بيلاطس البنطى
بيلاطس البنطى
هو الوالى الذى حوكم أمامه السيد المسيح, والاسم بيلاطس معناه: “المتسلح برمُح”.
وُلد بيلاطس وهو الوالى الخامس على اليهودية سنة 10 ق.م. فى روما, والبعض يقول في سيفيل (أشبيلية) وقد عمل ضمن الحرس الإمبراطوري, خدم فى ألمانيا, وقضى فترة فى روما بعد إنتهاء مدته, وكان عليه إما أن يترك السياسة فيتحول إلى الأعمال الحرة أو يواصل فى الخدمة العسكرية ليترقى حيث يصبح وزيراً أو مسئول مقاطعة.

شخصيته:
فقد ورد عنه أنه جاد الملامح مربّع الوجه, شعره مُجعّد رمادى داكن. وحين توجه إلى اليهودية كان فى سن الخامسة والثلاثين, وكانت هيئته رومانية مثالية, وكان سجله العسكرى مشرفاً, عمل فى إدارة عسكرية مع الفيلق الثانى عشر وقام بإخماد ثورة كبيرة- من خلال الخطابة والقوة معاً, امتدحه سيجانوس المسئول الرومانى الكبير آنئذ وأسهم ذلك فى شهرته.
تعيينه والياً على اليهودية:
كان فاليروس جانوس, الذى تولى حكم اليهودية لمدة إحدى عشرة سنة قد ملّ من اليهودية, ووافق الإمبراطور طيباريوس قيصر على استبداله, وأقترح سيجانوس اسم بيلاطس, فوافق, ووصل راتبه السنوى مائة الف سسترس (عشرين الف دولار) مع الوعد بالزيادة متى نجح فى مهمته, وكان بيلاطس يعرف جيداً أنه لا راحة بين روما واليهود, فمنذ أن غزاها بومباى قبل تسعين عاماً قام اليهود خلالها باثنتين وعشرين ثورة قُتل فيها الكثيرين. وقد صادق طيباريوس قيصر على تعيين بيلاطس فى منتصف عام 26م (فى السنة الثانية عشر من ملكه).
تزوج بيلاطس من “كلوديا بروكولا”, ورغم وصف بعض المؤرخين له وصفاً سلبياً، فإن الكتابات المتاحة تتعاطف معه وترى فى استمراره أحد عشر عاماً دليل نجاح, وقد أدار الكثير من الأزمات بحكمة, والعجيب أن السامريين هم الذين تسببوا فى إقصائه عن الحكم وليس اليهود!
مشروع المياه:
وهو المشروع الذى أراد أن يموله من خزينة الهيكل, ولكن اليهود ثاروا ثورتهم الثالثة والعشرين ضد روما واستطاع بيلاطس بحيلة أن يستولى على الأموال الآتية من بابل كتقدمات للهيكل, وهنا ثار الحجاج الجليليون عندما جاءوا فى الفصح وعلموا بما حدث, فأعمل الجنود الرومانيون السيوف فيهم, وهذا هو المقصود بأن بيلاطس خلط دماء الجليليين بذبئحهم (لو 1:13).
بيلاطس والمسيح:
اعتبر بيلاطس المسيح فيلسوفاً يحث على الفضيلة ولم يُبلغ عن أى شغب بخصوصه, والرومان بشكل عام لم يضطهدوا المسيحيين (على الأقل فى البداية) إلا بسبب شكاية اليهود ضدهم.
