المزمور المئة والسابع والثلاثون
حنين المسبيين لأورشليم.
“على أنهار بابل هناك جلسنا…” (ع1).
مقدمة:
1. كاتبه: هناك أكثر من رأي:
أ – هو من المزامير اليتيمة الغير معروف كاتبها؛ لأنه لم يذكر في عنوان المزمور اسم الكاتب.
ب – هو داود كما يوجد في عنوان المزمور في الترجمة السبعينية، كتبه بروح النبوة عن السبي البابلي ونهايته.
ج – كُتب في عنوان الترجمة السبعينية “داود لأجل إرميا” أي أن داود كتبه ليردده إرميا عند خراب بابل. ويرى البعض أن كاتبه هو إرميا نفسه، الذي عاصر السبي البابلي ونهايته.
د – هو أحد اللاويين المسبيين الذين رجعوا إلى أورشليم في الرجوع الأول مع زربابل.
2. متى كتب؟ يوجد أيضًا أكثر من رأى:
أ – أيام داود إن كان الكاتب داود، وكتب بروح النبوة عن أحداث السبي وخراب بابل.
ب – كتب أثناء السبي البابلي، والجزء الأخير من.
كتب بروح النبوة عما سيحدث لبابل من خراب.
ج – كُتب بعد الرجوع من السبي بقليل.
3. يناسب هذا المزمور كل من يشعر بغربته في العالم، واشتياقه لأورشليم السمائية. ويناسب أيضًا كل تائب يرفض عبودية الخطية، ويشتاق للحياة مع المسيح.
4. يمكن اعتبار هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأنه يتنبأ عن المسيح في الآية الأخيرة.
5. يوجد هذا المزمور بالأجبية في صلاة النوم؛ ليرفع أشواقنا إلى ملكوت السموات.
العدد 1
ع1:
عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ.
هذه هي مشاعر المسبيين في بابل، الذين جلسوا على شواطئ نهرى دجلة والفرات، وكل القنوات المتفرعة منها. وتذكروا أورشليم وهيكل الله، فبكوا لفقدانهم العبادة في الهيكل. فإن كان منظرهم مستريح على شواطئ الأنهار، ولكن حزنهم القلبى كان كبيرًا؛ لفقدانهم أهم شيء، وهو الوجود مع الله وعبادته، خاصة وأن بابل ترمز للشر طوال تاريخ الكتاب المقدس؛ لامتلائها بالشهوات الكثيرة، وذلك من أيام برج بابل (تك11: 9) حتى نهاية الكتاب المقدس في سفر الرؤيا (رؤ17: 1 – 6).
الجلوس على الأنهار، أي شواطئها يرمز للمرتبطين بالعالم، ولكنهم أفضل من الذين نزلوا إلى الأنهار ليسبحوا فيها، والذين يرمزون للمنغمسين في الشهوات.
لعل الجالسين على الأنهار يتذكرون الهيكل تذكروا أيضًا إخوتهم المسبيين، الذين نسوا أورشليم، وانشغلوا بالتجارة، وبناء البيوت، وتركوا الله، بل دخلوا إلى عبادة الأوثان، فبكوا عليهم، طالبين من الله أن يوقظهم ليعودوا إليه.
العدد 2
ع2:
عَلَى الصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا.
الصفصاف: أشجار منتشرة في الشام تنمو على مجارى المياه، وهي من أشجار الظل، أي التي لها أوراق، وكثيرة الفروع، وليس لها ثمار، وأوراقها هرمية الشكل وحوافها مسننة كالمنشار.
جلس المسبيون في ظلال أشجار الصفصاف على أنهار بابل، وعلقوا أعوادهم على هذه الأشجار. فهم وإن كانوا قد خرجوا بها من اليهودية لتعلقهم بالترنيم لله، ولكنهم لم يستطيعوا أن يسبحوا في أرض غريبة، وعبوديتهم لبابل نبهتهم لعبوديتهم، فعلقوا الأعواد لعدم ميلهم للتسبيح بعيدًا عن الهيكل المحرومين منه، ولم يكسروا الأعواد لرجائهم في العودة لأورشليم، أي صهيون.
