بعد يوم طويل قامت فيه راعوث بالعمل منذ الصباح حتى المساء دون أن تستريح جسديًا جمعت الكثير من الشمائل الساقطة، خبطتها بعصا لتفرز الحبوب من التبن، فتدخل إِلى المدينة وتقدم لحماتها نحو إِيفة شعير تكفيها حوالي خمسة أيام. لكنه يوم مفرح وبهيج فيه التقت ببوعز وتمتعت بحديثه الطيب وبأعماله الرقيقة.
إِنها صورة حيَّة للنفس المجاهدة كل أيام غربتها فإنها لا تعرف لراحة الجسد طعمًا، لكن ما يفرحها هو لقاؤها وسط العمل بعريسها وتعرفها عليه واستماعها لكلماته وقبولها وعوده الإلهية. هنا ويليق بها في نهاية كل يوم أن تضرب ما قد جمعته خلال جهادها بعصا الصليب فتفرز الحبوب الصالحة من التبن المستحق للنار، وتنطلق بحصادها الروحي إِلى قلبها الداخلي كما إِلى المدينة وتقدمها لنعمى أي للوصية أو الشريعة الإلهية لتختلي بها تراجع حسابات اليوم معها، وتمجد الله العامل فيها.
لعل الذي فرح قلب نعمي ليس “إِيفة الشعير” التي جاءت بها راعوث في نهاية اليوم بعد شبعها، وإِنما بالأكثر رأت على ملامحها علامات فرح وبهجة قلب، فأدركت أنها نالت بركة، لذا قالت لها: “أين التقطتِ اليوم؟ وأين اشتغلتِ؟ ليكن الناظر إِليك مباركًا” [19]. لم تجد نعمي في راعوث علامات إِرهاق شديد أو تذمر وضيق بل وجدت فيها روح الفرح فقالت: “مبارك هو من الرب لأنه لم يترك المعروف مع الأحياء والموتى… الرجل ذو قرابة لنا، هو ثاني ولينا” [20].