كان بيلاطس قد كلُف السنهدريم بجمع أخبار يسوع, وتقول بعض مصادر من التقليد أن قيافا مضى ليلاً إلى بيلاطس البنطى فى مسكنه، وأطلعه على القضية واستطاع إقناعه بأنه من الأفضل التخلص من ذاك المشاغب (حسب تصوره) قبل احتفالات الفصح، بعد أن قرروا القبض عليه فى العيد ولكنهم تراجعوا لئلا تندلع المظاهرات المؤيدة له فتأتى الخطة بنتيجة عكسية، وحاول قيافا إقناع بيلاطس بأنهم قد وفروا عليه عناء المحاكمة وأخذ الأقوال بحجة الحرص على وقته، واتفق معه على أن يقوم فى الغد بالتصديق على الحكم بموته ولكن بيلاطس فى الصباح فاجأهم بأنه سيعيد النظر فى القضية برمتها وعندما جلس بيلاطس ليحاكم يسوع فوجئ بشاب نبيل, وسيم, مهيب الطلعة, فخاف منه! فسأله: “أنت ملك اليهود؟” وأجابه السيد: “أَمِنْ ذاتك تقول هذا” (يو34,33:18) لم يجد بيلاطس فى السيد المسيح ما يستحق عليه الموت, بل مجرد خلاف حول تفسير الناموس، فأيقن إنه برئ وإنه أسلم إليه حسداً، فأتجه إلى اليهود يسألهم: “أيَة شكاية تقدمون على هذا الإنسان؟” مما ضايق قيافا جداً وجعله يهدد بيلاطس ويهيج الشعب ضده بأنه فى حالة أطلاق سراح يسوع سيكون مقاوماً للقيصر, والعجيب هنا أن قيافا عندما فشل فى الدين لجأ إلى السياسة, أى أنه عندما لم يستطع أن ينتزع من بيلاطس الحكم بصلب المسيح بسبب المبررات الدينية التى ساقها إليه بدأ فى الضغط السياسي (يو 19 : 4-14).
ولكن خطية بيلاطس أنه لم يقُم العدل (يقول القانون فى روما أقِم العدل ولو انطبقت السماء على الأرض) وفى النهاية صرخ بيلاطس : “إنى برىء من دم هذا البار!” (مت 24:27) , ومن ثم قام بغسل يده. عند ذلك أطلق اليهود السهم الأخير فى جعبتهم وهددوه قائلين: “إن أطلقت هذا فلست مُحباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يُقاوم قيصر!”(يو12:19). وكانت عقوبة تلك الخيانة تسمى crimen caesaris وهى الإعدام , وعلى العكس منها “محب لقيصر” amicus caesaris وتعنى قدّم أعمالاً جليلة لقيصر والدولة, هى المكافأة الكبيرة, هنا فقد غيّر بيلاطس موقفه وتغير بالتالى سير القضية.
محاولات إطلاق سراح السيد المسيح:
1- تحويل القضية إلى هيرودس عندما سمع أنه جليلي, ولكن هذا رفض بدوره لئلا يكرر مأساته مع المعمدان.
2- قدم حلاً وسطاً بجلده واطلاق سراحه, ولكنهم رفضوا (لو16:23, يو1:19)
3- اعلانه أن المتهم برىء (لست أجد فيه علة).
4- احكموا عليه بحسب ناموسكم (ليبرر نفسه) ولكنهم رفضوا أيضاً متعللين أنه ليس من حقهم قتل أحد.
5- غسل يديه, وهو العلامة المعروفة للتبرء من أمر ما.
6- كما عرض عليهم صفقة استبدال باراباس بيسوع, ولكنهم أصرّوا على العكس.
7- استعطاف بيلاطس للمسيح (لى سلطان أن أطلقك) ولكنهم هددوه بأنه ليس مُحب لقيصر.
بعد الصلب:
يقول التقليد أن بيلاطس رأى فى يديه دماً, فلما غسلهما صار الدم يصرخ: “أنا برىء من دم هذا البار”. وعندما كتب اللافتة “يسوع الناصرى ملك اليهود” كان يعبر عن سخريته وضيقه من اليهود, فها هوذا ملككم معلق على الصليب, وأن سلطان روما على اليهود, فهى قتلت حتى الذى قيل إنه ملك اليهود, وإن الذى حُسِب ملكاً عليهم صُلِب! فلما احتجوا عليها رد عليهم كطفل عنيد غاضب “ما كتبت قد كتبت” (يو22,19:19).
آخر أخبار بيلاطس:
لم يتابع بيلاطس قضية يسوع و أتباعه فيما بعد, بل نسيها كليةً ولكن محور تقريره المرفوع إلى القيصر فى تلك السنة كان قضية يسوع الناصرى, أما نهايته فقد كانت عندما تسلّم خطاب مارشيللوس” والى سورية و المسئول عنه, فسلّم الحكم و أتجه إلى روما (وما لم يستطع اليهود فعله قام به السامريون) حيث توجّب عليه الدفاع عن نفسه فى قضية “مذبحة بلا مبرر” وان كان استمراره فى الحكم إحدى عشرة سنة يمثل نجاحاً بذاته!.
هل تبحث عن  كتاب قصص قصيرة (مع مجموعة من القصص الطويلة) - القمص تادرس يعقوب ملطي

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي