم حتى ما يُقَدِّمونه لهم ولو قليل القليل!
- انفتحت كُوى السماء للجميع،.
تمتَّع هؤلاء المرذولون بالفيض النازل قَبْل إخوتهم!
أكلوا وشبعوا واقتنوا ذهبًا وثيابًا.
انفتحت كُوى السماء أمامَهم،.
ففتحوا كُوى سماء قلوبهم أمام إخوتهم.
قدَّموا للملك والعظماء كما للفقراء والمساكين.
قدَّموا لهم بشارة مُفرِحة، وبركات زمنية!
صاروا رمزًا للإنجيليين الأربعة،.
الذين قدَّموا للأمم والشعوب المسيح السماوي نفسه طعامًا وشرابًا!
- لتفتح يا رب كُوى سماواتي الداخلية بالحب.
فلا أستريح حتى ينعم الكل بك.
يتمتعون بخبز الحياة ومياه الروح.
يشبعون ويرتوون ويصيرون جنة الله!
تُقِيم ملكوتك فيهم، فيمتلئون فرحًا!
لك المجد يا مُفرِّح قلوب الجميع!
[323] Sermon on N. T. Lessons, 67: 18.
[324] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 149 – 150.
[325] On the Second Book of Kings, 7: 1.
[326] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 150 – 151.
[327] Comm. on John, 1: 10.
[328] Sota R. Sol. Jarchi.
[329] Adam Clarke Commentary.
[330] On Ps. 118.
[331] Homilies on Genesis, 30: 16.
[332] Against the Manicheans 2: 28: 42.
[333] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 151 – 153.
[334] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 153 – 154.
[335] On The Second Book of Kings, 7: 3.
[336] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 155 – 156.
[337] Barnes’ Notes.
[338] الميمر 121 السادس لأليشع: على حصار السامرة (نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني)؛ راجع الخوري بولس الفغالي: عظات حول أليشع النبي، ص 156 – 157.