الصفصاف شجر بلا ثمر، فيرمز للإنسان الذي بلا ثمار روحية، فيعجز عن تسبيح الله، والذي في عبودية الخطية لا ينطلق لسانه بالتسبيح.
العدد 3
ع3:
لأَنَّهُ هُنَاكَ سَأَلَنَا الَّذِينَ سَبَوْنَا كَلاَمَ تَرْنِيمَةٍ، وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا فَرَحًا قَائِلِينَ: “رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرْنِيمَاتِ صِهْيَوْنَ“.
كان المسبيون في حزن وبكاء لابتعادهم عن أورشليم، وطلب منهم البابليون أن يرنموا ترانيم صهيون المشهورة بألحانها الجميلة، فتعجب المسبيون جدًا، وشعروا أنهم لا يستطيعون الترنيم في أرض غريبة؛ لأن عبادة الله بالترنيم تقدم في هيكل أورشليم فقط. بالإضافة إلى أن نفوسهم في حزن، وبعيدة تمامًا عن التلذذ بالألحان الجميلة، وكل شعورهم هو الاشتياق للعودة إلى أورشليم.
إن التائب الحزين على خطاياه، يصعب عليه أن يتلذذ بأفراح العالم وشهواته، إذ يناسبه البكاء على خطاياه، ورفض الشر.
إن البابليين الذين استعبدوا بنى إسرائيل وعذبوهم، أذلوهم عندما طلبوا منهم، وهم في حزن وبكاء أن يرنموا ترانيم الفرح، ولكن هذا الإذلال زاد أشواق المسبيين إلى أورشليم ليقدموا العبادة هناك، كما يظهر.
† اهتم بمحاسبة نفسك كل يوم للتوبة عن خطاياك واكتشاف مصادر الشر التي أسقطتك وابتعد عنها. وعندما تقدم توبة أمام الله وتعترف بخطاياك أمام الكاهن تنال سلامًا، وميلًا للبدء الجديد مع الله.
العدد 4
ع4:
كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟
لم يستطع المسبيون أن يرنموا لله في أرض غريبة؛ لأن ترانيم العبادة تقدم فقط في هيكل أورشليم.
الترنيم في بابل يشير إلى تقديم المقدسات والكلام عنها في مجلس المستهزئين، أو أمام من لا يقدرون قيمتها، فلا ينبغى علينا أن نلقى المقدسات والدرر أمام أي إنسان غريب، إذ لا يفهمها، ويمكن أن يحتقرها لعدم فهمه.
أورشليم ترمز للحياة الروحية العميقة، والأرض الغريبة ترمز للابتعاد عن الله. والبعيد عن الله لا يستطيع أن يسبحه؛ حتى لو كانت معه أدوات التسبيح مثل الأعواد، أي إن كان صوته جميلًا، وقدرته على أداء الترانيم متميزة، لكنه لا يشعر بمشاعر التسبيح لله، فتكون تسابيحه أداء خارجي سطحى، ولا يصل إلى الله.
الأعداد 5-6
ع5 – 6:
:
إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ، تَنْسَى يَمِينِي! لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ، إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي!
يقول المسبى أنه إذا نسى أورشليم تنسى يمينه، ِأى تعجز يده عن العزف على الآلة الموسيقية، وأيضًا إذا لم يردد لسانه ما يعبر عن محبته لأورشليم، فإن لسانه يعجز عن الكلام العادي مع الناس، ولا يستطيع بالتالى أن يغنى ليتلذذ بالألحان كتلذذ عالمى. وهذا يبين مدى تعلق قلبه بأورشليم، وعبادة الله في هيكله، فلا يستطيع أن ينشغل بشهوات العالم ومباهجه.
إن كان المسبى كإنسان له ما يفرحه من ماديات العالم، أي الطعام والملبس، والمقتنيات، ولكن فرحه بالله، وعبادته تعلو علوًا كبيرًا جدًا عن أفراح العالم، ففرحه بالله أعظم من كل شيء، وقلبه كله منشغل بالله.
† تذكر مع كل صباح كلمات المسيح تحب الرب إلهك من كل قلبك؛ حتى تعطى لنفسك فرصة كبيرة للصلاة والوجود مع الله، وتتذكره أيضًا أثناء أعمالك وانشغالاتك الكثيرة.
العدد 7
ع7:
اُذْكُرْ يَا رَبُّ لِبَنِي أَدُومَ يَوْمَ أُورُشَلِيمَ، الْقَائِلِينَ: “هُدُّوا، هُدُّوا حَتَّى إِلَى أَسَاسِهَا”.
شعر المسبى في ضعفه وذله أن ليس له رجاء إلا الله، فرفع إليه عينيه طالبًا أن يتصرف مع من يعذبونه. ولم يذكر بابل فقط، بل طلب بالأكثر من أجل أدوم، وهم جيران اليهود الذين يسكنون جنوب بلادهم، وهم نسل عيسو، أي أقرباء اليهود. هؤلاء كانوا في عداوة شديدة مع بنى إسرائيل، وشمتوا بهم عند هجوم بابل عليهم، وأثناء هدمهم لأورشليم، وأسوارها كانوا يشجعون البابلين على هدم الأسوار؛ حتى قلع الأساس لكي تخرب أورشليم تمامًا؛ هيكلها وقصورها، وأسوارها.
أدوم ترمز للشياطين التي تفرح وتحارب الأبرار، وتريد إهلاكهم تمامًا، ونزع أساسهم وهو المسيح من قلوبهم. وأدوم معناه أحمر؛ لذا يرمز للشيطان سافك الدماء.
العدد 8
ع8:
يَا بِنْتَ بَابِلَ الْمُخْرَبَةَ، طُوبَى لِمَنْ يُجَازِيكِ جَزَاءَكِ الَّذِي جَازَيْتِنَا!
ينادى هنا على أدوم التي ساعدت بابل في القبض على اليهود وبيعهم عبيدًا أثناء الهجوم البابلي على أورشليم. ويلقبها ببنت بابل، فهي ابنتها في الشر ويطلب من الله أن يعلن عدله، فتنال أدوم مجازاتها؛ حتى يثبت الأبرار في إيمانهم، ويتوب الأشرار، ولا ينبهروا بقوة الشر، فهي ليست شماتة من اليهود، بل تمسك بالعدل الإلهي.
ينادى الإنسان الروحي على نفسه الشقية بنت بابل في الشر، والتي أسقطته في الخطية، وأبعدته عن الله، ويجازيها بالصوم والجهاد الروحي. وكما أبعدته عن الله، يجازيها نفس المجازاة، أي يعيدها بقوة إلى الله في توبة؛ لتحيا معه من جديد.
العدد 9
ع9:
طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ!
يستكمل كاتب المزمور كلامه عن أدوم، ويطوب من استخدمهم الله لمعاقبة أدوم، وهم أبيشاى قائد الجيش أيام داود الذي ألقى الأدوميين من على صخرة عالية في وادي الملح، فهلكوا (1 أى18: 12). وأيضًا أمصيا الملك قتل 10.000 من الأدوميين وأخذ 10,000 آخرين منهم وألقاهم من على رأس سالع، فسقطوا وتكسروا (2 أى25: 11، 12).
يرمز أطفال الأدوميين إلى خطايا أولاد الله الذين يتوبون، فيضربوا شهواتهم وشرورهم على الصخرة التي هي المسيح، لتتكسر وتزول عنهم، فيحيوا في نقاوة بقوة المسيح المخلص.
† لا تصاحب الأشرار، أو تسير في طريقهم، لئلا تتدنس وتسقط في خطاياهم، بل اقطع علاقتك بهم بقوة مهما كان الثمن، وأسرع إلى التوبة، فإن مسيحك ينتظرك لينقيك، فتحيا في طهارة وسلام معه.